الفصل الرابع

قضى أبو فراس ليلته مضطربًا أرقًا، وكان دقيق الحسِّ، بعيد مرمى الخيال، فأخذ يصوِّر له الوهم صورًا لهذا الوجه الباسم الوضَّاح، ويذهب به في طرق كثيرة الشُّعب، بعيدة المسالك: فمرة يرى نفسه وهو أمام هذه الفتاة يمدُّ يده لخطبتها وهي عنه معرِضة عَزُوف،١ لا تجيب بكلمة، حتى إذا برمت به تمشَّت نافرة في خفر وحياء، كأن أمرًا منه لا يعنيها، وكأن حديثه الطويل لم يوجِّه إليها. ومرة يلقاها لا تزال باسمة، فما يكاد ينبس بكلمة حتى تبادله الحديث في وداعة ورفق وأدب. ثم يعود إليه عقله فيجلس جلسة المفكِّر الرزين، ويسائل نفسه هامسًا: من هي؟ ومن تكون؟ إن كانت زوج الحسين الجوهري، فلا برحت دوني عليها ستور! ومتى استساغ كرم محتدي أن ينال بالنظر زوجًا كيفما بلغ بها الجمال؟ إن كانت إياها فيا لكمدي، ويا لحسرتي!
حقًّا لقد قضيت، وماتت آمالي، وذهب شبابي الذي كنت أعدُّه لعظائم الأمور بددًا. ويح لك يا أبا فراس، وقاتل الله تلك الساعة المشئومة! وقاتل الله تلك العجوز الورهاء٢ التي جرَّتك إلى حتفك، وقضت بالفناء على صباك، وأمانيِّ صباك! ألم أعزم منذ شهر على الذَّهاب إلى حلب والإقامة في كنف سيف الدولة ابن عمي وزوج أختي، لأحمل عنه نصيبًا من أعبائه، ولأجرِّد سيفي لنصرته في غزواته لعصاة العرب والروم؟ إنني لو فعلت لعشت حياتي خاليًا هانئًا سعيدًا. ولكن أهي حقًّا زوج الحسين الجوهري؟ لقد سمعته يقول: إن سلمى خادم أخت زوجه، فلعل ذلك الوجه يكون وجه تلك الأخت، فإن الله أرحم بي من أن يصرعني هذا المصرع، ويقضي على أملي هذا القضاء، وهو يعلم أن تلك النظرة العابرة الغافلة لم ترسلها عيني ولها رغبة في الإثم، أو قصد إلى المنكر، وإنما هي رمية لم أشدَّ لها وترًا، ولم أصوِّب فيها إلى هدف.

سبحانك اللهم يا رب؛ آمنت بقضائك؛ وآمنت بقدرك؛ ولكن لنا نفوسًا ضعيفة لا تحتمل هذا القضاء، ولا تستطيع الفرار من ذلك القدر. ثم رفع رأسه كما يرتفع رأس الغريق وقد غمره الماء، وهو يقول: ولكنها ليست زوج الحسين، وإنما هي أختها. إنها ابتسمت لي ابتسامة كلها نقاء وطهر. ثم وثب من الفرح صائحًا: حقًّا إنها ليست زوج الحسين، وحقًّا إنها أختها، فما أعظم سروري! وما أعظم هنائي وسعادتي! الآن أستطيع أن أرغب، وأستطيع أن أرجو، وأستطيع أن أكون رجلًا له في الحياة آمال. ولكن ما اسمها؟ لقد سمعت الحسين يذكره، إنه اسم حلو كصاحبته، لعله: هيفاء؟ لا، غيداء؟ إنه ينتهي بألف ممدودة، ها، لقد وجدته: نجلاء، نجلاء. إن اسمها نجلاء. ما أجمل الاسم! وما أجمل المسمَّى! حقًّا إنها نجلاء.

هكذا كان يقضي أبو الفراس ليله في خيال وتفكير، فلما طرقه النعاس دنِفًا٣ مكدودًا في الهزيع الأخير من الليل، لم ترحمه الأحلام. فقد رأى فيما يرى النائم أنه في غابة شجراء٤ كثيرة الشوك والقتاد، أدمى المشي فيها قدميه وأجهده، رأى عن بعد شجرة سامقة، حاول الوصول إليها، فلما قرب منها رأى بها كثيرًا من الأزهار، فمالت نفسه إلى اقتطاف أجمل زهراتها، فتسلَّق الشجرة وكانت صعبة المُرتقى، ونظر في الأزهار فإذا هي وجوه رائعة الحسن، يجري فيها ماء النضارة والشباب، ولكنه لم يجد فيها وجهًا يشبه وجه نجلاء، فاستمر في الصعود والتسلق، فإذا وجه يشرق عليه من عَذَبَة٥ غصن بعيد المنال، فتأمل وحدَّق فإذا هو وجه نجلاء فطارت نفسه إليه شوقًا، ووثب إلى الغصن؛ ولكن الغصن هوى بجسمه؛ وجعل يذهب ويجيء به في الهواء، وهو قابض عليه لا يُفلته، والزهرة تنظر إليه وتبتسم، حتى إذا استنجد بقوته، مدَّ إلى الزهرة يدًا فاقتطفها، وهي تقهقه بصوت عالٍ أيقظه من رقاده، فنظر، فإذا سيف الفجر يلمع في الأفق، وإذا الديكة تصيح مستبشرة ببزوغ الصباح، فنهض من فراشه، وقد أعادت الرؤيا إلى نفسه شيئًا من الأمل، ورأى أن حُسن الطالع قد هَيَّأَ له من حادثة العجوز وسيلة لزيارتها والاطمئنان على حالها، وأن هذه الزيارات قد تمهِّد له السبيل إلى رؤية نجلاء، والتعرف إلى أهلها ثم خِطبتها منهم. وذهب أبو فراس إلى دار الحسين الجوهري فقابله أحد الخدم لدى الباب، وأخبره أن سلمى بالطبقة الأولى من الدار، ثم سار أمامه ليصل به إليها.

فلما دخل الحجرة حيَّاها وجلس إلى جانب سريرها، وأخذ يسأل عن حالها، ويسرِّي عنها ويتألم لما أصابها، وكانت قد استردَّت صحتها فأخذت تهوِّن عليه الأمر وتحدثه بكثير من أخبار حلب، وبينما هما يتجاذبان القول إذا نجلاء تدخل فجأة، ولم يكن يخطر ببالها أن إنسانًا غريبًا يزور سلمى في هذا الصباح الباكر. دخلت وهي تصيح: كيف حالك اليوم يا سلمى؟ فلما لمحت أبا فراس ذهلت، ووقفت مكانها لا تريم، كأن المفاجأة عقدت رجليها إلى الأرض، حتى إذا أفاقت من هجمة الدهشة دارت نحو الباب في ذعر تتلمس الفرار، ولكن سلمى صاحت بها: على رسلك يا سيدتي، إنه الأمير أبو فراس ابن عم أميرنا سيف الدولة، وهو شاعر عبقري الخيال، وطالما حدثك عنه الناشئ الأصغر أستاذه ومعلمه، وطالما ألححت عليه أن يكتب لك أشعاره، وأنت يا سيدتي أديبة شاعرة تجالسين كبار الشعراء والأدباء، وقد كانت فُضْلَيَاتُ النساء في الصدر الأول لا يَرَيْنَ من حرج في حضور مجالس العلم والأدب، وكان منهن المحدِّثات والفقيهات والأديبات والشاعرات. فالتفتت نجلاء في تردد وقالت في صوت خافت يتعثر بالحياء: الأمير أبو فراس الشاعر؟ وكان أبو فراس واقفًا فتقدَّم نحوها في تردُّد وخشية وقال: نعم يا سيدتي أنا أبو فراس الشاعر، وقد آنَ لي الآن أن أزهى بشعري وأعتزَّ به؛ لأنه نال استحسان خير الأديبات الشاعرات. فخطت نحوه نجلاء في خجل وأدب وقالت: سألتك بالله يا سيدي أن تجلس فإني كنت في شوق إلى سماع شعرك وقد يطول بنا الحديث. أترى بأسًا من أن أكون راويتك؟

– إن شعري يشرف يا سيدتي بأن تكوني له راوية.

فقالت: لقد كنت راويتك قبل أن نلتقي. ثم تمكنت في جلستها وقالت في وقار: حدثنا أبو الحُصين الرَّقي، عن جعفر بن ورقاء، عن أبي فراس بن سعيد أنه قال:

إنَّا إذا اشتد الزما
ن، وجار خطب وادْلَهَمّْ
ألفيت حول بيوتنا
عدد الشجاعة والكرمْ
للقا العدا بيض السيو
ف، وللندى حمر النَّعَمْ٦
هذا وهذا دأبنا
يودَى دم ويراق دَمْ٧

وقال:

لقد علمت سراةُ الحي أَنَّا
لنا الجبلُ الممنَّع جانباهُ
يفيء الراغبون إلى ذراهُ
ويأوي الخائفون إلى حماهُ

وحدَّثت عنه أنه يقول:

إذا خُلق الأنام لحثِّ كأسٍ
ومزمار وطنبور وعودِ
فلم يُخلق بنو حمدان إلا
لمجد أو لبأس أو لجودِ

ويقول:

علونا جيشنا بأشدَّ منهُ
وأثبت عند مشتجر الرماحِ
بجيشٍ جاش بالفرسان حتى
ظننتُ البرَّ بحرًا من سلاحِ
وألسنة من العذبات حمر
تخاطبنا بأفواه الرياحِ٨
وأروعَ جيشه ليل بهيمٌ
وغرته عمود للصباحِ
صفوح عند قدرته كريمٌ
قليل الصفح ما بين الصفاحِ٩
وكان ثباتُه للقلب قلبًا
وهيبته جناحًا للجناحِ

ثم ابتسمت وقالت: أهذه الرواية صحيحة؟

فقال أبو فراس: الرواية صحيحة، غير أن حسن إلقائك يا سيدتي زاد في شعري كثيرًا لم يكن فيه، هل تروين أبياتًا أخرى؟

فأعادت جلسة الوقار وقالت: حدثنا أبو زهير بن حمدان، عن الناشئ الأصغر، عن أبي فراس أنه قال:

يا ليلة لستُ أنسى طيبَها أبدًا
كأنَّ كلَّ سرورٍ حاضر فيها
باتت وبتُّ وبات الزِّق ثالثَنا
حتى الصباح تسقِّيني وأسقيها
كأن سود عناقيد بلمَّتها
أهدت سلافتُها خمرًا إلى فيها

ثم قالت وهي تبتسم: أحقيقة كانت هذه الليلة أم خيالًا؟

– كانت خيال شاعر يا سيدتي، والشعراء يتَّبعهم الغاوون، ألم تريْ أنهم في كلِّ واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون؟

– هذه حيلة يا سيدي يلجأ إليها كل شاعر.

– إنني يا سيدتي لم أجد في ماضي أيامي من تصلح لأنْ تكون شريكة حياتي، وما زلت عصفورًا حائرًا يسبح في الجوِّ باحثًا عن إلف.

وفي هذه اللحظة صاحت سلمى الماكرة صيحة ارتجَّت لها أرجاء الحجرة، وأخذت تشكو آلام ساقها في تصنُّع متقن، وأنَّات تتقطع لها نياط القلوب. ففزعت نجلاء، وأخذ أبو فراس يهدئ من نفس العجوز في حنان ورفق، ويدعوها إلى الصبر والجَلَد، وهي تتململ وتكتم أنفاسها بواسدتها، ولم تسكن إلا بعد أن كادت تنفد الحيل في إعادتها إلى الهدوء، وعند ذلك هم أبو فراس بالانصراف بعد أن ودَّع نجلاء وحيَّا العجوز.

وتوالت زيارات أبي فراس، وتوالت المقابلات، وزال شيء من الكلفة بين الصديقين. وبينما كان في ذات يوم يزور سلمى إذ قابلته نجلاء مستبشرة وهي تقول: لقد أوشكت سلمى أن تُشفى، فأطرق في خجل وقال: ليتني أشفى كما شُفيت! فذعرت نجلاء وقالت في صوت رقيق: أأنت مريض حقًّا يا سيدي؟

– نعم مريض يا فتاتي، ولكنَّ مرضي لا يعرفه الأطباء، إنه المرض الذي أصيب به قبلي قيس بن الملوَّح وجميل بن مَعْمَر.

فابتسمت نجلاء وقالت: أظنك تمزح يا سيدي.

– لست أمزح يا نجلاء، إنه الحب الطاهر الشريف.

– أرجو أن توفق إلى لقاء من تحب.

– إنه أمامي وفي يدي لو كُتبت لي السعادة وباركتني ملائكة السماء، فاحمرَّ وجه نجلاء من الخجل، وأطرقت في صمت وحيرة، وأسرع أبو فراس يقول: سيدتي! إن رجائي أن تومئي إيماءة تدل على القبول، كل ما أطلبه يا سيدتي أن أنال الرضا بأن أكون لك بعلًا. فابتسمت نجلاء ابتسامة واهنة فَهِم منها أبو فراس رضاها فصاح: أنت يا سيدتي حياتي، وريحانة روحي، ومطمح آمالي، إنني سأكون أسعد زوج طلعت عليه الشمس.

وبعد أن تنقَّلا في ضروب شتى من الأحاديث، ودَّعها وانصرف، وهو يظن أنه ملك الخافقين، وسما فوق مناط الفرقدين.

وذهبت نجلاء إلى أختها فحدثتها بخطبة أبي فراس، وأخذت تطريه وتشيد بصفاته ورفيع أدبه، وكلما بلغت الغاية في المديح عادت أدراجها لتبتدئ من جديد، وفاطمة منصتة جذلة لسرور أختها. وبعد أن استمعت طويلًا رفعت رأسها وقالت: وهل تقدم لخطبتك أحد في حلب يا نجلاء؟

– كثير يا أختي، ولكني استطعت أن أدفعهم عني جميعًا، إلا فتى يسمونه قرعويه، وهو فارسي المنبت، له بحلب أعظم نفوذ وأكبر صولة؛ لأنه غلام سيف الدولة الأثير عنده، وهو من كبار قواده، ولا يعوزه شيء مما يزدان به الرجال من بسطة في الجسم ووسامة في الوجه وشجاعة في الميدان، ولكنه يطوي بين جوانحه نفسًا تتوق إلى الشرِّ، ويُخفي وراء بسماته كل معاني الختل والخديعة. هذا الفتى لا يمل من الإلحاح في خطبتي ولا يسأم من طول المطل والتسويف، فهو غريم مثابر مصمم، يظن أن الحب ميدان قتال يجب أن يكسب فيه المعركة، وألا يتحدث الناس بفراره منه كيفما بلغ به اليأس. وقد كنت أستطيع أن أغلق بابي دونه، أو أزيد في التنكر له، لولا شدةُ اتصاله بسيف الدولة وخوفي من مكره ومحاله.١٠ والحق أن أكبر ما دفعني إلى زيارة منبج إنما هو لأراكِ ولأن أفرَّ منه.

وقطع الحديث عليهما دخول حسين الجوهري، الذي لم يلبث بعد الغداء وبعد أن استمع إلى زوجته طويلًا، أن خرج مسرعًا لدعوة أبي فراس إلى الطعام في الغد، تقديرًا لتفضله بزيارة داره.

وهكذا صحَّ تدبير فاطمة، وهكذا توالت الأيام، وتوالت معها زيارات أبي فراس لنجلاء، وهما في كل زيارة يتحدثان عما ينتظرهما من هناءة في ظل زواج سعيد.

وفي ذات يوم دعا حسين الجوهري أبا فراس للصيد في ضيعة له بأحد أرباض المدينة، وكانت سبقتهما إليها نجلاء وفاطمة وطائفة من العبيد والخدم فقضى أبو فراس أيامًا هنيئة في اللهو والصيد والتمتع بنشوة الحب إلى جانب نجلاء دون رقيب أو حسيب. وبينما هما في صبيحة يوم يركضان بجواديهما خلف غزال؛ إذ لمحت نجلاء شبح فارس عن بعد يظهر ثم يختفي خلف الآكام في هيئة المريب المتجسس، فتركت مطاردة الغزال، وأرخت العنان لفرسها فانطلق كأنه لمحة البرق، ودارت بجوادها حتى لا يظن الفارس أنها تقصده، حتى إذا صارت على كثب منه، وأبصرت صفحة وجهه، انقبض صدرها، ولمع الغيظ في عينيها، وتمتمت بكلمات كلها سخط على النذالة والأنذال. ثم عادت أدراجها فلحقت بأبي فراس والغضب لا يزال يضطرم في وجهها. فدَهش وأخذ يسأل عن سبب انصرافها عنه وعما يبدو في وجهها من غيظ وألم، فسكتت برهة، ثم رفعت وجهها إليه قائلة: إن الله خلق فريقًا من الناس يوم خلق الأفاعي. وإن بعض الناس لا يُستطاع الفرار من كيدهم وخبثهم ولو سكنا فوق متن الهواء، وعشنا في قرارة الماء. وهم كالموت يدركوننا أينما كنا ولو كنا في بروج مشيَّدة.

– ما هذا التهويل يا سيدتي؟

– قد يكون تهويلًا، ولكني لا أحب الدناءة، ولا أتحمل الأدنياء.

– لقد أفزعتني يا نجلاء، فبالله عليك إلا ما صرَّحت!

– رأيت فارسًا عن بُعد يظهر ويختفي، فعدوت بجوادي من ورائه حتى أقرب منه بحيث لا يراني، فلما دنوت منه عرفت أنه فهد غلام قرعويه.

– قرعويه غلام سيف الدولة وقائد جيوشه؟ وما شأن هذا في أن تنالكم هذه الثورة من الغضب التي كادت تكدر صفاء هذا الوجه اللؤلؤي؟

– لن أكتمك شيئًا يا سيدي. إن قرعويه هذا يطاردني في حلب، ويلحُّ في خطبتي، وكأنه لم يرد أن يتركني أيامًا أتمتع فيها بلذة نسيانه، فأرسل غلامه ليتجسَّس عليَّ، ويكدر صفو حياتي بذكره.

– وهل قرعويه هذا من النفوذ والصولة بحيث ترهبينه وتلجئين إلى مصانعته؟

– له من المكانة عند سيف الدولة فوق ما يتخيل المتخيلون، ثم هو ماكر ختَّال، يلبس لمصارعة الأسود إهاب الثعلب.

– هوِّني عليك يا سيدتي، فإن في سيف حبيبك مصرع الأسود والثعالب، ثم أخذ يفاكهها ويهوِّن عليها الأمر حتى ضحكت، وحملت الريح رنين ضحكها عذبًا حلو النغم فامتزج بتغريد الطيور.

ولما قرب أبو فراس من الخيام لمح أسامة خادمه وهو ينزل عن فرسه، فأسرع إليه وسأله عن سبب قدومه، فأخبره بأن رسالة عاجلة جاءت من سيف الدولة لدعوته إلى حلب دون أن يعوِّق. وهنا التفت أبو فراس إلى نجلاء حزينًا كاسفًا، والدمع يكاد يثب من عينيه وقال: هكذا الدنيا لا يتم بها سرور، فأجابته: لا، لا، إن الدنيا كلها سرور، سر إلى ابن عمك غدًا وستراني قريبًا في حلب. إن الفرقدين لا يفترقان.

١  عزوف: صفة من عزفت نفسه عن الشيء، إذا زهدت فيه وانصرفت عنه، وملَّتْه.
٢  ورهاء: حمقاء، ناقصة العقل.
٣  الدنف: المريض.
٤  شجراء: ملتفة الشجر.
٥  عذبة الغصن: طرفه.
٦  حمر النعم: أجود الإبل وأثمنها.
٧  الدأب: الشأن والعادة. يودَى دم: يسيل في الحروب. يراق دم: ينهمر عند ذبح الإبل.
٨  العذبات: المراد الرايات.
٩  صفحة الشيء: جانبه، وجمعها صفاح، ويراد بالصفاح السيوف.
١٠  المحال: المقدرة والدهاء، من الحول والحيلة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤