فهود الصحراء!

انطلق صوتُ تنبيهٍ سَمِعه كلٌّ من «أحمد» و«عثمان» … فعرَف أن هناك مَن يطلب «أحمد»، فأغلق «عثمان» تليفونه، وضغط «أحمد» زرًّا فاستقبل المكالمة … وقد كان «البيرق» فقرَّر ألَّا يُخبرَه بأمر الأسطوانة حتى يعرفَ ما لديه فانطلق «البيرق» يقول: آسف سيد «أحمد»؛ فقد حدث خطأٌ جسيم …

تظاهر «أحمد» أنه لا يعرف وقال له: أي خطأ سيد «بيرق»؟

البيرق: هناك شريحة كان يجب أن تتسلَّمَها.

أحمد: بماذا تُفيدني هذه الشريحة؟

البيرق: إنَّ عليها حلَّ شفرة الأسطوانة المدمجة.

أحمد: تقصد أن هذه الرموز والإشارات التي رأيتها هي معلومات مشفرة؟

البيرق: حلُّ شفرتها على هذه الشريحة …

أحمد: هل آتي الآن لآخذَها؟

البيرق: أنا الآن في طريقي إلى «باريس».

أحمد: كيف حدث هذا؟!

تلعثم «البيرق» … وتمتم ببعض الكلمات غير المفهومة ثم تلاشى صوتُه وحلَّ بدلًا منه صفيرٌ متقطع دليل على انقطاع الاتصال.

اندهش «أحمد» لما يجري … وقام بطلب رقم «صفر» … وقبل أن يُجيبَه … سَمِع إشاراتٍ على الخط تُعلنه أن هناك مَن يطلبه … وكان ينتظر اتصال «البيرق» مرة أخرى … فضغط زرَّ الاستجابة … فسَمِع «البيرق» يقول له: سيد «أحمد»، لا تقاطعني أرجوك … أنا الآن أُحادثك من دورة مياه الطائرة … التي ستُقلع بعد دقائق في طريقها إلى «باريس»، وبالباب يقف رجلان مسلحان بأسلحة بيولوجية لا يمكن لأجهزة أمن المطار اكتشافها … وهذا الرجلان من جماعة «فهود الصحراء» المتمردة … وبالطبع عرفت الآن أني مختطَف … الشريحة ما زالت لديَّ … وسأتصل بك مرة أخرى لنتفق على كيفية تسليمها لك.

انقطع الاتصال وكان «أحمد» قد امتطَى الطريقَ الدائري منذ دقائق، واقترب من منزل ميدان «الرماية»، فأطلق العنان للسيارة … وقام بالاتصال بزملائه في المقر السري … وطلب منهم الاستعدادَ لعقد اجتماعٍ عاجلٍ بمجرد وصوله … ولم يكَد يُنهي المكالمة … حتى كان يدور حول صينية ميدان «الرماية»، ولم يكَد زملاؤه يُعلنون استعدادَهم للاجتماع حتى كان بينهم … يُلقي عليهم تحيةَ المساء. فعلَّقَت «ريما» قائلة: قُل صباح الخير؛ فنحن الآن في الثالثة من صباح يوم جديد.

اتخذ «أحمد» مقعدَه حول المائدة المستديرة العملاقة … وانشغل بطلب رقم «صفر» على تليفونه المحمول … ثم عاد وأغلقه … وانتبهَ إليهم قائلًا: هناك قرارٌ مهمٌّ وعاجلٌ جدًّا يجب الوصول إليه الآن.

وعنهم جميعًا تحدَّثَت «إلهام» قائلة: نحن نسمعك …

أحمد: تعرفون «البيرق» طبعًا …

ريما: ما نعرفه أنه رجلُ أمنٍ مرموق في إحدى الدول العربية.

أحمد: لقد أوفده رئيسُ المجموعة لطلب المساعدة في تأمين حياته؛ حيث إن هناك خطةً تُدبَّر لاغتياله من قِبَل جماعة «فهود الصحراء» … وهم يقومون بهذه العملية طواعيةً لصالح العمال المطرودين!

إلهام: وهل كلُّ الأجهزة الأمنية في بلده عجزَت عن حمايته حتى يلجأَ لنا؟

أحمد: لقد فقد الثقة في الجميع … فعملية الاغتيال لها بديل … وهو إشعال الحرائق في كلِّ مصانع المجموعة، هذا أنَّ مَن لا يشترك سيخسر فرصة عظيمة إذا ما نجحَت هذه المحاولة.

عثمان: بالطبع فرصة عظيمة للحصول على نصيب من الكعكة!

ريما: تقصد منصب!

أحمد: أو أملاك أو غيره! المهم الآن أنني ودَّعت الرجل وتركته حيث يُقيم في فندق «سميراميس» … فاتصل بي منذ قليل، وأخبرني أن المتمردين اختطفوه … وأنه يُحادثني من الطائرة التي ستُقلع بعد قليل متجهة إلى «باريس».

إلهام: أشمُّ رائحة عملية جديدة.

بو عمير: لم يَعُد هناك وقتٌ لهذه العملية.

نظر له «أحمد» مستفسرًا ثم قال: ماذا تقصد؟!

بو عمير: أقصد أن عملية تحرير «البيرق» من أيدي المتمردين والقبض عليهم كانت تتطلَّب أن نكون معه على الطائرة كركاب … أما الآن فليس أمامنا إلا انتظار الطائرة في مطار «شارل ديجول»، والقيام بعملية عسكرية لتخليصه، وهذا سيعرِّضنا لمشاكل جمَّة في المطار … وسيُسيء للعلاقة بين الدولتين.

أحمد: معك حقٌّ … ولكن هناك خطة أخرى.

وهنا لم يقوَ «عثمان» على الانتظار، وانطلق يقول: ننتظرهم خارج المطار ونتبعهم حتى نصلَ إلى كل رجالهم في «فرنسا».

ريما: هذا إذا كان لهم في «فرنسا» رجال …

نظر لها «عثمان» شذرًا … فتدخَّل «أحمد» قائلًا: ولكن هذا قد يعرِّض الرجل للخطر.

تدخَّل «قيس» قائلًا: يا صديقي العزيز؛ كلُّ عملية لها مخاطرها وضحاياها.

أحمد: لكن هذا الرجل أهم ما في العملية … لأننا معه سنتمكن من إنقاذ الرئيس وإحباط عملية التدمير.

إلهام: لذلك أرى أن نُنقذه هو أولًا …

وهنا رفع «أحمد» كلتا يديه وقال لهم: إذن توافقون على القيام بعملية لإنقاذ «البيرق»؟

رفع الجميعُ أيديَهم وقالوا: نعم نوافق!

فقال «أحمد» وهو يضغط على زرٍّ بالمحمول: سأتصل برقم «صفر» لإبلاغه بما وصلنا إليه وأعرف قراره.

في السادسة صباحًا كان كلٌّ من «أحمد» و«بو عمير» و«إلهام» و«زبيدة» قد دخلوا صالةَ السفر رقم واحد في مطار «القاهرة الدولي» … يحملون جوازات سفر تحوي أسماءً مستعارة. فقد كان اسم «أحمد» المدوَّن في الجواز هو «شوكت الملظ» طالب دراسات عليا في كلية الاقتصاد … أما «بو عمير» فقد احتفظ باسمه، أما المهنة فكانت أيضًا طالبَ دراسات عليا ومعيدًا في نفس الكلية. أما «إلهام» فقد حملَت اسمَ «ثريا»، و«ريما» اسمَ «داليا»، وهما أيضًا طالبتان في الدراسات العليا في نفس الجامعة، ولكن في كلية الآداب قسم تاريخ.

وقف الزملاء أمام ضابط الجوازات الذي أخذ يقلِّب في جوازات سفرهم، ثم سألهم عن أسمائهم وسبب زيارتهم «فرنسا».

وقد كانت إجابتُهم جميعًا هي زيارة جامعة «السوربون» لغرضٍ بحثيٍّ صرف.

وضع الضابط الأختامَ فوق الجوازات وأعادها لهم … فسألوه عن الأبواب المخصصة لركاب الطائرة «فرنسا» وبعد أن دلَّهم عليها … عادوا فاتخذوا مقاعدَ في قاعة الانتظار … وظلوا جالسين حتى نُوديَ على ركاب الطائرة المسافرة إلى «فرنسا» في تمام الساعة السادسة والنصف … فغادروا الصالة وتوجَّهوا إلى الطائرة.

ما إن صَعِد الشياطين إلى الطائرة … حتى قادَتهم مضيفةٌ حسناء إلى مقاعدهم، وكانوا يتصرَّفون وكأنهم يُسافرون لأول مرة … لماذا؟

  • أولًا: لأن العمليةَ التي يتصدُّون لها هي عمليةُ قلبِ تفجيرٍ شامل في أكثر من مكان … أي من الممكن أن يكون لهؤلاء المتمردين عملاء في كلِّ دول العالم … وعليهم أن يكونوا بعيدين تمامًا عن دائرة الشك.
  • ثانيًا: هذه المقابلة التي تمَّت بين «البيرق» و«أحمد» في فندق «سميراميس» … والأخطر أن اختطافَ «البيرق» تم بعد هذه المقابلة بقليل.

أخيرًا دارَت محركاتُ الطائرة … وربط الجميعُ أحزمتَهم عدا «أحمد» الذي مثَّل أن عملية ربط الحزام سبَّبَت له مشكلةً عويصة … أنقذَته منها المضيفة الحسناء … فقد أمسكَت بالحزام وقالت له أثناءَ اقترابِ فمِها من أُذُنِه: رقم «صفر» على الطائرة … انتفض «أحمد» ليقف … فمنعه الحزام من الحركة … فأمسك بيدِ المضيفة التي لم تكن قد ابتعدَت بعدُ … وجذبها فانحنَت تُعطيه أُذُنَها … فقال لها: أين هو؟!

فهزَّت رأسَها نافيةً وقالت له: أنا لا أعرفه …

أحمد: وكيف عرفت أنه هنا؟!

المضيفة: من إدارة المنظمة.

أحمد: وهل هناك عملاء غيرك على الطائرة؟

المضيفة: نعم … ولكنني المكلَّفة بالاتصال بكم.

استوَت الطائرة في السماء … وفكَّ الجميعُ أحزمتَهم … ووجدها «أحمد» فرصةً ليبحثَ عن رقم «صفر» وهو يعرف أنه سيحصل عليه … فهو رجلٌ غيرُ عادي … وسيكون مختلفًا كثيرًا عمَّن حوله … بل ومميزًا … غير أن المضيفة انحنَت عليه وأسرَّت له ببعض الكلمات لَزِم بعدها مقعدَه ولم يغادره … فماذا قالت له؟!

لقد مال «بو عمير» عليه، وسأله نفسَ السؤال … فقال له: غير مسموح لنا بمغادرة مقاعدنا …

نطر له «بو عمير» مندهشًا للحظات ثم قال له: أوامر مَن هذه؟!

كان صوتُه عاليًا حين سأل هذا السؤال … فنبَّهه «أحمد» لذلك بإشارة من يده وقال له: أوامر المنظمة …

بو عمير: ومن الذي أخبرك بهذا؟ هل هذه المضيفة هي …؟!

أحمد: نعم … هذه المضيفة عميلة للمنظمة، وهناك غيرها على الطائرة.

بو عمير: وهل هم في مهمة رسمية مع رقم «صفر» … أم معنا؟

أحمد: لا أعلم …

بو عمير: فلتتصل برقم «صفر» وستعرف أين يجلس حين يحادثك.

قال له «أحمد» في حسم: هل تعرف الأوامر؟

بو عمير: نعم.

أحمد: إذن فلتنسَ هذا الموضوع.

كانت القهوة الفرنسية التي طلبها «أحمد» قد تأخَّرت … فنبَّه المضيفة إلى ذلك … فقال لها «بو عمير»: هل هناك قهوة تكفي لاثنين؟

ضحكَت المضيفة في رقَّة، وقالت: هناك قهوة تكفي لأربعة.

فهمَت «إلهام» مقصدها … فقالت ﻟ «ريما»: هذه القهوة لنا من رقم «صفر».

انتاب الشياطين مشاعرُ رائعةٌ بتحيةِ رقم «صفر» وقهوته التي أرسلها لهم وقد ظلَّت مثارَ حديثهم حتى وَطِئَت أقدامُهم أرضَ مطار «شارل ديجول»، وهناك شعروا بالجو المتوتر الذي يسود المطار وبتلك النظرات المتشككة التي تُصوَّب إلى كل صاحب بشرة سمراء أيًّا ما كانت جنسيته …

فأنهَوا إجراءاتِ الوصول … وغادروا المطار مسرعين … وكان في انتظارهم أحدُ عملائهم هناك، إنه مسيو «رينيه» الذي حيَّاهم بحرارة … وحمل عن «إلهام» و«ريما» حقيبتهما … ثم اصطحبهم إلى سيارته … وحملهم بها بعيدًا عن المطار … وبجوار رصيف أحد المتنزهات توقَّف والتفت إليهم يقول: الإشارات وصلَت …

أحمد: متى؟

رينيه: منذ ساعتين تقريبًا.

أحمد: وهل هناك متابعة؟

رينيه: منذ اتصال رقم «صفر» … وخلية المنظمة هنا لم تهدأ …

أحمد: وهل رأيتم النجم معهم؟

رينيه: نعم … ولم نتدخل … كما طلب الزعيم … فَهِم الشياطين أن الإشارات تعني المتمردين وأن النجم هو «البيرق».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤