تمهيد

قال كريستي A. H. CHRISTER: إن الفن الإسلامي أخذ مسحته الروحية من بلاد العرب، بينما أنسجته المادية تكوَّنَتْ في بلاد أخرى؛ حيث كان الفن قوةً حيويةً عظيمة.١
Islamic art derived ito spiritual complexion from Arabia, but its material texture was fashioned elsewhere, in lands where art was a vital force.

وليس ممكنًا أن نلخِّص في أحسن من هذه العبارة خصائص هذا الفن الذي يكاد يكون دوليًّا بعد أن ورث الفنون الساسانية والبيزنطية.

والواقع أن عرب الجاهلية وصدر الإسلام كانوا قبائل من البدو، ولم تكن لهم تقاليد فنية تستحق الذِّكْر، وإن تكن قد ازدهرَتْ باليمن في الجنوب، وبالحيرة في الشمال الشرقيِّ، وبإقليم الغساسنة في الشمال الغربيِّ؛ مراكز للعلم والأدب كان عندها بعض التقاليد الفنية، فإن ما نعرفه عنها، وما وصل إلينا من هذه التقاليد الفنية من القِلَّة بحيث لا نستطيع أن نُكوِّن عن الفن في مراكز الحضارة المذكورة فكرةً صحيحة.٢
ولكن جدير بنا ألا نبالغ في الاعتقاد بأن العرب لم تكن لهم أي تقاليد فنية؛ فالحقيقة كما يقول الأستاذان جلوك GLÜEK، وديتز DIEZ أن العرب لم يأتوا فارغي الأيدي.٣
Und doch waren die Araber micht ganz mit leeren Händen gekommen.

وبالرغم من ذلك فإن بلادًا عديدة اشتركَتْ في خلق الفن الإسلامي وفي تطوُّره، وأول منتجات هذا الفن له علاقات بالمنتجات الفنية في البلاد التي فتحها العرب؛ فإن هؤلاء في القرون الأولى بعد الهجرة اعتمدوا كل الاعتماد على الصُّنَّاع والفنانين والوطنيين في البلاد التي خضعَتْ لهم. والغريب أن التعاوُن بين الحُكَّام والمحكومين الذي أدَّى قبل ذلك إلى انحطاط الفن الهللنستي واضمحلاله؛ مهَّد الطريق هذه المرة لنشأة فن ذي مستقبل باهر وحياة طويلة.

أمَّا في مصر حين فتحها العرب فقد كان الفن القبطي مزدهرًا بما فيه من تقاليد بيزنطية وفرعونية وآشورية وفارسية،٤ فنما الفن الإسلامي وتطوَّر في وادي النيل على هذه الأرض من التقاليد القديمة، وباشتراك العُمَّال الوطنيين، واستمر هذا التعاوُن بين الفاتحين والمحكومين نحو ثلاثة قرون، ولم يقلِّل من أهميته قدوم ابن طولون ومعه فريق من الصُّنَّاع والفنانين العراقيين، فإن أثر هؤلاء لم يظهر جليًّا إلا في نواحٍ خاصة كالعمارة وزخرفة المباني، بينما بقي النسجُ الميدانَ الذي أظهر فيه الأقباط مهارتهم الفنية.

وخلاصة القول أن العرب في مصر لم يستطيعوا الاستغناء عن معونة الأقباط إلا حوالي القرن الرابع الهجري، حين عمَّ الإسلام مصر، وبعد أن تتلمذ العرب مدةً طويلةً في مدرسة الصُّنَّاع الوطنيين، تلقَّوا عنهم فيها أسرار الصناعة وأصول المهنة.

١  انظر: The Legacy of Islam، ص١٠٨.
٢  قارن: RATHJENS UND WISEMANN: Sudarabien Reise, Band II, Vorislamische Alitertumer, Hamburg 1932. وSCHLOBIES: Hellenistisch-römisch Denkmaler in Südarabien في مجلة: Forschungen und Fortschritte، العدد ١٩، ص٢٤٢-٢٤٣. وGULDI: L’arabic anté-islamique، والفصل الأول من: CRESWELL: Early Muslim Architecture، ج١، واقرأ في كتاب: حياة محمد، للدكتور محمد حسين هيكل (ص٨٦-٨٧)، حكاية إعادة بناء الكعبة، واشتراك النجار الرومي والنجار القبطي في ذلك.
٣  انظر: GLÜCK UND DIEZ: Die Kunst des Islam، ص١٤ وما بعدها. وراجع: Handbuck der Altarabischen Alterumskunde (Herausgegeben von Dr. DITLEF NIELSEN).
٤  راجع: BUTLER: Islamic Pottery، ص٢٥–٣٢.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤