مقدمة

بقلم  القائمقام عبد الرحمن زكي

إن العرب — كما هو معروف عنهم — أمة عريقة في الحضارة، راسخة في المدنية. بلغت من العزّ بعد الإسلام مقامًا رفيعًا. فكان منها العلماء، والمفكرون، والفلاسفة، والملوك والقادة … ممن كان لهم أثر بيِّن على تقدّم الإنسانية، وتطوّر الحضارة العالمية.

ولقد شملت الحضارة الإسلامية جلّ آفاق العلوم والفنون والآداب. ولا غرو في ذلك، فهي حضارة كاملة ناضجة، انبعثت أنوارها من دمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة، منذ انبثق نور الإسلام في قلب الجزيرة العربية.

وقد أنجبت هذه الحضارة الإسلامية الزاهرة الكثيرين من العلماء والمؤلفين الذين ألَّفوا الكتب الحربية، وساهموا في تقدّم الفنون العسكرية. وكان لعلوّ كعب المسلمين في هذا المجال أثر بارز في فتوحاتهم العالمية، وظفرهم على تلك الدول العظمى المعاصرة لهم، والتي أخضعوها ودانت لحكمهم السنين الطوال.

وكفى أن نذكر بين قادة الأمة الإسلامية، خالد بن الوليد، وسعد بن أبي وقَّاص، وعبيدة، وعمرو، وطارق، وموسى بن نصير، وصلاح الدين، والظاهر بيبرس. لكي ندرك مكانة القادة الإسلامية بين مثيلاتها في العصور القديمة والوسطى.

أجل! ساهم المسلمون بنصيب وافر في تقدّم الفن الحربي وما وصل إلينا من مؤلفاتهم في هذا المجال لدليل أيّ دليل على تفوُّقهم في التفكير العسكريّ. فألَّفوا في تعبئة الجيوش، وسوقها، وإدارتها، وتموينها، وتسليحها، وتحرُّكاتها، والكتب الكثيرة، ما انفكَّ معظمها ينتظر التنقيب والبحث. بل ودراسة مشتملاتها دراسة فياضة على ضوء العصر الحديث، هذا فضلًا عما اشتملت عليه الموسوعات الإسلامية الكبيرة من بحوث قيمة في سياسة الحروب، كالتي تقابلنا في كتاب سلوك المالك في تدبير الممالك على التمام والكمال للعلَّامة شهاب الدين أحمد بن محمد بن أبي الربيع الذي ألَّفه للخليفة المعتصم بالله العباسي، وما جاء في مقدمة ابن خلدون عن السياسة والحرب عند العرب.١
ونذكر من كتب الحرب عند المسلمين: «تحفة المجاهدين في العمل بالميادين» للأمير لاجين بن عبد الله الذهبي الحسامي الطرابلسي (٧٣٨ﻫ/١٣٣٧م) والتي تحتفظ مكتبة برلين بنسخة نادرة منه مرفقة بالصور والرسوم٢ وقد حصل المرحوم العلَّامة أحمد تيمور باشا على نسخة منه رقم ٨٣ بالخزانة التيمورية.

وكتاب «كشف الكروب في معرفة الحروب» ألَّفه عماد الدين موسى بن محمد اليوسفي المصري أحد مقدمي الحلقة المنصورة. كتبه بناء على أمر السلطان الملك الظاهر جقمق في عام (٧٥٩ﻫ/١٣٥٨م) وبحث فيه فنّ الحرب ونظام الجنود، وقسمه إلى عشرة أبواب. وموجود من هذا الكتاب نسخة في دار الكتب المصرية ومثلها في مكتبة المتحف الحربي.

وكتاب «الفروسية» لبدر الدين ابن بكتوت الرّماح الخازنداري نائب الإسكندرية سنة (٧٧١ﻫ/١٣٦٩م) وتحتفظ به مكتبة المتحف البريطاني. وهذا إلى جانب كتاب «الفروسية المحمدية» للإمام محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية.

وكتاب «الأحكام الملوكية والضوابط الناموسية»٣ لواضعه محمد بن متكلي نقيب الجيش في زمن الأشرف شعبان سلطان مصر عام (٧٦٤–٧٨٨ﻫ/١٣٦٣–١٣٧٦م) وهو يبحث في فنّ القتال، قسمه إلى ١٢٢ بابًا اشتملت على السفن الحربية وآلاتها وحركاتها والرمي بالمدافع.

ولهذا المؤلف كتاب آخر في «فن الحرب» ذكره في كتابه السابق التنويه عنه، يتحدث عن سياسة الصنائع الحربية. ألَّفه كذلك تلبية لرغبة السلطان الأشرف شعبان.

وكتاب «الجهاد والفروسية، وفنون الآداب الحربية» لطيبوغا الأشرفي البكلميشي الرومي (عام ٧٧٠ﻫ/١٣٦٨م) ويبحث في ركوب الخيل في الحرب، ويحتوي على عدة فوائد جزيلة عن أسلحة الفارس، ولعب السيف والرمح، وتوجد منه نسخة في دار الكتب المصرية في ٢١٤ صفحة.

وكتاب «الفيح القسي في الفتح القدسي» لعماد الدين الكاتب المتوفى بدمشق سنة ٥٩٧ﻫ/١٢٠١م ويبحث في تاريخ الحروب الصليبية وأطوار معاركها وأحداث الحصار والنضال الطويلة.

وكتاب «رمي القوس» وهو مجهول المؤلف، يبحث في تعليم رمي القوس والنشّاب وسبب رميه وتعليمه. وهو في ١٣٦ صفحة، يحتمل أنه كتب في عام ٨٠٠ﻫ وموجود منه نسخة في دار الكتب المصرية.

وكتاب «الأنيق في المجانيق» لأرنبغا الزردكاش، ألَّفه (عام ٨٦٧ﻫ/١٤٦٣م) وصف به أنواع المجانيق وكيفية استخدامها، وأوضح كلامه بالرسوم، ويحتوي الكتاب على كثير من المصطلحات الفنية، وتوجد نسخة من هذا الكتاب في دار الكتب المصرية، وأهم فصوله: وصف سقي السيوف والأسلحة البيضاء، وهي عملية امتاز بصناعتها المسلمون ويبلغ عدد رسوم الكتاب حوالي خمسمائة رسم.

وكتاب «السؤال والأمنية في تعليم الفروسية» وتوجد نسخة منه في دار الكتب المصرية كتبت في عام ٨٠١ﻫ، تشتمل على صور ملوَّنة لكنها ناقصة من أولها.

ومن الكتب الحربية كتاب «الحيل» للهرثمي الشعراني ألَّفه للخليفة المأمون في الحروب وجعله مقالتين: الأولى في ثلاثة أجزاء. والمقالة الثانية ٣٦ فصلًا وخمسة وعشرون بابًا، الجزء الأول في عشرين بابًا. والجزء الثاني في سبعة أبواب، والجزء الثالث في أربعة وعشرين بابًا.

وكتاب عبد الجبار عديّ للمنصور في آداب الحروب وصورة العسكر.

وكتاب الأشميطي في الفروسية.

وكتاب العمل بالنار والنفط والزرأنات في الحروب.

وكتاب الدبابات والمنجنيقات والحيل والمكايد … إلخ.

ونجد في كتاب «آثار الدول في تدبير الدول» بابًا كبيرًا عن الحروب وشروطها، وما يتصل بها برًّا وبحرًا (طبع في مصر عام ١٢٩٥ﻫ).

وكتاب نجم الدين حسن الرماح الأحدب الذي فقدنا عنوانه، وموجود نسخة منه في دار الكتب الأهلية بباريس وذكره الدكتور عزيز سوريال عطية بين مراجع كتابه «الصليبية في العصور الوسطى المتأخرة».

هذا إلى جانب الكتب الأخرى التي ورد ذكرها في مدوَّنة المغفور له أحمد تيمور باشا والتي نحن بصددها في هذا الكتاب.

ومن المصنفات التي تدلّ على علوّ كعب العرب في العلوم الحربية كتاب ابن شاكر «علم الآلات الحربية» الذي ورد ذكره في فهرس كتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، و«التذكرة الهروية في الحيل الحربية» للهروي؛ وهو مخطوط في دار الكتب المصرية٤ و«المنهل العذب لورود أهل الحرب». والفصل الذي عقده ابن قتيبة عن الحرب في الجزء الأول من كتابه النفيس «عيون الأخبار ص٣٥٩».٥

ومنظومة محمد بن علي الحموي المسماة كتاب «الأس في العمل بالسيف والترس»، و«كتاب الفروسية والمناصب الحربية» وهي رسالة عني بترتيبها وتصويرها، وقد ذكر في مقدمتها أنها من عمل الأستاذ حسن نجم الدين الرماح، عن الدروس التي تلقاها عن أبيه وعن أساتذة الفنّ، وقد مات مؤلفه في حوالي عام ٦٩٥ﻫ/١٢٩٥م ولم يتجاوز الأربعين. وقد ذكر من بين الأسماء محمد الشيظمي وإبراهيم بن سلام، ويقرأ في مقدمته أيضًا: «فيه كل ما يحتاج إليه الأستاذون والفرسان والأبطال والزراقون من أشغال الحرب ومعرفة الرماح والدبابيس والنشّاب المختلف والمناجيق والحراقات، وغير ذلك، وقتال البحر وأشياء غريبة، نفع الله بها المسلمين».

وقد ورد بين مخطوطات دار الكتب الأهلية بباريس (تحت رقم ١١٢٨) كتاب «المخزون لأرباب الفنون» في الفروسية ولعب الرماح وبنودها، وهو يجمع بين أسماء الأشخاص الذين مارسوا ونبغوا في فنون الحرب. وفي تلك الدار أيضًا مخطوطة لابن لاجين الحسامي الطرابلسي الذي سبق ذكره بعنوان: «غاية المقصود في العلم والعمل بالبنود» تحت رقم ٩٩١.

ولقد تحدث البحاثة الأستاذ جورجي زيدان في كتابه تاريخ التمدن الإسلامي في الجزء الأول في أكثر من خمسين صفحة عن نظام الجند عند العرب في الأُسرات الإسلامية وترتيبهم وطرق قتالهم وأسلحتهم ومعسكراتهم وحصونهم مما لخصه عن أمهات كتب التاريخ الإسلامي.

هذا فضلًا عمَّا ورد في كتاب: «فهرست الكتب التي ترغب في أن نبتاعها والمسائل التي توضح جنس الكتب التي نرغب في الحصول عليها إنما نجهل أسماءها والمسائل في علم الحرب» المطبوع في لندن عام ١٨٤٠.

أما الذين كتبوا في فضل الجهاد فكثيرون منهم العلَّامة أحمد بن إبراهيم الدمشقي وكتابه: «مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق».

و«إتحاف ذوي الاجتهاد بثمرات الجهاد» لم يعلم مؤلفه.

و«الاجتهاد في طلب الجهاد» للإمام عماد الدين إسماعيل.

و«إرشاد العباد إلى الغزو والجهاد» لأحمد فخر الدين النقشبندي.

•••

إن أمة أخرجت مثل هذا النبت الفخم من المصنفات الحربية لجديرة بأن تتبوَّأ مكانة التفوق في أدبيات الحرب، ولذلك سوف لا ندهش إذا رأينا الجيوش الإسلامية تنساب مظفرة يكلل هاماتها الظفر الخالد، وما ذلك النصر العجيب إلا نتيجة لنظمها الدقيقة، وقيادتها الحكيمة، ومعنوياتها السامية.

وهذه الرسالة الجامعة للرتب والألقاب العسكرية، وما يقابلها من العربي الفصيح التي خطها يراع المغفور له العلَّامة البحاثة أحمد تيمور باشا في مستهل هذا القرن، تعتبر مرجعًا سهلًا للمصطلحات العسكرية التي وردت في كتب الحرب، أو التاريخ التي كانت من نصيب مطالعاته؛ وقد قسمها إلى أقسام، تناول في أولها: الرتب العسكرية عند العرب. وفي ثانيها: أقسام الجيش إلى فرق ولواءات وما إليها. وفي ثالثها: أسماء أصناف الجند (أسلحتهم في العرف الحديث) من مشاة وخيالة ومدفعية وما ماثلها. وفي رابعها: أنواع الرتب العسكرية عند ضباط الصف والضباط في زماننا هذا. وفي القسم الأخير تناول المؤلف الرتب الملكية فالرتب العلمية فالرتب القلمية.

وهكذا جاءت رسالة مستوفاة وفريدة في نوعها، وموردًا يستقي منه الجندي الأديب مادته، فما زال بعض الكتَّاب في العالم العربي يتخبطون في استخدام تلك المصطلحات في كتبهم وأحاديثهم وصحفهم السيارة.

وهذه المصطلحات تمرّ على القرَّاء دون أن توجه النظر حتى المهتمين بالشئون العامة، وإلى اليوم نسمع بعض الخاصة يخطئون في تمييز معنى علامات الرتب العسكرية وما ترمز إليه.

ولعل في نشر هذه الرسالة ما يحث أو يدفع الذين يعنون بأمر الجيوش في البلاد العربية إلى توحيد المصطلحات العسكرية، ولا سيما الخاصة منها بالأسلحة والرتب والتشكيلات والألقاب بدلًا من هذا التخبط الملحوظ.

وبهذا يضيف البحاثة الكبير «أحمد تيمور باشا» سفرًا جليلًا إلى سلسلة مؤلفاته التي خدم بها العلم والأدب، والتي ستظل على مر الأيام منهلًا صافيًا لروَّاد المعرفة.

رحم الله عالمنا الجليل، وهيَّأ له رحمة في جناته، وبسط عليه الخلد في مماته، مثل ما كان في حياته.

١  مقدمة ابن خلدون — قيادة الأساطيل وسفائن الحرب ص٢٣٨ والحروب ومذاهب الأمم في ترتيبها ص٢٥٦–٣٦٠.
٢  ابتاعها أحد قناصل ألمانيا — وتوجد مخطوطة منه في مكتبة أكسفورد.
٣  موجود منه نسخة مخطوطة في الخزانة التيمورية (٢٣) ناقصة من آخرها بحيث ينتهي الكلام فيها إلى الباب ١١٠ فقط. وقد احتفظ المتحف الحربي بنسخة مثلها.
٤  ورد ذكره في مقال للمرحوم أحمد زكي باشا «مجلة المقتطف» يناير ١٩١١.
٥  ص١٢٨–١٣٢.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤