ملحق

نرى من الخير أن نقارن هنا، في إيجاز، بين تفكير الشيخ الرئيس وتفكير بعض فلاسفة أوروبا في مسألة العمل والعمال والعاجزين عن العمل، وما يكون لهم على الدولة من حق توفير العيش الطيب لهم:
  • (١)
    عندنا مثلًا «آدم سميث»، الفيلسوف الأسكتلندي المتوفى عام ١٧٩٠، إنه يعتبر العمل هو مصدر الثروة، وأن قيمة الشيء لا ترجع إلى صفات ذاتية فيه، بل إلى العرض والطلب. كما كان يرى أن الإنسان ينجح في إفادة المجتمع وهو يعمل لصالح نفسه أكثر مما لو قصد تخصيص مجهوده لصالح المجتمع، وفي هذا يقول: «لم أعرف أن خيرًا كثيرًا تم على أيدي أولئك الذين يتخذون من الصالح العام تجارة لهم.»١

    هذا الفيلسوف كان لا يرى ضريبة على الأرباح؛ لأنه من العسير تقدير قيمة رأس المال تقديرًا حقًّا صادقًا، وهذا بعكس الأراضي، كما أنه من السهل الفرار برأس المال غير الثابت إلى نواحٍ أخرى عندما يحس صاحبه ثقل عبء الضريبة عليه، ومن الواضح أن في هذا الرأي خسارة على الدولة وتضييعًا لجانب كبير من الضرائب التي يجب جبايتها لتنفَق في صالح الفقير والمحتاج من المواطنين؛ ولهذا لا يذهب إلى هذا الرأي الاقتصاديون في الوقت الحاضر.

    وعلى كلٍّ فابن سينا كان أبعد نظرًا، وأرفق بالفقراء والمحتاجين لعون الدولة حين رأى — كما قدمنا من قبل — فرض ضريبة على الأرباح الطبيعية والأرباح المكتسبة لتُصرف في خير المُعْوِزين، ولعل الضريبة على المال غير الثابت تدخل فيما سماه «الأرباح المكتسبة».

  • (٢)
    والفيلسوف الألماني فخته Fichte (١٧٦٢–١٨١٤) يرى أن على الدولة أن تكفل لكل فرد من أهلها عملًا، وهذا ما يسمى ﺑ «مبدأ حق العمل» الذي نادى هذا الفيلسوف به.٢ ومن بعده نجد كارل ماركس المتوفى عام ١٨٨٣، يذكر في البيان الذي ضمنه مطالب الحزب الشيوعي في ألمانيا أنه «يجب أن تضمن الدولة المعيشة لجميع العمال، وأن تتولى أمر العاجزين عن العمل.»٣

    حق كل مواطن في أن يعمل، وواجب الدولة في ضمان العيش المقبول الكريم لكل مواطن عاجز عن العمل أو لا يجد إليه سبيلًا؛ هذا الحق وهذا الواجب اللذان لم يتقررا في أوروبا إلا بعد ثورات اجتماعية أريقت الدماء في بعضها، لم ير ابن سينا أي عناء في تقريرهما، باعتبارهما من الحقوق الطبيعية للإنسان ما دام عضوًا في مجتمع ومواطنًا في دولة. ومن هذا نرى كم كان تفكير الشيخ الرئيس في هذه المشكلة مشكلة العمل والبطالة، سليمًا وأصيلًا، مثله مثل المشاكل الأخرى التي عالجها في هذا البحث!

١  النظام الاشتراكي، للدكتورين: أحمد نظمي عبد الحميد وراشد البراوي، نشر مكتبة النهضة بالقاهرة سنة ١٩٤٦، ص١٧٧.
٢  المرجع السابق، ص١٧.
٣  نفسه، ص٦٢.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤