أين الشرائط؟

كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشرة دون أن يظهر أثر لأسرة الدكتور «مختار»، وأحس الرجل بالقلق، فأخذ يتنقل بين الشرفة الواسعة على البحر والغرف الداخلية، وكانت شوارع المعمورة حافلة بالمارة … من المُصطافين والزوار … والباعة … والحياة كلها تضجُّ بالحركة …

قالت «نوسة»: إنني مُتعَبة جدًّا وفي حاجة للراحة … سأدخل لأنام، وأرجو إيقاظي إذا حضروا.

بقيَ الدكتور و«تختخ» … و«محب» … يسودهم الصمت … وتتردَّد في رءوسهم الأفكار … ماذا حدث للأسرة وماذا حدث للشرائط؟ وكانوا كلما توقفت سيارة قريبة منهم أسرعوا يُطلُّون عليها. وبعد فترة وقفت سيارة تاكسي بجوار الفيلا. وعندما نظر «محب» إليها صاح: لقد عادوا. أسرع الجميع ينزلون … كانت زوجة الدكتور وابنته «عالية» وابنه «أحمد» ينزلون من السيارة فعلًا … ودُهشَت الزوجة عندما رأت الدكتور ومن معه … ولكن دهشتها زادت عندما سألها الدكتور: أين جهاز التسجيل؟

ردت ببساطة: لقد كان معنا في الفرح.

الدكتور: وأين هو الآن؟

الزوجة: لقد تركْناه هناك.

كانوا قد دخلوا الفيلا … وأخذ «محب» و«تختخ» و«عالية» و«أحمد» يستمعون إلى الحوار الدائر بين الدكتور وزوجته باهتِمام … ومضَت الزوجة تشرح ما حدث قائلة: لقد دُعينا إلى فرح عند بعض أصدقائي الذين أعرفهم من المعادي وقد طلبُوا أن نُحضرَ معنا جهاز التسجيل ليسجلوا عليه هذه المناسبة السعيدة … فأخذنا معنا جهاز التسجيل …

الدكتور: وأين الجهاز الآن؟

الزوجة: لقد طلبت العروس أن نتركَه لتستمع إلى التسجيل. فلم أجد مانعًا من ذلك. خاصة وأننا لم نَجد على أكثر الأشرطة أغانيَ أو موسيقى كما كنا نتصوَّر.

تدخل «تختخ» في الحديث قائلًا: وماذا كان عليها إذن؟

قالت الزوجة وهي تحاول التفكير: لا أذكر بالضبط … ولكن كان عليها كلام كثير … كلام بين رجال كانوا في جلسة خاصة.

قال الدكتور باهتمام: ألا تَذكُرين شيئًا منه؟

الزوجة: لا، لا أذكر؟

تختخ: وهل سجَّلتم الفرح على نفس الأشرطة بعد أن محوتم الكلام المسجل عليها؟

الزوجة: لا لقد استمرَّ الفرح نحو ثلاث ساعات ويبدو أننا سجَّلنا شريطًا واحدًا على وجهين. وهناك ثلاثة أشرطة أخرى بقيَت كما هي.

محب: وماذا نفعل الآن؟ هل نذهب لإحضار الأشرطة من عند العروسَين؟

نظر الدكتور إلى ساعته … كانت تقترب من الواحدة صباحًا فقال: إنه موعد غير مناسب على الإطلاق!

ثم التفت إلى زوجته قائلًا: وهل غادرتُم الفرح بعد انتهائه؟

الزوجة: لا، لقد تركناه وما تزال هناك بعض فقرات باقية …

محب: أقترح أن نذهب فورًا …

الزوجة: ولكن ما أهمية هذه الأشرطة؟ إنها كلها لا تُساوي بضعة جنيهات …

قال الدكتور: لقد دارت حول هذه الأشرطة مشاكل لا نهاية لها … وتعرَّض منزلنا في المعادي للسطو مرتين.

وأبدت الزوجة و«عالية» و«أحمد» دهشتهم لهذه الإجابة، فشرح لهم الدكتور بسرعة كل ما حدث منذ دخول المريضين عنده حتى حضورهم إلى الإسكندرية … والاستِنتاجات التي توصَّلُوا إليها حول هذه الأشرطة.

وعاد الدكتور يسأل: وهل عند أصحاب الفرح تليفون؟

الزوجة: لا، إنها شقة جديدة لم يدخل بها تليفون.

محب: لا زلت أقترح يا عمي أن نَذهب فورًا، لعلنا نصلُ في وقتٍ مناسب ونستعيد الأشرطة … أو ما بقيَ منها بدون تسجيل.

وافق الدكتور على الاقتراح، وأسرع هو و«محب» و«تختخ» إلى السيارة بعد أن حصلوا على العنوان من زوجة الدكتور …

مرةً أخرى كانوا في سباق مع الزمن … هل يصلون في وقت مناسب؟ هل يحصلون على الأشرطة؟ وهل ما زال على الأشرطة الحديث الهام الذي تسعى العصابة للحصول عليه.

أسئلة كثيرة في رءوسهم وهم ينطلقون بالعربة بأقصى سرعة في طريقهم إلى مكان الفرح بعيدًا في المنشية …

أخيرًا وصلوا إلى مكان الفرح … وكان السرادق الذي أقيم به الفرح ما زال مُضاءً، ولكن المدعوِّين كانوا قد انصرفوا كلهم تقريبًا … وبدأ العُمال ينزلون الزينات … ويطفئون الأنوار.

أوقفوا السيارة وأسرع الدكتور يتحدَّث إلى أحد العمال قائلًا: مِن فضلك هل هذا فرح الأستاذ «مدحت فراج»؟

قال الرجل مبتسمًا: نعم … ولكنَّكم وصلتم بعد الهنا بسنة … فقد انتهى الفرح منذ نصف ساعة … لقد كان فرحًا جميلًا …

الدكتور: وأين العريس والعروس؟

الرجل: لقد ذهبوا لقضاء بقية السهرة بدعوة من بعض الأصدقاء في كازينو.

الدكتور: أي كازينو؟

الرجل: لا أعلم.

الدكتور: أليس هناك أحد من أقارب العروسين هنا؟

الرجل: لا … لقد رحلوا جميعًا …

نظر الدكتور إلى «تختخ» و«محب» مُتضايقًا ثم قال: أعتقد أننا عملنا ما علينا، ولا داعيَ للاستمرار في هذه المغامَرة المُتعِبة، وليذهب جهاز التسجيل والأشرطة والعصابة كلها إلى الجحيم.

قال «تختخ»: ولكن تذكَّر يا دكتور أن العصابة لن تتركك في حالك ما دام جهاز التسجيل عندك.

الدكتور مُتضايقًا: ولكنه ليس عندي الآن … ثم إنني لستُ من هواة المغامرات وحل الألغاز، ولا يُهمني ماذا على الأشرطة … لقد كنتُ مهتمًّا فقط بالاطمئنان على أسرتي … وبعد هذا لن أبحث عن شيء.

واتجه الدكتور إلى السيارة، ووقف «تختخ» و«محب» ينظران أحدهما إلى الآخر وقد أحسَّا أن المغامرة قد انتهت دون أن يَحُلا اللغز.

اتجها معًا إلى السيارة. وفجأةً قال «محب»: ما رأيك يا دكتور أن نبحث عن العروسين في الكازينوهات؟ إنهما طبعًا سيذهبان إلى كازينو درجة أولى … وعددها لا يزيد على خمسة أو ستة كازينوهات … وسوف نستطيع الوصول إليهما في أقل من ساعة.

فكَّر الدكتور قليلًا ثم أدار السيارة واتجهوا إلى كازينو سان ستيفانو … وسألوا عامل الباب عن عروسين دخلا الكازينو، فقال إنه لا عرسان هناك … ومن سان ستيفانو إلى الشاطبي ومرة أخرى لا شيء … إلى سانتا لوتشيا لا شيء … مرُّوا بأكثر الكازينوهات … والدكتور ضيق الصدر وأخيرًا وصلوا إلى ملهى بلاي بوي … وقال عامل الباب إنَّ عريسًا وعروسة قد حضرا من نحو ساعة وأنهما ما زالا بالداخل مع المدعوِّين …

أحس الثلاثة أنهم وصلوا أخيرًا في الوقت المناسب … وسرعان ما وقعت أبصارهم على عروسَين يجلسان بين عدد كبير من المدعوِّين على إحدى الموائد … فوقفوا ينظرون إليهما في أمل كبير …

قال «تختخ» للدكتور: تعرف العريس أو العروس؟

الدكتور: أبدًا. إنهم كما قالت «رجاء» زوجتي من أقارب أصدقائها الذين تَعرفهم من المعادي وأنا لا أعرفهم.

محب: إذن كيف سنتحدَّث إليهما؟

الدكتور: أنا شخصيًّا أخجل جدًّا من الحديث إلى الغرباء … خاصة في مثل هذا الموضوع … كيف أذهب إليهما وأسألهما عن جهاز تسجيل وأشرطة … في هذه اللحظة … وهما لا يَعرفانني؟

واتجهت أنظار الدكتور و«محب» إلى «تختخ» … كان هو المرشح الوحيد الذي يمكن أن يُقدِم على هذه المغامرة.

لم يستطع «تختخ» أن يمنع نفسه من الابتسام، وهو يشدُّ قامته قائلًا: لقد خضت عشرات المغامرات … ودخلت في غُرَف مغلقة … وفي نيران مشتعلة، وقابلتُ أعتى المُجرمين … ولكنني لم أشعر بالرهبة بقدر ما أشعر بها الآن! ثم تقدم ببساطة إلى العروسين وسلم عليهما بين دهشة الحاضرين وقبل أن يسألهما عن اسم العريس … تذكر أن في إمكانه أن يسأل أحد المدعوِّين، وهكذا مال على أحدهم وسأله: ما اسم العريس من فضلك؟

وابتسم الرجل ابتسامة دهشة وقال: هل تُسلِّم على العريس دون أن تعرفه! هذا شيء مُضحِك للغاية.

وقبل أن يتمكَّن «تختخ» من إيضاح موقفه كان الرجل قد أخبر المدعوِّين حوله وانطلقت الضحكات من كل الجالسين … كان الموقف مُحرِجًا للغاية ﻟ «تختخ» ونظر من بعيد فوجد الدكتور و«محب» ينظران إليه وهما يَضحكان.

وأحسَّ أن المغامرة قد انقلبت إلى نكتة مضحكة.

لاحظ أحد المدعوِّين حيرة «تختخ» فسأله: لماذا تسأل عن اسم العريس … هل هناك مسألة مهمة؟

رد «تختخ»: نعم هناك مسألة مهمة تخصُّ العريس «مدحت فراج» فهل هذا العريس اسمه «مدحت».

رد الرجل مبتسمًا: للأسف ليس هو العريس المقصود، إنَّ هذا اسمه «فريد عليوة» وليس «مدحت».

شكر «تختخ» الرجل وانسحب مُسرعًا، وهو يتصبَّب عرقًا، وأسرع إلى الدكتور و«محب» وكان واضحًا أن مهمَّته قد فشلت، فقال الدكتور وهو يستدير ليخرج: لقد فعلنا كل ما بوسعنا … وآن لنا أن نعود لنستريح؛ فإن قيادة السيارة طول النهار قد أتعبتني …

لم يكن أمام الصديقين ما يمكن عمله إزاء هذا الموقف، وهكذا ألقيا بنفسيهما في السيارة وانطلقت بهما عائدة إلى المعمورة، وقد أحسَّا بالفشل والتعب معًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤