الشيء

كان السؤال عن أي شيء تبحث العصابة، أو هؤلاء الزوار، والمرضى، وغير المرضى … كان هذا السؤال هو المشكلة … ولكن هذا الشيء لا بد أنه مهم حتى يغامروا بهذا الشكل ويدسُّوا أحد أعوانهم على الدكتور لتتبُّع حركاته وسكناته.

بعد فترة قال «تختخ»: لو استطعنا دخول البيت ربما أمكَنَنا أن نعرف الإجابة عن السؤال … فلا بد أنهم فتَّشوا البيت هذه المرة تفتيشًا دقيقًا … فقد كان عندهم وقتٌ كافٍ وسيادتك مشغول بالمرضى المزيَّفين.

الدكتور: ولكن كيف ندخل الشقة والمفتاح أخذه «حسني» ولم يردَّه، والمفتاح الآخر مع زوجتي في المصيف؟

تختخ: في هذه الحالة نكسر القفل الموجود بالباب، ونُركِّب مكانه قفلًا جديدًا، على الأقل لا تستطيع العصابة بعد ذلك دخول المنزل إلا إذا كسرت الباب أو النافذة. والملاحظ أنهم لم يستعملوا العنف حتى الآن.

عاطف: لماذا لا يَستعملُون العنف؟

تختخ: هذا أفضل، فما دامُوا يَحصُلون على ما يُريدون دون عنف، فلماذا يستعملونه، ومن ناحية أخرى إنهم بهذا أبعدوا الشرطة عن القضية، فليس هناك شيء سُرق، ولا أحد اقتحم المنزل، ولو رَويتَ ما حدث لأيِّ شرطي لما وجد شيئًا يُخلُّ بالقانون إلا مفتاح الشقة الذي أخذه «حسني» ومن المُمكن أن يقال إنه سيعود، أو أصيب في حادث أو أي شيء، فليس هناك حتى الآن مخالفة واضحة للقانون.

الدكتور: على كل حال بدلًا من إضاعة الوقت في المناقشة، هيا بنا نُحضر نجارًا لفتح الباب، وتركيب قفل آخر؛ لأنني مرتبط بموعد في القاهرة ولا بد أن أذهب.

تحرَّك الأصدقاء جميعًا، وركبوا سيارة الدكتور «مختار»، وفي الطريق أخذوا نجارًا معهم واشتروا قفلًا جديدًا ثم اتجهوا إلى الشقة.

كان الشاويش فرقع يقف أمام العمارة مُتضايقًا، فقد جاء في موعده لعمل الكمين … فشرح له الدكتور ما حدث، فقال الشاويش: إني غير مُوافِق على تركيب قفل جديد للباب، دعوا القفل القديم مكانه بعد أن تَفتحوا الباب؛ فسوف تحاول العصابة دخول الشقة مرةً أخرى، وسوف تجدني في انتظارها.

تختخ: ولكنَّني أتصور أن العصابة لن تُعاود المُحاولة. لقد فتَّشوا الشقة مرتين، وفي المرة الثانية كان عندهم وقت كاف للبحث عما يُريدونه، فإذا كانوا وجدوه فقد انتهى الأمر … وإذا لم يكونوا قد وجدوه بعد التفتيش مرتين فسوف يَصرفُون النظر عن التفتيش مرة ثالثة.

لم يُوافق الشاويش، وباعتباره مُمثِّل السلطة الرسمية، فقد اتفق على فتح الباب وانصرف على أن يعود في اليوم التالي.

دخل الجميع إلى الشقة، وكان الظلام قد هبط فأضاءوا النور … وكانت مفاجأة لهم أن وجدوا الشقة مقلوبة رأسًا على عقب! وكان واضحًا أن العصابة قد فتشت كل ثقب في المكان؛ فالمقاعد مقلوبة … والصور منزوعة من مكانها … وأبواب الغرف التي كانت مُغلَقة قد فتحت … ووقف الدكتور «مختار» يَضرِب كفًّا بكف وهو يقول: شيء خرافي! ماذا حدث في هذه الدنيا؟! ماذا يُريد هؤلاء الناس منِّي! ليس في منزلي شيء خطير إلى هذه الدرجة … إلا إذا كنت لا أعلم عنه شيئًا.

ودار الأصدقاء ومعهم الشاويش فرقع بالشقة يبحثون، ثم سأل الشاويش الدكتور «مختار» السؤال التقليدي: هل هناك شيء فُقد من شقتك؟

قال الدكتور وهو في ثورة: لا أدري … لا أدري … ففي هذه الفوضى الشاملة لا يُمكنُني أن أعرف ما إذا كان هناك شيء ناقص أو لا!

ردَّت «نوسة» بهدوء: سنقوم بإعادة ترتيب الشقة، فمِن المهم جدًّا أن نعرف هل وجدت العصابة ما تبحث عنه أو لا … حتى نُحدِّد خطوتنا التالية …

قال الشاويش: ولماذا لا نَقبض عليهم ونعرف ماذا يريدون؟

تختخ: هذه خطوة مُمكنة إذا استطعت من الأوصاف التي يَعرفها الدكتور معرفة شكل هؤلاء الناس أو حتى وصف «حسني» لكي يُمكِن القبض عليه واستجوابه … أما نحن فسنَقُوم بترتيب الشقة، فما يُهمُّنا هو حل اللغز.

وانهمك الأصدقاء جميعًا في إعادة كل شيء إلى مكانه في الوقت الذي انسحب فيه الدكتور والشاويش إلى غرفة الموسيقى الصغيرة وجلَسا يتحدثان، والدكتور يصف الشخصين اللذين زاراه ليلًا ثم «حسني» وبقية أفراد العصابة الذين تظاهروا بأنهم مرضى … ولكن الشاويش لم يجد في ذاكرته أشخاصًا لهم نفس الصفات.

وكان الأصدقاء قد انتهوا من إعادة ترتيب الشقة، وقامت الفتاتان بالتنظيف حتى إن الدكتور ابتسم عندما رأى كل شيء في مكانِه نظيفًا ولامعًا.

قال الدكتور «مختار» وهو يطوف بالغرف وينظر إلى كل شيء وكل ركن بإمعان: مرة أخرى أُؤكد لكم أن شيئًا من منزلي لم يضع … لا شيء على الإطلاق … كل شيء في مكانه … حتى قطع الكريستال التي يُمكِن سرقتها لم تُسرَق … إن عقلي يكاد يطير … ماذا يريد هؤلاء الناس مني بالضبط؟!

قالت «نوسة»: أقترح يا عمي أن أعدَّ لك فنجانًا من القهوة، ثم تستمع إلى بعض الموسيقى لتهدأ أعصابك، وتَستطيع قضاء سهرتك في القاهرة.

الدكتور: اقتراح معقول جدًّا، وسوف أعتذر عن السهرة الليلة وأبقى معكم، ثم أدعوكم إلى عشاء خفيف هنا. ثم تَنصرفُون ويبقى معي الشاويش … فقد تحضر العصابة، وبودي أن أعرف منهم ماذا يريدون منِّي بالضبط.

وافق الجميع على اقتراح الدكتور، وبدءوا يُجهِّزون العشاء، وكانت فرصة لأن يأكلوا مع الشاويش عيشًا وملحًا ويَبدءوا معه علاقة جديدة مفيدة بدلًا من العلاقات السيئة التي بينهم وبينه.

ولكن برغم أن العشاء قد جُهز … فقد قُدِّر لهم ألا يتناولوه على الإطلاق … لقد اتَّضح كل شيء فجأة!

فقد دخل الدكتور غرفة الموسيقى ليختار بعض الأشرطة التي سيَسمعها مع الأصدقاء، ولكن بعد لحظات خرج وقد شحب وجهه … وبدا عليه الانزعاج الشديد، ثم قال بصوت حاول أن يجعله هادئًا: لقد سرقوا كل الأشرطة التي عندي!

توقف الجميع عن الحركة كأنما تجمَّدُوا في أماكنهم … وأخذوا ينظرون إلى الدكتور وقد أذهلتهم المفاجأة.

وكان أول من تحدث «تختخ» الذي ضرب جبهته بيده قائلًا: إنني أكبر حمار على وجه الأرض … لقد فكَّرت في هذا بضع مرات ولكني استبعدته … لقد جاءت العصابة أول مرة وهم يعلمون بواسطة «حسني» أن الغرفة الوحيدة المفتوحة هي غرفة الموسيقى … ومع ذلك حضروا … إذن فقد كانت غرفة الموسيقى هي هدفهم … إنهم يُريدون الأشرطة!

لوزة: ولكن لماذا لم يأخذوها أول مرة؟ … لماذا عادوا مرة أخرى؟

تختخ: ربما كانوا يبحثون عن أشرطة معيَّنة، لم يجدها الرجلان الأولان، ولما أخبرا العصابة بذلك تقرر أخذ كل الأشرطة ليبحثوا بينها عن الأشرطة التي يريدونها.

الدكتور: ولكن لماذا يُريدون سرقة الأشرطة … هل هي عصابة من هواة الاستماع إلى الموسيقى؟

أخذ الجميع يُفكِّرون في الإجابة عن هذا السؤال … ثم قال «محب»: لعلَّ عندك يا عمي أشرطة نادرة ليسَت موجودة، وتُساوي مبلغًا كبيرًا من المال لهذا يبحثون عنها.

الدكتور: عندي أشرطة فعلًا شبه نادرة، ولكن يُمكن لأيِّ هاوٍ أن يشتري الأسطوانات القديمة ويُسجلها على أشرطة، ولن تُكلِّفه المسألة إلا بضع عشرات من الجنيهات، ولو كانت العصابة تريد أن توفر هذه الجنيهات لسرقوا ما أمامهم من تحف تساوي المئات.

تختخ: هذا كلام معقول جدًّا … إن الأشرطة التي كانت تبحث عنها العصابة ليست مجرد أشرطة مسجل عليها أشياء مهمَّة … ولكن هل عندك يا دكتور أشرطة مسجل عليها شيء غير الموسيقى والأغاني؟

الدكتور: مطلقًا ليس عندي سوى الموسيقى والأغاني، وأحسَّ الأصدقاء باليأس يتسرَّب إلى قلوبهم … فبعد أن تصوَّروا أنهم حلُّوا اللغز، وقفوا أمام عقبة غامضة!

قالت «لوزة» فجأة: لعلك اشتريت أشرطة على أنها أشرطة موسيقى، والحقيقة أن عليها أشياء أخرى تهمُّ هذه العصابة …

كانت فكرة ممتازة حقًّا! وضرب الدكتور رأسه بيده قائلًا: معك حق، لقد اشتريت منذ أيام قليلة جهاز تسجيل ومعه بعض الأشرطة المستعمَلة ولكني لم أتمكَّن من سماعها … فالأولاد أخذوها معهم إلى المصيف؛ لأن الجهاز الجديد صغير وسهل الحمل، ففضلت زوجتي أن تأخذه معها، على أن نسمع الأشرطة معًا في الإسكندرية. قال «تختخ» وهو يُربِّت على كتف «لوزة» الذكية: لقد انكشف الغموض؛ فالعصابة تريد هذه الأشرطة بأيِّ ثمن، وقد حضر الرجلان للبحث عنها أولًا، ولكنهما لم يجداها، وفي الثانية قررت العصابة أن تأخذ جميع الأشرطة لعلها تعثر بينها على الشرائط المطلوبة.

جلس الجميع وقد أحسوا براحة لأنهم وصلوا إلى حلِّ اللغز … ولكن فجأة قال «محب»: هل يعلم «حسني» أن الأولاد في الإسكندرية؟ … وهل يعرف عنوانهم؟ قد تستنج العصابة أن الأشرطة في الإسكندرية.

قفز الدكتور واقفًا وقال: «حسني» يعرف أنهم في الإسكندرية، ولكنِّي لا أذكر هل يعرف عنوانهم أو لا …

قال «عاطف»: أعتقد أن علينا أن نذهب إلى الإسكندرية فورًا … أولًا لنسبق أفراد العصابة قبل أن يسطوا على منزلك في الإسكندرية وقد يُصيبون الأولاد بأذًى … وثانيًا حتى نستمع إلى هذه الأشرطة ونَعرف السر في اهتمام العصابة بها.

واتفقوا على أن يُسافر «تختخ» و«محب» و«نوسة» مع الدكتور، ويبقى «عاطف» و«لوزة» في المعادي … وبعد ساعة كان كلٌّ منهم قد أحضر حقيبتَه وانطلقت سيارة الدكتور تشق الظلام إلى الإسكندرية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤