السهم المسموم … مرة أخرى!

أصاب السهم مسند المقعد، في نفس المكان، الذي يسند رأسه إليه. وقف بسرعة حتى يستطيع أن يرى من الذي أطلق السهم، لكنه لم يرَ أحدًا … قام من مكانه، ومشى بسرعة بين مقاعد الطائرة، إلا أن الركاب كانوا جميعًا غارقين في النوم. كانت هناك سيدة تجلس بمفردها وبجوارها فوق المقعد الخالي، كتاب مغلق.

فكر لحظة: هل يغير مكانه، أم يعود مرة أخرى إلى مكانه السابق؟ في النهاية قرَّر أن يجلس بجوار السيدة. رفع الكتاب ثم جلس.

فكر مرة أخرى: هل يمكن أن يتكرر ما حدث؟ وماذا يريد صاحب السهم؟ وهل يعرف أحد أنه خرج في مهمة لاكتشاف هذا الرجل المجهول؟ وهل الرجل المجهول هو نفسه الذي أطلق السهم؟ كانت أسئلة كثيرة تزدحم في رأسه.

في النهاية رسم خطة، أن يغمض عينيه نصف إغماضة حتى يرى الفاعل جيدًا، لو تكررت محاولة القضاء عليه. ثم تظاهر بالنوم، لكنه في نفس الوقت كان قد رتب كل شيء، مرت دقائق لم يكن هناك أي صوت. فجأة، سمع صوتًا، ركَّز انتباهه في اتجاه مصدر الصوت.

كان صوت أقدام، لكنه كان ضعيفًا جدًّا. أخذ الصوت يقترب. تحفز في انتظار ما سوف يحدث. مرت الأقدام بجواره. فتح عينيه قليلًا، وارتسمت الدهشة على وجهه، كانت مضيفة الطائرة تمر على الركاب.

تزاحمت الأسئلة في رأسه، هل يمكن أن تكون المضيفة هي التي فعلت ذلك؟ وهل يمكن أن تكون عضوًا في عصابة «سادة العالم»؟ هل يشتبك معها؟ أو قد تكون هذه عملية عادية، وهي تمر على الركاب …

ظلت المضيفة في طريقها حتى اختفت عند كابينة القيادة. لم يتحرك «أحمد» من مكانه، لكن نظره ظل معلقًا على كابينة القيادة، فقد تعود المضيفة مرة أخرى. فجأة، كان سهم يصيب بطنه بالضبط، قفز من مكانه، فرأى أحد الرجال يجلس في مقعده بسرعة، نزع السهم الذي لم يصبه بأذًى، فقد توقع ذلك من البداية. وكان قد وضع الكتاب الذي تركته السيدة تحت ثيابه، فجاء السهم فيه.

قام في هدوء، واتجه إلى الرجل الذي تظاهر بالنوم. كان الرجل في حدود الأربعين، متوسط الطول، رشيق القوام، تبدو على وجهه الشراسة، تميزه نظارة طبية بيضاء تركها فوق عينيه. شعره يميل إلى اللون البني، قمحي اللون، لم يتجاوزه «أحمد» الذي كان يتحرك بخفة حتى لا يوقظ أحدًا. فكر بسرعة في ألا يشتبك مع الرجل، فما دام قد اكتشفه فإن المغامرة تكون قد بدأت الآن.

إنه السبيل الوحيد للوصول إلى «خزانة الرمال»، أو الخزانة المختفية في رمال صحراء «ثار». ولو أنه قضى على الرجل، فإن كل شيء يكون قد انتهى، ويكون الشياطين قد فقدوا أثر الخزانة.

عاد في هدوء إلى مكانه بجوار السيدة، التي كانت ما تزال مستغرقة في النوم. فكر بسرعة: إن الرجل يعرفه، ويعرف أنه لم يمت. في نفس الوقت هو يعرف الرجل. لقد أصبح الصراع مكشوفًا، فهل يلجأ الرجل إلى عملية أخرى؟

ظل في مكانه يفكر …

لقد اختار الرجل السهم؛ لأنه بلا صوت. فلو كان قد استخدم مسدسًا، فإن ذلك سوف يثير ركاب الطائرة، ويكشف الرجل. لكن هل هو سهم عادي؟ أو أنه سهم مسمم؟

أسرع إلى حقيبته السحرية فأخرج منها سائلًا وضعه على طرف السهم، فتغير لون السائل. تأكد أنه سهم مسموم. قال في نفسه: ما الذي يمكن أن أفعله الآن؟

في النهاية قرَّر أن يبقى مكانه، وأن يكون على حذر. في نفس الوقت رسم لنفسه خطة جديدة، حتى يفلت من مراقبة الرجل له. إنه يعرف أن الطائرة سوف تقف في مطار «بيروت»، لتتزود بالوقود. وفي هذه الحالة يمكن أن ينفذ خطته …

فجأة، ظهرت المضيفة مرة أخرى، فطلب منها شايًا وأسبرين؛ لأنه يشعر بالصداع، كان يريد أن يكسب وقتًا، حتى تصل الطائرة إلى مطار «بيروت». غابت المضيفة ربع ساعة ثم عادت بالشاي …

وسألها: هل ما يزال هناك وقت طويل حتى نصل إلى «بيروت»؟

قالت المضيفة: أمامنا نصف ساعة.

«أحمد»: كم من الوقت سوف نظل في المطار؟

المضيفة: نصف ساعة.

كان يريد أن يكسب وقتًا أطول، فأخذ يسألها عن طول الرحلة إلى «دلهي»، وعدد الرحلات التي قامت بها، وطبيعة عمل المضيفة. ظل يسألها أسئلة متناثرة، وكأنه يحتاج إلى هذه المعلومات.

قالت المضيفة مبتسمة: هل تسمح لي بالانصراف؟ إننا على وشك الوصول إلى «بيروت»!

شكرها، فانصرفت. كان الليل يقطع طريقه في اتجاه الفجر. فكر «أحمد»: من الضروري أن أستغل فترة الظلام في تنفيذ خطتي الجديدة!

فجأة، شق صوت المذيعة صمت الطائرة: على السادة الركاب ربط الأحزمة، فنحن نقترب من مطار «بيروت»، وسوف نهبط لنصف ساعة.

استيقظ الركاب، وبدأ صوت ربط الأحزمة يتردد، ثم أخذت الطائرة طريقها إلى النزول.

وعندما توقفت فوق أرض المطار، بدأت الحركة داخل الطائرة، ووسط هذه الحركة، اختفى «أحمد» داخل دورة المياه، وعندما خرج منها، كان قد أصبح شخصًا آخر. لقد استخدم الماكياج الذي يجيده ببراعة، فأصبح من الصعب أن يكتشفه أي إنسان.

انقضت النصف ساعة بسرعة، وبدأ صوت مذيعة الطائرة يطلب عودة الركاب إلى مقاعدهم، وربط الأحزمة؛ لأن الطائرة سوف تستعد لمواصلة الرحلة. ولم تمضِ دقائق، حتى كانت الطائرة تغادر مطار «بيروت» في طريقها إلى «دلهي».

كانت الرحلة أكثر أمانًا الآن، فقد غيَّر «أحمد» مكانه، وانتقل إلى مقعد آخر، لكن عينه ظلت على رجل العصابة، الذي كان يتحرك كل فترة وأخرى وكأنه يبحث عن «أحمد». وعندما عاد إلى مقعده آخر مرة، كانت تبدو علامات الرضا واضحة على وجهه … ففهم «أحمد» أنه تصوَّر أنه نزل في مطار «بيروت»، وأنه تخلص منه إلى الأبد.

وعندما كانت الطائرة تنزل في نهاية رحلتها في مطار «دلهي»، كان الليل يغطي كل شيء مرة أخرى.

وكان مطار «دلهي» مزدحمًا بالمسافرين، لكن ذلك لم يمنع «أحمد» من مراقبة رجل العصابة. كان الرجل يمشي في المقدمة، وخلفه مباشرة كان يمشي «أحمد»، اتجه الرجل إلى مكتب الطيران الداخلي، وسأل عن الطائرة المتجهة إلى مدينة «جوبور». وسمع «أحمد» موظف المطار يقول: في الثامنة صباحًا.

وعندما كان الرجل يأخذ طريقه إلى خارج المطار، كان «أحمد» يتبعه عن بُعد. لقد فهم أن الرجل سوف ينزل في فندق المطار، الذي لا يبعد كثيرًا؛ ولذلك فعندما استقل الرجل تاكسيًا، كان «أحمد» قد استقل سيارة الشياطين، التي كانت في انتظاره … وعندما توقف التاكسي أمام فندق المطار، كان «أحمد» قد وصل هو الآخر. وفي الغرفة المجاورة كان «أحمد» ينزل … وفي دقائق كان قد أخرج جهاز التنصت، وألصقه بجدار الغرفة. فقد كان يتوقع اتصالًا بين رجل العصابة، وغرفة العمليات في «جوبور». وكان جهاز التنصت ينقل له كل ما يقال.

قال الرجل الذي عرف من خلال الحديث أن اسمه «ديجال»: لقد وصلت توًّا، وأنزل في فندق المطار. سوف أستقل الطائرة غدًا صباحًا إليكم.

صمت «ديجال» عدة دقائق، فعرف «أحمد» أنه يستمع إلى حديث في الطرف الآخر. أخيرًا قال: إذن، سوف أنتظر. نعم. سوف أتحرك صباحًا إلى ميدان «نهرو». تمامًا. نعم. نعم. سوف أقف عند التمثال تمامًا. ثم انتهت المكالمة.

فكَّر «أحمد» قليلًا، وقال في نفسه: إذن، قد تغيَّر خط سير «ديجال»، فبدلًا من الذهاب إلى «جوبور» سوف يبدأ تحركه إلى الصحراء من دلهي نفسها.

استلقى على السرير، واستغرق في التفكير: إن المغامرة قد حققت خطوتها الأولى. الآن يجب أن ينضم الشياطين لتكملة المغامرة. قفز بسرعة من السرير، بعد أن قرَّر إرسال رسالة عاجلة إلى المقر السري، أخرج جهاز الإرسال وجلس يرسل الرسالة الشفرية. كانت الرسالة: «٢٤ – ٢٥» وقفة «١٣» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٩» وقفة «١٤ – ٢٠ – ١٠» وقفة «٣ – ١٩ – ٢٩ – ١٠» وقفة «٧ – ١٦» وقفة «١ – ٢٣ – ١٢ – ٢٩ – ١٠» وقفة «١ – ٢٣ – ٢١ – ١» وقفة «٢٤ – ١٨» وقفة «١ – ٢٣ – ١٣ – ٢٩ – ١ – ١٦ – ٢٩ – ٢٥» وقفة «٢٠ – ٢٩» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٥ – ٢١ – ١٠ – ٢٧» وقفة «١ – ٢٣ – ١٢ – ١ – ١٨ – ٢٧» وقفة «١ – ٢٣ – ١٤ – ١ – ٢٤ – ٢٥ – ٢٧» وقفة «١٤ – ٢ – ١ – ٦ – ١» «انتهى».

وكانت ترجمة الرسالة: من «ش» إلى «صفر»، تغير خط السير. اللقاء مع الشياطين في النقطة «ن» الساعة الثامنة صباحًا.

انتظر الرد، فرغم أنه كان في حاجة إلى النوم، إلا أنه لم ينم حتى يأتيه الرد. مرت ربع ساعة، ثم سجل جهاز الاستقبال رسالة شفرية.

كانت الرسالة: «١ – ٢٧ – ٢٥ – ٢٩ – ٢٢» وقفة «١٨ – ٢٣ – ٢٩» وقفة «٢٥ – ٥ – ١ – ٦» وقفة «١ – ٢٣ – ٧ – ١٦ – ٢٦ – ٢٧» وقفة «١ – ٢٣ – ١ – ٢٦ – ٢٣ – ٢٩» وقفة «١ – ٢٣ – ١٣ – ٢٩ – ١ – ١٦ – ٢٩ – ٢٥» وقفة «٢٠ – ٢٩» وقفة «١ – ٢٣ – ١٦ – ١٠ – ٢٩ – ٢١» «انتهى».

وكانت ترجمة الرسالة: «أُهنئك على نجاح الخطوة الأولى. الشياطين في الطريق.»

عندما قرأ الرسالة، ضبط مؤشر جهاز الإرسال على الساعة السادسة، ثم قفز إلى السرير، وفي دقائق كان قد استغرق في النوم. في السادسة تمامًا كان مؤشر جهاز الإرسال يصدر صوتًا خافتًا، جعل «أحمد» يقفز سريعًا من السرير، وضع سماعات جهاز التنصت على أذنَيه. لم تكن هناك أي حركة صادرة من الغرفة المجاورة، حيث يرقد «ديجال».

في دقائق كان قد اغتسل، ثم أدى تدريبات الصباح، فشعر بالنشاط. جذب الستائر التي تغطي الواجهة الزجاجية، فظهر ضوء النهار. كانت الشمس تلمع بشكل واضح بينما كانت الأجواء الشرقية تبدو شيئًا بديعًا؛ المباني الهندية المميزة، وحركة الشارع المزدحم.

توقف يرقب حركة الشارع، بينما كانت الأبقار تقطع الطريق في هدوء. فتتوقف حركة السيارات حتى تمر. ففي «الهند» يعتبرون البقرة حيوانًا مقدَّسًا؛ ولذلك لا يزعجها إنسان، وهي تمشي في الشارع أكثر اطمئنانًا من الإنسان نفسه.

فجأة، تناهى إلى سمعه صوت حركة في غرفة «ديجال». أخذ يستمع في تركيز شديد. نظر في ساعة يده، وكانت تشير إلى السابعة صباحًا …

مرت دقائق، ثم سمع صوت باب الغرفة يفتح ثم يغلق، أسرع هو الآخر يغادر الغرقة. وكان قد وضع ماكياجًا مختلفًا حتى لا يلفت نظر «ديجال»، وأمام المصعد التقى الاثنان «أحمد» و«ديجال» …

بدأه «أحمد» بتحية الصباح، فرد «ديجال» بسرعة.

قال «أحمد» مبتسمًا: يبدو أن الجو حار اليوم!

قال «ديجال»: إن الجو هنا متقلب، فقد تمطر السماء بعد قليل.

مرت لحظة صمت، ثم قال «ديجال»: يبدو أنك لم تزرْ «دلهي» من قبل …

قال «أحمد» مبتسمًا: نعم، هذه أول مرة، فأنا أعمل في التجارة، وهذه أول مرة أنزل فيها «الهند»!

كان المصعد قد وصل فركب الاثنان.

وعندما توقف في الطابق الأرضي، غادره الاثنان وافترقا بسرعة.

تأخر «أحمد» بعض الوقت، حتى غادر «ديجال» الفندق، ثم تحرك خارجًا.

وعندما تجاوز الباب وقف في دهشة، فقد اختفى «ديجال» وكأن الأرض قد ابتلعته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤