الْفَصْلُ الثَّانِي

(١) أَهْلُ الْجَزِيرَةِ الطَّيَارَةِ وَعَادَاتُهُمْ

وَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْجَزِيرَةِ أَحَاطَ بِي جُمْهُورٌ مِنْ أَهْلِهَا، وَظَلُّوا يَنْظُرُونَ إِلَيَّ نَظَرَاتٍ مِلْؤُهَا الدَّهْشَةُ وَالْعَجَبُ. وَلَمْ تَكُنْ دَهْشَتِي مِنْهُمْ بِأَقَلَّ مِنْ دَهْشَتِهِمْ مِنِّي؛ فَإِنَّ عَيْنَيَّ لَمْ تَقَعَا — طُولَ عُمْرِي — عَلَى أَمْثَالِهِمْ مِنَ النَّاسِ. وَكَانَتْ أَزْيَاؤُهُمْ وَوُجُوهُهُمْ وَحَرَكَاتُهُمْ غَايَةً فِي الْغَرَابَةِ؛ فَقَدْ رَأَيْتُهُمْ يُحَرِّكُونَ رُءُوسَهُمْ يَمْنَةً وَيَسْرَةً — بَيْنَ حِينٍ وَآخَرَ — وَيُمِيلُونَهَا إِلَى الْأَرْضِ، وَيَحْنُونَ قَامَاتِهِمْ. وَقَدْ أَدْهَشَنِي أَنَّنِي كُنْتُ أَرَى كُلَّ وَاحِدٍ — مِنْ سُكَّانِ تِلْكَ الْجَزِيرَةِ — يَنْظُرُ بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ إِلَى مَا أَمَامَهُ، وَيُرْسِلُ عَيْنَهُ الْأُخْرَى إِلَى السَّمَاءِ.

وَكَانَتْ ثِيَابُهُمْ مُزْدَانَةً بِتَصَاوِيرَ مُعْجِبَةٍ، تُمَثِّلُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْكَوَاكِبَ وَالنَّايَ وَالْعُودَ وَالْكَمَانَ وَالطُّبُولَ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ مِنْ آلَاتِ الْمُوسِيقَا الْمَأْلُوفَةِ وَغَيْرِ الْمَأْلُوفَةِ؛ فَقَدْ وَقَعَ بَصَرِي — فِي تِلْكَ الْجَزِيرَةِ — عَلَى أَلْوَانٍ شَتَّى مِنَ الْآلَاتِ الَّتِي لَا عَهْدَ لَنَا بِرُؤْيَتِهَا فِي بِلَادِنَا.

وَرَأَيْتُ حَوْلَهُمْ جَمْهَرَةً مِنَ الْخَدَمِ يَحْمِلُونَ أَكْيَاسًا مُعَلَّقَةً فِي أَطْرَافِ عِصِيٍّ صَغِيرَةٍ، وَفِي تِلْكَ الْأَكْيَاسِ كَثِيرٌ مِنَ الْحَصَى وَالْمَسَامِيرِ.

وِلَشَدَّ مَا تَمَلَّكَتْنِي الدَّهْشَةُ حِينَ رَأَيْتُهُمْ يَضْرِبُونَ بِهَا أَفْوَاهَ مَنْ يَقْتَرِبُونَ مِنْهُمْ أَوْ آذَانَهُمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ أَعْرِفَ لِذَلِكَ سَبَبًا.

عَلَى أَنَّنِي قَدْ أَدْرَكْتُ السِّرَّ فِي ذَلِكَ؛ فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّعْبَ غَارِقٌ فِي التَّفْكِيرِ لَا يَكَادُ يُفِيقُ، وَهُوَ دَائِمُ الصَّمْتِ لَا يَكَادُ يُصْغِي لِمَا حَوْلَهُ، وَلَا يَكَادُ يَسْمَعُ مَا يُقَالُ لَهُ، وَلِهَذَا يَلْجَأُ الْخَدَمُ إِلَى إِيقَاظِهِ بِتِلْكَ الْأَكْيَاسِ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يُفْضُوا إِلَيْهِ بِخَبَرٍ، أَوْ يُحَدِّثُوهُ بِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ. وَلَا سَبِيلَ إِلَى إِيقَاظِهِ — مِنْ تَفْكِيرِهِ الْعَمِيقِ — بِغَيْرِ هَذِهِ الْوَسِيلَةِ.

وَمِنْ عَادَةِ كُلِّ خَادِمٍ أَنْ يَصْحَبَ سَيِّدَهُ كُلَّمَا خَرَجَ، وَيَضْرِبَهُ بِذَلِكَ الْكِيسِ عَلَى فَمِهِ كُلَّمَا رَآهُ يَتَعَرَّضُ لِخَطَرٍ مِنَ الْأَخْطَارِ؛ لِيُوقِظَهُ مِنْ سُبَاتِهِ وَأَحْلَامِهِ، وَيُنَبِّهَهُ إِلَى الْخَطَرِ الْمُحْدِقِ بِهِ، وَيَقِيهِ شَرَّ السُّقُوطِ فِي هُوَّةٍ أَوْ غَدِيرٍ، أَوْ الِاصْطِدَامِ بِصَخْرَةٍ أَوْ إِنْسَانٍ يَعْتَرِضَانِهِ فِي الطَّرِيقِ.

(٢) فِي قَصْرِ الْمَلِكِ

ثُم سَارُوا بِي حَتَّى وَصَلْتُ إِلَى قِمَّةِ الْجَزِيرَةِ، وَأَدْخَلُونِي قَصْرَ الْمَلِكِ؛ فَرَأَيْتُهُ مُسْتَوِيًا عَلَى عَرْشِهِ، تَكْتَنِفُهُ صَفْوَةُ الْأَعْيَانِ وَالسَّرَاةِ، وَأَمَامَهُ خِوَانٌ كَبِيرٌ قَدْ نُسِّقَتْ عَلَيْهِ كُرَاتٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَحْجَامِ، وَدَوَائِرُ وَآلَاتٌ هَنْدَسِيَّةٌ مُتَبَايِنَةُ الْأَشْكَالِ وَالْأَلْوَانِ.

فَلَمْ يَنْتَبِهِ الْمَلِكُ إِلَيَّ وَقْتَ دُخُولِي، وَإِنْ كَانَ رِفَاقِي قَدْ أَحْدَثُوا عِنْدَ مَقْدَمِي ضَجَّةً عَظِيمَةً؛ فَقَدْ كَانَ الْمَلِكُ — حِينَئِذٍ — غَارِقًا فِي حَلِّ مَسْأَلَةٍ رِيَاضِيَّةٍ، وَمَثَلْتُ أَمَامَهُ أَكْثَرَ مِنْ سَاعَةٍ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ تَفْكِيرِهِ. وَكَانَ عَلَى مَقْرَبَةٍ مِنْهُ خَادِمَان بِيَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا كِيسٌ صَغِيرٌ؛ فَلَمْ يَنْتَهِ مِنْ أَحْلَامِهِ، حَتَّى تَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَحَدُهُمَا، وَضَرَبَهُ — بِذَلِكَ الْكِيسِ — عَلَى فَمِهِ، فِي أَدَبٍ وَاحْتِرَامٍ. ثُمَّ تَقَدَّمَ الثَّانِي وَضَرَبَهُ بِالْكِيسِ عَلَى أُذُنِهِ الْيُسْرَى — فِي إِجْلَالٍ وَإِكْبَارٍ — فَاسْتَيْقَظَ مِنْ غَفْلَتِهِ فَزِعًا مَذْعُورًا، وَأَجَالَ بَصَرَهُ فِيَّ، وَفِي مَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْحَاضِرِينَ، وَذَكَرَ مَا أَخْبَرُوهُ عَنِّي قَبْلَ مُثُولِي بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَفْضَى إِلَيَّ بِكَلِمَاتٍ لَمْ أَفْهَمْهَا. وَتَقَدَّمَ إِلَيَّ أَحَدُ الْفِتْيَانِ، وَفِي يَدِهِ كِيسٌ، فَضَرَبَنِي بِهِ عَلَى أُذُنِي الْيُمْنَى؛ فَأَشَرْتُ إِلَيْهِ أَنْ يَكُفَّ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّنِي مُنْتَبِهٌ، وَاعٍ لِكُلِّ مَا يُفْضُونَ بِهِ إِلَيَّ، فَعَجِبَ الْمَلِكُ وَالْحَاضِرُونَ مِنْ ذَكَائِي وَانْتِبَاهِي النَّادِرَيْنِ. ثُمَّ وَجَّهَ إِلَيَّ الْمَلِكُ أَسْئِلَةً عِدَّةً، فَأَجَبْتُهُ عَنْهَا — جَهْدَ طَاقَتِي — بِإِشَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ.

(٣) آلَاتُ الْمُوسِيقَا

وَبَعْدَ قَلِيلٍ أَدْخَلُونِي حُجْرَةً أُخْرَى، وَقَدَّمُوا لِي طَعَامًا، وَتَفَضَّلَ أَرْبَعَةٌ مِنْ رِجَالِ الْحَاشِيَةِ، فَجَلَسُوا إِلَى جَانِبِي عَلَى الْمَائِدَةِ. وَقَدِ اشْتَدَّ عَجَبِي مِمَّا رَأَيْتُ مِنْ أَلْوَاْنِ الطَّعَامِ، فَقَدْ كَانَتْ كُلُّهَا مَصْنُوعَةً عَلَى أَشْكَالٍ هَنْدَسِيَّةٍ عَجِيبَةٍ؛ فَكَتِفُ الْخَرُوفِ عَلَى شَكْلِ مُثَلَّثٍ، وَالْبَطُّ عَلَى شَكْلِ كَمَانٍ، وَالْخُبْزُ أُسْطُوَانِيٌّ.

وَلَيْسَ فِي الطَّعَامِ لَوْنٌ مِنَ الْأَلْوَانِ مَصْنُوعٌ صُنْعًا عَادِيًّا؛ فَقَدْ تَخَيَّرُوا لِكُلِّ قِطْعَةٍ مِنْهُ مَا يُلَائِمُهَا مِنْ آلَاتِ الْمُوسِيقَا.

(٤) لُغَةُ الْبِلَادِ

وَبَعْدَ أَنْ فَرَغْنَا مِنَ الطَّعَامِ جَاءَ إِلَيَّ أُسْتَاذٌ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ، وَمَعَهُ قَلَمٌ وَمِحْبَرَةٌ وَوَرَقٌ، وَأَفْهَمَنِي — بِمَا أَبْدَاهُ إِلَيَّ مِنْ حَرَكَاتٍ وَإِشَارَاتٍ — أَنَّ جَلَالَتَهُ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَنِي لُغَةَ الْبِلَادِ.

وَلَبِثْتُ مَعَ ذَلِكَ الْأُسْتَاذِ أَرْبَعَ سَاعَاتٍ، تَعَلَّمْتُ فِيهَا كَثِيرًا مِنَ الْكَلِمَاتِ وَالْجُمَلِ الْقَصِيرَةِ الَّتِي كَانَ يُفَسِّرُهَا لِي بِإِشَارَاتٍ تَقِفُنِي عَلَى مَدْلُولَاتِهَا وَمَعَانِيهَا.

وَقَدْ أَطْلَعَنِي ذَلِكَ الْأُسْتَاذُ عَلَى صُوَرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ وَالدَّوَائِرِ الْقُطْبِيَّةِ وَشَتَّى الْآلَاتِ الْمُوسِيقِيَّةِ، وَذَكَرَ لِي أَسْمَاءَهَا جَمِيعًا.

وَلَمَّا انْتَهَيْتُ مِنْ ذَلِكَ الدَّرْسِ كَتَبْتُ كُلَّ مَا تَعَلَّمْتُهُ فِي مُعْجَمٍ صَغِيرٍ، حَتَّى لَا أَنْسَاهُ.

وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيَّ وَقْتٌ قَصِيرٌ حَتَّى سَهُلَ عَلَيَّ أَنْ أُحَادِثَهُمْ بِتِلْكَ اللُّغَةِ؛ فَقَدْ بَذَلْتُ جُهْدِي، وَسَخَّرْتُ كُلَّ مَوَاهِبِي وَذَكَائِي فِي تَذْلِيلِ عَقَبَاتِ تِلْكَ اللُّغَةِ، حَتَّى عَرَفْتُهَا، وَفَهِمْتُ أَنَّ كَلِمَةَ «لابوتا» — الَّتِي يُطْلِقُونَهَا عَلَى جَزِيرَتِهِمْ — مَعْنَاهَا: الْجَزِيرَةُ الطَّيَّارَةُ.

(٥) خَيَّاطُ «لابوتا»

وَفِي صَبَاحِ الْيَوْمِ الثَّانِي قَدِمَ إِلَيَّ أَحَدُ الْخَيَّاطِينَ لِيَصْنَعَ لِي ثَوْبًا أَلْبَسُهُ. وَلِلْخَيَّاطِين فِي تِلْكَ الْجَزِيرَةِ طَرِيقَةٌ عَجِيبَةٌ لَمْ نَأْلَفْهَا فِي بِلَادِنَا؛ فَقَدْ بَدَأَ الْخَيَّاطُ عَمَلَهُ بِقِيَاسِ طُولِ جِسْمِي وَعَرْضِهِ، وَظَلَّ يُجْرِي حِسَابَهُ فِي طُرُقٍ هَنْدَسِيَّةٍ مُلْتَوِيَةٍ، وَيَسْتَعْمِلُ الْمسْطَرَةَ وَالْفِرِجَارَ زَمَنًا طَوِيلًا. ثُمَّ وَدَّعَنِي وَانْصَرَفَ. وَعَادَ إِلَيَّ بَعْدَ أُسْبُوعٍ، وَمَعَهُ ثَوْبٌ مُشَوَّشُ التَّفْصِيلِ. وَقَدِ اعْتَذَرَ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ فِي حِسَابِهِ.

(٦) شَكَاوَى الشَّعْبِ

وَفِي هَذَا الْيَوْمِ أَمَرَ جَلَالَةُ الْمَلِكِ أَنْ تَتَقَدَّمَ جَزِيرَتُهُ إِلَى مَدِينَةِ «لاجادو»، وَهِي الْعَاصِمَةُ الثَّانِيَةُ لِمَمْلَكَتِهِ، وَاعْتَزَمَ أَنْ يَجُوبَ الْمُدُنَ وَالْقُرَى؛ لِيَقِفَ عَلَى أَحْوَالِ شَعْبِهِ وَشَكَاوَاهُ.

فَأَلْقَى رِجَالُهُ خُيُوطًا عِدَّةً، يَنْتَهِي كُلُّ خَيْطٍ مِنْهَا بِقِطْعَةٍ مِنَ الرَّصَاصِ؛ لِيَرْبِطَ فِيهَا الْمَظْلُومُونَ وَالشَّاكُونَ ظُلَامَاتِهِمْ، فَإِذَا انْتَهَوْا مِنْ ذَلِكَ رُفِعَتِ الْخُيُوطُ، وَعُرِضَتْ عَلَى الْمَلِكِ لِيَنْظُرَ فِيهَا.

(٧) اللُّغَةُ وَالْمُوسِيقَا

وَكُنْتُ — لِحُسْنِ حَظِّي — عَارِفًا بِالرِّيَاضَةِ، وَسَاعَدَنِي ذَلِكَ عَلَى فَهْمِ لُغَتِهِمْ وَأَسَالِيبِهِمْ فِي الْكَلَامِ، فَقَدْ بُنِيَتْ تِلْكَ اللُّغَةُ عَلَى الرِّيَاضَةِ وَالْمُوسِيقَا؛ فَهُمْ لَا يُعَبِّرُونَ عَنْ أَفْكَارِهِمْ وَآرَائِهِمْ بِغَيْرِ الْخُطُوطِ الْهَنْدَسِيَّةِ وَالصُّوَرِ الْمُوسِيقِيَّةِ، فَإِذَا مَدَحُوا إِنْسَانًا جَمِيلَ الطَّلْعَةِ قَالُوا: إِنَّ حَاجِبَيْهِ قَوْسَانِ بَدِيعَتَانِ، أَوْ قِطْعَتَانِ مِنْ دَائِرَةٍ جَمِيلَةٍ!

وَهُمْ يُشَبِّهُونَ الْعُيُونَ بِالدَّوَائِرِ، وَالْحَوَاجِبَ بِالْقِسِيِّ، إِلَى آخِرِ تِلْكَ التَّشْبِيهَاتِ الَّتِي أَلِفُوهَا.

(٨) حَمَاقَةُ الْأَهْلِينَ

أَمَّا بُيُوتُهُمْ فَقَدْ بُنِيَتْ عَلَى أَقْبَحِ طِرَازٍ. وَمِنَ الْعَجِيبِ أَنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْبِلَادِ — عَلَى وُلُوعِهِمْ وَشَغَفِهِمْ بِالْهَنْدَسَةِ النَّظَرِيَّةِ — لَا يُقِيمُونَ وَزْنًا لِلْهَنْدَسَةِ الْعَمَلِيَّةِ، بَلْ هُمْ يَحْتَقِرُونَهَا احْتِقَارًا شَدِيدًا.

وَالْحَقَّ أَقُولُ، إِنَّنِي لَمْ أَرَ فِي حَيَاتِي حَمَاقَةً كَحَمَاقَةِ هَذَا الشَّعْبِ السَّاذَجِ الَّذِي شَغَلَتْهُ التَّوَافِهُ وَالتُّرَّهَاتُ عَنْ حَقَائِقِ الْحَيَاةِ؛ فَغَرِقُوا فِي أَوْهَامِهِمْ، وَاسْتَسْلَمُوا لِمَخَاوِفِهِمْ، وَأَصْبَحُوا لَا يُعْنَوْنَ إِلَّا بَالتَّفْكِيرِ الْعَمِيقِ فِي خُرَافَاتٍ لَا تُجْدِي.

وَمِنْ أَوْهَامِهِمْ: أَنَّ الْأَرْضَ إِذَا اقْتَرَبَتْ مِنَ الشَّمْسِ احْتَرَقَتْ وَاحْتَرَقَ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا، فَهُمْ لَا شُغْلَ يَشْغَلُهُمْ إِلَّا الْخَوْفُ مِنْ هَذَا الْمَصِيرِ الْمَرْهُوبِ؛ فَإِذَا أَصْبَحُوا ظَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ يَسْأَلُ صَاحِبَهُ عَمَّا حَدَثَ لِلشَّمْسِ، وَكَيْفَ غَرَبَتْ وَكَيْفَ أَشْرَقَتْ.

وَهَكَذَا يَقْضُونَ أَوْقَاتَهُمْ فِي عَبَثٍ وَأَوْهَامٍ لَا طَائِلَ تَحْتَهَا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤