سباق السيارات

انطلقت سيارة الدكتور «مختار» تشقُّ طريقها إلى الطريق الصحراوي مسرعة … كانت السيارة من طراز فولكس فاجن، وبرغم أنها سيارة صغيرة، إلا أنها سريعة كالشيطان … فلم تكد تصل إلى أول الطريق الصحراوي حتى أطلق لها الدكتور العنان، فانطلقت تطير … وكان «تختخ» و«محب» يراقبان السيارات التي تسير حولهم وأمامهم وهما يبحثان عن السيارة النصر الحمراء. والمرسيدس الزرقاء … قال «تختخ»: لحسنِ الحظ الطريق الصحراوي ليس مزدحمًا. ومن السهل العثور على السيارتين فيه.

مضت فترة من الوقت والسيارة الصغيرة تُسابق الريح … و«تختخ» و«محب» ينظران هنا وهناك … وفجأة أشار «محب» إلى نقطة حمراء بعيدة أمامهم تصعد أحد مُرتفَعات الطريق وقال: هناك سيارة حمراء أمامنا … إنني لا أعرف ما إذا كانت من طراز نصر أو لا، ولكن من المؤكَّد أنها حمراء …

كانت السيارة الحمراء التي رآها «محب» قد اختفت بعد المُنحنى … وأخذ الدكتور يضغط على البنزين والسيارة الصغيرة تَرتعِد وهي تَمضي على أقصى سرعتِها مُتجاوِزة السيارات التي كانت تسبقها … والتي كان ركابها يُبدون دهشتهم لسرعة السيارة.

بعد لحظات ظهرت السيارة الحمراء أمامهم مرةً أخرى واقتربوا منها كثيرًا ولكن «تختخ» قال: للأسف، إنها ليست سيارة نصر … إنها سيارة من طراز أوبل، ولكن يجب ألا تخفض السرعة.

ومضت السيارة الفولكس تشق طريقها … والصديقان ينظران إلى الأمام بقدر ما يستطيعان لعلهما يعثران على أثر للسيارة الحمراء … أو السيارة الزرقاء ومضَت فترة أخرى … ثم لفَت نظر «محب» … سيارة زرقاء تَمضي مسرعة على مبعدة أمامهم فلفت نظر الدكتور إليها فقال الدكتور: نعم إنني أراها، ولكنَّني لا أستطيع زيادة السرعة … وإلا كنا عرضة لحادث …

بعد لحظات تأكدوا أن السيارة الزرقاء التي أمامهم من طراز مرسيدس، فأخذ الدكتور يضغط على البنزين مرة أخرى … متجاوزًا السيارات التي أمامهم بمهارة فائقة حتى استطاعوا أخيرًا أن يصبحوا على بُعد نحو ٣٠٠ متر من السيارة المرسيدس، وأخذت الفولكس الصغيرة تزأر على الأسفلت الأسود … كأنها كلب صيد قد عثر أخيرًا على فريسته … وبدأت المسافة تضيق تدريجيًّا ٢٥٠ مترًا … ٢٠٠ متر … ولكن يبدو أن ركاب السيارة الزرقاء أحسوا بالمطاردة فبدءوا يزيدون من سرعتهم تدريجيًّا وأخذت المرسيدس القوية تشقُّ طريقها مُبتعدة … ولكنها على كل حال لم تغب عن أبصارهم …

أخيرًا اقتربوا من الرست هاوس قرب منتصف الطريق بين القاهرة والإسكندرية … وكانت السيارة المرسيدس … قد وقفت لحظات ثم استأنفت سيرها السريع، فقال «تختخ»: إنهم بالتأكيد يسألون عن السيارة النصر الحمراء … ولا بدَّ أنهم عرفوا أنها كانت هنا ثم عاودت السير … فقد ضاقت المسافة بيننا وبينهم …

رد الدكتور وهو ينظر إلى مؤشر البنزين: للأسف إنني نسيت أن أضع بنزينًا كافيًا في السيارة، وقد أوشك على النفاذ.

لم ييئس «تختخ» وقال: نستطيع أن نتزود من البنزين في دقائق قليلة من الرست هاوس ثم نُعاود الانطلاق …

اتجهوا فورًا إلى محطة البنزين التي أمام الرست هاوس وهناك سأل … «محب» عن السيارة النصر الحمراء وركابها، فقال عامل البنزين إنه رأى سيارة مماثلة كان أصحابها قد نزلوا لتناول المرطبات في الرست هاوس ثم استأنفوا سيرهم منذ نحو عشر دقائق …

امتلأت الفولكس بالبنزين … ثم دار موتورها وانطلقت تزعق على الطريق … وكانت السيارة الزرقاء قد غابت عن أنظارهم، ولكن بعد دقائق بدت من بعيد وأطلق الدكتور للسيارة الفولكس العنان، فمرقَت كالصاروخ تلحق بالمرسيدس … وبعد دقائق كانوا قد أصبحوا على مقربة منها … وفجأة ظهرت النصر الحمراء … أيضًا … وأصبحت السيارات الثلاث تسير واحدة وراء الأخرى … النصر الحمراء والمرسيدس الزرقاء … والفولكس البيضاء … وقال «تختخ» وقد دب فيه الحماس: أخيرًا أصبحنا على مقربة من الأشرطة … ومن حل اللغز … ولكن ماذا ستفعل العصابة؟

أخذت المرسيدس تقترب مسرعة من النصر الحمراء … والفولكس خلفهما … وفجأة شاهد الأصدقاء وقلوبهم ترتجف المرسيدس وهي تُناور لتوقف النصر الحمراء الصغيرة … كان سائق المرسيدس يقترب من جانب السيارة النصر مُحاولًا أن يجعلها تقف أو تدخل الرمال مُضطرَّة … وأخذ الدكتور و«محب» و«تختخ» يُراقبون المناورة المخيفة وقد أصابهم الفزع … وفي لحظة حدث كل شيء … كانت المرسيدس قد تجاوزت النصر الحمراء وهي بجوارها تمامًا … وحاول قائد المرسيدس أن يقف أمام النصر ليضطرَّها إلى الوقوف … ولكن المرسيدس انحرفت بشدة ودخلت في الرمال مسرعة … وقبل أن يتمكَّن قائدها من السيطرة عليها انقلبت على ظهرها!

توقفت السيارات المارة، وتوقفَت النصر الحمراء … وتوقفت الفولكس، ونسي الجميع في لحظة الرعب ماذا يجرُون من أجله … ولم يعد أمامهم إلا الحادث والمصابون …

أسرع عدد من ركاب السيارات الواقفة إلى السيارة المرسيدس وخطف الدكتور «مختار» الحقيبة الطبية … ونسيَ في هذه اللحظة العصابة والأشرطة والمطاردة … وتذكر فقط أنه طبيب وأمامه واجب إسعاف المصابين.

استطاع الرجال إخراج ركاب العربة المرسيدس وقد أصيبوا إصابات بالغة … وكانت النار قد اشتعلت في السيارة المقلوبة، فابتعدوا عنها، وأخذ بعضُهم يحاول إطفاءها بالرمال.

قال أحد الرجال: علينا أن نتصل من تليفون الطوارئ بقوات شرطة الحدود … لإحضار الإسعاف.

وفعلًا تحرَّكت سيارة للتنفيذ في أسرع وقت، وأسرع «تختخ» معهم؛ فقد قرَّر في هذه اللحظة التحدث إلى المفتش «سامي» ليضع أمامه القصة كاملة ويضع بين يديه العصابة.

ووصلوا إلى التليفون، وتم الاتصال بشرطة الحدود عن الطريق الصحراوي وطلب منهم «تختخ» إخطار المفتش «سامي» ليَحضُر للأهمية، ثم عادت السيارة مرة أخرى إلى مكان الحادث.

كانت إصابات ركاب المرسيدس خطيرة ولكنها لم تكن مُميتة، وكان الدكتور قد مدَّدهم على جانب الطريق وأخذ يُجري لهم الإسعافات اللازمة، أسرع «تختخ» إلى «محب» قائلًا: هيا بنا إلى السيارة النصر … لنسأل عن الأشرطة … إنها فرصة قبل أن تتحرك …

محب: على كل حال لن تتحرك السيارة قبل وصول رجال الشرطة للتحقيق في الحادث.

أسرع الصديقان إلى السيارة النصر … التي كان سائقها رجلًا عجوزًا وقورًا، كان واضحًا أنه والد «مدحت» العريس … فقدم له «محب» نفسه وطلب منه التعرف على أسرته لرسالة عاجلة من زوجة الدكتور «مختار».

وكانت السيدة «دولت» أم «مدحت» تجلس مع أولادها وقد أصابهم انزعاج شديد من الحادث … فعرَّفها «محب» بنفسه، وقال لها: لقد أعطتك زوجة عمي جهاز تسجيل أمس لتسجلوا عليه فقرات الفرح … نحن يُهمنا جدًّا الحصول على هذا الجهاز والأشرطة التي معه لأسباب سأشرحها لك فيما بعد.

وجاءت مُفاجأة المفاجآت عندما قالت السيدة دولت ببساطة: لقد أرسلت الجهاز إلى زوجة الدكتور «مختار» هذا الصباح، فليس من المعقول أن آخذه معي إلى المعادي وهي تُريد الاستمتاع به في المصيف … ألم تُخبرْك بذلك؟

وقف «محب» و«تختخ» في حالة ذهول تام … فقالت السيدة: ماذا حدث … ألا تسمعني؟!

استعاد «محب» نفسه وقال: آسف جدًّا … ولكن الحقيقة أننا خرجنا قبل أن يصل الجهاز إلى منزل الدكتور … وذهبنا إلى العريس «مدحت» في شقتِه وأخبَرَنا أن الجهاز معك … فتصورنا أنك ستأخذينه معكِ إلى المعادي.

قالت السيدة: لقد أخذت الشريط الذي سجلنا عليه الفرح فقط وبقية الأشرطة أرسلتها مع الجهاز إلى السيدة «رجاء» وأرسلت لها علب الملبس لأنَّها نسيت أن تأخذها أمس … ولكن هل كنتم تُطاردوننا من أجل الجهاز؟

قال «محب»: إنها قصة طويلة يا سيدتي … والسيارة المرسيدس كانت تُطاردكم أيضًا.

السيدة: لماذا؟ … ماذا كان في جهاز التسجيل أو هذه الأشرطة؟

محب: لا نعرف … حتى الآن … ولكن قد نَعرف فيما بعد.

عاد «تختخ» و«محب» إلى حيث كان الدكتور ما زال مُنهمكًا في إسعاف المصابين فوقفا بجانبِه فلما رآهما قال: إنَّ الرجل المفتول العضلات بين المصابين … وكذلك «حسني» الممرض. لقد كانت استنتاجاتنا كلها صحيحة … ولكن المُهم هل وجدتما الأشرطة؟

ولم يملك «تختخ» نفسه من الابتسام قائلًا: لقد كان في إمكاننا أن نُوفِّر كل هذه المطاردة لو أننا اتصلنا بمنزلك في المعمورة تليفونيًّا، فالجهاز والأشرطة الباقية في أمان هناك … والعصابة كلها ممدَّدة على الأرض هنا … ولكن بقيت الإجابة عن هذا السؤال … ماذا على الأشرطة؟!

مضت نصف ساعة تقريبًا … وكانت سيارة الشرطة قد وصلت وسيارة الإسعاف وبدأ التحقيق في الحادث … ثم وصل المفتش «سامي» فأسرع إليه «تختخ» فلم يَكد المُفتِّش يراه حتى صاح: ماذا حدث؟ لماذا استدعيتَني؟

وقف «تختخ» أمام المفتش يَبتسِم ثم قال: سأروي لك قصة مُضحكة … ولولا أنني أعرف أنك تُصدقني لما رويتها لك …

وجلس المفتِّش و«تختخ» و«محب» … في سيارة المفتِّش وروى «تختخ» للمفتش القصة كلها … ولم يَكد «تختخ» ينتهي من حكايته حتى قفز المفتش واقفًا وقال: تعالَيا معي فإذا لم أكن مخطئًا فقد وقعتم على عصابة «سنج» الخطيرة التي دوخت رجالنا وقتًا طويلًا!

وأسرع المفتش إلى حيث كان المصابون ينقلونهم إلى سيارة الإسعاف فلما رآهم قال: تمامًا … إنها عصابة «سنج»! ثم استدعى بعض رجاله لحِراسة المصابين، والتفت إلى «تختخ» قائلًا: هل تريد أن تعرف ماذا كان على هذه الأشرطة؟

ابتسم «تختخ» قائلًا: وهل تعتقد أنني بعد كل هذا لا أريد أن أعرف … ولكن أرجو أن تنتظر حتى ينضمَّ إلينا الدكتور «مختار» الذي شاركَنا المغامرة. ومن حقِّه أن يعرف السر أيضًا …

وقف «محب» و«تختخ» والدكتور «مختار» حول المفتش الذي قال: لقد استطاعت هذه العصابة أن ترتكب سلسلة من السرقات الخطيرة دون أن نتمكَّن من القبض على أفرادها، فلم يكن عندنا أيَّة أدلة. ثم استطاع أحد رجالنا أن يضع جهازًا للتسجيل في مقر العصابة بواسطة خادم … وظل يُسجِّل ليلة كاملة وهم يتحدَّثون عن مغامراتهم وسرقاتهم، ولكن الخادم خانَنا وخان العصابة، فانتهز فرصة نومهم وأخذ جهاز التسجيل والأشرطة وبعض المسروقات الثمينة التي وجدها في مقر العصابة وباعها وهرب. واستطاعت العصابة أن تصلَ إلى الخادم فاعترف لها بما فعل … فتتبعوا الجهاز حتى عرفوا أن الدكتور «مختار» قد اشتراه هو وأشرطة التسجيل فحاوَلُوا استعادتهما بأي ثمن … هذه هي قصة الأشرطة وهذا هو لغز المطاردة المثيرة التي تمَّت بينكم وبين العصابة.

نظر الدكتور «مختار» إلى «محب» و«تختخ» قائلًا: لن أشتريَ شيئًا مرة أخرى حتى أعرف مصدرَه … فلستُ على استعداد لدخول مغامرات أخرى … وسأعود الآن إلى الإسكندرية لأرتاح.

قال المفتش: سأُرسل معك أحد رجالي ليعود بالأشرطة والجهاز؛ فلا بد أن الأشرطة الباقية عليها جزء هام من الاعترافات. ثم التفتَ إلى «تختخ» و«محب» قائلًا: أما أنتما أيها المغامران البارعان فهيا معي إلى القاهرة. فتنهَّد «تختخ» و«محب» في نفَسٍ واحد قائلين: نعم … هيا بنا!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤