الليلة الثانية

في الصباح اجتمع المغامرون الخمسة، وكانت «نازك» قد صحبت والدها «الفار» إلى المؤتمر، وهكذا استطاع الأصدقاء أن يتحدَّثوا دون أن يخشَوا تدخُّلها، وروى لهم «تختخ» ما حدث ليلة أمس، فقال «مُحب»: لا بد أن «الخنفس» مختبئٌ في قاع العربة، وأقترح أن نُبلِّغ المفتش «سامي» ليقوم بتفتيشها، ومن المؤكَّد أنه سيعثر على «الخنفس» فيها.

تختخ: ولكن إذا حدث ولم يجده فماذا سيحدث؟ سيعرف أن رجال الشرطة يبحثون عنه في المعادي، وفي مدينة الملاهي بالتحديد، وهكذا سيهرب بعيدًا، ولن يعثروا له على أثرٍ بعد ذلك.

لوزة: وما هي خطتك القادمة؟

تختخ: سأدخل بنفسي هذه المرة إلى العربة، وسأبحث عن الباب الموصل بين أعلى العربة وأسفلها، لعلني أجد هناك دليلًا على وجود «الخنفس».

عاطف: ولكن هذه مغامرةٌ محفوفة بالمخاطر؛ فقد تلتقي «بالخنفس» وجهًا لوجه، وهو مجرمٌ خطر، ولن يتركك.

تختخ: ليس هناك طريقٌ آخر، وليكن ما يكون.

قرَّر الأصدقاء زيارة المؤتمر والحديث إلى العجوز، وبعد نصف ساعة تقريبًا كانوا هناك، فشاهدوا العجوز في مكانها تُشرف على أقفاص الفئران البيضاء. وأخذت «لوزة» تتأمَّلها في دهشة؛ فكيف استطاعت هذه العجوز ذات الوجه المغضن، والشعر الأبيض، أن تضرب «تختخ» هذه الضربة القوية؟ شيءٌ عجيب! أمَّا «تختخ» فقد اقترب من العجوز، وقد قرَّر مفاجأتها بالسؤال عن «الخنفس». وهكذا أحاط بها الأصدقاء، وأخذ «تختخ» يسألها أسئلةً عاديةً عن الفئران و«السيرك»، وحياتها، ثم فجأةً سألها: أين الخنفس؟

كانت عيناه مثبتتَين على وجهها ليرى أثر المفاجأة، ولكن وجه العجوز ظل ثابتًا كأن لا أثر للحياة فيه؛ فقد ظهر في عينَيها ومضة سريعة، ثم أجابت في هدوء: «خنفس»! … أي «خنفس»؟! إننا لا نُربي الخنافس، فقط نربي الفئران والكلاب لألعاب «السيرك»، ولكن الخنافس! إنها حشراتٌ قذرة.

عاد «تختخ» يقول: إنني لا أقصد الخنفس، ولكن أقصد رجلًا اسمه «الخنفس».

العجوز: لا أعرف أحدًا بهذا الاسم، واتركني الآن أقوم بعملي، واذهب بأسئلتك هذه إلى الجحيم.

لم يجِد «تختخ» ما يقوله، وضايقه أسلوب العجوز في الحديث، فأشار إلى الأصدقاء فتبعوه إلى الخارج.

قضى الأصدقاء بقية النهار يتحدَّثون، وفي المساء تفرَّقوا، وعندما عاد الدكتور «الفار» و«نازك» من المؤتمر، عادت «نازك» إلى الحديث عن المتشرِّد، وكيف أن الشاويش «علي» و«تختخ» فشلا في العثور عليه في ضاحيةٍ صغيرة كالمعادي.

لم يلتفت «تختخ» إلى حديث «نازك»؛ فقد كان يُفكِّر في مغامرته القادمة ليلًا، وبعد قليل استأذن وصعد إلى غرفته.

عندما اطمأن «تختخ» إلى أن الجميع في «الصالون»، لبس ثياب التنكُّر، وتسلَّل خارجًا من البيت، دون أن يُدرك أن «نازك» كانت تُراقبه، فلم يكد يخرج حتى تبعته ومعها الكلب «زنجر»، وقد عرفته برغم تنكُّره.

سار «تختخ» مسرعًا في شوارع المعادي الهادئة، وبعد فترةٍ من الوقت أقبل على مدينة الملاهي فدخل، ودخلت «نازك» خلفه، ولكن على مسافةٍ كافية حتى لا يراها.

اتجه «تختخ» إلى حيث يقف «حكشة»، وكان هناك ولدٌ آخر يحمل الطبلة ويُساعده في اجتذاب الزبائن. فقطع «تختخ» تذكرةً ودخل إلى خيمة «السيرك»، أمَّا «نازك» فوقفت بعيدًا ترقب ما يحدث.

لم يغِب «تختخ» طويلًا؛ فقد خرج واتجه إلى حيث تقف العربات التي ينام فيها العاملون في «السيرك». كان يُريد أن ينتهز فرصة انشغالهم في العمل ويُفتِّش العربة، ومن بعيد شاهد العجوز تجلس أمام أقفاص الفئران و«لعبة» وهي تُساعدها، فأدرك أن الوقت مناسب للتفتيش.

كانت العربات خاليةً فعلًا، وهكذا صعد «تختخ» السلم الخلفي للعربة، ثم دفع بابها فانفتح، ودخل فرأى على جدران العربة صوَرًا ﻟ «حسبو» و«لعبة»، وللبهلوان، وعلى الجانبَين بعض الكراسي، وعلى الأرض سجادة قديمة بالية. لم يتردَّد «تختخ» في رفعها، وصحَّ ما توقَّعه؛ فقد كان تحتها بابٌ يفتح على الجزء الأسفل من العربة.

رفع «تختخ» الباب، فكان له صوت مزعج خشي أن يسمعه أحد، فأخذ يرفعه في بطء، حتى أصبح هناك جزء كافٍ لنزوله، فانزلق إلى أسفل، وعلى ضوء بطاريته شاهد ما لم يكن يتوقَّعه! كان الجزء الأسفل من العربة كأنه غرفة في قصرٍ فاخر؛ مفروشاته جميلة، وقد امتلأ بأشياءَ ثمينة، لم يشكَّ «تختخ» أنها من المسروقات المختلفة التي جمعها «الخنفس» من عمليات سطوه الكثيرة؛ مجوهرات، تماثيل صغيرة أثرية، أجهزة تليفزيون، ملابس، وغير ذلك.

كان «تختخ» مستغرقًا تمامًا فيما حوله، فلم يستمع إلى صوت أقدام تصعد السلم الخلفي، ثم تدخل العربة، وكان القادم هو «حسبو»، الذي لم يكد يرى الباب السفلي مفتوحًا حتى صاح: من هناك؟! أدرك «تختخ» أنه وقع في فخٍّ لا فكاك منه، فانزوى في ركنٍ من الغرفة الضيقة حتى لا يراه من ينظر من فوق. وفعلًا أطلَّ رأس «حسبو» من الباب، وأخذ ينظر في الظلام دون أن يرى أحدًا وهو يهمس: من هنا؟ هل أنت يا …!

وانتظر «تختخ» أن يقول «حسبو» الاسم الذي يتوقَّعه، ولكن بدلًا من ذلك نزل «حسبو» مدليًا جسمه إلى أسفل، ولم يكن أمام «تختخ» إلَّا شيء واحد؛ أن يُهاجمه فورًا. وهكذا قفز من مكانه كالنمر، وضرب «حسبو» برأسه في بطنه، فسقط يتلوَّى على الأرض، وفي اللحظة التالية كان «تختخ» قد تعلَّق بفتحة الباب، ثم صعد إلى فوق، ولكن «حسبو» استطاع أن يتمالك نفسه بأسرع ممَّا يتوقَّع «تختخ»، وقفز خلفه وكاد يلحق به في العربة، ولكن «تختخ» نزل مسرعًا سلم العربة، وعندما لحق به «حسبو» فوجئ ﺑ «زنجر» يقفز من الظلام ويُهاجمه بشراسة.

انشغل «حسبو» بتخليص نفسه من الكلب، في حين أسرع «تختخ» يجري متستِّرًا بالظلام، وهو يتساءل عن سر ظهور «زنجر» في هذا المكان، ولكن تساؤله لم يستمرَّ طويلًا؛ فقد وجد «نازك» تجري بجواره، فأدرك كل شيء.

استطاع «تختخ» و«نازك» أن يخرجا من مدينة الملاهي، قبل أن يتخلَّص «حسبو» من «زنجر»، وأصبحا في الخلاء، فوقفا يلهثان من الجري، وقال «تختخ» من بين أنفاسه المتسارعة: ما الذي أتى بك خلفي؟! ردَّت «نازك» لاهثة: لقد راقبتك وأنت تصعد إلى غرفتك، ورأيت ظلك من زجاج الباب، ثم رأيتك وأنت تخرج، وعرفتك برغم تنكُّرك، وقررتُ متابعتك لأشترك معك في المغامرة.

لم يستطِع «تختخ» إلَّا أن يشكرها؛ فلولاها لوقع بين يدي «حسبو»، ولم يكن هناك من يستطيع أن يعرف ماذا كان يحدث بعدها.

وقف «تختخ» بجوار «نازك» في الظلام، يُحاول أن يُفكِّر فيما حدث إذا لم يحضر «زنجر»؛ من غير المعقول أن يترك كلبه العزيز الذي أنقذه من بين أيدي هؤلاء الناس، فإذا تأخَّر فلا بد أن يذهب إليه فورًا ويخوض من أجله أي معركة.

لم يمضِ وقتٌ طويل حتى سمع الصديقان صوت نباح قصير في الظلام، ثم ظهر الكلب الشجاع وهو يجري ببطء، وعرف «تختخ» على الفور أنه يعرج؛ فلم تكن هذه هي سرعته المعتادة.

ولم يستطِع «زنجر» القفز إلى صدر «تختخ» كالمعتاد، فانحنى «تختخ» إليه وحمله إلى صدره وهو يقول: شكرًا يا «زنجر» … لقد ضربوك أيها العزيز، ولكن هذا ثمن العمل من أجل العدالة، ومطاردة المجرمين.

قرَّر «تختخ» التحرُّك بسرعة عائدًا إلى البيت؛ خوفًا من أن يكون أحدهم قد تبع «زنجر» فيعرف مكانهم.

وفي الظلام مضى الثلاثة؛ «تختخ» و«نازك» و«زنجر» عائدين إلى البيت، وعندما اقتربوا منه قال «تختخ»: شكرًا لك يا «نازك»، وأرجو ألَّا يعلم أحدٌ بما حدث، وسأروي لك كل شيء … وبهذه المناسبة سأعترف لك بشيء … إن المتشرِّد الذي شاهدتِه في حديقة منزلنا لم يكن إلَّا أنا … إنني تنكُّرت في شكل المتشرِّد لأشغلك عني، وأضعك أمام لغزٍ تهتمين بحله وتتركيني … أمَّا الآن فسوف أُشركك في كل مغامراتنا.

وقبل أن ينتظر ردًّا منها، تسلَّل في الظلام إلى سلم الحديقة ومنه إلى غرفته، حيث خلع ثياب التنكُّر، وغسل آثار المغامرة وأوى إلى فراشه وذهنه مشغول بعشرات الأفكار عن «الخنفس» و«حسبو» والعجوز، والغرفة السرية التي تحت العربة، والمملوءة بالأشياء الثمينة التي لا يتوقَّع أحدٌ رؤيتها في مثل هذا المكان، ولم يكن قد نسي طبعًا أن يهتم بكلبه العزيز «زنجر»، وتقديم قطعة كبيرة من اللحم له.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤