الأحداث تتلاحق

كان الرجل كأنما يقرأ أفكارهما فقال: اسمي «أحمد»، وأنا ضابطٌ من خفر السواحل، وعندنا معلوماتٌ عن عمليةٍ معيَّنةٍ ستتمُّ في هذه المنطقة، وآسف أنني لا أستطيع أن أقول لكما ماذا سيحدث بالضبط؟ ولكن من الأفضل لكم أن تكونوا بعيدين عمَّا سيدور!

نوسة: ولكن ليس لنا مكانٌ نذهب إليه … إننا من القاهرة وقد جئنا لقضاء إجازة في هذا المكان، والسيارة التي حملتنا إلى هنا قد عادت إلى القاهرة!

فكَّر الضابط لحظاتٍ ثم قال: إذن في هذه الحالة عليكم أن تلزموا الفيلا، ولا تغادروها أبدًا — خاصة في الليل — إنكم قد تتعرَّضون للموت إذا خرج أحدكم!

نوسة: إننا نعدُك بذلك!

الضابط: وسيكون بعض رجالنا قريبِين من هذا المكان، فإذا حدث شيءٌ …

ثم فكَّر لحظاتٍ وقال: سأعود بعد لحظاتٍ.

وخرج ثم عاد بعد لحظات ومعه جهازٌ صغيرٌ من أجهزة «الوكي توكي» وقال لنوسة: هل تَعرفين كيفية استعمال هذا الجهاز؟

نوسة: أستطيع أن أتعلَّم.

أخذ الضابط يشرح «لنوسة» كيفية استعمال الجهاز … الضغط على هذا المفتاح، ثم الاستماع، ثم ترك المفتاح والتحدث، ثم قال: المسألة بسيطةٌ كما ترَين! ثم أضاف: إذا شاهدتم أضواءً مريبةً تصدر من الشاطئ، أو أحسستم بشيءٍ غير عاديٍّ يحدث حولكم، فعليكم باستخدام الجهاز … وسأكون أنا، أو بعض رجالي قريبِين منكم!

نوسة: شكرًا … ألا نُعِدُّ لك كوبًا من الشاي؟

قال الضابط مبتسمًا: شكرًا لكما، إنني مُضطرٌّ للانصراف.

انهمكتِ الصديقتان في إعداد السمك، ومرَّت ساعتان، كان الطعام خلالهما قد أُعِدَّ … وقالت «لوزة»: ماذا يُمكن أن يحدث في هذا المكان؟

نوسة: لقد فكرت في نفس السؤال، وأعتقد أنها عملية تهريبٍ كبيرة تتمُّ على الشاطئ؛ ففي الفترة الأخيرة ركَّز مُهرِّبو المخدرات نشاطهم على الشاطئ الشمالي الغربي، حيث يجلبون شحنات المخدرات بواسطة قوارب إلى الشاطئ، ثم يُخفون المخدرات تحت الرمال، ويتركونها حتى يحين أوانُ نقلها!

لوزة: ورجال خفر السواحل يتصدُّون لهم؟

نوسة: نعم … وهناك طريقة أخرى يُسمُّونها طريقة «التصبير» ومعناها وضع المخدرات في صفائح، وإلقاؤها في البحر، وربط كل صفيحةٍ بحبلٍ طويلٍ تنتهي بقطعةٍ من «الفلين» أو «بالونة» من البلاستيك تعوم قرب سطح الماء بحيث لا تظهر على السطح، ثم يعود المُهرِّبون في وقتٍ مناسبٍ؛ لانتشال الصفائح بواسطة هذه الحبال!

لوزة: يَا لهم من مجرمين!

نوسة: إنهم يَلجئون لكل الطرق لتهريب هذه السموم إلى بلادنا العزيزة؛ لتحطيم قدرتنا على العمل وجنْي الأرباح الطائلة … ليتنا نشترك في القبض عليهم!

ظهر أول المغامرين … كان «تختخ» بالطبع؛ فقد كان جوعه، وحبُّه للطعام لا يساويه إلا حبه للمغامرات والألغاز.

صاحت «لوزة»: سوف نشترك في القتال!

بدت الحيرة على وجه «تختخ» وقال: هل ستنقلب المنطقة إلى ساحة قتالٍ؟

لوزة: نعم.

قالت «نوسة» معاتبةً: المسألة ليست هكذا بالضبط؟

وشرحت «نوسة» ﻟ «تختخ» ما جرى …

وقال «تختخ» معلقًا: إذن سوف نَلزم أماكننا هذه الليلة.

نوسة: تمامًا.

وظهر بقية المغامرين … وبعدهم «عم سالم»، وسرعان ما وُضع الطعام، وانهمك الجميع في الأكل وهم يتحدَّثون، وقال «عم سالم» بعد أن سمع قصة الضابط: لقد تكررت المحاولات في السنين الماضية، عشرات العمليات، وكانت المنطقة تتحوَّل حقًّا إلى ساحة قتالٍ حقيقيةٍ، فهؤلاء المهرِّبون يحملون أسلحةً فتَّاكةً حديثة؛ من رشاشات وبنادق وغيرها.

كان الغداء المتأخِّر، والتعب من لعب النهار، والعمل في القارب، من الأسباب التي دعت الجميع إلى الإخلاد للراحة، وهكذا سكنَت الفيلا تمامًا، حتى هبط المساء.

كانت «لوزة» هي أول مَن استيقظ، وكان الظلام يَشمل الفيلا فشعرتْ بقدرٍ من الرهبة، وأسرعت إلى مفتاح الموتور فأدارته، وسرعان ما أتى الضوء بالاطمئنان … وعلى صوت المُحرِّك استيقظ بقية الأصدقاء، وأسرع «محب» يُعدُّ الشاي للجميع، فليس هناك خروج هذا المساء، وعليهم أن يقضوا وقتًا مرحًا، وهكذا وضع بجوار الشاي أوراق الكوتشينة، واستعدَّ هو والزملاء لقضاء ليلةٍ هادئةٍ، ولكن أحلامهم تبددتْ، فمن إحدى النوافذ المفتوحة على الصالة، اندفع حجرٌ متوسط الحجم كالقذيفة، وارتطم بأحد المقاعد ثم سقط على الأرض.

والتفت الجميع إلى الحجر … ظنوا أوَّلًا أنه مجرَّد حجرٍ ألقاه شخصٌ عابثٌ، ولكن في هذه المنطقة الموحشة والبعيدة عن العمران ليس من السهل وجود شخصٍ بهذه الصفة، والحقيقة أنه لم يكن مجرد حجرٍ، فقد كانت هناك ورقةٌ ملفوفةٌ بعناية عليه، ومربوطةٌ بقطعةٍ من الدوبارة.

اندفع الحجر إلى الداخل، واندفع «زنجر» إلى الخارج، تمَّ ذلك كله في ثوانٍ قليلةٍ، لم تترك فرصة للمغامرين بمنع «زنجر» من الخروج، وعندما أفاقوا من دهشتهم لكلِّ ما حدَث سمعوا صوت زمجرةٍ تصدر من بعيدٍ، ثم نباحًا متصلًا، ثم عواءً مُؤلمًا … واندفع «محب» خارجًا وتبعه «نبيل»، في حين أمسك «تختخ» بالحجر، وأخذ يفكُّ الرباط بسرعةٍ … كانت الورقة عليها كتابة باللغة الفرنسية … ولم يكن «تختخ» يُجيدها تمامًا، فناول الورقة إلى «نوسة» ثم خرج هو الآخر من الباب، وأخذ يجري إلى حيث كان «زنجر» يَعْوِي مُتألِّمًا.

على ضوء القمر البعيد، شاهد «تختخ» شبحًا يَجري، وشاهد ظلَّي «محب» و«نبيل» وهما يسرعان خلفه، وكان «زنجر» قد أقعى على الأرض، وأخذ ينبح متألمًا … صاح «تختخ»: عُدْ يا «نبيل»، عُدْ يا «محب»!

كان يخشى أن يجرهما الرجل إلى حبل الرمال، ثم يتمكَّن مع بعض زملائه من أَسْر الصديقين، أو إصابتهما، أو حتى قتلهما … واستمع «محب» و«نبيل» إلى نداء «تختخ»، وتوقَّفا عن متابعة الرجل … وأسرعا إلى «زنجر»، كان الكلب الأسود قد أُصيب بضربةٍ قاسيةٍ أسالت الدماء من أنفه وفمه، وبَدَا حزينًا ومُتوتِّرًا، وعندما انحنى «تختخ» ليرى ما به لاحظ أنه يرفع قدمه اليسرى أيضًا، لقد أُصِيبَ بضربةٍ قويةٍ عليها … وحمله «تختخ» وثورة الغضب تهبُّ في نفسه … إنَّ الاعتداء على «زنجر» هو أكثر من اعتداء عليه، وأحسَّ برغبة الانتقام تثور في نفسه؛ ولكنه في نفس الوقت كان يعلم يقينًا ألَّا فائدة من محاولة متابعة ذلك المجهول، فمن الممكن الاشتباك في معركةٍ خاسرةٍ.

عادوا إلى «الفيلا»، وكانت الرسالة في يد «نوسة» وقد ترجمتها في ذهنها، فلما دخلوا قال «تختخ»: ماذا في الرسالة يا «نوسة»؟

قرأتْ نوسة بصوتٍ مُتهدِّجٍ: إننا نرصُد كل تحرُّكاتكم، ونحن ننصحكم بالابتعاد عن هذا المكان فورًا؛ إنَّ بقاءكم فيه يُعرِّضكم لخطرٍ جسيمٍ، ونحن نحذِّركم من الحديث إلى أي شخصٍ عمَّا شاهدتموه في هذا المكان — خاصَّة البئر — وسوف نُوقِّع عليكم عقوبةً قاسيةً إذا عرفنا أنكم استعنتم بأي شخصٍ للوصول إلينا، وإذا ابتعدتم فنحن على استعدادٍ؛ لندفع لكم مبلغًا سخيًّا من المال، ولا تنسوا أن تأخذوا الرجل العجوز معكم، وانصحُوه بالصمتِ حتى لا تنتهي حياته نهايةً محزنة (ولم يكن هناك شيء آخر).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤