الْحِمَارُ الْقَارِئ

(١) فِي مَدِينَةِ «سُلْطانِ الزَّمانِ»

قِصَّتِي الَّتِي أَحْكِيها لَكُمْ — يا أَعِزَّائِي الْأَحْباب — قِصَّةٌ عَجِيبَةٌ غَرِيبَةٌ، تُسَلِّيكُمْ وَتبسطكُمْ وَأَنْتُمْ تَقْرَءُونَها.

فِى إِحْدَى رِحْلاتِي الَّتِي قُمْتُ بِها فِي بِلادِ الدُّنْيا زُرْتُ مَدِينَةَ «سُلْطانِ الزَّمانِ»، فِي إِقْلِيمِ: «نُورِسْتانَ».

عَرَفْتُ فِي الْمَدِينَةِ ناسًا كَثِيرِينَ، كانُوا يَسْمَعُونَ مِنِّي حِكاياتِي، فَيُطِيلُونَ الْجُلُوسَ مَعِي، أُسامِرُهُمْ فَيَنْبَسِطُونَ.

وَعَلِمَ وَزِيرُ «سُلْطانِ الزَّمانِ» بِأَمْرِي، فاسْتَدْعانِي إِلَى بَيْتِهِ، وَأَكْرَمَنِي فِي مَجْلِسِهِ، وَأَخْبَرَنِي بِأَنَّهُ كانَ يَسْمَعُ بِاسْمِي مِنْ جُلَسَائِهِ، وَأَنَّهُ كان مُشْتاقًا إِلَى أَنْ يَرَانِي.

وَفِي جَلْسَةٍ لِي مَعَ وَزِيرِ «سُلْطانِ الزَّمانِ»، طَلَبَ مِنَ الْحاضِرِينَ أَنْ يَنْصَرِفُوا، لِيَنْفَرِدَ بِي، وَيَتَحَدَّثَ مَعِي حَدِيثًا خاصًّا.

قالَ لِي وَزِيرُ «سُلْطانِ الزَّمانِ»: إِنَّه وَصَفَنِي لِلسُّلْطانِ، وَإِنَّهُ سَيُقَدِّمُنِي إِلَيْهِ ضَيْفًا أَنالُ مِنْهُ الْحَفاوَةَ وَالْإِكْرامَ.

فَرِحْتُ بِما قالَهُ لِي وَزِيرُ السُّلْطانِ، وَرَحَّبْتُ بِأَنْ أَذْهَبَ مَعَهُ إِلَيْهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُحَدِّدُهُ لِي.

figure
«جُحا» فِي بَيْتِ وَزِيرِ «سُلْطانِ الزَّمانِ».

(٢) فِي حَضْرَةِ السُّلْطانِ

ذَهَبْتُ مَعَ الْوَزِيرِ إِلَى قَصْرِ «سُلْطانِ الزَّمانِ»، فِي «نُورِسْتانَ».

اسْتَقْبَلَنِي السُّلْطانُ أَحْسَنَ اسْتِقْبالٍ، وَرَحَّبَ بِي أَجْمَلَ تَرْحِيبٍ.

لَمَّا اسْتَقَرَّ بِنا الْجُلُوسُ الْتَفَتَ إِلَيَّ السُّلْطانُ باسِمًا، وَقالَ: «أَتَعْرِفُ لِماذَا دَعَوْتُكَ يا «أَبا الْغُصْنِ»؟»

أَجَبْتُ السُّلْطانَ قائِلًا: «لا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا الله.»

قالَ: «سَمِعْتُ بِذَكائِكَ وَفِطْنَتِكَ، وَأُرِيدُ أَنْ أَمْتَحِنَكَ.»

قُلْتُ: «أَرْجُو أَنْ أَكُونَ عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّكَ.»

قالَ: «أَهْدَى إِلَيَّ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ حِمارًا ظَرِيفًا، لَمْ أَرَ لَهُ مَثِيلًا فِيما شَهِدْتُ مِنَ الْحَمِيرِ، وَهُوَ عِنْدِي لَهُ مَقامٌ كَبِيرٌ.»

قُلْتُ: «ما شاءَ اللهُ كانَ يا «سُلْطانَ الَّزمانِ»! لا شَكَّ أَنَّكَ وَجَدْتَ فِي هذا الحِمارِ مِنَ الْمَزايا ما يَرْفَعُ قَدْرَهُ.»

قالَ: «لَوْ جازَ لِلْحَمِيرِ أَنْ تَخْتَارَ لَها زَعِيمًا، تَدِينُ لَهُ بِالْوَلاءِ وَالْإِخْلاصِ، لَما اخْتارَتْ غَيْرَ هذا الْحِمارِ بَدِيلًا.»

قُلْتُ: «بارَكَ اللهُ لَكَ فِي حِمارِكَ أَيُّها السُّلْطانُ الْعَظِيمُ، وَلكِنْ ماذا يُرِيدُ مِنِّي هذا الْحِمارُ الزَّعِيمُ؟»

(٣) رَغْبَةُ السُّلْطَانِ

قالَ السُّلْطانُ: «خَطَرَ لِي — يا «جُحا» — أَنْ أَعْهَدَ بِالْحِمارِ إِلَيْكَ، لِتَكُونَ مُرَبِّيًا لَهُ، لَعَلَّهُ يَتَعَلَّمُ الْقِرَاءَةَ عَلَى يَدَيْكَ.»

قُلْتُ لِلسُّلْطانِ مُتَعَجِّبًا: «يا تُرَى، هَلْ تُفِيدُ بَراعَةُ الْمُدَرِّسِ، مَهْما يَكُنْ مِنْ أَمْرِهِ، فِي تَعْلِيمِ الْحِمارِ أَنْ يَقْرَأَ؟»

أَجابَنِي باسِمًا: «إِنَّهُ حِمارٌ ذَكِيٌّ، لا مَثِيلَ لَهُ فِي ذَكائِهِ بَيْنَ الْحَمِيرِ، وَأَنْتَ لا مَثِيلَ لَكَ فِي ذَكائِكَ بَيْنَ النَّاسِ.»

قُلْتُ لِلسُّلْطانِ: «هَلْ عَلِمْتَ حَتَّى الْآنَ يا «سُلْطانَ الزَّمانِ»، أَنَّ لِلْحَيَوانِ عَقْلًا كَعَقْلِ الْإِنْسانِ؟!»

قالَ لِي: «إِنِّي أَتَعَهَّدُ هذا الْحِمارَ بِالْبَرَسِيمِ النَّدِيِّ، وَالْفُولِ النَّقِيِّ، وَلا أَظُنُّ إِلَّا أَنَّهُ سَيَسْتَجِيبُ لَكَ، إِذَا تَعَهَّدْتَهُ بِالتَّمْرِينِ، حَتَّى يَكُونَ قارِئًا مِثْلَ الْقارِئِينَ.»

أَدْهَشَنِي ما يَطْلُبُهُ مِنِّي سُلْطانُ الزَّمانِ لِحِمارِهِ العَزِيزِ، وبَعْدَ أنْ سَكَتُّ قَلِيلًا قُلْتُ: «وَماذا يَدْعُونِي أَنْ أُكابِدَ هذا الْعَناءَ؟»

قالَ السُّلْطانُ: «نَفِّذْ رَغْبَتِي، وَلَكَ مِنِّي مُكافَأَةٌ قَدْرُها عَشْرَةُ آلافِ دِينارٍ، إِذَا نَجَحْتَ فِي تَعْلِيمِ الْحِمارِ.»

(٤) فِكْرَةٌ ناجِحَةٌ

لَمْ أَسْتَطِعْ إِقْناعَ السُّلْطانِ بِالْعُدُولِ عَنْ رَغْبَتِهِ فِي تَعْلِيمِ حِمارِه.

لَقَدْ أَغْرَانِي بِمُكافَأَةٍ سَخِيَّةٍ، تَدْعُونِي إِلَى الْقَبُولِ.

جَعَلَنِي ذلِكَ أُفَكِّرُ: ماذا أَصْنَعُ لِتَحْقِيقِ تِلْكَ الرَّغْبَةِ؟

بَدَتْ لِي فِكْرَةٌ، تُعِينُنِي عَلَى أَنْ أَنْجَحَ فِي هذا الامْتِحانِ الَّذِي أَحْرَجَنِي بِهِ «سُلْطانُ الزَّمانِ».

قُلْتُ لَهُ: «أَرْجُو مِنْكَ يا سَيِّدِي أَنْ تُمْهِلَنِي سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَأَنْ يَكُونَ لِي مَعَ الْحِمارِ دَرْسٌ كُلَّ يَوْمٍ، فِي مَكانٍ لا يَرانا فِيهِ أَحَدٌ، وَأَتَمَنَّى أَنْ أُحَقِّقَ لَكَ كُلَّ ما تُرِيدُ.»

تَهَلَّلَ وَجْهُ «سُلْطانِ الزَّمانِ» بِشْرًا وَسُرُورًا.

وَافَقَ السُّلْطانُ عَلَى أَنْ يُمْهِلَنِي سِتَّةَ أَشْهُرٍ، كَما وَافَقَ عَلَى أَنْ يُنَفِّذَ لِي كُلَّ ما أَطْلُبُ، فِي سَبِيلِ تَعْلِيمِ الْحِمارِ.

شَرَعْتُ فِي عَمَلَي، وَأَنا مُؤْمِنٌ كُلَّ الْإِيمانِ بِأَنَّ فِكْرَتِي سَتَنْجَحُ، وَأَنِّي سَأَظْفَرُ، بِإِذْنِ الله، بِالْمُكافَأَةِ السَّخِيَّةِ.

اتَّبَعْتُ مَعَ الْحِمارِ طَرِيقَةً مُبْتَكَرَةً، وَصَبَرْتُ عَلَى التَّعَبِ فِي ذلِكَ، مُدَّةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، حَتَّى نَجَحْتُ فِي تَجْرِبَتِي مَعَ الْحِمارِ كُلَّ النَّجاحِ.

figure
«جُحا» يَقُودُ الْحِمارَ لِيُجَرِّبَ تَعْلِيمَهُ.

(٥) يَوْمُ الامْتِحانِ

بَعْدَ انْتِهاءِ الْأَشْهُرِ السِّتَّةِ قُلْتُ لِـ «سُلْطانِ الزَّمانِ»: «يَوْمَ الامْتِحانِ يُكْرَمُ الْمَرْءُ أَوْ يُهانُ.»

قالَ لِي السُّلْطانُ: «فَلْيَكُنْ الامْتِحانُ الْآنَ يا «أَبا الْأَغْصانِ»!»

أَعَدَّ السُّلْطانُ الْمَكانَ، وَحَضَرَ الْمدْعُوُّونَ لِشُهُودِ الامْتِحانِ.

كُنْتُ قَدْ أَعْدَدْتُ لِهذا الْيَوْمِ كُرْسِيًّا وَاسِعًا، وَوَضَعْتُ عَلَيْهِ دَفْتَرًا كَبِيرًا، فِيهِ مِائَةُ صَفْحَةٍ مِنْ جِلْدِ الْغَزَالِ.

وَجِئْتُ بِالْحِمارِ، وَأَوْقَفْتُهُ أَمامَ الدَّفْتَرِ الْكَبِيرِ، فَلَمَّا رَأَى الْحِمارُ الدَّفْتَرَ قُدَّامَ عَيْنَيْهِ أَسْرَعَ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ يُقَلِّبُ أَوْراقَهُ بِلِسانِهِ، وَرَقَةً بَعْدَ وَرَقَةٍ، حَتَّى أَتَمَّ تَقْلِيبَ الْأَوْرَاقِ جَمِيعًا.

بَعْدَ ذلِكَ الْتَفَتَ الْحِمارُ إِلَيَّ، وَقَلَّبَ نَظَرَهُ فِيَّ، وَالْحُزْنُ بادٍ عَلَى سَحْنَتِهِ، فَجَعَلْتُ أُرَبِّتُ ظَهْرَهُ، وَأُهَنِّئُهُ عَلَى نَجاحِهِ.

لكِنِ الْحَقِيقَةُ أَنِّي كُنْتُ أُهَنِّئُ نَفْسِي، مَسْرُورًا بِنَجاحِي فِي الْحِيلَةِ الَّتِي لَجَأْتُ إِلَيْها فِي تَعْلِيمِ تِلْمِيذِي الْحِمارِ.

ضَحِكَ السُّلْطانُ، وَضَحِكَ الْحاضِرُونَ مَعَهُ، إِعْجابًا بِما رَأَوْهُ. أَظْهَرَ السُّلْطانُ ارْتِياحَهُ إِلَى أَنَّ حِمارَهُ أَصْبَحَ مِنَ الْقارِئِينَ.

figure
الْحِمارُ واقِفٌ أَمامَ الدَّفْتَرِ يَوْمَ الامْتِحانِ.

(٦) سِرُّ الْحِيلَةِ

بَعْدَ أَنِ انْصَرَفَ النَّاسُ دَعانِي «سُلْطانُ الزَّمان» إِلَى مَجْلِسِهِ الْخاصِّ، وَسَأَلَنِي مَدْهُوشًا: «كَيْفَ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَجْعَلَ الْحِمارَ يُقَلِّبُ أَوْرَاقَ الدَّفْتَرِ، عَلَى النَّحْوِ الَّذِي رَأَيْناهُ؟!»

قُلْتُ لِلسُّلْطانِ: «اسْتَطَعْتُ ذلِكَ بِحِيلَةٍ اتَّبَعْتُها، وَهِيَ سِرٌّ مِنْ أَسْرارِي الَّتِي أَحْتَفِظُ بِها لِنَفْسِي، وَيَكْفِيكَ ما رَأَيْتَهُ بِعَيْنِكَ.»

قالَ لِي: «لا تَخْشَ عَلَى مُكافَأَتِكَ، فَإِنِّي سَأُعْطِيكَ ما وَعَدْتُكَ بِهِ، وَهُوَ عَشْرَةُ آلافِ دِينارٍ، جَزاءَ ما قُمْتَ بِهِ مَنْ عَمَلٍ عَجِيبٍ. وَلكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِفَ ماذا صَنَعْتَ، حَتَّى حَقَّقْتَ ما أَرَدْتُ؟»

قُلْتُ لِلسُّلْطانِ: «سَأُخْبِرُكَ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ، وَأَكْشِفُ لَكَ سِرَّ الْحِيلَةِ، وَأَرْجُو مِنْكَ أَلَّا تَبُوحَ بِالسِّرِّ لِأَحَدٍ.

إِنِّي أَعْدَدْتُ هذا الدَّفْتَرَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، وَفِي خِلالِ الْأَشْهُرِ السِّتَّةِ كُنْتُ أَضَعُ الْعَلِيقَ بَيْنَ طَيَّاتِ الدَّفْتَرِ.

كُنْتُ أُودِعُ الْفُولَ وَالشَّعِيرَ فِي كُلِّ وَرَقَةٍ مِنَ الْأَوْرَاقِ، ثُمَّ أُقَلِّبُ الْأَوْرَاقَ أَمامَ الْحِمارِ، فَيَأْكُلُ ما أَوْدَعْتُهُ فِيها مِنَ الْفُولِ وَالشَّعِيرِ …

figure
الْحِمارُ يَأْكُلُ عَلِيقَهُ بَيْنَ طَيَّاتِ الدَّفْتَرِ.

أَلِفَ الْحِمارُ ذلِكَ مِنِّي وَتَعَوَّدَهُ، وَأَصْبَحَ يَعْرِفُ أَنَّهُ لا يَظْفَرُ بِطَعامِهِ إِلَّا إِذا قَلَّبْتُ أَمامَهُ أَوْرَاقَ الدَّفْتَرِ، وَرَقَةً بَعْدَ أُخْرَى.

بَعْدَ مُدَّةٍ غَيْرِ طَوِيلَةٍ أَخَذَ الْحِمارُ يَفْعَلُ ذلِكَ بِنَفْسِهِ كُلَّما أَرادَ أَنْ يَأْكُلَ، فَاسْتَغْنَى عَنْ مُساعَدَتِي وَإِرْشادِي لَهُ.

أَصْبَحَ يَذْهَبُ إِلَى الدَّفْتَرِ، يُقَلِّبُ أَوْرَاقَهُ كُلَّما جاعَ.

كانَ يَأْكُلُ ما تَحْتَوِيهِ أَوْرَاقُ الدَّفْتَرِ، حَتَّى يَشْبَعَ.

صَارَ الْحِمارُ صَدِيقًا لِلدَّفْتَرِ، يَعْتَقِدُ أَنَّهُ — هُوَ وَحْدَهُ — الْمَعْلَفُ الَّذِي يَجِدُ فِيهِ طَعامَهُ، وَيَسُدُّ بِهِ جُوعَهُ.

لَمْ يَتِمَّ لِي تَحْقِيقُ ذلِكَ إِلَّا بِتَمْرِينٍ مُسْتَمِرٍّ. وَكُلَّما شَعَرْتُ بِالْيَأْسِ لَجَأْتُ إِلَى الصَّبْرِ، حَتَّى نَجَحْتُ آخِرَ الْأَمْرِ.

وَكُنْتُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ أَتَعَمَّدُ أَنْ أَتْرُكَ أَوْرَاقَ الدَّفْتَرِ خالِيَةً مِنَ الْفُولِ أَوِ الشَّعِيرِ، فَإِذَا قَلَّبَ الْحِمارُ أَوْرَاقَ الدَّفْتَرِ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَكانَ الْجُوعُ يَدْفَعُهُ إِلَى النَّهِيقِ، لِيُذَكِّرَنِي بِحاجَتِهِ إِلَى الْعَلِيقِ.

وَقَبْلَ انْتِهاءِ الْأَشْهُرِ السِّتَّةِ بِأَيَّامٍ جَعَلْتُ أُقَلِّلُ لَهُ الطَّعامَ، فَكانَ لِجُوعِهِ لا يَهْدَأُ إِلَّا قَلِيلًا، وَلا يَنامُ إِلَّا نَوْمًا ضَئِيلًا.

فَعَلْتُ ذلِكَ مُتَعَمِّدًا، لِأُدْرِكَ غَرَضِي، وَأُحَقِّقَ أُمْنِيَّتِي.

(٧) الْيَوْمُ الْمَوعُودُ

وَجاءَ الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ: يَوْمُ الامْتِحانِ، وَالْحِمارُ جَوْعان.

وَهكَذا رَآهُ الْحاضِرُونَ مَعَ السُّلْطانِ، يُؤَدِّي الامْتِحانَ، وَيَنْدَفِعُ إِلَى الدَّفْتَرِ، وَهُوَ لَهْفانُ.

جَعَلَ الْحِمارُ الْجائِعُ يُقَلِّبُ أَوْرَاقَ الدَّفْتَرِ — وَرَقَةً بَعْدَ وَرَقَةٍ — فِي سُرْعَةٍ، لِيَجِدَ فِي الْأَوْراقِ ما يَسُدُّ جُوعَهُ!

انْتَهَى مِنْ تَقْلِيبِ الدَّفْتَرِ، يَبْحَثُ عَنِ الْعَلِيقِ.

خابَ أَمَلُهُ فِيما طَلَبَ، فَلَمْ يَمْلِكْ إِلَّا النَّهِيقَ.

وَهذا هُوَ أَسْلُوبُ الْحَمِيرِ، حِينَ تُرِيدُ التَّعْبِيرَ.

إِذَا تَأَلَّمَتْ أَوْ تَضايَقَتْ زَعَقَتْ وَنَهَقَتْ.

لا تُحْسِنُ الحَمِيرُ غَيْرَ النَّهِيقِ مِنَ اللَّهَجاتِ.

لا تَعْرِفُ سِواهُ مِنَ اللُّغاتِ، فِي كُلِّ الْأَوْقاتِ.

أَمَّا الْحاضِرُونَ الَّذِينَ كانُوا يَنْظُرُونَ إِلَى الحِمارِ، فَقَدْ ظَنُّوا أَنَّهُ كانَ يُقَلِّبُ أَوْرَاقَ الدَّفْتَرِ، لِيَقْرَأَ ما تَحْوِي مِنَ الْكَلامِ.

وَلَوْ عَرَفُوا سِرَّ الْحِيلَةِ الَّتِي ابْتَكَرْتُها مَعَ الْحِمارِ، لَأَدْرَكُوا أَنَّهُ لا يَبْحَثُ فِي تَقْلِيبِهِ عَنِ الْكلامِ، بَلْ يَبْحَثُ عَنِ الطَّعامِ.»

(٨) فِي دَفْتَرِ الْحَمِيرِ

ابْتَهَجَ «سُلْطانُ الزَّمانِ»، بِما سَمِعَ مِنْ «أَبِي الْأَغْصانِ».

قَدَّمَ لَهُ الْمُكافَأَةَ الَّتِي وَعَدَهُ بِها، فَقالَ لَهُ «أَبُو الْغُصْنِ جُحا»: «أَشْكُرُكَ عَلَى جَزِيلِ عَطائِكَ، وَكَرِيمِ مُكافَأَتِكَ، وَنُبْلِ وَفائِكَ.»

قالَ لَهُ «سُلْطانُ الزَّمانِ»: «إِنْ لَمْ تَكُنِ الْمُكافَأَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الْحِمارِ؛ فَإِنَّها مُكافَأَةٌ لَكَ عَلَى ذَكائِكَ وَفِطْنَتِكَ، وَبَراعَةِ حِيلَتِكَ. وَإِنَّ ما صَنَعْتَهُ — يا «أَبا الْغُصْنِ» — أَوْحَى إِلَيَّ بِفِكْرَةٍ، أُحِبُّ أَنْ أُسَجِّلَها بِالْكِتابَةِ، لِيَنْتَفِعَ بِها كُلُّ قارِئٍ.»

وَطَلَبَ السُّلْطانُ دَفْتَرَ الْحِمارِ، فَلَمَّا قَدَّمُوهُ إِلَيْهِ كَتَبَ فِيهِ:

فِي شَأْنِ هذا الْحِمارِ عِبْرَةٌ مِنْ عِبَرِ الْحَياةِ. كَمْ لَهُ بَيْنَ النَّاسِ — فِي هذِهِ الدُّنْيا — مِنْ أَشْباهٍ.

إِنّ مَنْ يُقَلِّبُ فِي أَوْرَاقِ الْكُتُبِ، وَهُوَ غافِلٌ عَمَّا فِيها مِنَ الْمَعْلُوماتِ، لا يُفِيدُ مِمَّا حَوَتْ مِنَ الْمَعارِفِ، وَلا يَحْفَظُ ما تَضَمَّنَتْ مِنَ الْحِكَمِ وَالنَّصائِحِ، شَأْنُهُ كَشَأْنِ هذا الْحِمارِ؛ يُقَلِّبُ أَوْرَاقَ دَفْتَرِهِ، لا يَعِي مِنْها شَيْئًا. وَكَمْ فِي النَّاسِ مِنْ قارِئِينَ، لا يَنْتَفِعُونَ بِما يَقْرَءُونَ، وَلا يَسْتَفِيدُونَ بِما يَعْلَمُونَ!

figure
«جُحا» يُوُدِّعُ حِمارَهُ الْعَزِيزَ قَبْلَ السَّفَرِ.

(٩) خاتِمَةُ الْقِصَّةِ

قالَ «أَبُو الْغُصْنِ جُحا» وَهُوَ يَخْتِمُ قِصَّتَهُ: «أَقَمْتُ أَيَّامًا فِي مَدِينَةِ «سُلْطانِ الزَّمانِ»، فِي إِقْلِيمِ «نُورِسْتانَ»، أَطُوفُ بِأَسْواقِها الْكَبِيرَةِ، وَأَشْتَرِي طَرائِفَ الْأَمْتِعَةِ الْكَثِيرَةِ. وَكَيْفَ أَرْجِعُ إِلَى بَلَدِي، وَلَيْسَ مَعِي هَدايا تُدْخِلُ السُّرُورَ عَلَى أَهْلِي، وَمَعِي الدَّنانِيرُ الَّتِي رَزَقَنِي اللهُ بِها مِنْ فَضْلِهِ؟»

وَلَمَّا عَزَمْتُ عَلَى الرَّحِيلِ رَأَيْتُ مِنَ الْواجِبِ عَلَيَّ أَنْ أَزُورَ الْحِمارَ الْعَزِيزَ الَّذِي كانَ السَّبَبَ فِيما نِلْتُهُ مِنْ خَيْرٍ جَزِيلٍ، وَمالٍ غَيْرِ قَلِيلٍ؛ فَذَهَبْتُ إِلَيْهِ لِأُوَدِّعَهُ، وَبُوِدِّي أَنْ أَبْقَى مَعَهُ!

وَفِي الْيَوْمِ الَّذي حَدَّدْتُهُ، لِأَبْدَأَ سَفَرِي فِيهِ، ذَهَبْتُ إِلَى قَصْرِ «سُلْطانِ الزَّمانِ» أَسْتَأْذِنُهُ فِي الْمَسِيرِ، فَلَمَّا قابَلْتُهُ قُلْتُ لَهُ: «أُرِيدُ أَنْ أُشِيرَ عَلَيْكَ بِأَنْ تَحْرِصَ عَلى تَعْلِيمِ قَوْمِكَ، فَقَدْ بَلَغَتْ بِكَ الرَّغْبَةُ فِي التَّعْلِيمِ أَنْ تَجْعَلَ مِنَ الْحِمارِ قارِئًا مِنَ الْقارِئِينَ.»

فَقالَ لِي «سُلْطانُ الزَّمانِ»: «أَنْتَ يا — «أَبا الْغُصْنِ» — مُرْشِدٌ حَكِيمٌ، وناصِحٌ أَمِينٌ. سَأَعْمَلُ بِنُصْحِكَ الثَّمِينِ، وَسَأَحْرِصُ عَلَى أَنْ يَكُونَ النَّاسُ جَمِيعًا مُتَعَلِّمِينَ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ نُورٌ مُبِينٌ.»

يُجاب مِمَّا في هذه الحِكاية عن الأسئلة الآتية

(س١) لماذا يَحْكِي لنا «جُحا» هذه القِصَّة؟
(س٢) أين كانت رِحْلَةُ «جُحا» في هذه القِصَّة؟
(س٣) مَنِ الَّذِي اسْتَدْعى «جُحا» إلى بيتِه؟
(س٤) لماذا اهتمَّ السُّلطان باسْتِقبالِ «جُحا»؟
(س٥) ما المُهِمَّةُ التي طلَبها السُّلطان من «جُحا»؟
(س٦) ماذا أعدَّ السُّلطانُ من مُكافأةٍ لـ«جُحا» على نَجاحِ مُهِمَّتِه؟
(س٧) ماذا عرض «جُحا» على السُّلطان، لِكَي يُنَفِّذَ رغْبَته؟
(س٨) ماذا أعَدَّ «جُحا» من أدواتٍ ليوم امْتِحانِ الحِمار؟
(س٩) ماذا فعل الحِمارُ، في يوْمِ الامتحانِ، أمامَ السُّلطانِ؟
(س١٠) ما الحِيلَةُ التي اتَّخذها «جُحا» مع الحِمارِ، للإِيهام بِأنه يقْرأُ أمامَ أعْيُنِ النَّاظرين؟
(س١١) لماذا كان الحِمار يُقلِّب أوراقَ الدَّفترِ في ساعَةِ الامْتِحان؟
(س١٢) كيف استطاع «جُحا» تَعْوِيدَ الحِمارِ أن يُقَلِّبَ أوراقَ الدفترِ؟
(س١٣) بأيِّ لُغَةٍ كان يُعَبِّرُ الحِمارُ عن ضِيقِه وخَيْبَةِ أمَلِه؟
(س١٤) هل اعْتقدَ السُّلطانُ حَقًّا: أنَّ الحِمارَ أصْبحَ قارِئًا؟
(س١٥) لماذا قدَّم السُّلطان لـ«جُحا» المُكافأةَ التي وعدَه بِها؟
(س١٦) ماذا كتب السُّلطان في الدَّفْتَرِ الذي كان يُقَلِّب فيه الحِمارُ؟
(س١٧) بماذا نصَح «جُحا» لِلسُّلطانِ، وهو يُودِّعه؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤