الفصل السابع عشر

الموناليزا لليوناردو دافنشي

ربما كانت «الموناليزا» هي أشهر وجه إنساني (بورتريه) في تاريخ فن الرسم، وكان صاحبها، ليوناردو دافنشي (Leonardo Da Vinci) واحدًا من أعظم العباقرة الذين أبدعهم عصر النهضة (الرينيسانس) كما أبدعوه … تجاوزت عبقريته فنون الرسم والنحت والعمارة، وتجلَّت في حدوسه الملهمة بعدد كبير من الاكتشافات والاختراعات التي تمَّ التوصل إليها بعد ذلك في ميادين التشريح وطيران الفضاء وهندسة الآلات الحربية وغيرها من الميادين. تنوَّعت اهتماماته العقلية والفنية، وتوزَّعت بين مجالات مختلفة بحيث لم يتمكَّن من إنجاز مشروعاته الكبرى؛ فقد أوشك على اكتشاف الدورة الدموية، واخترع أول مدرعة حربية، وصمَّم عددًا كبيرًا ممَّا يُعرَف اليوم بالطائرات السمتية أو العمودية (الهيليكوبتر)، واستبق فكرة الغواصة، ولكنه لم يُتم اختراعًا واحدًا منها، وإنما خلَّف وراءه عددًا كبيرًا من التصميمات الهندسية التي اكتُشِف معظمها قبل سنوات قليلة، بالإضافة إلى آلاف الملاحظات والمذكرات والرسوم التخطيطية وعدد قليل من اللوحات الزيتية التي لم يفرغ من إنجازها.

وُلد في فينشي سنة ١٤٥٢م. وكان أبوه مُوَثِّق عقود فلورنتيني (نسبةً إلى مدينة فلورنسا)، وتدرَّب على فن الرسم في بيت أبيه على يد الرسام والنحات وصائغ الذهب فيروكيو (١٤٣٥–١٤٨٨م) الذي أنجز أعمالًا فنية عديدة لعائلة الميديتشي التي كانت تحكم المدينة، ويُحتمل أن يكون ليوناردو هو الذي رسم الملاك الأيسر في لوحة فيروكيو «العماد» (المحفوظة في متحف الأوفيتس في فلورنسا) رسمًا بلغ من الكمال حدًّا جعل معلمه يتوقف عن الرسم ويقصر جهوده على النحت! انضمَّ إلى اتحاد الفنانين في مسقط رأسه سنة ١٤٧٢م، وأول رسم معروف له هو منظر طبيعي لنهر «أرنو» الذي يمر بمدينتَي فلورنسا وبيزا، ويصب في البحر الأبيض المتوسط، يرجع إلى سنة ١٤٧٣م، ويتميَّز بقدرته على تصوير بنية الصخور وتكوين الأرض. وقد أثبت ليوناردو ريادته في الفن عندما شقَّ الطريق لمن بعده، وجرَّب أساليب جديدةً في دراساته للنسيج وفي الرسم بالزيت (كما في لوحته عن العذراء «المادونا» المحفوظة في متحف ميونيخ — حيث أثارت تفصيلات قطرات الندى على الزهرية البلورية دهشة معاصريه — وفي لوحته جينيفرا دي بينتشي التي يُحتَمَل أن يكون قد أتمَّها سنة ١٤٧٤م، كما يبدو أنها مهَّدت للوحته الشهيرة الموناليزا. وذاعت شهرته منذ سنة ١٤٨١م، فانهالت عليه التكليفات التي كان من أهمها لوحة كبيرة عن «ابتهال الملوك» (الذين قدموا من الشرق لزيارة الطفل يسوع المسيح، والاحتفاء بمعجزة ولادته)، نفذها استجابةً لرغبة رهبان دير القديس «دوناتو» في «سكوبيتو» بالقرب من فلورنسا، وإن لم يُتم اللوحة كعادته لتوقُّف الرهبان عن دفع أجره المُسْتَحَق! وتوجَّه في سنة ١٤٨٣م إلى ميلانو، بعد أن استجاب الدوق الحاكم فيها، وهو لودفيكو سفورتزا المورو، للعرض الذي قدَّمه إليه (في خطاب لا تزال مسودته محفوظة)، وأبدى فيه استعداده لتقديم خدماته في العمارة، والنحت بكل أشكاله ومواده من الرخام أو البرونز أو الطين، والرسم، والهندسة العسكرية!

وفي ميلانو رسم لوحته «السيدة ذات الفراء» (المحفوظة اليوم في مدينة كراكوف)، التي تُصوِّر شيشيليا جاليراني عشيقة لودفيكو حاكم المدينة، وتعكس نفس خصائص أسلوبه المبكِّر الذي تجلَّى كذلك في نسختَين من لوحته المعروفة باسم «عذراء الصخور»، توجد إحداهما في باريس، والأخرى في المتحف الأهلي بلندن، وهما النسختان اللتان ثار جدل طويل بين نقاد الفن حول تاريخهما وأصالة نسبتهما إلى الفنان. وبقي ليوناردو حتى سنة ١٤٩٩م في بلاط ميلانو، مشغولًا بمشروعاته الفنية والعلمية التي لم يفرغ منها كعادته، ومن أهمها مشروع تمثال ضخم من البرونز لفرانتشيسكو سفورزا — والد الدوق لودفيكو — راكبًا صهوة حصان. ولم يُصبَّ التمثال أبدًا، وإن بقيت بعض الرسوم المذهلة التي توحي بأن ليوناردو عكف أثناء انشغاله بذلك المشروع على إعداد كتاب كامل عن تشريح الحصان … يُضاف إلى ذلك لوحته الشهيرة «العشاء الأخير» (لكنيسة سانتا ماريا ديللي جراتسيه)، التي تجلَّت فيها براعته في النفاذ إلى نفوس تلاميذ المسيح، والتعبير عن توتر اللحظة التي أعلن فيها أن أحدهم على وشك خيانته والوشاية به. والظاهر أن بطء ليوناردو في تنفيذ هذه اللوحة الجدارية وولعه الشديد بالبحث والتجريب قد برَّرا الفكرة التي نسبها إليه جيلٌ تالٍ من أن الفنان مفكر متأمل مبدع، وأنه فيلسوف يرسم فلسفته، لا مجرد محترف صناع يدهن كل يوم بضع ياردات مربعة على سطح جدار! ولا شك في أن الفكرة التي شاعت في القرن السادس عشر عن كرامة الفنان فكرة ترجع إليه وتستمد منه المثل والقدوة.

غزا الفرنسيون مدينة ميلانو في سنة ١٤٩٩م، وأسقطوا حكم الميديتشي، فرجع ليوناردو إلى فلورنسا وعمل حتى سنة ١٥٠٣م مهندسًا عسكريًّا في خدمة «شيزار بورجيا». وتفرَّغ أثناء فترة إقامته الثانية في فلورنسا للتشريح، وشارك في مشروعات فنية فشل أولها فشلًا ذريعًا، وكان بتكليف من مجلس المدينة له ولفنانها الكبير الآخر مايكل أنجلو (وكان كل منهما يُكن للآخر كراهيةً لأحد لها!) بتخليد انتصاراتها بعد أن أصبحت جمهورية. أمَّا المشروع الآخر فكان انشغاله بمجموعة لوحات عن العذراء والطفل مع القديسة أنا، وقد بقي من هذه اللوحات اثنتان إحداهما في المتحف الأهلي بلندن، والأخرى في صحف اللوفر بباريس، ويبدو أنه بدأ الأولى في ميلانو ثم حملها معه إلى فلورنسا، أمَّا الثانية فقد بدأ العمل فيها سنة ١٥٠٦م. كان من أهم الأعمال التي أنجزها في هذه الفترة لوحتنا هذه الشهيرة التي صوَّر فيها زوجة أحد كبار الموظفين في فلورنسا، وعُرفت باسم «الموناليزا» أو «الجوكوندا»، وقد عكف على رسمها بين سنتَي ١٥٠٠ و١٥٠٤م.

رجع ليوناردو إلى ميلانو سنة ١٥٠٦م، وعُيِّن رسامًا ومهندسًا لفرانسيس الأول ملك فرنسا، ثم شُغل في سنواته الأخيرة ببحوثه وتجاربه العلمية والرياضية، كما خطَّط لمشروع تمثال لقائد القوات الفرنسية تريفولزيو على صهوة حصان، ولكن المشروع لم يتمخَّض إلا عن مجموعة من الرسوم تُظهر براعته في التشريح! وكان آخر رسم أتمَّه قبل انتقاله نهائيًّا سنة ١٥١٧م إلى فرنسا هو لوحته عن القديس يوحنا (وهي محفوظة في متحف اللوفر)، أمَّا رسالته عن فن الرسم فقد جُمِعت بعد وفاته من المذكرات والملاحظات التي دوَّنها، ولم تُنْشَر إلا في سنة ١٦٥١م.

وقد مات ليوناردو سنة ١٥١٩م في قصر كان قد أهداه إليه ملك فرنسا، وذلك في بلدة «كلو» بالقرب من مدينة «أمبواز»، وانتهت بموته قصة عبقرية نادرة تفخر بها البشرية.

(١) إدوارد دودن (Edward Dooden) (١٨٤٣–١٩١٣م)

وُلد الشاعر الأيرلندي في مدينة كورك، ومات في «دبلن». درس اللاهوت، وأصبح أستاذًا للأدب الإنجليزي في كلية الثالوث المقدس في دبلن وهو لم يتعدَّ الرابعة والعشرين من عمره. قام كذلك بالتدريس في جامعتَي أكسفورد وكامبريدج، ونشر بحوثًا ودراسات عن شكسبير وملتون وشيللي ومونتني، بجانب مجموعات شعرية عديدة. ظهرت قصيدته هذه عن الموناليزا مع مختارات من الشعر الأيرلندي حرَّرها ونشرها الأستاذ ك. هوجلاند بعنوان: ألف عام من الشعر الأيرلندي، نيويورك، ١٩٦٢م، ص٥٣٨.

«موناليزا»

أيتها العرَّافة، عرفيني بنفسك
حتى لا أيأس من معرفتك كل اليأس،
وأظل أنتظر الساعات، وأُبدِّد روحي.
ما هي كلمة القدر التي تختبئ بين الشفتَين
اللتَين تبتسمان ومع ذلك تتمنعان؟
يا سرًّا متناهي الروعة!
أيها الكمال السماوي!
لا تحيري الوجدان أكثر ممَّا تفعلين؛
حتى لا أكره طغيانك الرقيق.
يداك المشبوكتان في اتزان جليل،
والشعر المتساقط على الجانبَين.
لا، لا. إني لأوذيك بكلمات غلاظ.
ابقَي صافية، منتصرة، ومستعصية!
ابتسمي كعادتك ولكن لا تتكلَّمي!
فالدعاية تختبئ دائمًا في ظل جفونك.
ثم تعالي وارتفعي فوق معرفتنا!
أيتها الهولى من إيطاليا،
أغوينا وحقري شأننا كما تشائين!

(٢) والتر هوراشيو باتر (Walter Horatio Pater) (١٨٣٩–١٨٩٤م)

وُلد الشاعر الإنجليزي في مدينة شادويل. كان أبوه طبيبًا، وتعلم في أكسفورد وتولى التدريس فيها، وقضى فيها معظم سنوات عمره. قام بأسفار عديدة إلى ألمانيا وإيطاليا، وجمعت أواصر الصداقة بينه وبين جماعة الشعراء ونُقاد الفن الذين أطلقوا على أنفسهم اسم «إخوان ما قبل رافائيل» (وهي الجماعة التي أسَّسها الشاعر والرسام الإنجليزي دانتي جابرييل روسيتي سنة ١٨١٤م مع زميلَيه هولمان هنت وج. أ. ميليه، والتمسوا نماذجهم الجمالية لدى عباقرة الفن الإيطاليين قبل رافائيل، كما استوحَوا من رسومهم وأعمالهم الفنية كثيرًا من شعرهم). كتب «باتر» في تاريخ الفن، ونشر دراسات عن ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو وبوتيشيللي، كما نشر روايات وقصصًا قصيرة وقصائد شعرية.

ظهرت هذه القصيدة عن موناليزا مع مجموعة المختارات التي نشرها الشاعر الأيرلندي الكبير و. ب. ييتس تحت عنوان «كتاب أكسفورد للشعر الحديث»، أكسفورد، ١٩٥٢م، ص١ — لاحظ أن السطرَين الثامن والعاشر من القصيدة يشيران إلى لوحتَي ليوناردو عن ليدا والقديسة آنا.

«موناليزا»

هي أكبر عمرًا من الصخور التي تجلس بينها،
كالخفاش.
كانت قد ماتت مرات من قبل،
وتعلَّمت أسرار القبر،
وغاصت في البحار العميقة،
وما زالت تحتفظ بأيامها الضائعة،
وتاجرت في المنسوجات العجيبة مع تجار الشرق.
ومثل ليدا،١
كانت أم هيلينا الطروادية،
ومثل القديسة آنا،
كانت أم مريم،
ولم يكن كل هذا في نظرها
إلا كأنغام القيثار والناي،
ولا يعيش
إلا في الرقة
التي صاغت بها الخطوط المتغيِّرة،
ولوَّنت الجفون واليدَين.

(٣) مايكل فيلد (Michael Field)

اسم مُسْتَعار لشاعرتَين خالة وابنة أختها وهما كاترين برادلي التي وُلدت سنة ١٨٤٨م في برمنجهام، وماتت سنة ١٩١٤م في ريتشموند، وأديث إيماكوبر التي وُلدت سنة ١٨٦٢م في كينل وورث بمقاطعة وركشير، وماتت سنة ١٩١٣م في ريتشمولد بمقاطعة ساري. تلازمت الشاعرتان في حياتهما وأسفارهما وكتاباتهما الأدبية، ونشرتا باسمهما المشترك مسرحيات ومجموعات شعرية. وتُعَد ترجماتهما للشاعرة الغنائية الإغريقية سافو، وقصائدها التي استوحتاها من الرسوم واللوحات الفنية ونشرتاها سنة ١٨٩٢م بعنوان «رؤية وأغنية» من أهم أعمالهما. تقول الشاعرتان في هذه المجموعة الأخيرة: إن الجهد المبذول لرؤية الأشياء من مركزها الخاص، عن طريق التخلُّص من التركيز المعتاد على المرئي كما ندركه في أنفسنا، عملية نتمكن بها من استبعاد صورنا الذاتية والحصول على انطباع أكثر وضوحًا وأقل سلبيةً وأكثر قربًا من النفس. وعندما يتم هذا الجهد بأمانة وإصرار، فلا بد أن يتبقى للقوة الحتمية للفردية دور تقوم به، ولا بد للمزاج الشخصي من أن يصوغ الانطباع المُنَقَّى. وقد نُشرت هذه القصيدة في الكتاب المذكور، ص٨ بعنوان: الجيوكوندا لليوناردو دافنشي.

«الجيوكوندا لليوناردو دافنشي»

العينان مائلتان، معبرتان، تاريخيتان،
بسمة على الخدَّين ناصعة كالقطيفة،
توجِّهها شفتان رزينتان إلى أعلى،
بل ترقد متوهجةً طرية،
يبدو الصبر في هدوئها المُفْعَم بالقسوة،
الذي ينتظر ولا يبحث عن الفريسة،
جبين كالغسق، وصدر
يتلامس فيهما الغروب والنضوج بحب وحنان،
وخلفهما صخور بلورية،
بحر وسموات متلاشية الزرقة،
تنعكس على السحاب والماء.
منظر طبيعي يبدو مرهقًا من شدة جوعه
لتلك التقلُّبات التي يستميت عليها الرجال.

(٤) ياروسلاف فرشليكي (Jaroslaw Vrchlieky) (١٨٥٣–١٩١٢م)

شاعر تشيكي، وُلد سنة ١٨٥٣م في «لاون»، ومات سنة ١٩١٢م في «تاوس». درس اللاهوت والتاريخ، وشغل في سنة ١٨٩٣م منصب أستاذ للأدب المُقارَن في جامغة براغ. كتب الشعر الغنائي والملحمي والمسرحية والقصة القصيرة والمقالة، كما استوحى حوالي مائتَي قصيدة من صور ولوحات فنية شاهد معظم أصولها أثناء إقامته في إيطاليا من سنة ١٨٧٥م إلى سنة ١٨٧٦م. تُذْكَر له ترجماته لدانتي وكالديرون وثيرفانتيس وجوته. وقد نُشرت هذه القصيدة في المجلد السادس من مجموع مؤلفاته الكاملة التي نُشرت في براغ سنة ١٩٠٥م، ص١٩٦.

«موناليزا»

ابتسامة مُفْعَمَة بسحر السر،
فيها الحنان والجمال،
أتراها تُغوي ضحيتها
أم تُهلِّل لانتصارها؟

(٥) مانويل ماتشادو (١٨٧٤–١٩٤٧م)

انظر ترجمته السابقة مع لوحة «الربيع» ليوتينشيللي. نُشرت قصيدته عن الجيوكوندا في كتابه «أبولو، مسرح تصويري» الذي ظهر سنة ١٩١٠م، ص١٦١، وقد أوردنا له قصائد أخرى استلهمها من صور جويا (إعدام الثوار) ورمبرانت (محاضرة في التشريح).

«الجيوكوندا»

فلورنسا،
زهرة موسيقى يتضوَّع منها العطر،
ومدينة ليوناردو
(من لا يُوصَف، لا يدركه القول أو الفكر)،
أم النابغة الحر
الصادق من غير كلام،
والأسد الثائر،
والروح الطائر كحمامة.
تبتسم الموناليزا،
وتُطل البسمة فوق قرون تنزلق وتهوي،
تنظر في أنفسنا أيضًا،
والبسمة تبقى ما بقي العمر
(حتى لو لم تثبت شيئًا)،
تبتسم الجيوكوندا،
أي فرحة؟
أي أرض للأحلام الحلوة
تسكب فيها النشوة؟
أين تتوه العين الغامضة وتسرح؟
(أتفتِّش عن سر خلف قناع؟)
كلَّمها القدر فأي كلمة
بلغت أذنَيها؟
أي دلال داعب خاطرها؟
أيكون السر الهائل
قد ملك القلب عليها؟

(٦) جوستاف فرودنج (Gostav Froding) (١٨٦٠–١٩١١م)

وهذه القصيدة للشاعر السويسري جوستاف فرودنج الذي وُلد في مدينة ألسترز بروك ومات في استوكهولم. تعلَّمَ في جامعة أوبسالا ولم يُتم دراسته. قضى معظم سنوات عمره الأخيرة في مصحات العلاج النفسي. وقد نُشرت قصيدته عن الموناليزا في المجلد الرابع من مؤلفاته الكاملة، استوكهولم، ١٩٣٧م، ص٢٤٧.

«موناليزا»

موناليزا،
موناليزا،
أنا لا أملك أن أعطيك
سوى أغنيتي.
قد يمدحك سواي
فيرفع قدرك ويوفِّيك،
فإليه اتجهي!

(٧) هيرمان كلاوديوس (Hermann Cloudius)

وُلد الشاعر الألماني سنة ١٨٧٨م في لانجنفيلد بالقرب من ألطونا (وهي في الشمال ناحية هامبورج). وهو حفيد أكبر الشعراء المتصوِّفين في ألمانيا ماتياس كلاوديوس. عمل من سنة ١٩٠٠م إلى سنة ١٩٣٤م بالتدريس في المدارس الشعبية في مدينة هامبورج، ثم طُرِد من عمله لرفضه السماح بإنشاد الأغاني النازية في مدرسته. نشر مجموعات من قصصه وأشعاره الغنائية، وعُيِّن في سنة ١٩٥٦م عضوًا في أكاديمية «إيرفورت» في ألمانيا الشرقية (الديمقراطية). وقد ظهرت القصيدة التالية في ديوانه «في بيتي» الذي صدر في ميونيخ سنة ١٩٤٠م، ص١٠٢، وذكر الشاعر أنه أنشأ القصيدة في مدينة جنوا سنة ١٩٣٩م أمام لوحة ليوناردو الأصلية. والمعروف أن متحف اللوفر يحتفظ باللوحة الخالدة، ولا أدري إن كانت قد وُجِدت قبل ذلك في جنوا.

«موناليزا»

قديمًا كانت ترتفع الكنائس.
اليوم تتبجَّح المداخن.
بخطًى عمياء
يتابع الزمن مسيره.
كم سار فوق لهيب الصحاري،
وجبال الثلج،
فوق الأفيال المنقرضة والأشجار الضخمة.
من أحسَّها واستكنه سرها
في أعماق روحه،
استشعر الحكمة،
وواجه كل الكلمات،
وكل الأعمال بابتسامته،
فما عاد شيء يفزعه.
في ساعة الموت
ينفذ من الباب.
هي التي أحسَّت به،
بالخالد الذي لا يتبدل،
بروحه الأبدية،
ترجع إلى موطنها
وعلى شفتَيها بسمة.

(٨) توماس مكجريفي (Thomas Mcgreevy)

وُلد الشاعر الأيرلندي سنة ١٨٩٣م في كونتي كيري، وهو ناقد فني يقوم بالتدريس في المتحف الوطني بلندن وفي جامعة باريس. نشر مجموعات شعريةً ودراسات في الفنون التشكيلية، وظهرت قصيدته عن الجيوكوندا في كتاب «ألف عام من الشعر الأيرلندي» الذي نشره الأستاذ ك. هوجلاند في نيويورك، ١٩٦٢م، ص٧٠٦.

«جيوكوندا»

منحدرات الجبل من الماء الفضي الثائر،
أسفل،
حول الجبل،
وعَبرَه،
حول جذوع الشجر الناصعة البيضاء،
أبعد، أبعد ممَّا تُدركه العين الحساسة،
وعلى جنبات الوادي ووراءه،
في كل مكان،
ينحدر الماء الفضي الهادر!
السحب الزرقاء،
الداكنة اللون
— صُبغت منها الأطراف بماء الورد
ووُضعت داخل أطر فضية —
تتأمَّل هذا الكون.
توقَّفت الشمس
فلم تشرق
أو تغرب،
لم تهتمَّ بما ينشغل به الساسة.
الأعراف البيضاء انتفضت
كالزبد الطائر،
وأفاعٍ زُرق قد ذابت
في فتحة بسمة،
تلمع لمعان الماسة.

(٩) كورت توخولسكي (Kurt Tucholsky) (١٨٩٠–١٩٣٥م)

كاتب ألماني لاذع السخرية، انحدر من أصل يهودي. وُلد في برلين، ومات منتحرًا في بلدة هنداس بالسويد. أتمَّ دراسة الحقوق ثم اشتغل بالصحافة، وقضى معظم سنوات حياته بعد ١٩٢٤م في باريس قبل أن ينتقل نهائيًّا إلى السويد سنة ١٩٢٩م. نشر قصصًا قصيرة ولوحات مريرة السخرية بالحياة «البرجوازية» في ألمانيا، وأشعارًا، ومسرحية واحدة. ظهرت قصيدته عن الموناليزا في الجزء الثاني من مؤلفاته الكاملة التي صدرت لدى الناشر روفولت سنة ١٩٦٠م، ص١٣٢٢.

يعلِّق ناقد أدبي ذائع الصيت «وهو هانز ماير» على هذه القصيدة فيقول: «هذه القصيدة المشهورة عن الموناليزا قصيدة متشائمة على طريقة شوبنهور، وهي تريد أن تقول: مرَّ على هذا العالم مرَّ الكرام، فهو عدم …»

«الموناليزا»

لا أملك أن أُحوِّل نظراتي عنك؛
لأنك مُعَلَّقة فوق الرجل الموكَّل بحراستك،
وقد شبَّكتِ يدَيك الناعمتَين،
ورحتِ تبتسمين في سخرية.
أنت مشهورة شهرة ذلك البرج في بيزا،
وابتسامتك تُؤْخَذ مأخذ الدعابة.
أجل … لماذا تضحك الموناليزا؟
هل ضحك علينا، بسببنا، على الرغم منا، معنا،
— ضدنا — أم ماذا؟!
أنت تُعلميننا في هدوء ما ينبغي أن يحدث؛
لأن صورتك، يا ليزا الصغيرة، تقول:
من خبر هذا العالم خبرةً كافية،
فلا بد من أن يبتسم،
وأن يضع يدَيه على بطنه ويسكت.

(١٠) بيرتة آرنباك (Birta Arnback) (١٩٢٣م–…)

وُلدت الشاعرة الدنماركية في بلدة ليزالند بالقرب من مدينة فيبورج. كان أبوها من عمال الغابات. نشرت عدة مجموعات شعرية وقصصية. كتبت هذه القصيدة عن الموناليزا في سنة ١٩٥٥م.

«موناليزا»

عذب هذا كله، ما أحمله في نفسي،
كل ما لا ترين وما لا يعنيك.
في غرفة كياني أحتفظ بكنوز،
ميراثي، مرابع ذكرياتي
عن كل ما لقيته في حياتي،
ودائمًا، عندما تريدين أن تعرفي،
عندما تلمسين شعري، وتقبِّلين يدي، وتخاطبينني باسمي،
ألزم صمتي، ألزم صمتي،
هذا هو مينائي الآمن.
أتكتم حقيقتي، أنغلق على نفسي.
لكن لا أقصد من ذلك شرًّا، أليس كذلك؟
إني أصمت مرتاحة البال، أصمت صمتًا عذبًا،
صمتًا أشعر معه بالراحة والاطمئنان،
ثم لا أكاد أشعر
بأنني أبتسم …

(١١) بيتر سبان (Peter Spann) (١٨٨٢–١٩٤٨م)

شاعر ومؤلف موسيقي هولندي. وُلد بمدينة ليدن ومات في مدينة نيس. كتب قصيدته عن الموناليزا سنة ١٩١٧م، ونُشرت في ديوانه «التمجيد» الذي صدر في أمستردام سنة ١٩٦١م، ص١٣.

«الجيوكوندا»

مُفْعَمَة تبدو الألوان
بنور الفجر،
التعبير بلا حد،
أو إن جاز القول
بلا رحمة.
الكفان الناعمتان،
الجسد الرائع والصدر،
تنتفخ من الحب،
في الخفية بلد السحر …

(١٢) برونو ستيفان شيرر (١٩٢٩–…)

وُلد الشاعر الألماني في مدينة جريتسنباخ، ودرس الأدب وتاريخ الفن. وهو راهب بنيديكتيني وأستاذ في المعهد الثانوي بمدينة ألتدورف. ظهرت له تسع مجموعات شعرية. وقد نُشِرت قصيدته عن الموناليزا في ديوان له بعنوان: «صورة واستعارة» صدر سنة ١٩٧١م عن دار نشر ركس في لوزيرن وميونيخ، ص٢٨. ومع أن القصيدة قد كُتبت سنة ١٩٧٠م، إلا أن الشاعر يؤكد أن تجربتها ترجع إلى أكثر من عشر سنوات عندما عايش اللوحة المشهورة أثناء زيارته لمتحف اللوفر سنة ١٩٥٩م، كما سبق هذه التجربة الحية اهتمامه باللوحة وملاحظاته التي دوَّنها عنها وعن دافنشي قبل ذلك بسنوات …

«المرأة، لوحة دافنشي الموناليزا»

ينبثق بريق العينَين
من الأعماق الذهبية،
نبع الأبدية.
ويغطِّي الشعر قناع؛
امرأة، وعروس، وبتول الرب.
واليد ترتاح على اليد.
تتنفَّس في حر الظهر
أفراح الورد،
والبسمة فوق الشفة وفوق الخد.
أنا أعرفك، عرفتك دومًا
وتحدَّثتِ إليَّ،
من قصص الليلة وليال ألف.
حطَّمت جمود الجسد
نسيجَ الكذب،
أحَلْت فتونَ الحس،
سعار النفس،
لعبث اللذة والمجد،
صلاةً رتلها القلب وسبح بالحمد،
للمنعم أوفى بالعهد.
وكذلك أنت عرفت،
وما غابت أسراري عنك.
في نهر جمال الأرض،
يتدفَّق دمك ويسري فيَّ،
يتغلغل نفسك في أنفاسي.
أبكي، يعروك الصمت،
تصغين على باب الروح،
وتأتين لبيتي ومكاني
معك هداياك؛ النور مع الموسيقى.
أتنادين عليَّ؟
وتنتظرين جوابًا:
أنت المرأة
سر الأزل المطوي.
١  هي أم هيلينا التي اشتعلت بسببها حرب طروادة، وزوجة تيندا رويس ملك اسبرطة. يُقال إن زيوس تَشَكَّل في هيئة بجعة وأغواها، فأنجبت منه ولدَيه التوأمَين كاستور وبوليدويكيس. وصوَّرها عدد كبير من الفنانين منذ العصور القديمة بينهم تيموثيوس ودافنشي وغيرهما.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤