رسالة من تحت الماء

برغم قِدَم الصندوق الصغير فإن محاولات «محب» لانتزاعه لم تنجح، وكان عليه أن يعود إلى الفيلا لإحضار بعض الأدوات لفكِّ المسامير، أو فتح القفل، وهكذا أسرع عائدًا … ووجد «نوسة» و«لوزة» قد استيقظتا، فروى لهما ما حدث … وزادتْ بهذا شهية المغامَرة عند الجميع؛ فصندوقٌ حديديٌّ مُغلقٌ في قارب للإنقاذ معناه سرٌّ … وقد كان حقًّا سرًّا خطيرًا يُساوي الملايين!

عاد الثلاثة إلى القارب، بعد أن شربوا الشاي، وأخذوا معهم أدوات النجارة، ودخل «محب» إلى مقدمة القارب، وأخذ يفكُّ المسامير الصدئة التي كانت تُثبِّت الصندوق على الخشب، واقتضى منه هذا المجهود نصف ساعةٍ، ولكنه في النهاية خرج إلى «نوسة» و«لوزة» وبيده الصندوق …

قالت «نوسة»: من الأفضل أَلَّا نَفتحه حتى يستيقظ بقية المغامرين!

كانت «لوزة» متلهفةً؛ لترى ما في الصندوق، لقد كان ثقيلًا، فهل يُمكن أن يكون به الكنز الذي يبحث عنه الجميع، لو حدث هذا لكانت ضربة حظٍّ موفقة!

وعادوا جميعًا إلى الفيلا، وكانت الساعة قد أشرفتْ على السادسة، ولم يكن أحد قد استيقظ بعد إلَّا «عم سالم» العجوز الذي كان يقوم بكنس الفيلا، وبرغم اعتراض الثلاثة على هذا فإنَّ «عم سالم» قال: إنني أعتبر تنظيف الفيلا رياضة، فأنا رجلٌ عجوز لم أَعُد أستطيع بذل جهدٍ كبيرٍ؛ فعلى الأقل أقوم بهذه الرياضة البسيطة.

وعندما رأى الصندوق في يد «محب» بدت عليه الدهشة الشديدة وقال: هذا الصندوق ليس غريبًا عليَّ … نعم … لقد كان البحَّارة قديمًا قبل اختراع البلاستيك يحملون مثل هذا الصندوق لوضع أشيائهم فيه، وهذا الصندوق من صناديق بحَّارة «النجمة الخضراء»!

محب: لقد وجدتُه بالمصادفة في قارب الإنقاذ.

عم سالم: مُدهشٌ جدًّا … كيف لم تجرفه مياه البحر؟ وكيف لم أره؟

محب: لقد كان مُثَبَّتًا بالمسامير في خشب القارب.

لوزة: افْتَحْه يا محب.

كان الإغراء قويًّا، فأمسك «محب» بشاكوش وضرب القفل ضربةً واحدةً أطارته من مكانه، فقد كان الصدأ ينتشر عليه، وفتح «محب» الصندوق، والجميع ينظرون إليه في أملٍ ولهفةٍ.

في داخل الصندوق كانت هناك حزمةٌ مُستطيلةٌ، مغطَّاة بالمطاط ومربوطة بالأسلاك … وبرغم مضي السنوات فقد كانت الحزمة سليمة، وأخذ «محب» الحزمة بحذرٍ شديدٍ، ووجد بعد غطاء المطاط لفَّة من الورق السميك، وفتح لفَّة الورق، وكانت في انتظارهم جميعًا مفاجأة محزنة، لم يكن في اللفة مجوهرات، ولا ذهب، لا شيء له علاقة بالكنز، كان الموجود بعض أشياء متناثرةٍ هي:
  • كمية من النقود من العملات المختلفة.

  • مجموعة صور لأسرة؛ الزوجة والزوج والأولاد.

  • ساعة جيب.

  • جواز سفر.

  • ولاعةٌ قديمة من النوع الذي يشتعل بالبنزين.

  • مصحفٌ صغيرٌ مغلَّف بالجلد.

  • ورقة مطوية.

وضع «محب» كلَّ هذه الأشياء على المائدة، لقد كان الصندوق الحديديُّ أملًا كبيرًا، ولكن ما به بَدَّدَ هذا الأمل، ولكن «لوزة» بطموحها الذي لا يهدأ في كشف الألغاز وحلِّ الأسرار، قالت: إننا لم نقرأ الورقة … لعلَّ بها شيئًا مهمًّا.

وفتح «محب» الورقة المطوية، كانت في شكل خطابٍ مكتوبٍ بسرعةٍ وبخطٍّ رديءٍ، ولكن المفاجأة أنه كان مهمًّا جدًّا.

وهكذا كانت الرسالة التي قرأها «محب» بصوتٍ مرتفعٍ:

إلى مَن يعثر على هذه الرسالة، أرجو أن يحمل هذه الأشياء إلى أسرتي، وأنا أسكن في ٣٨ شارع حجر النواتية بالإسكندرية حيث تُقيم أسرتي الصغيرة، ويُبلِّغ سلامي إلى زوجتي الحبيبة التي كانت نِعْمَ الزوجة، وإلى أولادي: فاطمة ومحمد وإبراهيم.

إنني أكتبُ هذه الرسالة، وأنا أعرف أنَّ حياتي على وشك أن تنتهي، وليس في إمكاني عمل شيءٍ … لقد كنتُ الحارس المكلَّف بحراسة صندوق الذهب في السفينة، وقد سار كل شيءٍ على ما يُرَام حتى اقتربنا من شاطئ الإسكندرية، لقد كنتُ ذاهبًا لزيارة القبطان «روجيه»، وبالمصادفة سمعتُه يتحدَّث مع الضابط «كوتزيني» وشخص ثالث لم أره، وبرغم أنني لا أُجيد اللغات الأجنبية فإنَّ سفري الكثير علَّمني عددًا من الكلمات يكفي للفهم.

لقد وجدتهم يتحدَّثون عن سرقة صندوق الذهب، واستخدام أحد قوارب الإنقاذ في الهرب بعد وضع عبوةٍ ناسفةٍ في السفينة تكفي لإغراقها، وفهمتُ أن العبوة قد أُعِدَّتْ للانفجار بعد نصف ساعة، فأسرعتُ إلى صندوق الذهب، وأخرجت كل ما به، ووضعتُ مكانه بعض قطع الحديد وأغلقتُه وتركتُه، ثم وضعتُ الذهب وما معه من مجوهرات في صندوقٍ آخر، وأسرعت أكتب هذه السطور، وسوف أستخدم أحد قوارب الإنقاذ في الهرب من السفينة ومعي صندوق الذهب لأُسلِّمَه إلى صاحبه، وقد قدَّرت أنني ربما لا أستطيع الوصول إلى الشاطئ فكتبت هذه الرسالة، ومَنْ يعثر عليها سيعرف أن صندوق الذهب لن يكون في السفينة، ولن يكون مع اللصوص «روجيه» وشريكَيه، بل سيكون قد غرق معي، وسوف أضع هذه الرسالة، وكل حاجاتي الشخصية في صندوق البحارة، ثم أضعه في أحد قوارب الإنقاذ؛ قارب آخر غير الذي سأستخدمه، حتى تكون هناك فرصتان بدلًا من فرصةٍ واحدةٍ، لمعرفة مصير صندوق الذهب … وإلى الله أُسَلِّمُ أمري.

البحار حسني أبو السعود

صاح «عم سالم» عند سماع هذا الاسم: حسني أبو السعود! إنني أعرفه؛ فأنا الذي رشَّحتُه للعمل على السفينة «النجمة الخضراء»، لقد كان رجلًا ممتازًا!

محب: إنَّ هذه الرسالة تعني شيئًا واحدًا، وهو أن صندوق الكنز لم يكن في السفينة «النجمة الخضراء» عندما غرقتْ، وأن الذين يبحثون عن الكنز فيها لن يصلوا إلى شيءٍ!

لوزة: وأين الكنزُ إذن؟

محب: من الممكن استنتاج أن الكنز قد غرق مع البحار «حسني»، ولعل السفينة عندما انفجرتْ أغرقت قوارب الإنقاذ التي كانت عليها أو قريبة منها … فكما تقول الرسالة إنه لم يكن أمام «حسني» إلا نصف ساعة لتغيير عبوة الصندوق وكتابة الرسالة، فلما قفز إلى القارب وحاول الابتعاد انفجرتِ العبوة الناسفة، وغرق القارب، ومعه البحَّار الأمين الشجاع.

قال «عم سالم»: إنني أذكر هذا الشاب جيدًا، ولا أدري لماذا لم يتَّصل بي عندما عَلِمَ بكل هذا؟

محب: ربما ارتبك، وربما كان الوقت ضَيِّقًا. على كلِّ حالٍ هذا ما حدثَ، ونحن نعرف الآن أن الذين يبحثون عن الكنز في السفينة لن يعثروا عليه، وأن فرصتنا في العثور عليه أكبر.

لوزة: يجب أن نوقظ بقية الأصدقاء … إنَّ ما عثر عليه «محب» مُهمٌّ جدًّا، وقد يُغيِّر خططنا كلها.

وأسرعت «لوزة» لإيقاظ المغامرين، ولكن «محب» قال: لا تُوقظي «تختخ»، لقد سهر كثيرًا، ومن حقه أن ينام بما يكفي لراحته.

بعد لحظاتٍ كانت صالة الفيلا تضمُّ الأصدقاء جميعًا عدا «تختخ»، وأخذ «محب» يروي ﻟ «نوسة» و«عاطف» و«نبيل» ما حدث … وكان «نبيل» شديد الانفعال، وهو يستمع إلى هذه الأنباء، فهذا يعني أن كنز أسرتِه المفقود سيَعثُرون عليه.

ولكن هل يمكن بعد كل هذه السنوات أن يعثروا حقًّا على الكنز؟ وهل يُمكن تحديد مكانه بسرعةٍ، أو يحتاجون إلى وقتٍ طويلٍ؟ وما هو موقف هؤلاء الأغراب إذا شاهدوهم يغوصون في الماء من أجل الكنز؟

كان «نبيل» يفكر، وهو يستمع إلى تفاصيل ما حدثَ … وبدأ حوارٌ بين الجميع حول ما يجب عمله، وكان الرأي الغالب هو الاستعانة بأشخاصٍ مُحترِفين للعثور على الكنز، ولكن «نبيل» كان متحمِّسًا جدًّا للعثور على كنز أجداده الراقد في قاع البحر، لهذا قال: سأبدأ المحاولة بنفسي، فإذا فشلت فسوف أبلغ أبي بهذه المعلومات؛ ليتصرَّف كما يرى.

وأسرع «نبيل» إلى ملابس الغوص التي اشتراها له والده كهديةٍ، أسرع يرتديها … ثم ذهب الجميع إلى الشاطئ، واشتركوا في حمل القارب إلى المياه، وركب «محب» و«نوسة» مع «نبيل» … في حين بقي «عم سالم» و«لوزة» على الشاطئ ينظرون إلى الثلاثة، وهم يُجدِّفون مبتعدين إلى المكان الذي حدَّدوه لاحتمال وجود الكنز فيه تحت مياه البحر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤