الفصل الحادي عشر

استعراض الأدلة

علق ثورندايك وهو يُشعل عود ثقاب قائلًا: «إذن فقد بدأت اللعبة، بدأت بتقدُّم حذِر من الجانب الآخر، حذر للغاية ومتردِّد جدًّا.»

فسألته: «لماذا تقول متردِّد جدًّا؟»

«حسنًا، من الواضح أن هيرست — وأنا أعتقد، أن جيليكو أيضًا — حريص على شراء مُعارضة بيلينجهام، وبسعرٍ طويل الأجل، في ظلِّ تلك الظروف. وعندما نفكر في مدى ضآلة ما يمكن أن يُقدمه بيلينجهام مقابل افتراض وفاة شقيقه، يبدو أن هيرست لم يكن لديه الكثير ليقوله من جانبه.»

قال جيرفيس: «لا، لا يمكن أن يكون لديه الكثير من الأوراق الرابحة، وإلا فإنه لن يكون على استعدادٍ لدفع أربعمائة جنيه سنويًّا مقابل نصيب خصمه؛ وهذا بالإضافة إلى أنه يبدو لي أننا ليس لدَينا الكثير من أوراق اللعب.»

قال ثورندايك: «يجب علينا أن ننظُر إلى ما لدَينا من أوراق اللعب، فورقتنا الرابحة في الوقت الحاضر — وهي كما أخشى صغيرة للغاية — هي نية المُوصي الواضحة أن يذهب الجزء الأكبر من الممتلكات إلى أخيه.»

قلت: «أعتقد أنك ستبدأ تحرياتك الآن!»

«قد بدأناها منذ بعض الوقت في الواقع؛ في اليوم التالي لإحضارك الوصية لنا. فحص جيرفيس السجلات وتأكد من أنه لم تحدُث أي عملية دفن باسم جون بيلينجهام منذ اختفائه، وهو ما كنا نتوقعه. واكتشف أيضًا أن شخصًا آخر أجرى تحرياتٍ مُماثلة، وهذا أيضًا ما توقعناه.»

«وماذا عن تحقيقاتك؟»

«لقد أسفرت أغلبها عن نتائج سلبية. لقد وجدتُ أن الطبيب نوربيري، من المتحف البريطاني، ودود للغاية ومتعاون؛ في الواقع، ودود للغاية لدرجة أنني أفكر فيما إذا كنتُ قد لا أتمكن من طلب مساعدته في بعض الأبحاث الخاصة بي، فيما يتعلق بالتغيير الذي يحدُث بمرور الوقت في الخصائص الفيزيائية لبعض المواد.»

قال جيرفيس: «أوه، إنك لم تُخبرني بهذا الأمر.»

«لا؛ لم أبدأ بالفعل في التخطيط لتجاربي حتى الآن، وربما لن تسفر عن أي شيءٍ عندما أقوم بذلك. لقد خطر لي، على الأرجح، أنه بمرور الوقت، قد تحدُث بعض التغييرات الجزيئية في مواد مثل الخشب، والعظام، والفخار، والجص، والمواد العادية الأخرى، وأن هذه التغييرات قد تُغير من قدرتها على توصيل أو نقل الاهتزازات الجزيئية. الآن، وإذا كان هذا هو الحال، فسيكون ذلك حقيقة ذات أهميةٍ كبيرة، من ناحية الطبِّ الشرعي وغير ذلك؛ لأنه سيكون من الممكن تحديد العمر التقريبي لأي جسمٍ ذي تركيبة معروفة عن طريق اختبار تفاعلاته مع الكهرباء والحرارة والضوء والاهتزازات الجزيئية الأخرى. فكَّرتُ في طلب مساعدة الدكتور نوربيري لأن بإمكانه تزويدي بالمواد الخاصة بتجارب مثل هذا العصر العظيم الذي يجِب أن تكون التفاعلات فيه، إن وُجِدت، سهلة الإثبات للغاية. ولكن بالعودة إلى حالتنا، علمتُ منه أن جون بيلينجهام لديه أصدقاء مُعينون في باريس — هواة الجمع ومسئولون بالمتحف — اعتاد زيارتهم لغرَض الدراسة وتبادل العينات. لقد استفسرتُ عن كل ذلك ولم يرَه أحد خلال زيارته الأخيرة. في الحقيقة، لم أكتشف بعدُ أي شخصٍ شاهد بيلينجهام في باريس في هذه الزيارة. لذلك تظل زيارته هناك لغزًا في الوقت الحاضر.»

فقلت: «لا يبدو ذلك الأمر ذا أهمية كبيرة، حيث إنه بلا شك قد عاد من هناك.» ولكن ثورندايك اعترض على ذلك.

وقال: «من المُستحيل تقدير أهمية المجهول.»

فتساءل جيرفيس قائلًا: «حسنًا، كيف تسير الأمور إذن، بناءً على ما لدَينا من الأدلة؟ اختفى جون بيلينجهام في تاريخ معين. هل هناك أي شيء يُوضح طريقة اختفائه؟»

قال ثورندايك: «تُشير الحقائق التي بحوزتنا، وأغلبها استعرَضَته تقارير الصحف، إلى عدة احتمالات بديلة؛ وبالنظر إلى التحقيق القادم — لأنهم، بلا شك، سيتعين عليهم تقديمها إلى المحكمة، إلى حدٍّ ما — قد يكون من المفيد النظر فيها. هناك خمس فرضياتٍ يمكن تصوُّرها.» — عدَّها ثورندايك على أصابعه أثناء تقدُّمه — «أولًا، ربما لا يزال على قيد الحياة؛ ثانيًا، ربما يكون قد مات ودُفن بدون تحديد هويته؛ ثالثًا، ربما يكون قد قُتل على يد شخصٍ مجهول؛ ورابعًا، ربما يكون قد قُتل على يد هيرست وتم إخفاء جثته؛ وخامسًا، ربما يكون قد قُتل على يد شقيقه. فلنبحث هذه الاحتمالات تباعًا.

أولًا، ربما لا يزال على قيد الحياة. إذا كان الأمر كذلك، فلا بدَّ أنه إما اختفى طواعية، أو فقد ذاكرته فجأةً ولم يتم التعرُّف عليه، أو تم سجنه بتهمةٍ مُلفقة أو غير ذلك. فلنأخذ الحالة الأولى؛ تلك القائلة بالاختفاء الطوعي. من الواضح أن استبعاد هذه الاحتمالية كبير للغاية.»

قلت: «جيليكو لا يعتقد ذلك، فهو يعتقد أن وجود جون بيلينجهام على قيد الحياة أمر وارد، ويقول إنه ليس من الغريب أن يختفي شخص لفترة من الزمن.»

«لماذا إذن يتقدَّم بالتماسٍ بافتراض حدوث الوفاة؟»

«هذا هو ما سألته بشأنه. فقال إن هذا هو ما يجب فعله، وإن المسئولية الكاملة تقع على عاتق المحكمة.»

فقال ثورندايك: «هذا كله هراء؛ فجيليكو هو الوصي على موكله الغائب، وإذا كان يعتقد أن مُوكِّله على قيد الحياة، فمن واجبه الحفاظ على تركته دون المساس بها، وهو يعرف ذلك جيدًا. قد نعتبِر أن جيليكو له نفس رأيي تمامًا: وهو أن جون بيلينجهام قد مات.»

أكدت قائلًا: «ومع ذلك، يختفي الرجال من حينٍ لآخر، ويعودون مرة أخرى بعد سنواتٍ من الغياب.»

«نعم، ولكن ذلك يحدث لسببٍ مُحدَّد؛ إما أنهم متشردون غير مسئولين، يتبعون هذه الطريقة في التملُّص من مسئولياتهم، أو أنهم رجال وقعوا في شبكةٍ من الظروف المقيتة. على سبيل المثال، موظف مدني أو محامٍ أو تاجر يجد نفسه مُرتبطًا مدى الحياة بموقعٍ ومهنة مليئة بالرتابة غير المُحتملة. ربما لديه زوجة سيئة الطباع، على غرار الطريقة المعهودة لنوع مُعين من النساء اللاتي يعتقدن أن أزواجهن مُحاصرين بدون أي فرصة للهروب، فتطلق العِنان لمزاجها، فيتحملها الرجل لسنوات، ولكن في النهاية يُصبح الأمر لا يطاق، ثم يختفي فجأة؛ ولا لوم عليه. ولكن هذه لم تكن حالة بيلينجهام؛ لقد كان أعزبَ ثريًّا يستمتع كثيرًا بحياته، لديه حرية الذهاب إلى حيث يشاء وفعل ما يشاء. لماذا يختفي؟ إنه أمر لا يُصدَّق.

أما فيما يتعلق بفقدانه ذاكرته وبقائه مجهول الهوية، فهذا أمر لا يُصدَّق أيضًا في حالة رجل كان يحمل بطاقات ورسائل تعريف في جيبه، وكانت ملابسه مميزة، وكانت الشرطة تستفسر عن وجوده في كل مكان. أما بالنسبة لوجوده في السجن، فيُمكننا استبعاد هذا الاحتمال، حيث إن السجين، سواء قبل الإدانة أو بعدها، يكون لديه فرصة كاملة للتواصُل مع أصدقائه.

الاحتمال الثاني، أن يكون قد مات فجأة ودُفِن دون تحديد هويته، وهو احتمال بعيد؛ ولكن، بما أنه من المُحتمل أنه ربما تكون الجثة قد سُرقت، وفُقِدت وسائل تحديد الهوية بهذا الشكل، فإنه يظل احتمالًا يجب أخذه بعين الاعتبار مع كونه بعيدًا.

الفرضية الثالثة، والقائلة بأنه ربما يكون قد قُتل على يد شخصٍ مجهول، في ظل هذه الظروف، فهي ليست بعيدة الاحتمال بقدرٍ كبير؛ ولكن بما أن الشرطة كانت تُراقب المشهد ونُشِر وصف تفصيلي للشخص المفقود في الصحف، فقد ينطوي ذلك على الإخفاء الكامل للجثة، ولكن هذا من شأنه أن يستبعد أكثر أشكال الجريمة احتمالًا؛ السرقة العرضية مع استخدام العنف. لذلك فهو ممكن، لكنه بعيد الاحتمال.

الفرضية الرابعة هي أن بيلينجهام قُتل على يد هيرست. والآن فإن الحقيقة الوحيدة التي تُناقض هذا الرأي هي أن هيرست على ما يبدو لم يكن لديه دافع لارتكاب جريمة القتل. كما أكد لنا جيليكو أنه لا أحد غيره يعرف بنود الوصية، وإذا كان الأمر كذلك — لكن تذكَّرا، ليس لدَينا أي دليل على ذلك — فلن يكون لدى هيرست أي سبب لافتراض أن لديه أي شيء يجنيه بموت ابن عمِّه. وخلاف ذلك، فإن الفرضية لا تُقدِّم أي احتمالات أساسية. شُوهد الرجل آخِر مرة على قيد الحياة في منزل هيرست. شوهد وهو يدخله ولم يرَه أحد يُغادره — ما زلنا نأخذ الحقائق كما ذُكرت في الصحف، وتذكَّرا — يبدو الآن أنه سيستفيد بشكلٍ كبير من وفاة ذلك الرجل.»

قلت مُعترضًا: «ولكنك نسيتَ أنه بمجرد أن فُقِد الرجل، فتَّش عنه هيرست والخدَم في المنزل بأكمله.»

«نعم، فتَّشوا عن ماذا؟»

«ما بكِ؟! عن السيد بيلينجهام بالطبع.»

«بالضبط؛ عن السيد بيلينجهام. هذا هو المقصد، عن رجلٍ حي. الآن كيف تبحث في منزلٍ عن رجل حي؟ أنت تبحث في جميع الغرَف. عندما تبحث في غرفة، فإنه إذا كان هناك، فإنك تراه؛ إذا لم ترَه، فأنت تفترض أنه غير موجود. فأنت لا تنظر تحت الأريكة أو خلف البيانو، ولا تسحَب الأدراج الكبيرة أو تفتح الخزائن. أنت تنظر فقط في الغرف. هذا ما يبدو أن هؤلاء الأشخاص قد فعلوه. ولم يرَوا السيد بيلينجهام. ربما أُخفِيت جثة السيد بيلينجهام بعيدًا عن الأنظار في أي غرفة من الغرف التي بحثوا فيها.»

قال جيرفيس: «هذه فكرة قاتمة. لكنها صحيحة تمامًا. فلا يُوجَد دليل على أن الرجل لم يكن ميتًا في المنزل وقت التفتيش.»

قلت: «ولكن حتى إن كان الأمر كذلك، فقد كانت هناك جثة يجب التخلُّص منها بطريقةٍ ما. الآن كيف يمكن أن يتخلَّص من الجثة دون أن تُلاحَظ؟»

قال ثورندايك: «آه! نحن الآن نتطرَّق إلى نقطة بالغة الأهمية. إذا كان على أي شخصٍ أن يكتب أطروحة عن فن القتل — ليس عرضًا لأدبياتٍ شهيرة مثل أدبيات دي كوينسي، ولكن أطروحة عمل حقيقية — فقد يترك جميع التفاصيل الفنية الأخرى لتعتني بنفسها، إذا كان بإمكانه وصف بعض الخطط العملية حقًّا للتخلص من الجثة. وهذا هو الحال، وهكذا كان دائمًا، العقبة الكبيرة أمام القاتل: التخلص من الجسم؛ جسم الإنسان.» ثم تابع حديثه بينما كان ينظر بعنايةٍ إلى غليونه، تمامًا كما كان يحدُث في أيام تلمذتي، حيث اعتاد النظر إلى طباشير السبورة السوداء، ثم استطرد قائلًا: «شيء رائع للغاية. إنه يمثل مجموعة من الخصائص التي تجعل من الصعب للغاية إخفاءه بشكلٍ دائم. إنه ضخم وذو شكلٍ غريب، ثقيل، غير قابل للاحتراق تمامًا، غير مُستقر كيميائيًّا، وتَحلُّله يُنتِج كمياتٍ كبيرة من الغازات ذات الرائحة النفاذة، ومع ذلك فهو يحتوي على هيكلٍ يمكن التعرف عليه بأعلى درجة من الاستمرارية. ويصعب الحفاظ عليه دون تغيير، ومع ذلك لا يزال تدميره أكثر صعوبة. تتجلى صفة الديمومة الأساسية لجسم الإنسان جيدًا في القضية الكلاسيكية ليوجين آرام؛ لكن المثال الأكثر إثارة للدهشة هو حالة سكنن رع الثالث، أحد آخر ملوك الأسرة المصرية الحاكمة السابعة عشرة. هنا، وبعد مرور أربعة آلاف عام، كان من الممكن تحديد ليس فقط سبب الوفاة وطريقة حدوثها، ولكن كيفية سقوط الملك، وطبيعة السلاح الذي أحدث الجرح المُميت، وحتى وضعية المُعتدي. وتتجلَّى صفة ديمومة الجسد في ظل ظروفٍ أخرى بشكلٍ مُثير للإعجاب في حالة الدكتور باركمان، من بوسطن، الولايات المتحدة الأمريكية، حيث حُدِّدت الهوية فعليًّا عن طريق البقايا التي جُمِعَت من رماد الفرن.»

قال جيرفيس: «إذن، يُمكننا أن نعتبر أن العالَم لم يشهد بعد نهاية جون بيلينجهام.»

أجابه ثورندايك: «أعتقد أننا قد نعتبِر ذلك شبهَ مؤكد. السؤال الوحيد — وهو السؤال المهم للغاية — هو، متى يمكن أن يظهر مرةً أخرى. ربما غدًا أو بعد عدة قرون، وحينها قد تكون جميع نقاط الخلاف المَعنية قد ذهبت في طي النسيان.»

فقلت: «لنفترض على سبيل الجدال، أن هيرست قتله وأن الجثة كانت مخبوءة في المكتب وقت إجراء البحث. كيف كان من الممكن التخلُّص منها؟ لو كنتَ في مكان هيرست، فكيف كنتَ ستُنجز المهمة؟»

ابتسم ثورندايك من صراحة سؤالي.

وقال: «أنت تطلُب منِّي إفادة تجريمية أُدلي بها في حضور شاهد أيضًا. ولكن، في واقع الأمر، لا فائدة من التكهن مُسبقًا؛ يجب علينا إعادة ترتيب موقفٍ وهمي تمامًا، ظروفه غير معروفة لنا، ومن شبه المؤكد أن نُعيد ترتبه بشكلٍ خاطئ. ما قد نفترضه إلى حدٍّ كبير هو أنه لا يوجد شخص عاقل، مهما كان عديم الأخلاق، سيجد نفسه في الوضع الذي تفترضه. القتل عادة ما يكون جريمة بسبب الاندفاع، والقاتل هو شخصٌ لا يتمكن من ضبط النفس. من غير المرجَّح أن يتخذ هؤلاء الأشخاص ترتيباتٍ دقيقة ومُبتكرة للتخلص من جثث ضحاياهم. حتى مُرتكبو جرائم القتل الوحشية التي تم التخطيط لها بدقة شديدة، يبدون كما قلت، مُنهارِين عند تلك المرحلة، إنَّ القاتل لا يُقدِّر الصعوبة التي لا يمكن التغلُّب عليها للتخلص من جثة الإنسان حتى يجد نفسه فجأةً وجهًا لوجهٍ مع الموقف.»

«في الحالة التي تفترضها، يبدو أن الخيار يكمُن بين الدفن في المبنى أو تقطيع الأجزاء وتوزيعها؛ ومن المؤكد أن أيًّا من الطريقتَين ستؤدي إلى الاكتشاف.»

فعلق جيرفيس قائلًا: «كما يتَّضح من البقايا التي تحدثتَ عنها إلى السيد بيلينجهام.»

أجاب ثورندايك: «بالضبط، على الرغم من أنَّنا بالكاد نستطيع تخيُّل مجرمٍ ذكي إلى حدٍّ معقول يتخذ حقل بقلة مائية كمكانٍ للاختباء.»

«لا، لقد كان هذا بالتأكيد خطأً في التقدير. بالمناسبة، اعتقدتُ أنه من الأفضل عدم قول أي شيء أثناء تحدُّثك إلى بيلينجهام، لكنني لاحظتُ أنه أثناء مناقشة إمكانية أن تكون عظام أخيه، لم تُعلِّق على غياب الإصبع الثالثة من اليد اليسرى. أنا متأكد من أنك لم تغفل ذلك، لكن أليست هذه نقطة مهمة؟»

«فيما يتعلق بتحديد الهوية؟ في ظل الظروف الحالية، لا أعتقد ذلك. إذا كان هناك رجل مفقود فقد تلك الإصبع، فسيكون ذلك بالطبع حقيقة مُهمة. لكنني لم أسمع عن أي رجلٍ بهذه المواصفات. أو مرة أخرى، إذا كان هناك أي دليل على بتر الإصبع قبل الموت، فسيكون ذلك في غاية الأهمية. لكن لا يُوجَد مثل هذا الدليل. ربما تكون قد بُتِرت بعد الموت، وهنا تكمن الأهمية الحقيقية لغيابها.»

قال جيرفيس: «لا أفهم ما تعنيه.»

«أعني أنه إذا لم يكن هناك أي بلاغ عن غياب أي رجلٍ مبتور هذه الإصبع بعينها، فالاحتمال هو أنها قد بُتِرت بعد الموت. ومِن ثَم يظهر السؤال المُثير للاهتمام عن الدافع. لماذا كان يجب بترها؟ يصعب أن يكون قُطعًا عن طريق الخطأ. فماذا تعتقد؟»

قال جيرفيس: «حسنًا، ربما كانت إصبعًا غريبة؛ إصبعًا، على سبيل المثال، بها بعض التشوُّه المميز مثل المفصل المتصلب، والتي سيكون من السهل التعرُّف عليها.»

«نعم، ولكن هذا التفسير يطرح درجة الصعوبة نفسها. فلم يُبلَغ عن غياب أي شخصٍ ذي إصبع مشوَّهة أو متصلبة.»

قطَّب جيرفيس حاجبيه، ونظر إليَّ.

وقال: «لا أرى أي تفسيرٍ آخر بتاتًا. هل ترى أي تفسير آخر، بيركلي؟»

فهززتُ رأسي نافيًا.

قال ثورندايك: «لا تنسَ أي الأصابع هي المفقودة، إنها الإصبع الثالثة من اليد اليسرى.»

فأجابه جيرفيس: «آه، فهمت! إصبع الخاتم. أنت تقصد أنها قد تكون نُزعت من أجل الحصول على خاتمٍ لم يُتمكَّن من خلعه.»

«نعم، لم تكُن هذه هي المرة الأولى من نوعها. فقد قُطعت أصابع من أيادي الجثث — وحتى من الأيادي الحية — من أجل خواتم كانت ضيقة جدًّا بحيث لا يمكن انتزاعها. وحقيقة أنها هي اليد اليسرى تدعم المُقترح؛ وذلك لأنه عندما يكون الخاتم ضيقًا يُفضل ارتداؤه في اليد اليسرى، حيث تكون عادةً أصغر قليلًا من اليد اليمنى. ما خطبُك، يا بيركلي؟»

سطع ضوء مفاجئ بداخلي، وأظنُّ أن ملامح وجهي أفشتْ عن الحقيقة.

صرختُ قائلًا: «أنا أحمق مُرتبك!»

قال جيرفيس: «أوه، لا تقُل ذلك. امنح صديقَيك فرصة.»

«كان يجب عليَّ أن أفهم ذلك منذ وقتٍ طويل وأُخبركما به. كان جون بيلينجهام يرتدي خاتمًا، وكان ضيقًا للغاية، وبمجرد ارتدائه له لم يتمكن من خلعِه مرةً أخرى.»

فسألني ثورندايك: «هل تعرف في أي يدٍ كان يرتديه؟»

«نعم، كان في اليد اليسرى؛ لأن الآنسة بيلينجهام، والتي أخبرتني بشأنه، قالت إنه لم يكن ليتمكن من ارتدائه أبدًا إلَّا لأن يده اليسرى كانت أصغرَ قليلًا في الحجم من يده اليُمنى.»

فقال ثورندايك: «ها هي حقيقة الأمر إذن. مع وجود هذه الحقيقة الجديدة بحوزتنا، فإن غياب الإصبع يوفر نقطة البداية لبعض التكهُّنات المُثيرة للفضول.»

قال جيرفيس: «على سبيل المثال!»

«آه، في ظل هذه الظروف، يجب أن أترككما لمتابعة هذه التكهنات بشكلٍ مُستقل. أنا الآن أتصرَّف نيابة عن السيد بيلينجهام.»

ابتسم جيرفيس وظلَّ صامتًا لفترة، بينما يعيد ملء غليونه بعناية؛ ولكنه استأنف حديثه عندما أشعله.

«بالعودة إلى مسألة الاختفاء، ألا تَعتبِر أن قتل بيلينجهام على يد هيرست أمرًا بعيد الاحتمال؟»

«أوه، لا تتخيل أنني أوجِّه اتهامًا. أنا أفكر في الاحتمالات المختلفة فقط من الناحية النظرية. المنطق نفسه ينطبق على آل بيلينجهام. بشأن ما إذا كان أي منهم قد ارتكب جريمة القتل، فهذه مسألة تتعلق بالطابع الشخصي. أنا بالتأكيد لا أشكُّ في آل بيلينجهام بعد مُقابلتهم، وفيما يتعلق بهيرست، فأنا لا أعرف عنه شيئًا، أو على الأقل هناك القليل جدًّا من الأمور ليست في صالحه.»

فسأل جيرفيس: «هل تعرف أي شيء؟»

قال ثورندايك مُتردِّدًا: «حسنًا، يبدو أنه من غير اللائق التفكير في التفاصيل الصغيرة لماضي الرجل، ومع ذلك يجب التفكير في ذلك. لقد قمت، بالطبع، بإجراء التحقيقات المعتادة بشأن أطراف هذه القضية، وهذا ما سلطوا الضوء عليه:

«هيرست، كما تعلمون، سمسار في البورصة، رجل يتمتع بمكانةٍ جيدة وسمعة طيبة؛ ولكن يبدو أنه ارتكب حماقةً منذ حوالي عشر سنوات، وهذا أقل ما يُقال عن الأمر، والذي كاد أن يُوقعه في صعوبات خطيرة. لقد تكهَّن إلى حدٍّ ما بشكلٍ يفوق إمكانياته، لأنه عندما حدث تقلُّب مفاجئ للسوق أربك جميع تقديراته، واتضح أنه كان يستخدم رأس مال عملائه وسنداتهم. وبدا لفترة من الوقت كما لو كان هناك مشكلة خطيرة؛ ثم، وبشكل غير متوقَّع تمامًا، تمكن من جمع المبلغ اللازم بطريقةٍ ما وتسوية جميع المطالبات. ولم يُعرَف من أين حصل على المال حتى يومنا هذا، وهو ظرف غريب، حيث إنَّ العجز كان أكثر من خمسة آلاف جنيه؛ ولكن الحقيقة المُهمة هي أنه حصل عليها وسدَّد كل ديونه. لذلك لم يكن سوى مُختلس مُحتمل، إن جاز التعبير؛ وغير جدير بالمِصداقية، كما أن المسألة، لا شك، لا يبدو أن لها أي تأثير مباشر على القضية الحالية».»

قال جيرفيس مُتفقًا معه في الرأي: «لا، على الرغم من أنها تجعل المرء يفكر في موقفه باهتمامٍ أكبر مما يمكن أن يفعله.»

قال ثورندايك: «بلا شك. فلا يمكن الاعتماد على سلوك مقامر مُتهور. فهو يخضع لتقلُّبات الحظ التي قد تُجبره على ارتكاب أخطاء أخرى. والعديد من عمليات الاختلاس سبقَها الانغمار في الحظ السيئ في مجال العمل.»

قلتُ وأنا أشعر بعدَم الراحة لذكري أسماء أصدقائي: «بافتراض أن المسئولية عن هذا الاختفاء تقع بين هيرست و… وآل بيلينجهام، فإلى أي جانبٍ ترجح الاحتمالات؟»

أجاب ثورندايك: «يجب أن أقول بلا شكٍّ إنني أرجح جانب هيرست. قضيتنا كالتالي — بناءً على الحقائق المقدمة إلينا: يبدو أن هيرست لم يكن لديه دافع لقتل المتوفَّى (كما سنُسميه)؛ لكن شوهد الرجل وهو يدخل المنزل، ولم يُشاهَد أبدًا وهو يغادره، ولم يُرَ حيًّا بعدها مرةً أخرى. من ناحية أخرى، كان لبيلينجهام دافع، حيث كان يعتقد أنه المُستفيد الرئيسي بموجب الوصية. لكن المتوفَّى لم يُشاهَد في منزله، ولا يُوجَد دليل على أنه ذهب إلى المنزل أو الحي، باستثناء الجعران الذي عُثر عليه هناك. لكن دليل الجعران قد أفسدتْه حقيقة وجود هيرست في المكان عندما وُجِد، وأنه تم العثور عليه في مكانٍ مرَّ عليه هيرست فقط قبل بضع دقائق. إلى أن تُبرَّأ ساحة هيرست، يبدو لي أن وجود الجعران لا يُثبت شيئًا ضدَّ آل بيلينجهام.»

فقلت: «إذن فإنَّ آراءك في القضية تستند بالكامل على الحقائق التي أُعلِن عنها؟»

«نعم، بشكلٍ أساسي. أنا لا أقبل بالضرورة هذه الحقائق تمامًا كما تُعرَض، وقد يكون لديَّ بعض وجهات النظر الخاصة بي بشأن القضية. ولكن إذا كان لديَّ، فأنا لا أشعر بأنني في وضع يسمح لي بمناقشتها. في الوقت الحالي يجب أن يقتصر النقاش على الحقائق والاستنتاجات التي تُقدمها الأطراف المعنية.»

صاح جيرفيس وهو يقف ويرمي غليونه بعيدًا: «هكذا إذن! هذا هو ما يقودك إليه ثورندايك؛ إنه يجعلك تعتقد أنك في غمرة المعرفة حتى يأتي صباح أحد الأيام الجميلة لتستيقظ وتكتشف أنك كنت مجرد شخص دخيل، ومِن ثَم ستندهش بشدة، وكذلك الطرف الآخر أيضًا في هذا الشأن. لكن يجب علينا حقًّا أن نُغادر الآن، أليس كذلك، يا سيدي؟»

أجاب ثورندايك: «أعتقد أنه يجب علينا ذلك.» ثم سأل بينما يرتدي قفازاته: «هل تواصلتَ مع برنارد مؤخرًا؟»

أجبت: «أوه، نعم. لقد كتبتُ إليه في مدينة سميرنا لأقول له إن العيادة تُحقق نجاحًا وإنني سعيدٌ وراضٍ للغاية، وإنه قد يمكث هناك كما يشاء. فكتب لي ليُخبرني أنه سيطيل إجازته إذا أُتيحت له فرصة، لكنه سوف يُخبرني لاحقًا.»

قال جيرفيس: «يا إلهي، لقد كانت ضربة حظٍّ لبرنارد أن تصادَف أن يكون لبيلينجهام مثل هذه الابنة الرائعة — هناك! اسمح لي، أيها الرجل العجوز. تقدَّم وفُز بها — إنها تستحق ذلك، أليس كذلك، يا ثورندايك؟»

أجاب ثورندايك: «الآنسة بيلينجهام سيدة شابة ساحرة للغاية. أنا مُعجَب للغاية بكلٍّ من الأب والابنة، وأنا على ثقة من أننا قد نكون قادرين على تقديم بعض الخدمات لهم.» وبهذه الكلمات القليلة الرزينة صافحَني ثورندايك، وشاهدتُ صديقيَّ وهما يمضيان في طريقهما حتى اختفت ظلال جسدَيهما الباهتة في ظلام حارة فيتر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤