الجزء الثالث

الجزء ٣(أ)

من المناسب الآن أن نحزم معنا كلَّ ما قيل عن الاتصال من ادِّعاءٍ خاطئ ونتجوَّل عبر عدة قرون بطريقة منهجية في صورة جدول زمني، لنقُل — مثلًا — إنه يمتدُّ من ٤٧٦ ميلادية (سقوط روما) حتى أوائل الستينيَّات من القرن السابع عشر (نشأة حساب التفاضُل والتكامُل). ولتكن أبرز الأحداث على هذا الخطِّ الزمني أمورًا ذات صِلة باللانهائية و/أو الوضع العام للرياضيات عندما ظهر ديديكند وكانتور في المشهد. وذلك مع التعويض إلى حدٍّ ما عن مَساوئ التجريد النظري هنا بمزايا العرض المُكثَّف؛ مراعاةً لحدود المساحة. ومن ثمَّ، سيكون الهدف هنا في الجزء ٣ أن نستعرِض بإيجازٍ شديد بعض التطوُّرات التي تُساعد في التوصُّل إلى الشروط الضرورية/الكافية النهائية لرياضيات الأعداد فوق المُنتهية.١
  • من حوالي ٥٠٠ إلى ١٢٠٠ ميلادية: ليس ثمة الكثيرُ في الرياضيات بالغرب ممَّا يُنسَب الفضل فيه إلى روما، وأرسطو، والأفلاطونية الحديثة، والكنيسة، وهكذا. بل تدور الأحداث الحقيقية الآن في آسيا والعالَم الإسلامي. بحلول عام ٩٠٠ ميلادية على أقل تقدير، أدخلَتِ الرياضيات الهندية الصِّفر ليُصبح «الرقم العاشر» ورمزه المعروف الذي يُشبه بيضة الأوز،٢ ووضعت نظامًا عشريًّا للترميز المَوضعي الذي نجده بالأساس في نظام العَدِّ الذي له الأساس ، ووضعت الأساسيات التي تُوضِّح كيفية استخدام الصفر في الحساب ( ، و ، وعدم جواز القسمة على صفر، وهكذا). استطاع علماء الرياضيات الهنود والعرب، الذين لم يكن لديهم ولَعُ الإغريق بالهندسة، التعامُل مع الأعداد بوصفها أعدادًا، واستطاعوا تحقيق نتائج مُهمة فيما يخصُّ الأعداد السالبة، والصفر السالف ذِكره، والجذور غير النسبية، والمُتغيرات بوصفها تُمثل الأعداد الاختيارية؛ ومِن ثَمَّ ذكروا الخصائص العامة لها.٣ انتقلت أغلب اكتشافات الهنود والعرب إلى أوروبا بعد ذلك، وهو ما يرجع الفضل فيه بالأساس إلى الفتوحات الإسلامية (على سبيل المثال، الفتح الإسلامي للهند (التي استوعب العربُ رياضياتها جيدًا) في أوائل القرن السابع، وامتدَّ غربًا حتى وصل إلى إسبانيا عام ٧١١، وهكذا).
  • حوالي عام ١٢٦٠: تُمثِّل الأدلة التي ساقها القديس توما الإكويني على وجود الله٤ الدمجَ الرسمي بين ميتافيزيقا أرسطو ومذهب الكنيسة. ذهبَ توما في مسعاه الأساسي إلى أنه بما أن كل شيءٍ في العالم له علة أو سبب، وأن هذه العلل والأسباب بدورها لها عللٌ وأسباب، وهكذا، فلا بدَّ أن يكون هناك عند نقطةٍ ما في هذه السلسلة سببٌ أصيل غير مُسبَّب، وهو الله. لاحظ، لمعلوماتك، أن هذا يتطابق بالأساس مع حجة أرسطو الشهيرة «السبب الأول» أو «العِلَّة الأولى» في الجزء الثامن من كتابه «ما وراء الطبيعة»، وهي الحجَّة التي تبنَّاها أيضًا كلٌّ من أوغسطينوس وموسى بن ميمونٍ لإثبات وجود الله. الأهم من ذلك، لاحظ أنه لكي تكون حجَّة توما منطقية، عليك أن تقبل الفرضية غير المُعلَنة باستحالة التداعي بلا نهاية في سلسلةٍ انتقالية غير مُنتهية من الأسباب والنتائج، وبانعدام الترابُط والاتساق في هذه الفكرة. بعبارةٍ أخرى، يجب أن تنظُر إلى استحالة أن تكون اللانهائية سِمةً فعليةً للزمن أو للكون على أنها أمرٌ بديهي، وهو ما يعني بصفةٍ أساسية أنك تقبل إحالة أرسطو للَّانهائية إلى تلك الحالة الغريبة التي تقول بأنها احتمالية فقط، والتي تُطابق حالة تمثال «المُفكِّر» لرودان المصنوع من البرونز.

    في موضع آخر في «الخُلاصة اللاهوتية»، يُقدِّم توما حجَّة على قدرٍ أكبر من الأصالة:

    يستحيل في الواقع وجودُ تَعدادٍ غير محدود إلى ما لا نهاية؛ ذلك لأنَّ أي مجموعةٍ من الأشياء يتأمَّلها المرءُ يجب أن تكون عبارة عن مجموعةٍ مُحدَّدة ومُنتهية. وتتحدَّد مجموعة الأشياء من خلال عدد الأشياء التي تشتمل عليها. وبذلك، لا يُوجَد عددٌ لا نهائي؛ لأن العدد ينتج عن عَدِّ العناصر داخل المجموعة بالوحدات. ومن ثمَّ، لا تُوجَد مجموعة من الأشياء يُمكن أن تكون غير محدودة بطبيعتها، ولا يمكن أبدًا أن تكون غير مُنتهية.

    استشهد جي كانتور نفسُه بهذه الفقرة في بحثه «إسهاماتٌ في دراسة الأعداد فوق المنتهية»،٥ حيث يُسمِّيها الاعتراض الوحيد المُهم حقًّا في التاريخ على وجود اللانهائية الفعلية. وفيما يتعلق بأهدافنا هنا، يُوجَد أمران مُهمَّان عن حجةِ توما: (١) أنها تُعالج اللانهائية بدلالة «مجموعات الأشياء»، وهو ما سيفعله كانتور وآر ديديكند بعد ٦٠٠ عام من الآن (بالإضافة إلى أن جملة توما الثالثة هي بالضبط الطريقة التي سوف يُعرِّف بها كانتور العدد الكاردينالي لأي مجموعة). (٢) الأهم من ذلك أنها تختزل كلَّ الفروق والتعقيدات المتيافيزيقية لدى أرسطو في مسألة وجود الأعداد غير المُنتهية من عدمِها. ومن السهل أن ترى أنَّ ما أُعجِبَ به كانتور حقًّا هو السِّمة (٢)، التي جعلت الحُجَّة نوعًا من التحدِّي المُصمَّم خصيصى له، حيث سيكون الردُّ الوحيد المعقول حقًّا على توما هو أن يضع شخصٌ ما نظريةً مترابطة ودقيقة عن الأعداد غير المنتهية وخصائصها.
  • حوالي ١٣٥٠ ميلادية (وبعده بقفزةٍ زمنية وجيزة): ثلاث شخصياتٍ متوسطة الأهمية فيما يتعلق بالاتصال والمتسلسلات غير المنتهية: إن أورسمه، آر سويسث (سواينسهيد) (المُلقَّب بالآلة الحاسبة)، والأب جي جراندي. استحدث أورسمه في خمسينيات القرن الرابع عشر طريقةً مُتعلقة ﺑ «خطِّ العرض» لتمثيل الحركة والتسارُع٦ المُنتظم بيانيًّا. قدَّمت هذه الطريقة، ضمن أشياء أخرى، أول تلميح بأن السرعة النسبية (= الخط المائل) والمساحة النسبية (= المساحة تحت الخط المائل) هما وجهان لشيءٍ واحد. وفي الوقت نفسِه تقريبًا، حَلَّ سويسث مسألة مُعينة تتعلق بخط العرض أدَّت إلى إثبات أن المتسلسلة غير المنتهية لها مجموعٌ مُنتهٍ، هو (ملاحظة: لم يُفكر أحد حتى الآن في تطبيق هذه الطريقة على التقسيم الثنائي). ردَّ أورسمه بعد ذلك بإثبات أن مُتسلسلة غير مُنتهية أخرى — ، المعروفة باسم المُتسلسلة التوافقية — ليس لها مجموع مُنتهٍ على الرغم من أنه من الواضح فيما يبدو أن متتابعة الحدود الفردية تقترب من الصفر. (معلومة إضافية: برهان أورسمه بسيط للغاية. فمن خلال تجميع حدود المتسلسلة بحيث يكون الحد الأول = المجموعة الأولى، الحدان الثاني والثالث = المجموعة الثانية، الحدود من الرابع إلى السابع = المجموعة الثالثة … وهكذا، ومن ثَمَّ المجموعة تحتوي على حدًّا، أثبت أنك سوف تخلُص في النهاية إلى عددٍ غير مُنتهٍ من المجموعات، التي المجموع الجزئي لكلٍّ منها ، ممَّا يُؤدي إلى مجموع غير منتهٍ لهذه المتسلسلة.)
    متسلسلات سويسث وأورسمه هي بالطبع أمثلةٌ خاصة عن التقارُب والتباعُد، ولكنَّ أحدًا لن يستطيع على مدى قرونٍ أن يعرف كيف يُسمِّي الأنواع المختلفة من المتسلسلات غير المُنتهية أو يُعالِجها.٧ حتى في عصرِ ما بعد حساب التفاضُل والتكامُل عندما أصبحت المتسلسلات هي الطريقةَ الواضحة لتمثيل دوالَّ مُعقدةٍ لعملية التفاضل والتكامُل، ظلَّت بعض أفكار زينون تأتي بمفارَقاتٍ أربكت المحاولات المختلفة لمنهجةِ التقارُب والتباعُد. إحدى هذه المحاولات الصعبة للغاية كانت المتسلسلةَ التذبذُبية القديمة من الجزء ١(د)، التي كان عالِم الرياضيات الكاثوليكي جي جراندي يُحبُّ استخدامها لإرهاق الأخوَيْن بيرنولي، زميلَي لايبنتس الشهيرَيْن اللذَيْن أثبتا تباعُد المتسلسلة التوافُقية لأورسمه في تسعينيات القرن السابعَ عشر. تذكَّر أن الفكرة وراء متسلسلة جراندي أنه بناءً على كيفية تقسيم حدود المتسلسلة فإنها في النهاية تُساوي كلًّا من صفرٍ وواحد؛ أو، بالتعويض ﺑ في الدالة اللوغاريتمية الأولية ، فسوف تحصل على المعادلة ، وهو ما جعل جراندي يتساءل بطريقةٍ هزلية: كيف يخلُق الله شيئًا ( ) من لا شيء ( ).
    (معلومة إضافية: إذا كنتَ لا تزال تذكر بعضًا من مُقرَّر الجبر في المرحلة الثانوية، فمن المفيد أيضًا أن تُلقي نظرةً على مُتسلسلة متباعدة صغيرة ومُعقدة، وهي التي اصطدم بها إل أويلر (١٧٠٧–١٧٨٣، مؤسِّس التحليل) وعرقلته في ثلاثينيات القرن الثامن عشر. سوف تتذكَّر أنه طبقًا لقواعد القسمة المُطوَّلة لكثيرات الحدود، فإنَّ ، والتي عند التعويض فيها ﺑ تُصبح . أو يُمكنك أيضًا الحصول على متسلسلة جراندي مرةً أخرى عن طريق استخدام في المفكوك أعلاه.
    أو، إذا كان مُقرَّر الرياضيات الجامعي راسخًا في ذهنك، فيُمكنك أن تستمتع بإيجاد مفكوك باستخدام نظرية ذات الحدَّين لكي تحصُل على وتعرف (مثلما فعلَ كلٌّ مِن آي نيوتن وإن مركاتور وجيه واليس) أنه عندما فإنه يكون لهذه المتسلسلة مجموع غير مُنتهٍ ولكن يجب أيضًا أن تُساويَ . ولا تُوجَد على الأغلب نهايةٌ لهذه الأنواع من النقاشات.)
  • حوالي ١٤٢٥‏–١٤٣٥‏: المهندس المِعماري الفلورنسي إف برونليسكي يستحدِث أسلوب المنظور الخطي في الرسم. وكان بحث «حول فنِّ الرسم والتصوير» (De Pictura أو Della Pitura) لمؤلِّفه إل بي ألبيرتي هو أول وصفٍ منشور لآلية عمل هذا الأسلوب. وجميعنا يعلَم على الأرجح كيف أنَّ اللوحات قبل عصر النهضة كانت تبدو مُسطَّحة ومُستوية تمامًا وبلا روح وغير متناسبة على نحوٍ غريب. طبَّق برونليسكي الهندسة على الفراغ التصويري من خلال الوقوف على طريقةٍ لتصوير «سطح مستوٍ» أفقي ثُلاثي الأبعاد على هيئة «مستوى صورة» رأسي ثنائي الأبعاد. ويُرى هذا الأسلوب بسهولة غالبًا في تصوير المربعات الأفقية (مثل بلاط الأرضية في معمودية فلورنسا) على هيئة متوازياتِ أضلاعٍ (في العديد من صور المعمودية نفسِها) تظهر أكثرَ استواءً وبزوايا أكثرَ حدَّة؛ حيث تمتدُّ الأرضية بعيدًا في خلفية الصورة. فكَّر برونليسكي وألبيرتي في لوحةٍ وصوَّروها على نحوٍ فعَّال كنافذة شفافة تتوسَّط بين مشهدٍ ما والرائي، ولاحظا أن أيَّ وكلَّ «المتعامدات»، أو الخطوط المتوازية التي تنحسر في الفراغ بزاوية ٩٠ درجة في اتجاه تلك النافذة، سوف تبدو وكأنها تتقارَب من نقطة تَلاشٍ عند مستوى عين الرائي. تُرى نقطة التلاشي هذه، هندسيًّا، على أنها نقطة على مسافةٍ لا نهائية من الرائي. ولا يخفى على أحدٍ تقريبًا ما استطاع أن يفعله مازاتشو ودُورِر ودا فينشي وآخرون بهذا الاكتشاف.

    في الرياضيات، استُخدِم مفهوم «النقطة في اللانهاية» فيما بعدُ من قِبل جيه كيبلر في مبدأ الاتصال الذي وضعه بالأساس للقطاعات المخروطية، ثم استخدمه لقوانينه للحركة الكَوكبية (انظر أدناه)، كما أنه كان محوريًّا في اختراع جي ديزارج للهندسة الإسقاطية حوالي عام ١٦٤٠، ومن ثمَّ أصبح بعد ذلك محوريًّا بالنسبة إلى الطوبولوجيا والهندسة الريمانية، والتحليل التنسوري (الذي بدونه ما وُجِدَت نظرية النسبية العامة)، وهكذا دواليك.

  • ١٥٩٣: يحتوي كتاب «المتغير التابع» Varia Responsa لمؤلِّفه إف فييت (محامي، مختص تشفير فرنسي) يحتوي على أول صيغةٍ لإيجاد مجموع مُتسلسلة هندسية غير منتهية،٨ التي كانت قريبةً جدًّا من الصيغة السابق ذِكرُها بمنهج الرياضيات للصف الأول الجامعي. وعلى الرغم من أنها ليست رائعة، كان فييت هو أيضًا أولَ من وضع تعبيرًا عدديًّا دقيقًا ﻟ ، أي على صورة حاصل ضربٍ لا نهائي يمكن التعبير عنه على النحو التالي:

    (معلومة إضافية: الهدف من ملاحظاتٍ مثل هاتَين الملاحظتَين الأخيرتَين هو إثباتُ أنَّ اللانهاية في التراكيب والسياقات المختلفة سيكون لها المزيدُ والمزيد من التطبيقات المُثمرة حتى لو ظلَّت محلَّ شكٍّ ميتافيزيقيًّا، ولم يكن لدى شخصٍ أدنى فكرة عن كيفية التعامُل معها رياضيًّا.)

  • ١٦٣٧: قدَّم كتاب «الهندسة» La geometrie لمؤلِّفه آر ديكارت مستوى الإحداثيات الديكارتية المُستخدَم على نطاقٍ واسع حاليًّا، الذي أتاح تمثيل الأشكال الهندسية رياضيًّا (جبريًّا).
  • حوالي ١٥٨٥–١٦٣٨: ثلاث شخصيات مُهمة، من بينهم اثنان ذائعا الصيت للغاية: إس ستيفين، وجيه كيبلر، وجي جاليلي.
    في ثمانينيَّات القرن السادس عشر، أعاد ستيفين (المهندس البلجيكي) استخدام خاصية الاستنفاد ليودوكسوس في اشتقاق صيغ لخصائصَ تحمل الوزن لأشكال هندسية مختلفة، على سبيل المثال، في مقاله «عِلم السكون» Statics (١٥٨٦) أثبت ستيفين أن مركز ثِقل المثلث يقع على مُستقيمه المتوسط، وذلك برسم عددٍ لا نهائي من متوازيات الأضلاع الصغيرة نسبيًّا في المثلث وإثبات بعض العلاقات عن مراكز الثقل للأشكال الداخلية الناتجة. يستحق ستيفين، المعروف أيضًا بأرخميدس الهولندي، شهرةً أكثر ممَّا حَازها. فيما يلي اقتباسٌ عن كارل بوير، وهو اقتباسٌ خارج سياقه ولكنه مناسب: «إنَّ التعديلات الناتجة للأساليب المُتناهية الصغر القديمة هي إلى حدٍّ كبير ما أدَّى في النهاية إلى حساب التفاضُل والتكامُل، وكان ستيفين هو أولَ من اقترح هذه التغييرات.»
    كما جاء في كتاب «الفلك الجديد» Astronomia nova (١٦٠٩) لمؤلِّفه جيه كيبلر، يعتمد قانون كيبلر الثاني للحركة الكوكبية على تصوُّر المساحة المُحاطة بمتجهٍ نصف قُطري يربط الكوكب أثناء دورانه في مداره بالشمس كما لو كانت تتكوَّن (أي: تتكوَّن المساحة) من عددٍ لا نهائي من المثلثات المُتناهية في الصغر، التي لكل مثلثٍ منها الرأس عند الشمس ورأسان أُخريان و تقتربان من بعضهما على نحوٍ مُتناهي الصغر على طول المسار المداري. وكانت طريقة كيبلر لإيجاد مجموع مساحات هذا العدد اللانهائي من مُتناهيات الصغر، قبل ٧٠ عامًا من لايبنتس، هي حساب التفاضُل والتكامُل التطبيقي.٩
  • ١٦٣٦–١٦٣٨: ‏‏قدَّم جاليليو جاليلي، وهو رهن الاعتقال من قِبَل مكتب التحقيقات في فلورنسا، كتابه «عِلمان جديدان» Two New Sciences، وهو مناقشةٌ حوارية في عِلمَي الميكانيكا والديناميكا على غرار أسلوب أفلاطون. يشتمل الكتاب على مجموعةٍ كبيرة وكاملة من المعلومات المُتعلقة باللانهائية. ومثالٌ واحد على ذلك هو طريقة جاليليو في تطبيق أساليب أورسمه في التمثيل البياني باستخدام خطوط العرض على حركة المقذوفات، وإثباته أن المنحنى الذي يرسمه مسار المقذوف هو قطْع مكافئ. بعد دراسة القطاعات المخروطية رياضيًّا على مدى ٢٠٠٠ عام، أصبح القطْع الناقِص للمدار الذي اكتشفه كيبلر والقطْع المُكافئ للمقذوف الذي اكتشفه جاليليو هما أول تطبيقَيْن حقيقيَّين للقطاعات المخروطية في علم الفيزياء. أوضح من قبل كتاب كيبلر الأقل شهرة Vitellionem paralipomana١٠ أنَّ القطوع الناقصة والزائدة والمكافئة والدوائر جميعها نِتاج رقصةٍ توافقية غريبة بين بُؤرتَين: يُفسَّر القطع المكافئ على أنه ما يحدُث للقطع الزائد عندما يقترِب موضع إحدى البؤرتَين بالنسبة إلى الأخرى من ما لا نهاية. ومن ثمَّ، ليس من قبيل المُصادفة على الإطلاق أن عُرِفت العلاقات المُتبادَلة لنظرية كيبلر في القطوع المخروطية باسم مبدأ الاتصال.
    كان كتاب جاليليو «عِلمان جديدان» في نواحٍ مُعينة محلَّ استياءٍ مطوَّل في محاكم التفتيش، التي تعاملت مع جاليليو جاليلي على أنه مُدانٌ بجريمة شائنة. وكان جزءٌ من هذا المُخطط هو جَعْل الرجل المستقيم في هذا الحوار مُتحدثًا باسم الميتافيزيقا الأرسطية والعقيدة الإيمانية للكنيسة، ودَفْعَ شريكه الأكثر استنارةً إلى الهجوم عليه فكريًّا. يتمثَّل أحد الأهداف الرئيسية في تصنيف أرسطو الأنطولوجي للانهائية إلى فعلية واحتمالية، وهو ما حوَّلته الكنيسة بالأساس إلى المذهب القائل بأن الله وحدَه هو الكِيان اللانهائي فعليًّا وليس في خلقه مَنْ يُمكن أن يكون كذلك. مثال: سخِر جاليليو من فكرة أنَّ عدد الأجزاء التي يُمكن تقسيم أي قطعة مستقيمة إليها يكون لا نهائيًّا «على نحوٍ احتمالي» فقط (أي: غير حقيقي)، وذلك بتوضيح أنك إذا طَويت حوافَّ هذه القطعة المستقيمة لتُكوِّن منها دائرة — وهو ما يُعرَّف، على غرار نيكولاس الكوزاني،١١ بأنه مُضلَّعٌ منتظِم عدد أضلاعه يُساوي ما لا نهاية — فإنك قد «خلصتَ إلى حقيقة أنَّ عدد الأجزاء اللانهائي الذي زَعمته، عندما كانت القطعة مُستقيمة، قد أصبح مُتضمَّنًا فيها على نحوٍ احتمالي فقط.»
    أمضى المُتحدِّث باسم جاليليو وقتًا طويلًا أيضًا في دراسة مُتناهيات الصغر، ويرجع هذا بصفةٍ أساسية إلى فائدتها في نتائج ستيفين وكيبلر. وكان جاليليو أولَ من ميَّز بين «الرُّتَب» المختلفة لمُتناهيات الصغر، وكان هذا بالأساس من خلال حُجة مُضمَّنة تتعلق بالسبب في أن الأرض إذا كانت تدور فإنَّ الأجسام لا تخرج عن مسار العالَم في مماساتٍ مختلفة تمسُّ منحنى الدوران، وهو موضوعٌ يطول شرحه، ولكن خلاصته أنه إذا كان لدَينا اثنان من مُتناهيات الصغر، فإنهما يكونان مُختلفَيْن في الرتبة إذا كانت نسبتهما تقترِب إما من الصفر أو من ما لا نهاية، ويكونان مُتماثلَيْن في الرتبة إذا كانت نسبتهما مُنتهية. هذا منطقي لأن: (١) فكرة أن مُتناهيات الصغر ذاتَ الرتبة الأعلى صغيرةٌ جدًّا وسريعة الزوال على نحوٍ لا يُمكن تصوُّره، حتى إنها يمكن استبعادها من أي معادلة؛ لأنها لن يكون لها أي تأثير على الناتج، أصبحت في نهاية المطاف جوهرية بالنسبة إلى حساب التفاضُل والتكامُل الكلاسيكي، و(٢) تمييز جاليليو توقع بعضًا من اكتشافات جي كانتور الخاصة بشأن حساب الكميات غير المنتهية، وهي أنَّه ليس كل اللانهائيات مُتماثلة الحجم، ولكن الاختلافات بينها لا تتعلق في الواقع بعِلم الحساب (على سبيل المثال: إضافة إلى لا تزيد قيمتها، ولا حتى إضافة إلى أو ضرب في ) ولكن أقرب كثيرًا إلى الهندسة.١٢
    وفي استباقٍ للأحداث قبل حدوثها، تُعزى الغرابة الشديدة للانهائية رياضيًّا، التي قضى جاليليو وقتًا طويلًا في كتابه «عِلمان جديدان» في إعطاء أمثلة عليها، إلى نظرية المعرفة وليس الميتافيزيقا. وطبقًا للناطق بلسان جاليليو جاليلي، فإن المُفارقات لا تنشأ إلا «عندما نحاول، بعقولنا المُتناهية المحدودة، مناقشة اللامُتناهي، بأن نخلع عليه تلك الخصائص التي نمنحها للمُتناهي والمحدود.» وأبلغ مثال على ذلك هو مفارقة جاليليو في الجزء (١)، التي يُمكنك فيها — حسبما تذكر — إيجادُ تناظر أحادي بين كل الأعداد الصحيحة وكل المُربعات الكاملة لها حتى لو كان من الواضح أن الأعداد الصحيحة أكثرُ بكثيرٍ من المربعات الكاملة.١٣ ومن هذه المعلومة المهمة، استنتج جاليليو ما يلي: «علينا أن نقول إن هناك مربعاتٍ بقدْر ما هناك أعداد.» ومن ثمَّ (مرة أخرى) فإن «السمات «يُساوي» و«أكبر» و«أصغر» لا يُمكن تطبيقها على غير المحدود أو اللامُتناهي، وإنما فقط على الكميات المحدودة أو المنتهية.» وعلى الرغم من أنه تبيَّن عدم صحة هذا الاستنتاج الأخير، فإن كتاب جاليليو «عِلمان جديدان» ما زال أولَ توجُّه حديث حقًّا نحو التعامُل مع اللانهائيات الفعلية بوصفها كياناتٍ رياضية. لاحظ، على سبيل المثال، أن جاليليو لم يتنصَّل من أسلوب أرسطو القديم في برهنة القضية بإثبات فساد نقيضها، أو البرهان بنقض الفَرْض، واستنتج من سلوك المجموعات غير المُنتهية المُتناقِض أن اللانهائية لا يمكن تبريرها أو تعليلها منطقيًّا. وبدلًا من ذلك، نجح إلى حدٍّ ما في أن يسبق كلًّا من كانط (بأن يُرجِع السبب في مفارقات اللانهائية إلى القيود الراسخة ﻟ «العقول المُتناهية المحدودة» بدلًا من أي حقيقة خارج العقل) وكانتور (عن طريق استخدام تناظر أحادي كمقياسٍ نسبي للمجموعات، بزَعْم أن الكميات غير المنتهية تتبع نوعًا من الحساب يختلف عما تتبعه الكميات المُنتهية، وهكذا).

    حقيقة معروفة: شهد القرن السابع عشر، من خلال حركة الإصلاح المضاد والثورة العلمية، أول طفرةٍ حقيقية في مسار فلسفة الرياضيات منذ ذروة العصر الهلنستي. وهذا هو القرن الذي شهد اختراع الهندسة الإحداثية (وكذلك الشك الراديكالي) على يد ديكارت، واختراع الهندسة الإسقاطية على يد ديزارج، والتجريبية على يد لوك، ورياضيات التعليم الجامعي على يد نيوتن ولايبنتس. وما كان شيءٌ من هذا ليكون مُمكنًا لولا تخفيفُ قبضة الهيمنة الأرسطية على الفِكر الغربي. وفيما يتعلق بكسر السيطرة، هناك كتاب «عِلمان جديدان» لجاليليو، بالإضافة إلى «مقال عن المنهج» لديكارت وكتاب «الأورجانون الجديد» أو «التوجيهات الصحيحة لتفسير الطبيعة» لبِيكون، وليس من قبيل المصادفة على الإطلاق أن جزءًا كبيرًا من وقته كان مُكرَّسًا للانهائية. ومن بين مجموعة كاملة من الاقتباسات الداعمة والملائمة هنا، انظر اقتباسًا للبروفيسور تي دانزيج يقول فيه: «عندما تخلَّص الفكر الأوروبي، بعد سُباتٍ دام ألف عام، من تأثير الحبوب المُنوِّمة التي برع الآباء المسيحيون في إعطائهم إيَّاها بمهارة، كانت مسألة اللانهائية من أَولى المسائل التي جرى إحياؤها.»

    وثَمة اتجاه آخر تتجلَّى فيه أهمية كتاب «عِلمان جديدان»، وهو استخدامه المُثبَت والمُستحدَث للدالة. لا بدَّ أنك تذكُر بالتأكيد مفهوم الدالة في الرياضيات، والسبب في صعوبة تعريفها بوضوح (كالحال، على سبيل المثال، عندما نقول إنها «علاقة بين مُتغيرات»، أو «قاعدة لتحديد صورة مجال»، أو «تخطيط»). تكون الدالة أعلى من المُتغيرات بمستوى تجريدٍ واحد على الأقل، حيث إنها بالأساس قاعدة لربط عناصر في مجموعةٍ ما مع عناصر في مجموعة أخرى. لنفترض هنا أنَّنا جميعًا على دراية إلى حدٍّ كبير بمعنى الدالة، أو بالأحرى بوظيفتها، حيث إن الدالة هي في حقيقة الأمر إجراءٌ من نوعٍ ما رغم أن ترميزًا مثل « » يجعلها تبدو كما لو كانت شيئًا. بيانيًّا على الأقل، كانت فكرة الدالة مُتداوَلة بعض الشيء منذ أورسمه في القرن الرابع عشر، على الرغم من أن لأُورسمه مصطلحات سكولاستية، وأطلق على أسلوبه اسم «خط عرض الأشكال»، حيث كلمةُ «شكل» هي مصطلح أرسطو للسِّمات أو الصفات، التي كان يُرى أنها تشمل أشياء مثل سرعة جسم مُتحرِّك. ولم يكن الناس ليفهموا، حتى جاليليو، أن السرعة ليست صفةً للأشياء المتحركة، ولكنها بالأحرى عملية مجرَّدة يمكن تمثيلها من خلال الدالة البسيطة ، كالحال تمامًا (أعلى بمستوى تجريد واحد) في أن جاليليو جاليلي كان هو مَن حدَّد أن العجلة تعمل كدالة .
    كتاب «عِلمان جديدان» هو أول كتاب رياضيات استُخدِمَ بكثافة الدوال دون شكلها البياني، رغم أن الدوالَّ هنا وُصِفَت لفظيًّا وغالبًا (على غرار الإغريق) بدلالة التناسُبات والنِّسَب. وممَّا يَسترعي الانتباهَ هنا السرعة التي برز بها مفهوم أو نظرية الدوال، وحاز رواجًا عندما توفرَت بعض المُتطلبات المُهمة ومجموعة من الظروف المواتية.١٤ تضمَّنت مُعظمُ هذه المُتطلبات مبدأ الاتصال. وأهم ما في الموضوع هنا أن عِلم الفلك لدى كيبلر ودراسات جاليليو عن الحركة — التي حفَّزتها إلى حدٍّ كبير الحاجة إلى طريقةٍ مُحسَّنة لضبط الوقت في الملاحة (وهو ما يطول شرحه أيضًا) — أوجدت الدافع لإجراء دراسة دقيقة للمُنحنيات، تلك المُنحنيات التي أتاح مستوى الإحداثيات الديكارتية التعبير عنها جبريًّا، كالحال مثلًا في دوالَّ مثل ، و ، وهكذا. استُخلِصَت الفروق المُهمة بين الدوال الكثيرة الحدود والجبرية والمُتسامية١٥ بسهولة من تصنيفات ديكارت للمُنحنيات، وكذلك من التمثيلات الصريحة للدوالِّ باستخدام أنواعٍ مختلفة من المُتسلسلات بعد ذلك بقليل (= حوالي عام ١٦٧٠). بالمناسبة، جاءت كلمة «دالَّة» نفسُها من جي دبليو لايبنتس.١٦ وهو ما يصعُب أن يكون مصادفة؛ نظرًا لأن لايبنتس ساعد في اختراع حساب التفاضُل والتكامُل، وواحدة من أبرز سمات حساب التفاضُل والتكامُل هي استخدام الدوال لتمثيل العمليات. بعد لايبنتس، حلَّت الدالَّة المُتصلة والمتسلسلات اللانهائية محلَّ مفهوم «الظواهر المتصلة» في الرياضيات … وفي واقع الأمر، جاءت اكتشافات جي كانتور بشأن اللانهائية نتيجةَ تطبيقٍ مُعيَّن لهذه الأدوات على مجموعةٍ مُعينة من المسائل تتضمَّن الحرارة. ومن الواضح أن هذه قصة طويلة للغاية، ونعكف الآن على محاولة التحضير لها وإعدادها.

    وعلى ذكر ذلك، فيما يلي اقتباسٌ من دي بيرلينسكي: «إنَّ التبايُن بين المُتصل والمتقطِّع هو مُحرِّك التوليد الرائع الذي به أُسِّست الأعداد الحقيقية وصِيغَ حساب التفاضُل والتكامل». وذلك فقط لكي نتذكَّر أين نحن في المشهد المُتداخِل ككل؛ حيث يُمثل هذا الجزء مجرد بعض عناصره.

  • حوالي ١٦٤٧–١٦٦٥: ظهور ثلاث شخصيات متوسطة الأهمية، وهم الذين لو عاشوا قبل ٢٠٠ عام لذاعَ صيتُهم بدرجةٍ كبيرة: جريجوري من سانت فينسنت وجيه واليس وجيه جريجوري.
  • حوالي ١٦٤٧: اقترح جريجوري من سانت فينسنت حلًّا للقسمة الثنائية لدى زينون الذي ذُكِر فيه صراحةً مجموع مُتسلسلة هندسية.١٧ كما أنه أول عالِم رياضياتٍ يفترض أنَّ المتسلسلة غير المُنتهية تُمثل مجموعًا أو مقدارًا فعليًّا، الأمر الذي كان هو أيضًا أول مَنْ أثبته بوصفه «نهاية المتسلسلة»، التي أطلق عليها «نهاية تقدُّم المتوالية»، ووصفه بمصطلحات يودوكسوس بأنه نهاية «لن تصِل إليها المتوالية، حتى لو استمرَّت إلى ما لا نهاية، ولكن يُمكنها الاقتراب منها أكثر من الاقتراب الذي تبلُغه بواسطة أيِّ فترةٍ مُعطاة.»
  • ١٦٥٥: نشرَ واليس، ثاني أعظم عالِم رياضيات بريطاني في القرن السابع عشر، كتابه المذكور آنفًا «حساب اللانهائي» الذي لم يكن عنوانه من قَبيل المُصادفة. فقد كان ذلك أولَ أهمِّ عملٍ عن تطبيق المتسلسلات غير المنتهية في حَوْسَبة الهندسة، وسيكون جوهريًّا في نسخة نيوتن من حساب التفاضُل والتكامُل١٨ بعد عِقدَين من ذلك الحين. ومن بين النتائج المُهمة لكتاب «حساب اللانهائي»: أول تعريف عام صحيح لنهاية المُتتابعة غير المُنتهية ومجموع مُتسلسلة غير مُنتهية، واستخدام حاصل ضرب لا نهائي لتمثيل دالة الجيب ودالة جيب التمام، إثبات أن (قارن هذا بالعلاقة بعد ذلك ببضع سنوات)، وبالطبع أول استخدام « » كرمزٍ للَّانهائية أو ما لا نهاية.
  • ١٦٦٥: عرَّف الأسكتلندي جيه جريجوري «الدالة»، وحاول أن يجعل الاقتراب من نهاية ما هو الدالة الأساسية السادسة للجبر، وأوجدَ مفكوك عددٍ من الدوال المُثلثية والمُثلثية العكسية المختلفة في صورة متسلسلات غير مُنتهية؛ إذ أثبتَ — على سبيل المثال — أن » صحيحة عندما . شهدت هذه الفترة محاولاتٍ كثيرةً لفكِّ مقاديرَ على صورة متسلسلات؛ وذلك غالبًا لأنَّ الملَّاحين والمهندسين وغيرهم كانوا بحاجةٍ إلى حساب مُثلثاتٍ وجداولِ لوغاريتمات أكثر دقةً وتفصيلًا، وكانت مفكوكات الدوال على صورة مُتسلسلات غير مُنتهية هي أفضلَ طريقةٍ لإدخال قِيَم الجداول واستيفائها.
    (معلومة إضافية: وفي عام ١٦٦٥ أيضًا حُرِّرت نظرية ذات الحدَّين (وهي صيغة مفكوك في المرحلة الثانوية) على يد آي نيوتن بحيث أصبحت لا تعتمد على صيغة مثلث باسكال . وكان يُعتقَد أن المفكوك يكون لا نهائيًّا عندما تكون كسرًا أو عددًا سالبًا، إلا أنَّ أحدًا لم يُثبت فعليًّا أيَّ شيءٍ عن نظرية ذات الحدَّين أو تقارب وتباعُد المُتسلسلات بصفةٍ عامة حتى جيه بي جيه فورييه في عشرينيات القرن التاسع عشر).

الجزء ٣(ب)

كما ذكرنا ضمنًا على الأقل وكما سنشرح الآن بالتفصيل، هناك إجماع آراء في تاريخ الرياضيات على أن أواخر القرن السابع عشر يُمثل بداية عصرٍ ذهبي حديث، شهد مزيدًا من التطورات المهمة في الرياضيات مقارنةً بأي فترة أخرى في تاريخ العالم. بدأت الأحداث تأخذ إيقاعًا أسرع حقًّا، وأصبح في مقدورنا الآن أن نفعل ما هو أكثرُ من مجرد محاولة بناء طريقٍ بدائي من بداية العمل على الدوال وحتى فيض الأعمال الغزير لكانتور حول المجموعات غير المنتهية.

سنتعرَّف في عجالةٍ على تغييرَيْن واسعَي النطاق في عالم الرياضيات. يتضمَّن التغيير الأول التجريد. تقوم أغلب الرياضيات منذ الإغريق وحتى جاليليو على أساسٍ تجريبي: مفاهيم الرياضيات كانت عبارة عن تجريداتٍ صريحة من الخبرة الواقعية. وهذا هو أحد أسباب أن الهندسة (مع أرسطو) هيمنَت على المنطق الرياضي لفترةٍ طويلة. وكان الانتقال الحديث من المنطق الهندسي إلى المنطق الجبري١٩ هو في حدِّ ذاته مؤشرًا على حدوث تحوُّل كبير. بحلول العَقد الأول من القرن السابع عشر، أصبحتْ كيانات مثل الصفر والأعداد الصحيحة السالبة والأعداد غير النسبية تُستخدَم بشكلٍ روتيني. والآن، سأُضيف إلى ذلك ما شهِدَته العقود اللاحِقة من تعريف الأعداد المُركَّبة واللوغاريتمات النابيرية وكثيرات الحدود ذات الدرجات الأعلى والمُعاملات الحَرْفية في الجبر — بالإضافة بالطبع إلى المُشتقتَيْن الأولى والثانية والتكامُل — ومِن الواضح أنه اعتبارًا من تاريخِ ما قبل عصر التنوير أصبحت الرياضيات بمنأًى تامٍّ عن أي نوع من الملاحظة الواقعية حتى إن سوسور ونحن نستطيع القول بأنها الآن — بوصفها نظامًا من الرموز — قد أصبحت «مُستقلة عن العناصر المُحددة»؛ بمعنى أنَّ الرياضيات أصبحت الآن تهتمُّ بالعلاقات المنطقية بين المفاهيم المُجردة أكثرَ من أي تناظرٍ مُعين بين هذه المفاهيم والواقع المادي. القصد أنَّه في القرن السابع عشر أصبحت الرياضيات بالأساس نظامَ تجريداتٍ من تجريداتٍ أخرى، بدلًا من كونها نظامَ تجريداتٍ من العالَم.
أضفى هذا نوعًا من التناقُض على ثاني تغيير مُهم: اتضح أن توجُّه الرياضيات الجديد نحو التجريد المُفرط مفيدٌ على نحوٍ لا يُمكن تصوُّره في تطبيقات العالم الحقيقي، في العلوم والهندسة والفيزياء وغيرها. ولنأخذ — كمثالٍ واحدٍ واضح على ذلك — حسابَ التفاضل والتكامل، الذي يُعَدُّ أكثر تجريدًا بكثيرٍ عن أي نوعٍ من الرياضيات «العَملية» (مثل: ما الملاحظة الحياتية التي يُمكن من خلالها أن يتراءَى للمرء أن ثمَّة علاقةً ما بين سرعة الجسم والمساحة المحصورة بمنحنًى؟)، ومع ذلك فإنه يصلح على نحوٍ غير مسبوق في تمثيل/تفسير الحركة والعجلة والجاذبية وحركة الكواكب والحرارة — أيُّ شيءٍ يُخبرنا به العِلم عن العالَم الحقيقي هو حقيقة. ومن ثمَّ، لم يكن عبثًا ما أطلقَه دي بيرلينسكي على حساب التفاضُل والتكامُل من حيث كونُه «القصة التي رواها هذا العالَمُ لنفسه عندما أصبح العالَمَ الحديث»؛ لأن موضوع العالَم الحديث، وماهيته، هما العِلم. وشهد القرن السابع عشر اكتمال الاندماج بين الرياضيات والعِلم، حيث كانت الثورة العلمية سببًا ونتيجةً لانتشار الرياضيات الساحق؛ لأنَّ العِلم — الذي تحرَّر على نحوٍ متزايد من قيود أرسطو بوضع الجوهر في مقابل المادة والاحتمالي في مقابل الفعلي — قد أصبح الآن مشروعًا رياضيًّا بالأساس٢٠ حيث تُشكِّل القوة، والحركة، والكتلة، والقانون كصيغة، القالبَ الجديد لفهم الآلية التي يعمل بها الواقع. وبحلول أواخر العقد الأول من القرن السابع عشر، أصبحت الرياضيات الجادة جزءًا من عِلم الفلك والميكانيكا، والجغرافيا والهندسة المَدنية وتخطيط المُدن، وأعمال المحاجر والنجارة والتعدين، والكيمياء والهيدروليكا (علم السوائل المتحركة) والهيدروستاتيكا (علم توازن السوائل)، وعِلم البصريات وصقل العدسات، والاستراتيجية العسكرية وتصميم البنادق والمدافع (علم الأسلحة)، وصناعة النبيذ، والهندسة المعمارية، والموسيقى، وبناء السفن، وضبط الوقت، وحساب التقويم، وكل شيء.

وكان التأثير العَملي بمثابة سلاحٍ ذي حدَّين. وهنا يحضرنا اقتباسٌ حاسِم من إم كلاين «عندما بدأ اعتماد العِلم يزداد أكثرَ وأكثرَ على الرياضيات للوصول إلى استنتاجاته المادية، بدأ اعتماد الرياضيات يزداد أكثرَ وأكثرَ على النتائج العلمية لتفسير طرُقها الخاصة.» وهذا الاتحاد — كما سنعرف بمزيدٍ من التفصيل في الجزأَين ٤ و٥ أدناه — مُثمرٌ، ولكنه أيضًا محفوفٌ بالمخاطر. باختصار، كل أنواع المقادير والطرُق المشكوك فيها سابقًا أصبحت مقبولةً الآن للرياضيات نظرًا إلى فعاليتها العملية، بمعنى أنَّ الرياضيات إذا كانت تريد الاحتفاظ بصرامتها الاستنتاجية فسوف يتعيَّن عليها أن تضع لها «نظريات» تُفسِّرها بدقةٍ ويكون لها أساس في مُخطط الرياضيات البديهي. تُرى ما الأمثلة التي سنهتمُّ بعرضها هنا فيما يخصُّ هذه المفاهيم التي ظلَّت موضعَ شكٍّ وتساؤلٍ لفترة طويلة؟ فلنُلقِ نظرةً على كلاين بأسلوبه المُستساغ مرة أخرى، في كتابه «الفِكر الرياضي»، وتحديدًا في فصلٍ بعنوان «الرياضيات اعتبارًا من عام ١٧٠٠»: «أصبح لا بدَّ [الآن] من التعامُل مع المقادير المُتناهية الكِبَر التي عمل الإغريقُ جاهدين على تجنُّبها، وكذلك المقادير المُتناهية الصِّغَر التي اجتنبَها الإغريق بمهارة.»

الجزء ٣(ﺟ)

ثم بعد ذلك عندما ظهرت قصة اللانهاية في أواخر العقد الأول من القرن السابع عشر، أصبحنا الآن ننطلق بسرعةٍ فائقة لا رجعة فيها نحو كانتور وآخرين، وأصبحت الرياضيات أكثر تجريدًا واختصاصًا. ومن المُتفَق عليه سلفًا أنك عند نقاطٍ محددة سوف تكون في حاجةٍ مُلحة إلى معاجم صغيرة وسريعة تستعين بها عند الضرورة، تشتمل على تعريفاتٍ لبعض المصطلحات/المفاهيم التي لا يُمكن تجنُّبُها بحيث يتسنَّى لك بعد ذلك استخدامها دون أن تُضطَر باستمرار إلى التوقُّف وقضاءِ الوقت في استكشاف معناها. بعضها سيكون جديدًا، وبعضها سبق ذِكره أو ربما يبدو واضحًا نوعًا ما، ولكنه مُهم بما يكفي لأن يستلزم تعريف معناها ومعنى بعض المصطلحات الفرعية المرتبطة بها بدقةٍ وإحكام تام.

ملاحظة: ربما يكون مسرد المصطلحات الأول التالي جافًّا إلى حدٍّ ما؛ لأنه مُقتضَب تمامًا، وعلى الرغم من أنه كان من المُحبَّذ تحديدُه على أنه معلومة إضافية للقراء الذين لديهم خلفية قوية بالرياضيات، فالواقع أنَّ الكثير من التعريفات مُستخلَص ومُبسَّط بعناية حتى إنه يجدُر بك على الأرجح أن تُخصِّص وقتًا على الأقل لتصفُّح هذا المسرد كي تستوضِح الطرُق المحددة التي سوف تستخدِم بها هذه المصطلحات. وفيما يخصُّ القرَّاء الذين لا تتوفر لديهم دراية كبيرة بمحتوى الرياضيات الجامعي، على الجانب الآخر، من المفترَض أن يكون مسرد المصطلحات التالي هو كل ما يلزمهم للمُضيِّ قدمًا على الأقل في الأجزاء القليلة التالية.

مسرد المصطلحات الأول مع قفزةٍ زمنية تتضمَّن نبذةً وصفية ذات صِلة

  • خط الأعداد الحقيقية: كما ذكرنا، هذا بالأساس خطُّ أعداد محدود، بمعنى أنه خط هندسي ذو مقياسٍ ثابتِ الكثافة بحيث إنَّ أي عددٍ حقيقي يكون مناظرًا لنقطةٍ وحيدة على الخط. وفيما يخصُّ أهدافنا، فإن خطَّ الأعداد الحقيقية هو «فراغ طوبولوجي»، وهو ما يعني هنا أن الخط ومجموعة جميع الأعداد الحقيقية التي يُمثلها يمكن استخدامهما بالتبادل للإشارة إلى نفس الشيء المجرد٢١ — وسبق أيضًا أن ذكرْنا هذا الشيء، الذي يُطلَق عليه عادةً «الاتصال»، حيث يعني هذا المُصطلح في حدِّ ذاته ما يبدو تمامًا أنه يعنيه: أصل الاتصال مع اشتقاق حالاتٍ خاصة له.
  • الدالة: سبق أن ناقشناها بالتفصيل في الجزء ٣(أ) — أو يمكنك إلقاء نظرة على هذا التعريف الرائع المُستقى مباشرةً من رياضيات الصف الخامس الدراسي: «علاقة بين شيئَين حيث قيمة أحدهما تتحدَّد بقيمة الآخر.» لعلك تتذكَّر من الجبر الأساسي أنَّ في دالة تحليلية مثل ، يكون هو المُتغير المُستقل و هو المُتغيرَ التابع، وهو ما يعني ببساطة أن أي تغيراتٍ في يترتَّب عليها تغييراتٌ في طبقًا لقواعد . تُسمَّى مجموعة٢٢ جميع القِيَم التي يمكن إعطاؤها للمُتغيِّر المُستقل «مجالَ» الدالة، بينما تُسمَّى مجموعة جميع قِيَم المُمكنة «مدى» الدالة.
  • الدالة الحقيقية: دالة مجالها ومداها مجموعتان من الأعداد الحقيقية.
  • الدالة المُتصلة (أ): تكون الدالة مُتصلة إذا كانت التغييرات الطفيفة جدًّا في لا تؤدي إلَّا إلى تغييراتٍ طفيفة جدًّا في ؛ ومِن ثمَّ لا تُوجَد قفزات أو فراغات أو انحرافات غريبة. وإذا كانت الدالة غير مُتصلة، فإنها تكون عادةً غير مُتصلة عند قيمةٍ مُعينة للمُتغير المُستقل، على سبيل المثال دالة غير متصلة عند .٢٣ (لمعلوماتك، تُوجَد أنواع مختلفة من حالات عدم الاتصال، التي لكلٍّ منها سلوكُها المُميِّز وشكلها البياني واسمها التقني — «عدم اتصال قفزي»، «عدم اتصال قابل للإزالة»، «عدم اتصال لا نهائي» — ولكننا لن نخوض على الأرجح في تمييز هذه الفروق.)
  • الفترة: المسافة على خط الأعداد الحقيقية بين نقطتَين، لنَقُل مثلًا و ، وهذا مكافئ لمجموعة جميع الأعداد الحقيقية بين و . وهنا، تُسمَّى كلٌّ من و بنقطتي نهاية الفترة. الفترة المُغلقة تتضمَّن نقطتَي نهاية الفترة، والفترة المفتوحة لا تتضمَّنهما. لاحِظ نوع الأقواس المُربَّعة المُستخدَمة للفترة المُغلَقة والأقواس الهلالية المُستخدَمة للفترة المفتوحة؛ فهذه هي طريقة تمييز الفارق باستخدام الرموز.
  • الجوار: على خط الأعداد الحقيقية، جوار نقطة هو الفترة المفتوحة حيث . ويمكن التعبير عن ذلك بطريقةٍ أخرى بالقول إن الجوار للنقطة هو مجموعة كل النقاط التي تبعُد عن بمسافةٍ أقلَّ من .
  • الدالة المتصلة (ب): دائمًا ما تُعرَّف الدوال على أنها مُتصلة أو غير مُتصلة في فتراتٍ أو على فتراتٍ مُعينة. الدالة تكون مُتصلة على الفترة المفتوحة إذا كانت مُتصلة عند كل نقطةٍ في الفترة . ولكي تكون الدالة مُتصلة على الفترة المُغلقة ، يجب أن يتحقَّق ما يلي:

    وهو ما لن يُفهَم معناه إلا إذا كنتَ مُلمًّا بموضوع النهايات.

  • النهايات: أو بالأحرى النهايات في مقابل الحدود، حيث إنهما مُرتبطتان، ولكنهما أيضًا مختلفتان بشكلٍ كبير. وربما يمكن ملاحظة الفارق بسهولة أكبر فيما يتعلق بالمتتابعات.
  • المتتابعة: أي تتابُع للحدود تَشكَّل بناءً على قاعدة ما، على سبيل المثال المتتابعة الهندسية .
  • النهايات في مقابل الحدود: (أ–د) دائمًا ما كان يُشير د. جوريس على نحوٍ موجز ومُبسَّط إلى أن النهاية تتضمَّن التعبير «تقترب من»، بينما الحد يكون متبوعًا بالصفة «أعلى» أو «أدنى». (أ) نهاية المتتابعة هو المفهوم الرئيسي غير المُعلَن وراء التقسيم الثنائي لزينون والمُتضمَّن في طريقة الاستنفاد ليودوكسوس والقياس الحَجْمي لكيبلر وغير ذلك. وفيما يتعلق بالمتتابعات، تُشير «النهاية» إلى العدد الذي لن تصِل إليه أبدًا ولكنه تقترب منه أكثر وأكثر كلما ازداد عدد الحدود في المتتابعة. وما يَزيد الأمرَ إثارةً أن النهاية للمتتابعة غير المنتهية هي العدد الذي تقترب منه المتتابعة عندما تقترب من ، حيث يُشار إلى هذا الاقتراب الأخير بالرمز « » وتُكتَب الجملة كاملةً على هذا النحو: . (ب) نهاية الدالة هي في الأساس القيمة التي يقترِب منها المُتغير التابع عندما يقترِب المُتغير المُستقل من قيمةٍ أخرى. والمثال المشهور على ذلك في حساب التفاضُل والتكامُل I هو حيث تقترب من عندما تقترب من ، وهو ما يُكتَب على النحو التالي: .٢٤ (ﺟ) حدُّ الدالة هو أمرٌ مختلف تمامًا. إنه قيدٌ من نوع ما على مدى الدالة. ومثالٌ كلاسيكي على ذلك من حساب المُثلثات، الدالة ، حيث تقع جميع قِيَم تقع بين و . والأهم فيما يخصُّ أهداف النقاش هنا أن الدوال يمكن أن تكون لها حدود عُليا ( ) و/أو حدود دُنيا ( ) بحيث تكون و/أو لجميع قيم في مجال الدالة. بل والأهم من ذلك أيضًا الحدَّان الأكثر تحديدًا وهما «أصغر حدٍّ أعلى» و«أكبر حدٍّ أدنى» للدالة، حيث هو أصغر حدٍّ أعلى للدالة إذا كان أي حدٍّ أعلى آخر، وليكن مثلًا، ، ويكون هو أكبر حدٍّ أدنى للدالة إذا كان أي حد أدنى آخر . (د) المتتابعات يمكن أن تكون لها حدودٌ كما للدوال تقريبًا. المُتتابعة غير المنتهية من الأعداد الصحيحة الموجبة كما هو واضح لها حدٌّ أدنى عند ، الذي يُمثِّل أيضًا الحدَّ الأعلى للمتتابعة . أما المتتابعة المُنتهية، فهي المتتابعة التي لها حدٌّ أعلى وحدٌّ أدنى معًا، على سبيل المثال إذا كان ، فمن السهل أن نُلاحظ أن المتتابعة التي تنتج عن فك٢٥   سيكون لها حدَّان أيضًا.٢٦،٢٧
  • المتسلسلة: يُمكن تعريف المتسلسلة بأنها مجموع حدود مُتتابعة من الأعداد، كما في المتسلسلة الهندسية . وتعني العلاقة الوثيقة بين المتسلسلات والمتتابعات أنهما يشتركان في أغلب الصفات والدلالات المُرتبطة بها، مع استثناءٍ واحد مُهم: بينما المُتتابعات لها نهايات؛ فالمُتسلسلات لها نهايات ومجاميعُ على حدٍّ سواء. لعلك تذكُر الحرف اللاتيني الشهير (سيجما) في مُقرَّر الرياضيات الجامعي، الذي تميِّز من خلاله مجموع المُتسلسلة حتى لو كانت تحتوي على عددٍ لا نهائي من الحدود؛ لأنه اتضح أن كلَّ المُتسلسلات المُهمة هي متسلسلات غير منتهية. يُكتَب مجموع المتسلسلة غير المنتهية على الصورة ؛ حيث يُشير كلٌّ من رمز الصغير و إلى نهايات المتسلسلة (وهو ما يعني هنا نطاق القِيَم الممكنة ﻟ ).٢٨ المتسلسلات غير المنتهية تكون متقاربة عندما تتقارب إلى مجموعٍ مُنتهٍ (لاحظ، على سبيل المثال، كيف أن المتسلسلة تتقارَب إلى المجموع ) وتكون متباعدة عندما لا تتقارَب إلى مجموعٍ منتهٍ (كما في المتسلسلة )، ولكن كِلا النوعَين من المتسلسلات يكون لهما على الأقل مجاميعُ مجردة٢٩ وهي التي يمكن الإشارة إليها بالرمز « » والتعاملُ معها على أنها مقادير العمليات الحسابية الأخرى.
  • حاصل الضرب اللانهائي: يُشبه المُتسلسلة غير المُنتهية باستثناء أن الحدود تكون مضروبة بعضها في بعض.٣٠ الكثير من الأشياء في حساب المثلثات، من إلى دالة الجيب ودالة جيب التمام، يمكن تمثيلها كحاصل ضربٍ لا نهائي؛ اعتمادًا على كيفية التعامُل مع المفكوكات.
  • المفكوك: يعني هذا كتابة شيءٍ رياضي على صورة متتابعة/متسلسلة/حاصل ضرب (وما يعنينا هنا على وجه الخصوص هو المفكوكات على صورة متسلسلات). وتعتمد آليةُ ذلك على ما تريد الحصول على مفكوكه. عادةً ما يكون مفكوك تعبير رياضي سهلًا ومباشرًا للغاية، كما هو الحال عند تذكُّر كل عمليات الآلية من رياضيات المرحلة الثانوية (وهو ما سوف تستحضر عنه أيضًا أن أي ثوابتَ موجودة أمام مُتغيرات الحدود تُعْرَف بمعاملات المتسلسلة). أما الدوال، على الجانب الآخر، فهي أكثر أهمية ومن ثمَّ أكثر تعقيدًا. بل لا تقبل جميعها الفك، وذلك لسبب واحد؛ فلكي يُمكن تمثيلُ الدالة على صورة مُتسلسلة، فإنَّ مفكوك الدالة على صورة متسلسلة يجب أن يكون إما (١) مُنتهيًا، وإما (٢) إذا كان غير مُنتهٍ فلا بدَّ أن يتقارَب إلى قيمة الدالة عند جميع قِيَم المُتغيرات. مثال: يمكن تمثيل الدالة المُثلثية بواسطة متسلسلة القوى المتقاربة .٣١
  • متسلسلة القوى: نوع خاص من المُتسلسلات يحتوي على أُسس (أو ما يُعرَف أيضًا بالقوى)، والصيغة العامة لمُتسلسلة القوى هي حيث قِيَم أعداد حقيقية وقِيَم هي المعاملات. حقيقة مُثبتَة: مفكوكات الدوال الأساسية: دالة الجيب، ودالة جيب التمام، والدالة الناقصية، والدالة الزائدية، والدالة اللوغاريتمية، والدالة الأُسيَّة، هي جميعها متسلسلات قوى (وكذلك التقسيم الثنائي لزينون).
  • متسلسلة فورييه: عبارة عن مجموع مُتسلسلتَي قُوًى، وهي مصطلحٌ يُدرَّس في رياضيات السنة الثالثة أو الرابعة في الجامعة،٣٢ وقد تكون مُجهِدة حقًّا للذهن، ولكنها أساسية في سياق رياضيات الأعداد فوق المنتهية، ويجب تحديدها بصفةٍ عامة على أقل تقدير. ما يُهمنا هنا هو أن متسلسلات فورييه يمكن اعتبارها مفكوكات لدوالَّ دورية، وكل ما ينبغي معرفته عن الدوال الدورية أنها طرُق لتمثيل أنواع مختلفة من الموجات، ومن ثمَّ أحيانًا ما تُعرَف أيضًا باسم الدوال المَوجية. الدوال الموجية الأساسية هي الدالتان المثلثيَّتان و ، ومتسلسلة فورييه الأولية هي مفكوك دالة مُثلثية على صورة ،٣٣ حيث كلٌّ من و هما ما يُعرَفان بمعاملات فورييه، التي يصعب استيعابها جيدًا؛ ومن ثَمَّ نعتزم تجنُّبها بأي ثمن تقريبًا.
  • تربيع: هذا هو المصطلح الذي أُطلِق في العقد الأول من القرن السابع عشر على نوع معين من المسائل التي أدَّت إلى حساب التكامُل. تقنيًّا، يُشير المصطلح إلى إنشاء مربع مساحته تساوي المساحة المُحاطة بمنحنًى مغلق. بعبارةٍ أخرى، فإنه نسخة ترجع إلى عصر الحداثة المبكرة من مسألة «تربيع الدائرة» القديمة. نهتم هنا بتعريف «التربيع»؛ لأنه سوف يُستخدَم أدناه في سياقاتٍ تاريخية مُعينة، حيث سيكون من الخطأ أن نقول «تكامل» بدلًا من «تربيع»؛ لأن التكامل — على وجه التحديد — لم يكن موجودًا بعد.
  • المُشتَقة: التفاضُل لمكجوفين. بمصطلحات أظرف، هي تعبيرٌ عن معدل التغيُّر في دالةٍ ما بالنسبة إلى مُتغيرها المستقل.٣٤ بما أن هذا قد يُذكِّرنا بصفِّ الرياضيات، دعونا نُضِف أن مُشتقة الدالة عند نقطة معينة يُمكن فَهمُها على أنها ميل المماس للمُنحنى المُعطى بواسطة عند ، مع أن هذا لن يكون له الكثيرُ من التطبيقات لدَينا. حقيقة إضافية مهمة: تُسمَّى عملية إيجاد مُشتقة مُحددة ﺑ «الاشتقاق».
  • التكامُل: هذا هو عكس المُشتَقة؛ فهو الدالة التي لها مُشتَقة معلومة، أي الدالة التي اشتُقَّت منها المُشتقة؛ بمعنى أنه إذا كانت هي مشتقة ، فإن هي تكامُل . سيرِدُ المزيد عن هذا كلِّه في سياق فعلي في الجزء ٤. (ملاحظة: تُعرَف عملية إيجاد تكامُل/تكامُلات مُعطاة باسم التكامُل، وهذا هو غالبًا ما يفعله علماءُ الرياضيات عندما يتعثرون في مسألةٍ ولا يعرفون كيفية المتابعة. ومن هنا جاء الشعار المكتوب في الكثير من مكاتب طلَّاب الرياضيات للدراسات العليا: لا تجلس مُنتظرًا، وبادر بإجراء التكامُل.)
  • التحليل: مصطلحٌ آخر عالي التجريد لا يمكن التحايُل عليه أو تجنُّبُه. يُوجَد تعريف اصطلاحي جدًّا يتضمَّن الأسلوب الذي تتباين به أنواعٌ معينة من الدوال حول جوار نقطةٍ ما على سطح، وهو ما يمكن الاستغناء عنه على ضوء جدول أعمالنا ككلٍّ لصالح فكرة أن التحليل هو فرع الرياضيات الذي يدرُس كلَّ ما له علاقة بالنهايات و«العمليات على النهايات»، أي: حساب التفاضل والتكامل، والدوال ذات المُتغيرات الحقيقية والمُركَّبة، وطوبولوجيا خط الأعداد الحقيقية، والمتتابعات والمتسلسلات غير المنتهية، وهكذا. غالبًا ما يُشار في الكتب الدراسية وقاعات الدرس إلى التحليل على أنه «رياضيات الاتصال». وقد يكون هذا مُضلِّلًا بعض الشيء؛ لأن أغلبنا درس أيضًا أن الاتصال هو الاختصاص الفعلي لحساب التفاضل والتكامل ومنطقة نفوذه، وأن هناك بعض المجالات التي لا صِلة لها تمامًا بحساب التفاضل والتكامل، ومع ذلك لا تزال تختصُّ بالتحليل، ومنها مجالات وثيقة الصلة بالموضوع بوجهٍ خاص. الجبر يُشبه تمامًا التحليل من خلال نظرية ذات الحدَّين٣٥ عندما تكون ويُصبح مفكوك متسلسلة ذات الحدَّين الشهيرة؛ وكذلك الحال بالنسبة إلى التحليل في حالة الدوال المُثلثية عندما تُفَكُّ — على سبيل المثال — دالة الجيب ودالة جيب التمام على صورة متسلسلة القُوى المناظرة لهما.

وما يَزيد الأمر تعقيدًا أنَّ «التحليل» في الرياضيات الحديثة يُمكن أيضًا أن يُشير ضِمنًا إلى نوعٍ معين من الدلالة المنهجية، التي تُدرَّس تمشِّيًا معها أنواعُ المجالات المذكورة أعلاه. انظر، على سبيل المثال، الاقتباس التالي من «قاموس أوكسفورد المُختصر للرياضيات»: «صار مصطلح «التحليل» يُستخدَم للإشارة إلى نهجٍ أكثرَ دقةً لفهم موضوعات حساب التفاضل والتكامل، ولأساسيات نظام الأعداد الحقيقية.» التي فيها العبارة الأخيرة الموازية مُكافئة لاختصاص ديديكند وكانتور، حيث تُشكِّل الأسباب التي تُوجِب إيلاء موضوعات حساب التفاضل والتكامل «نهج أكثر دقة» الدافعَ الحقيقي وراء أعمالهم. باختصار، كانت الدقة الصارمة والأساسيات جزءًا من الضرورة الفلسفية الكبيرة لرياضيات ما بعد حساب التفاضل والتكامل، وهو انقسامٌ سحيق حول كيفية النظر إلى الكيانات الرياضية وبرهنة النظريات؛ وهذا الانقسام هو بدوره السياق العميق الكامن وراء الخلافات القائمة حول رياضيات الأعداد فوق المنتهية لكانتور. وهذا كله سوف نتحدَّث عنه ونُناقشه أثناء المُضي قدمًا.

من الأمور الأخرى المتضمَّنة في اقتباس «قاموس أكسفورد» المتضادَّات القديمة بين المنفصل/المتقطع، في مقابل المتصل/المستمر، وبين الهندسة والرياضيات البحتة. في واقع الأمر، اهتمَّت جميع الأسماء الكبيرة وراء بدايات حساب التفاضل والتكامل بالدوال المُتصلة والمقادير التي هي إما هندسية تمامًا (الخطوط، المُنحنيات، المساحات، الحجوم) وإما يمكن تمثيلها هندسيًّا (القوة، السرعة، العجلة). ومع ذلك، اعلم الآن أن إحدى القضايا الرياضية الكبرى في القرن، التي أدَّت إلى ذيوع صِيت كلٍّ من كانتور وديديكند، هي «حَوْسَبة التحليل» أي معالجة التحليل بمفاهيم الحساب الأساسية، وهو ما يعني جوهريًّا اشتقاق نظرياتٍ عن الدوال المُتصلة باستخدام الأعداد فقط، وليس المُنحنيات أو المساحات. وأدت حوسبة التحليل هذه في نهاية المطاف إلى أن استخدام التحليل على نطاقٍ أوسع في الجبر ونظرية الأعداد، وهي المجالات التي كانت حتى هذه اللحظة مُكرَّسة تمامًا لكيانات/ظواهر الرياضيات المُنفصلة. ما حدث في القرن التاسع عشر هو انفصالٌ عن الهندسة مُماثلٌ لما حدث مع الرياضيات لدى الإغريق، بعد اكتشاف الأخوية الدينية الفيثاغورية للأعداد غير النسبية.

نحن الآن بعيدون كثيرًا عن سياق الموضوع الأساسي، من الناحية الزمنية. والسؤال المهم فيما يتعلق باللانهائية، الذي ينبغي أن نضعه دائمًا نصب أعيُننا على مدار الجزأَين القادمَين، هو: ما السبب بالضبط الذي جعل حساب التفاضل والتكامل يستوجِب الدقة الإضافية المذكورة أعلاه في مسرد المصطلحات (الذي لم نعُد بصدَدِه الآن على الأرجح). يجدُر بنا التأكيد، مرةً أخرى للاستخدام المُستقبلي، على أن الفارق الأهم بين الظواهر المنفصلة (المتقطعة) والمتصلة (المستمرة) في الرياضيات هو أن الأولى يمكن تمييزها باستخدام الأعداد النسبية، بينما يتطلَّب الاتصال كلَّ الأعداد الحقيقية، أي الأعداد غير النسبية أيضًا.

ويُصادف أنَّ شخصية مُهمة في كلٍّ من «حَوْسَبة التحليل» ورياضيات اللانهائية، وهو الأبُ بي بي بولزانو (١٧٨١–١٨٤٨) من جامعة براج، الذي يُعدُّ هذا هو الموضع المناسب للحديث عنه لعدة أسباب — على الرغم من أننا لكي نفعل ذلك سيتعيَّن علينا المرور سريعًا على بدايات القرن التاسع عشر، وسوف يَعقُب هذا نوعٌ من التوقف سنعود بعده مُجددًا إلى الجزء التالي. فيما يتعلق بحوسبة التحليل، يُعدُّ الكاهن بولزانو هو الأقل شهرةً بين علماء الرياضيات الأربعة الذين كان لهم السبق فيما عُرِفَ بعد ذلك ﺑ «التحليل الدقيق» في مُستهل القرن التاسع عشر، والثلاثة الآخرون هم أيه إل كوشي وإن أبيل وبي جي إل دركليه. وكان كوشي هو مَنْ حصل على أعلى قدرٍ من الشرف والتقدير، وذلك بالأساس بفضل كتابه «دروسٌ في التحليل» Cours d’analyse (١٨٢١)، الذي أصبح الكتابَ الدراسيَّ القياسي في مُقرر الرياضيات الجامعي في أوروبا على مدى ١٥٠ عامًا. بصفةٍ عامة، يتضمَّن مشروع كوشي محاولة تخليص حساب التفاضل والتكامل من صعوباته الميتافيزيقية٣٦ عن طريق تعريف المُتناهيات في الصغر بدقةٍ باستخدام النهايات، ولكن الكثير من تحليل كوشي ما زال مَدينًا بالفضل للهندسة على نحوٍ أدَّى في النهاية إلى إثارة المشاكل. وكان بولزانو في الواقع هو مَنْ قدَّم في كتابه «الدليل التحليلي البحت للمبرهنة …»٣٧  Rein analytischer Beweis des Lehrsatzes … الصادر عام ١٨١٧، أول برهان حسابي بحت لنظرية تتضمَّن الدوال المتصلة.٣٨ في هذا الكتاب نفسه، قدَّم أيضًا ما يُعتبَر الآن التعريف الرياضي الصحيح للاتصال: تكون متصلة في الفترة إذا كان من الممكن عند أي نقطة في أن يُصبح الفرق صغيرًا بقدْر ما تُريد بإعطاء قيمًا صغيرة نسبيًّا. وفي الواقع، ضربَ بولزانو مثالًا حيًّا آخر على التحوُّل السريع والمفاجئ لمكانة العالِم وشهرته في الرياضيات. سيبدو بعضُ ذلك بلا سياق وسابقًا لأوانه هنا، ولكن كُن على علمٍ أن أسلوبه — على سبيل المثال — في تحديد ما إذا كانت متسلسلةٌ مُتصلةً لا يزال مُستخدَمًا حتى يومنا هذا، ويُنْسَب إلى كوشي. أو اعلم أيضًا أن بولزانو كان أول عالِم رياضيات يتوصَّل إلى دالةٍ متصلة ولكن غير قابلة للاشتقاق (أي إنها ليست لها مُشتقة)، وهي نتيجة قلبت فرضية حساب التفاضُل والتكامل في بداياته بأن الاتصال والتفاضل شيئان مُتلازمان رأسًا على عقب — وقد جرى تجاهلها تمامًا، بينما أُشيدَ بكيه فايرشتراس عندما أنشأ دالةً مُماثلة بعد ذلك ﺑ ٣٠ عامًا على أنه «اكتشافها» الفعلي.٣٩
كلُّ ذلك سيكون له مردود أكثر أهمية عمَّا يبدو الآن، لا سيَّما فكرة الاتصال على أنه خاصية حسابية. ومع ذلك، ما يقع في صُلب الموضوع هنا هو عمل بولزانو اللاحِق عن المقادير غير المُنتهية،٤٠ حتى لو كان السبب الوحيد لذلك أنه الصلة التاريخية الأكثر أهميةً بين «عِلمان جديدان» لجاليليو وأبحاثِ ديديكند/كانتور. فمن ناحية، بولزانو (الذي كان مُنشقًّا، رياضيًّا وعقائديًّا على حدٍّ سواء (على سبيل المثال: فُصِلَ في النهاية من جامعة براج لإلقائه خُطَبًا مناهضة للحرب.)) هو أول عالِم رياضيات منذ جاليليو يُعالج صراحةً الفرق بين اللانهائيات الفعلية والاحتمالية لأرسطو. وعلى غرار كتاب «عِلمان جديدان» لجاليليو، كان بحث «مفارقات اللانهائي» لبولزانو مُناقضًا بشدة لأفكار أرسطو، على الرغم من وجود فروقٍ مُهمة أيضًا — تتَّسِم حجج بولزانو بأنها رياضية أكثر من حجج جاليليو جاليلي، وكذلك الحال بالنسبة للدافع وراء هذه الحجج. في إشارة مُجددًا إلى بعض الأمور التي سوف نشرحها بمزيدٍ من التفصيل أدناه، يتعلَّق الدافع وراء «مفارقات اللانهائي» ببعض الصعوبات الميتافيزيقية المُتضمَّنة في استخدام حساب التفاضل والتكامل للكميات والتغيرات الصغيرة المُتعلقة باللانهائية. حاول أغلب علماء الرياضيات بعد ظهور حساب التفاضل والتكامل تفاديَ هذه الصعوبات أو التعتيمَ عليها بإقحام أرسطو على نحوٍ غامض، وافتراض أن جميع اللانهائيات التي يتحدَّثون عنها احتماليةٌ فقط أو «غير مكتملة» (كانت هذه هي الفكرة الأساسية وراء نهايات كوشي). وكانت محاولة بولزانو للوقوف على نقاط الضعف الكبرى والثغرات الكثيرة في هذه الفرضية هي إحدى الأسباب التي حالت دون أن تحظى أعمالُه سوى بالقليل من الاهتمام. ولهذا السبب أيضًا غالبًا ما كان البروفيسور جي كانتور، الذي يميل إلى أن يكون ناقمًا دائمًا على معظم المُعالجات التاريخية للانهائية، يخصُّ بولزانو بإشادةٍ خاصة.٤١
إنَّ «مفارقات اللانهائي» هو نتاج اهتمامات بولزانو المشتركة بالدوال، والمجموعات غير المنتهية، وخط الأعداد الحقيقية. وفي الواقع، فإن الكتاب لا يتضمَّن سوى بعض المفاهيم التي لا تكفي لوضع النظرية الحديثة في المجموعات — «حديثة» هنا بمعنى قادرة على التعامل مع المجموعات غير المنتهية.٤٢ من الجوانب المهمة التي تستبق بها أعمال كانتور أنها تُعلن صراحةً عن شيء لم يؤتَ على ذكره سوى ضمنًا في مفارقة جاليليو، وهي فكرة التناظر الأُحادي بوصفه أسلوبًا لتوطيد التكافؤ بين مجموعتَين. كان مَدْخل بولزانو إلى مفارقة جاليليو مجردًا تمامًا، وبأسلوب كانتور. كان يقوم على أخذ شيءٍ قد نسبَه جاليليو إلى قيود العقل البشري ومحدوديته وجعله خاصيةً جوهرية وصفةً متأصِّلة في المجموعات غير المنتهية — هذا الشيء هو حقيقة أن المجموعة الجزئية من مجموعة غير منتهية يمكن أن تحتوي على عددٍ من العناصر مُماثل لعدد عناصر المجموعة نفسها — وكما سنرى، بعد جي كانتور (الذي كانت أبحاثه مُثيرة للجدل ولكنها لم تُهمَل مُطلقًا)، استوعب علماء الرياضيات أن هذه الخاصية كانت في الحقيقة السمة المُميِّزة للمجموعات غير المنتهية، والتعريف الاصطلاحي في الرياضيات للمجموعات غير المنتهية يستند الآن إلى هذا التكافؤ الغريب.
لاحظ أيضًا أن نسخة جاليليو عن التكافؤ لم تُولِ اهتمامًا سوى باللانهائيات الكبيرة فقط من كل الأعداد الصحيحة وكل المُربعات الكاملة. وكان بولزانو هو أول مَنْ صاغ التكافؤات بين لا نهائيات زينون الصغيرة المُكثفة لخط الأعداد الحقيقية. وهذا هو ما فعله في «مفارقات اللانهائي» عن طريق فحص المجموعة المكوَّنة من جميع الأعداد الحقيقية ما بين و ؛ أي مجموعة كل النقاط في الفترة المغلقة على خط الأعداد الحقيقية. وضع بولزانو الدالة الأولية٤٣   ، ولاحظ أنه إذا كانت قِيَم في مجالها هي جميع النقاط الواقعة في الفترة ، فإن الدالة سوف تُخصِّص لكل قيمةً واحدة فقط من قِيَم في الفترة المغلقة الأكبر . ومن ثمَّ، فإن سوف يُناظِر ، و سوف يُناظِر ، و سوف يُناظِر ، وهكذا. بعبارةٍ أخرى، فإنه تَناظُر أحادي مثالي: يُوجَد عدد نقاط على خط الأعداد الحقيقية في الفترة مساوٍ تمامًا لعدد النقاط في الفترة . و(كما هو واضح الآن، ولكن كان بولزانو هو أول مَنْ أشار إليه) فإنه يُمكنك ببساطة عن طريق تغيير معامل للدالة إلى أي عددٍ صحيح آخر — ، — إثباتُ أن عدد الأعداد الحقيقية بين و مساوٍ تمامًا لعدد الأعداد الحقيقية بين وأي عددٍ محدود آخر يمكن أن تُفكر فيه.

جزءٌ تكميلي يتضمَّن معلوماتٍ إضافية

في الواقع، كما رأينا في الجزء ٢(ﻫ)، فإن عدد النقاط في الفترة يكون في النهاية مُساويًا لعدد النقاط اللانهائي على خط الأعداد الحقيقية بالكامل، حيث يمتدُّ إلى ما لا نهاية في كِلا الاتجاهَين. وعلى الرغم من أن البرهان الشكلي/الصوري لذلك مُعقَّد جدًّا،٤٤ فإن شرح التكافؤ أمرٌ يقع في نطاق قدرات الطالب المتوسط في الصف الدراسي الرابع. خذ القطعة المُستقيمة المناظرة للفترة من خط الأعداد الحقيقية وألصقها على خط الأعداد الحقيقية بالكامل، ثم ضَعِ الجزء المُدبَّب لفِرْجار على نقطة منتصف القطعة المستقيمة تمامًا وارسُم النصف السُّفلي لدائرة طول قطرها يُساوي ،٤٥ ورتِّب كل شيءٍ كما هو مُوضَّح:
اختر أي نقطة على خط الأعداد الحقيقية، وارسُم خطًّا مُستقيمًا من هذه النقطة إلى مركز الدائرة ، أي: إلى نقطة منتصف القطر. وحيثما يقطع نصف الدائرة، ارسم خطًّا مُستقيمًا رأسيًّا ليقطع القطر القطر، مرةً أخرى على هذا النحو:
وهكذا، يمكن إثبات أنَّ كل نقطةٍ على خط الأعداد الحقيقية، عن طريق ، تكون في علاقة تَناظُر أحادي مع نقطةٍ ما في الفترة . وهو المطلوب إثباته.
نهاية «جزءٌ تكميلي يتضمَّن معلوماتٍ إضافية»

•••

بعيدًا عن المنظور الرياضي المُتخصص، من اللافت للنظر أيضًا في «مفارقات اللانهائي» أجندته الميتافيزيقية. وهو يُشبه في ذلك أيضًا كتاب «عِلمان جديدان» وبعضًا من أعمال كانتور اللاحقة. تتمثَّل صفقة بولزانو الأساسية في أنه تنصَّل من سلسلة الوجود الأرسطية-السكولاستية، واعتقد أن الكون المخلوق لا نهائي في امتداده وقابل للتقسيم على نحوٍ لا نهائي. وليس «الخلود» إلا لا نهائية مُؤقتة. ومثلُ معظم علماء الرياضيات الرهبان من فيثاغورس إلى جودل، اعتقد بولزانو أنَّ الرياضيات هي لغة الإله، وأنَّ الحقائق الميتافيزيقية العميقة يمكن استنتاجها وإثباتها رياضيًّا. ما كان يعوزه، فيما يخصُّ بلوَرَة أفكاره عن لا نهائية الحجم والكثافة وعن التكافؤ في صورة نظرياتٍ حقيقية، هو المفاهيم النظرية المرتبطة بالمجموعات، وهي «الكاردينالية» و«الترتيبية»، و«القوة» كما تنطبق على مجموعاتٍ من النقاط.٤٦ استطاع إنشاء التكافؤ الغريب للمجموعات/المجموعات الجزئية غير المنتهية، وإثباته، وأدرك سلفًا أن العلاقة بينها ليست تناقُضية ولكن نموذجية، إلا أنه لم تكن أمامه وسيلة لتحويل براهينه إلى نظريةٍ فعلية عن المجموعات غير المنتهية وعلاقاتها، وسلوكها، إلى آخره. والسبب الرئيسي لذلك — الذي قد يبدو غريبًا الآن — هو أنه في عصر بولزانو لم تكن هناك بعدُ أيُّ نظرية مُتسقة عن نظام الأعداد الحقيقية، ولا تعريف دقيق للعدد غير النسبي.

هوامش

(١) الهدف الآخر الوحيد للجزء (٣) هو تحقيق مستوًى من الاختزال والتبسيط لا يصِل إلى حدِّ التشويه أو الغرابة.
(٢) إذا كنتَ درست أن رمز الصفر مُشتقٌّ من الأوميكرون، وهو الحرف الخامس عشر في الأبجدية الإغريقية، فهذا محض هراء.
(٣) ستُلاحظ أن الجزئية الأخيرة هي تعريفٌ لكلمة algebra (الجبر)، وهي الكلمة المأخوذة فعليًّا بتحريفٍ عن كلمة Al-jabra، التي هي عنوان مقالٍ لعالِم الرياضيات الخوارزمي المولود في بغداد (تُوفِّي عام ٨٥٠ ميلادية).
(٤) م. إ.: في «الخلاصة اللاهوتية» Summa Theologiae و«صورة الإله» De Potentea Dei (تعني كلمة quia التفكير بالعودة من النتائج إلى الأسباب).
(٥) = Mitteilungen zur Lehre vom Transfiniten (1887)، الذي يُعتبر واحدًا من أهم أبحاث كانتور ويظهر في الصفحات ٣٧٨–٤٤٠ من مجموعة أبحاثه في الرياضيات والفلسفة Gesammelte Abhandlungen mathematischen und philosophischen Inhalts (= «الأعمال المُجمَّعة»). ويُمكن العثور على كل ما يتعلَّق بكانتور في «الرسائل المُجمَّعة»، التي يمكنك الرجوع فيها إلى ثَبْت المراجع.
(٦) م. إ.: نوعٌ هندسي ١٠٠٪ من حساب التفاضُل والتكامُل البدائي، سابق على ديكارت ونيوتن، وفيه خطوط العرض التي سُمِّيَت بها الطريقة عبارة عن قطعٍ مُستقيمة رأسية تُمثل أطوالُها السرعةَ في لحظةٍ ما (حيث تُمثل اللحظات «خطوط الطول» في التمثيل البياني). ولستُ متأكدًا إن كان هذا يُفسِّر اسم الطريقة أم أنه يَزيد الأمر غموضًا والتباسًا فحسب.
(٧) خمِّن السبب.
(٨) م. إ.: لم يستخدم فييت الكلمات «مجموع» أو «هندسي» أو «متسلسلة»، ولكن في الواقع هذا ما كانت تعنيه.
(٩) م. إ.: أعتذر عن الخوض في تاريخ الرياضيات المُمل. يُمكنك أيضًا الرجوع إلى كتاب كيبلر «قياس حجم البراميل» Stereometria doliorum (١٦١٥) (إنها قصة طويلة، تتضمَّن الإمبراطور رودولف الثاني وصناعة النبيذ النمساوية)، حيث إن طريقة الكتاب «الحجمية» لتحديد المساحات أو الحجوم لأشكالٍ أُنشِئت بواسطة مُنحنياتٍ دوَّارة تستلزم التعامُل مع هذه المجسَّمات على أنها تتكوَّن من عدد من المُضلعات المُتناهية الصغر التي يُمكن جمع مساحاتها — مرةً أخرى، كان ذلك قبل نيوتن ولايبنتس بفترة طويلة.
(١٠) م. إ.: حقًّا، تُشبه عناوين كتب الرياضيات في بداية العصر الحديث أسماء الأمراض الخطيرة.
(١١) م. إ.: حوالي ١٤٠١–١٤٦٤، عالِم رياضيات وكاردينال في الكنيسة الرومانية، ويطول الحديث عنه.
(١٢) م. إ.: سوف نشرح هذا كله بمزيدٍ من التفصيل في الجزء ٧ أدناه، وهو جزءٌ محوري بالِغ الأهمية.
(١٣) م. إ.: في الواقع، تقترب النسبة نفسُها من ما لا نهاية كلما تقدمت أكثرَ في المتتابعة.
(١٤) قدَّم جيه جريجوري أول تعريف للدالة يلقى قَبولًا واسع النطاق في كتاب عن مسائل التربيع بعد ٣٠ عامًا فقط من كتاب «عِلمان جديدان».
(١٥) يمكن التغاضي عن الفروق بين هذه الأنواع من الدوال في ضوء الحقيقة القائلة بأنَّ الدوال المُتسامية هي الأكثر تعقيدًا حقًّا: المُثلثية والأُسِّية واللوغاريتمية وهكذا. ولكن، لا يمكن التغاضي عن توضيح الفرْق التبادُلي بين الأعداد الجبرية والأعداد المتسامية، وهو جزءٌ من التصنيف الكامل الواسع النطاقِ الذي فيه بالطبع الأعداد الصحيحة + الكسور تُكوِّن الأعداد النسبية، والأعداد النسبية + الأعداد غير النسبية تُكوِّن الأعداد الحقيقية، ويُشكِّل فيه عددٌ حقيقي زائد عدد تخيُّلي مثل عددًا مُركَّبًا، وهكذا. وفيما يخصُّ نقاشنا هنا، لا يتعيَّن علينا لحُسن الحظ التعامُلُ مع أي شيءٍ بخلاف الأعداد الحقيقية. ولكن، عليك أن تعلم أنَّ المكوِّن غيرَ النسبي في حدِّ ذاته للأعداد الحقيقية يتألَّف من نوعَين مُختلفَين من الأعداد؛ أو بالأحرى أن تمييز الأعداد النسبية في مقابل الأعداد غير النسبية يتداخَل مع تمييزٍ آخر، وهو التمييز بين الأعداد الجبرية والأعداد المُتسامية. تتجلَّى أهمية هذا الفرق عندما نأتي إلى إثباتات كانتور عن الحجوم المختلفة للأعداد اللانهائية غير المنتهية من «فئات الأعداد» المختلفة. ولذا، فإن: العدد الجبري هو ذلك العدد الذي هو جَذر لكثيرةِ حدودٍ مُعامِلاتها أعداد صحيحة. كالحال — مثلًا — في الذي هو عدد جبري لأنه جَذر/صفر الدالة . (في الواقع، يمكن للأعداد الصحيحة والنسبية وحتى المركبة أن تكون جبرية أيضًا — كالحال مثلًا في الجذور/الأصفار المناظرة ﻟ ، و ، و — ولكن طبقًا لكلٍّ من كانتور وديديكند، الاتصال، علينا تحديدُ الأعداد الصمَّاء فقط بدقة.) أما الأعداد المتسامية، فهي تلك الأعداد التي ليست جبرية، التي لا يمكن مثلًا أن تكون جذورًا لكثيرات حدود مُعامِلاتها أعداد صحيحة؛ هو عدد أصمُّ مُتسامٍ، وكذلك ، الذي هو أساس اللوغاريتمات الطبيعية/الزائدية (ولا داعي للقلق إذا كان هذا المصطلح غير مألوف لك).
(١٦) م. إ.: كلمة «دالة» هي البديل الذي استخدمه لكلمة نيوتن الغريبة «متدفق/منساب». وكالحال مع كثيرٍ من المصطلحات الأخرى، أصبح مصطلح لايبنتس هو المصطلح المُفضَّل. معلومة مُثبتَة: قدَّم لايبنتس أيضًا المُصطلحَين «ثابت» و«متغير».
(١٧) م. إ.: الحل المُقدَّم هو في الحقيقة لمُفارقة «أخيل ضدَّ السلحفاة»، ولكنه يُؤدي إلى النتيجة نفسِها.
(١٨) م. إ.: هذا لأنَّ حساب التفاضُل والتكامُل الأنجليكي يعتمد بدرجةٍ كبيرة للغاية على المتسلسلات غير المنتهية ونظرية ذات الحَدَّين — انظر الجزء ٤(أ) أدناه.
(١٩) م. إ.: يتجسَّد هذا التغيير جيدًا في تحوُّل حساب المُثلثات من الدرجات والأشكال الهندسية إلى الراديان والدوال المُثلثية.
(٢٠) م. إ.: من الواضح أن نيوتن هو أبرز شخصية في هذا الصدَد.
(٢١) ملاحظة مُهمة (لا سيَّما لما بعد): عادةً ما يُشار في كتب الرياضيات إلى نظريات فايرشتراس وديديكند وكانتور حول الأعداد الحقيقية والاتصال على أنها طوبولوجيا خط الأعداد الحقيقية.
(٢٢) م. إ.: توخِّيًا للدقة، المجموعات هي بالطبع كياناتٌ ظهرت ما بعد كانتور، ولكن ماذا عسانا أن نفعل …
(٢٣) م. إ.: أي إنك في حال تمثيل بيانيًّا، ستُلاحظ أن المُنحنى الناتج فيه فراغ يُناظر موضع العدد على المحور ؛ لأن هنا تُساوي ، وهو ما يُعرَف رياضيًّا بأنه قيمة غير مُعرَّفة. (معلومة إضافية: قد يلاحظ القارئ الثاقِب الفكر أن هذا المثال يتضمَّن أيضًا قيمة النهاية ونهاية الدالة، وهو ما لم نأتِ على ذكره صراحةً لأننا لم نتناول موضوع النهايات بعد.)
(٢٤) م. إ.: كلمة «تقترب من» هي في الواقع خطأ تقني، كما سترى مع بعض التفاصيل عندما نبدأ في الحديث عن تحليل فايرشتراس في الجزء ٥(ﻫ). الفكرة هنا أنَّ مسرد المصطلحات الأول يشرح مفهوم النهايات بطريقةٍ بسيطة للغاية، وليس بدقة المصطلح الرياضي الصارم.
(٢٥) انظر مصطلح «المفكوك» أدناه.
(٢٦) م. إ.: بعبارة أخرى، حدٌّ أدنى وحدٌّ أعلى ، وهو ما يُمكن أن تبدأ بالتعويض به عن قيم والتأكد منه بنفسك.
(٢٧) يُرجى الآن ملاحظةُ أن فكرة الحدود والمحدودية مُماثِلة إلى حدٍّ كبير لفكرة المجموعات بالنسبة إلى المُتتابعات. وستبدأ تتضح أهمية ذلك في الجزء ٧، حيث سيُطلَب منك على الأرجح العودةُ إلى هذا الجزء ومراجعته جيدًا.
(٢٨) م. إ.: مزيد من المعلومات لاسترجاعها فيما بعد: إذا حدث وتساءلت عما إذا كان رمز المجموع « » يُشير إلى نهاية فعلية أو حدٍّ فعلي، أم يُشير في الحقيقة إلى غياب أي نهاية/حد، فاعلم أن هذا سؤال على درجةٍ كبيرة من الأهمية، ويقع في صميم ما قدَّمه فايرشتراس وديديكند وكانتور في موضوع التحليل. وإذا كنتَ تتساءل، من ناحية أخرى، كيف عرض علماء الرياضيات قبل فايرشتراس هذه اللانهائيات التي «تقترب» قيم وقيم لها، فالإجابة هي أنهم أحالوا هذه المقادير المُتناهية الكبر/الصغر إلى الوجود الغامض والمُتقطِّع نفسه الذي قدَّمه أرسطو لمفهوم اللانهائي الاحتمالي. الفكرة هي أن الوضع الرياضي/الميتافيزيقي الفعلي للانهائيات الخاصة بالنهايات لا يمكن أبدًا أن يُؤخَذ بعين الاعتبار؛ لأنه لا شيء على الإطلاق يمكنه الوصولُ إليها فعليًّا. إذا شعرتَ بشيءٍ من الدهاء والمراوغة في هذا الأمر، فأنت الآن في وضعٍ تستطيع من خلاله معرفةَ السبب الذي جعل فايرشتراس يعتقِد أن الأمر برمَّتِه في حاجة إلى التدقيق.
(٢٩) في الواقع، الحقيقة الدامغة أكثرُ تعقيدًا من ذلك، وتتضمَّن نهايات مُتتابعات المجاميع الجزئية؛ حيث يُساوي المجموع الجزئي مجموعَ عددٍ مُنتهٍ ما من الحدود المتتالية في متسلسلة. وتتمثَّل الفكرة الأساسية في أنه إذا كانت المُتتابعة غير المُنتهية للمجاميع الجزئية للمتسلسلة تقترِب من نهايةٍ ما، فإن المتسلسلة غير المنتهية تكون متقاربة ويكون مجموعها ، وتكون المتسلسلة متباعدة إذا كانت متتابعة المجاميع الجزئية لها لا تقترِب من نهايةٍ ما، ومن ثمَّ لا يكون لها مجموعٌ منتهٍ. وهذا كله مجرَّد عرضٍ مجرد لهذه الفكرة، ولكن نأمُل أن تتَّضِح الأمور أكثر بنهاية الجزء ٥.
(٣٠) م. إ.: لن نُولي اهتمامًا بالمصطلحات المرتبطة مثل حاصل الضرب المتذبذِب وحاصل الضرب المتسلسل.
(٣١) م. إ.: حيث إن المضروب « » يعني ، و« » يعني ، وهكذا.
(٣٢) م. إ.: عادةً ما تُدرَّس تحت عنوان «التحليل التوافقي».
(٣٣) م. إ.: إذا حدث أن انتقلتَ مُصادفةً إلى الجزء ٥(ب) لمطالعة هذا الموضوع، ولاحظتَ أن متسلسلة فورييه هذه تبدو مختلفة عن المثال التوضيحي الأصلي الذي قدَّمه فورييه، فاعلم أن المثالَين هما في الواقع نفس الشيء. كلُّ ما هنالك أن الصيغة أعلاه تشرح بوضوحٍ أكبر كيف أن مُتسلسلة فورييه تتألف من مُتسلسلتَين مُثلثيَّتَين مختلفتين وتجمع بينهما، الأمر الذي — إذا لم تُطالعه في موضعه — كان سيتضح بدوره عند تعريف المتسلسلات المثلثية في مسرد المصطلحات الثاني. عذرًا إن كان الأمر يبدو مُربكًا، لكننا نبذل قصارى جهدنا.
(٣٤) م. إ.: إذا لم تكن على دراية كافية بمُقرر الرياضيات الجامعي، فسوف يتضح هذا التعريف بقدرٍ أكبرَ عندما نصل إلى حساب التفاضل والتكامل الكلاسيكي في الجزء ٤(أ).
(٣٥) م. إ.: التي عرَّفناها بالفعل في نهاية الجزء ٣(أ).
(٣٦) م. إ.: وهو ما سوف نتناوله في الفقرات التالية مباشرةً وكذلك في الجزء ٤ أدناه.
(٣٧) م. إ.: يكفي هنا أن نقول «الدليل التحليلي البحت …»؛ لأن العنوان الكامل للكتاب يتكوَّن من ٢٢ كلمة، ولا حاجة لنا إلى ذلك.
(٣٨) الدليل المحدد هو أن كثيرات الحدود الجبرية تكون مُتصلة، وهو أمرٌ أقل صِلةً بالموضوع من العلاقات بين دالة متصلة في فترةٍ ما ومتسلسلة/متتابعة من الدوال المتقاربة في فترة. سوف تتجلَّى أهمية هذه العلاقات حقًّا في الجزء ٥.
(٣٩) استباقًا للأحداث: سوف نناقش ببعض الإسهاب في الجزء ٥(ﻫ) فرضية مهمة لبولزانو عن المتتابعات غير المنتهية ونقاط النهاية، وهي أيضًا فرضيةٌ أعاد اكتشافها فايرشتراس وبرهَنها، على الرغم من أن التاريخ هنا قد بخَسَ بولزانو حقَّه، فسمَّى هذه الفرضية بنظرية بولزانو – فايرشتراس، تلك النظرية التي كانت في الحقيقة على جانبٍ كبير من الأهمية لنظرية ديديكند عن الأعداد غير النسبية. (لمعلوماتك، ليس ثمة أيُّ تلميح بأنَّ فايرشتراس قد استغلَّ بولزانو أو سَرَقه. مثل هذه الأنواع من الاكتشافات المُوازية دائمًا ما تحدُث في الرياضيات.)
(٤٠) هو كتاب بولزانو ١٨٥١ «مفارقات اللانهائي»، أو Paradoxien des Unendlichen باللغة الألمانية، الذي لم يكن متاحًا باللغة الإنجليزية حتى عام ١٩٥٠.
(٤١) انظر، على سبيل المثال، النسخة الإنجليزية من مقال كانتور «أساسيات نظرية المُجمعات» Foundations of the Theory of Manifolds، الموجود في ثَبْت المراجع تحت عنوان «موضوعات ومقالات».
(٤٢) م. إ.: كما سوف نرى في الجزء ٧، معظم ما تتضمَّنُه نظرية المجموعات الرسمية يكون بسيطًا إذا افترضت أنه لا يُوجَد سوى المجموعات المنتهية.
(٤٣) م. إ.: على غرار ما حدَثَ مع كانتور، حصل بولزانو على هدية نظير تقديمه براهينَ بسيطة ومدعومة بأشكالٍ مُقنِعة لقضايا على درجةٍ كبيرة من التجريد.
(٤٤) م. إ.: انظر الجزء ٧(د)، أو إذا كنتَ قد طالعتَ هذا الجزء بالفعل، فيُمكنك الآن أن تُدرِك لماذا تناولْنا موضوع التكافؤ بهذا التفصيل هنا.
(٤٥) بمعنى أن طول القطر هو الفترة نفسها. (م. إ.: من الواضح أن طول قوس نصف الدائرة سيكون ، ولكن لا يعنينا هذا في واقع الأمر.)
(٤٦) يشمل هذا كانتور في بعضٍ من تصريحاته الأقل حذرًا و/أو ثباتًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤