مزيد من الغموض

قالت «نوسة»: علينا أن نذهب لتحذير عمي الدكتور «مختار».

قال الشاويش: وما زال هناك وقت طويل؛ فاللصوص لن يحاولوا سرقة الشقة في رابعة النهار … ومن الممكن أن تتناولوا الجيلاتي وأشرب أنا الشاي … ثم نذهب معًا إلى الدكتور.

كان الكازينو مزدحمًا، والطلبات تتأخَّر … فمضى الأصدقاء يتحدَّثون مع الشاويش ويَرْوُون له مغامراتهم التي تمَّت بعيدًا عنه، وكان الشاويش يهز رأسه بين مصدِّق ومُكذِّب، فلم يكن يُصدِّق كثيرًا أن هؤلاء الأولاد يُمكنهم عمل شيء … وإن كان يتذكَّر أنهم حلوا كثيرًا من الألغاز قبله.

أخيرًا وبعد أكثر من نصف ساعة جاء الجيلاتي والشاي، وانهمك الجميع في الأكل والشرب، وكان الشاويش يؤكد صدق نظريته مؤكدًا أنه سيَقبض على اللصوص مُتلبِّسين في شقة الدكتور، وهكذا يكون قد سبق المغامرين الخمسة في حل اللغز والإيقاع بالعصابة.

انتهوا جميعًا من تناول الجيلاتي، وشرب الشاويش الشاي ثم انطلقوا بعد قليل إلى عيادة الدكتور.

كانت العيادة خالية من المرضى، ولم يكن «حسني» المُمرض موجودًا أيضًا، فانتظروا فترة دون أن يَظهر ليُخبر الدكتور بحضورهم. وأخيرًا قالت «نوسة»: سأطرق باب الدكتور … وإن كنت أعرف أنه يَتضايق من مقاطعته وهو يقوم بالكشف. تقدمت «لوزة» من غرفة الكشف ودقت عليها دون أن يجيب أحد … ثم دقَّت باب المكتب وسمعت الدكتور يقول: ادخل.

دخلت «نوسة» فوجدت الدكتور وحيدًا يُصحِّح بعض أوراق طلبته في الجامعة، فرفع رأسه، وعندما رآها قال: أهلًا «نوسة»، هل كنتِ في الشقة حتى الآن؟

قالت «نوسة»: أبدًا، لقد تركْنا الشقة منذ حوالي ساعتَين وتركنا المفتاح مع «حسني».

الدكتور: لقد أرسلتُ «حسني» في مشوار … إنه يوم مُرهِق؛ فقد كان هناك عدد كبير من المرضى، من المدهش أنهم كانوا جميعًا ثرثارين فأخذوا وقتًا طويلًا.

نوسة: إن الأصدقاء معي هنا. ومعنا الشاويش «علي» الذي يُريد أن يتحدث إليك بخصوص المريض الهارب ذي العضلات.

ابتسم الدكتور قائلًا: الشاويش «علي»؟ لعله حلَّ اللغز!

نوسة: لقد حلَّ اللغز فعلًا، وبشكلٍ مُقنِع جدًّا.

أبدى الطبيب اهتمامه، وقال: دعيهم يدخلون.

أسرعت «نوسة» تَستدعي الأصدقاء … فدخلوا جميعًا ومعهم الشاويش «فرقع» الذي حيَّا الدكتور قال: إني أُحذِّرك يا حضرة الدكتور من عصابة تُريد سرقة منزلك … والرجلان اللذان زاراك أول أمس ليلًا ما هما إلا لصان خَطِران قاما بالتعرف على شقتك جيدًا ليتمكنا من السطو عليها، هما ومعهما بقية العصابة.

تجهَّم وجه الدكتور قليلًا ثم قال: هل تظن ذلك يا شاويش «علي»؟

رد الشاويش في ثقة: طبعًا، وليس هناك تفسير آخر لما حدث، وسوف أقوم بعمل كمين في الشقة، حتى إذا حضر اللصوص فاجأتُهم وقبضتُ عليهم.

الدكتور: على كل حالٍ سوف أذهب إلى القاهرة هذا المساء لأنَّني مَدعوٌّ إلى العشاء مع بعض الأصدقاء، ثم أدخل السينما حفلة ٩، ولن أعود قبل الساعة الواحدة، وأرجو أن تفاجئ اللصوص قبل حضوري، فلستُ أحب أن أَحضُر شيئًا من هذا القبيل.

الشاويش: مؤقتًا من المهم أن نُبعِد المجوهرات والأشياء الثمينة من المنزل، فلسنا نعرف ماذا سيحدث.

الدكتور: ليس في منزلي مجوهرات أو نقود؛ فنحن نستأجر خزانة خاصة في البنك نضع فيها المجوهرات وما يُهمنا من أوراق، والنقود في البنك، وقد أخذَت زوجتي النقود التي تحتفظ بها في المنزل معها إلى المصيف، وليس معي سوى ثلاثين جنيهًا تقريبًا لا تَستحِق أن تقوم عصابة بعملية سطو من أجلها …

تختخ: إذن ماذا تريد العصابة أن تسرق؟ هل تريد سرقة الأثاث مثلًا، إنها عملية صعبة في عمارة ممتلئة بالسكان. وقد لاحظت أن جهاز التلفزيون ليس موجودًا وهو من الأشياء التي يسرقها اللصوص.

الشاويش: لا أدري ماذا يريد اللصوص، ولكن هذه احتياطات من واجبي أن أقوم بها.

الدكتور: لا شك في ذلك، وشكرًا لك على كل حال … أرجو أن تمرَّ عليَّ بعد عودة «حسني» لتأخذ المفتاح، وتقوم بعمل اللازم.

سمع الأصدقاء صوت حديث في الصالة فأدركوا أن «حسني» قد عاد، أو أنهم بعض المرضى، فاستأذنوا من الدكتور وخرجوا ومعهم الشاويش، ولم يكن «حسني» قد عاد بعد، وكان المتحدِّثون بعض المرضى.

انصرف الأصدقاء، فدعاهم «محب» إلى قضاء بقية اليوم عنده، فقد أرسل له أقاربه بعض الأطعمة الريفية اللذيذة، فدعاهم إلى الغداء، ووافق الجميع.

قضى الأصدقاء بقية اليوم عند «محب» عدا «تختخ» الذي جلس وحيدًا بعد أن طلب منهم أن يتركُوه ليفكر … وعندما قاربت الشمس على المغيب، بدأ الأصدقاء يستعدُّون لمغادرة منزل «محب»، بعد أن قضوا وقتًا ممتعًا، ولم يكادوا يَصلون إلى الباب الخارجي حتى وجدوا الدكتور «مختار» أمامهم وقد بدا عليه الانزعاج.

قال الدكتور موجهًا الحديث إليهم: شيء غريب حدث؛ فإن «حسني» لم يعد حتى الآن، وكنت قد أرسلته إلى الصيدلية لشراء بعض الأدوية التي أحتاج إليها، وهو مشوار لا يأخذ أكثر من ربع ساعة أو نصف ساعة على أكثر تقدير، ولكنه لم يَعُد حتى الآن … ومفتاح الشقة معه … وقد سألت عنه تليفونيًّا في الصيدلية فعلمت أنه لم يذهب إلى هناك … وأخشى أن يكون قد أصابه مكروه.

سكَتَ الأصدقاء جميعًا، ودخل الدكتور «مختار» إلى المنزل. حيث استقبله والد «محب» ووالدته، وأمرا بإعداد الغداء له. ولكنه قال أنه تغدَّى في العيادة، وقال: أرجو إذا عاد «حسني» أن تأخُذُوا منه المفتاح، وتُعطُوه للشاويش «علي» ليأخذ احتياطاته، وسوف أذهب بعد قليل إلى القاهرة.

جلس الدكتور «مختار» يشرب القهوة، وبدلًا من أن ينصرف الأصدقاء عادوا للجلوس معه ومع والد «محب» ووالدته.

وفجأةً قالت «نوسة» موجِّهة الكلام للدكتور «مختار»: أعتقد أن «حسني» لن يعود يا دكتور «مختار».

قال الدكتور في انزعاج: لماذا؟ هل تعلمين ما حدث له؟

ردَّت «نوسة» في هدوء: لم يحدث له شيء على الإطلاق. لقد انتهت مهمة «حسني» عندك، ولن يعود.

الدكتور: مهمَّة «حسني» عندي؟! لا أفهم ماذا تقصدين، وهل كانت له مهمة أخرى غير العمل كمُمرض؟

نوسة: قبل أن أشرح لك فكرتي … أريد أن أسألك بعض الأسئلة حتى أتأكَّد مما أقول.

سكتت «نوسة» لحظات، وأنظار الجميع متجهة إليها ثم قالت: هل يعمل عندك «حسني» من فترة قريبة؟

الدكتور: نعم منذ نحو أسبوع واحد؛ فقد سافر عبد العاطي الممرض الأصلي إلى الإسكندرية مع الأولاد ليُعدَّ لي عيادتي هناك؛ فإنني أعمل في أثناء المصيف بعض ساعات، ولي في الإسكندرية زبائن، وقد أحضرت «حسني» بصفة مؤقتة، وكنت أنوي أن أجعله يستمر في العمل معي.

نوسة: وهل كان مُمرضًا متمرنًّا؟

الدكتور: لا … كنت سأمِّرنُه، أمَّا حاليًّا فهو يقوم بتنظيم دخول المرضى فقط، ويساعدني في أشياء صغيرة.

نوسة: هذا ما توقعتُه بالضبط. إن «حسني» عضو في عصابة تبحث عن شيء عندك، وهو الذي يعرف تنقُّلاتك ومواعيدك، وهو الذي حدَّد موعد ذهاب الرجلين إليك، وقصد أن تترك حقيبتك في العيادة، حتى تذهب لإحضارها للكشف على المريض، وفي تلك الفترة قام الرجلان بتفتيش الشقة بسرعة، ولما لم يجدا ما يُريدان انصرفا مسرعَين.

وقفت «نوسة» لحظات والجميع ينصتون إليها بانتباه ثم عادت للحديث: وبالطبع لقد رَويت أنت له ما وقع ليلة أمس، وقلت له إنَّنا سنأتي في الصباح للبحث.

رد الدكتور في ذهول: تمامًا … ولكن كيف عرفتِ؟

نوسة: لقد استنتجت كل شيء، ولكن بعد فوات الأوان؛ فقد لاحظت أن «حسني» كان مُتلهفًا على أخذ المفتاح منَّا وأعتقد أنه أحضر عددًا من الزبائن ليَشغلك بهم، ثم انتهز الفرصة وفتح الشقة وحده، أو معه بعض أفراد العصابة وبحثوا عن الشيء الذي يُريدونه، ولا أدري هل وجدوه أم لا … ثم عاد «حسني» إلى العيادة وكنت سيادتك ما زلت مشغولًا مع المرضى الذين أحضرهم.

قطع الدكتور حديث «نوسة» قائلًا: هذا كلام منطقي جدًّا، لقد كان عدد المرضى أكثر من المعتاد، وأكثرهم لم يكن مريضًا، وكانوا يتحدَّثون كثيرًا معي لإضاعة الوقت.

نوسة: وخرج «حسني» للصيدلية ولم يَعُد، وهو على كل حالٍ كان سيخرج ولا يعود؛ فقد انتهت مهمته عندك … ولا أدري ما إذا كانت المهمة انتهت بوجود الشيء الذي تريده العصابة، أم بعد أن تأكَّدوا أنه ليس عندك.

قال الدكتور بحيرة وضيق: ولكن ما هو الشيء الذي يبحثون عنه عندي؟

تنهد «تختخ» وهز رأسه قائلًا: هذا السؤال … كما يقول الكاتب الإنجليزي الكبير وليم شكسبير!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤