السر الخطير!

دخل «أحمد» و«فهد» مرةً أخرى إلى نفس الغرفة … ولكن الظروف كانت قد اختلفَت … فقد بدت في وجه الرجال الأربعة؛ «عوني» وذي اللحية، والحارسَين، علامات النشوة والانتصار … وكان «أحمد» يُحاول أن يتماسك … كان ينادي نفسه من أعماقٍ بعيدة أن يستيقظ ويثبُت … وكان «فهد» يُحاول أيضًا … ولكن إرادة كلٍّ منهما كانت قد تلاشت … لقد استطاع الغاز أن يسيطر على تفكيرهما، ويشلَّ إرادتهما.

وجلس كلٌّ منهما على مقعد … وبدأ «عوني» هادئًا ورقيقًا، وقال موجِّهًا كلامه إلى «فهد»: إنك لا تعرفني يا صديقي الشاب … ولكن زميلك رقم «واحد» يعرفني … فإذا سألتُك فأجب على الفور … لا شيء سوف يضرك أو يؤذيك … وما ستقوله سوف ينقذك.

وسكت «عوني» لحظاتٍ ثم طلب من الحارسَين مغادرة الغرفة، فغادراها على الفور، وقال «عوني»: كم عددكم؟

أخذ «فهد» يبذل مجهودًا مضاعفًا حتى لا يجيب رغم أنه كان يرغب في الإجابة حقًّا … ولكنه كان يعرف أن هذا ضد مبادئ المنظمة. إن إجاباته قد تحطِّم كل ما بنَوه.

ومضى «عوني» يسأل: المهم الآن هو المكان … أين مقركم بالضبط؟ … واقترب الرجل ذو اللحية من «فهد»، وأخذ يركِّز نظراته عليه … وأحَسَّ «فهد» بأنه يتهاوى، وأنه سيجيب … وبدأ فعلًا يرُد.

قال في صوتٍ واهن: إن المكان يقع …

وفي تلك اللحظة دوَّى انفجارٌ رهيب هز المكان … وتوقَّف الجميع في أماكنهم، ولم تمضِ سوى ثوانٍ قليلة حتى دوَّى انفجارٌ آخر أشد عنفًا وأكثر قربًا … واهتز كل شيء.

وصاح «عوني» في الرجل ذي اللحية: الخرائط والأسماء.

وبدأ الرجل يُحرِّك بعض الأزرار … وبدا في الحائط شيء يتحرك، كان باب خزينةٍ ضخمة بداخلها ملفاتٌ ضخمة من البلاستيك السميك، ولوحاتٌ من الورق المقوَّى قد ثُبِّتَت بها عشراتٌ من المسامير الحمراء والصفراء والزرقاء … ولاحظ «أحمد» في عينَي «عوني» نظرةً غريبة إلى هذه المجموعة من الملفات والخرائط … وأقفر المكان بانفجارٍ ثالث … وبدأ «أحمد» و«فهد» معًا يعودان إلى حالتهما الطبيعية … كان صوت الانفجارات قد أعاد إليهما قدْرًا من التوازن … ولكنهما كانا يشعران بضعفٍ شديد.

وأسرع عوني والرجل ذو اللحية يُفرِغان الخزينة الضخمة من محتوياتها … وكان واضحًا أن ثمَّة نظامًا دقيقًا لعملية التفريغ … فقد كانت هناك حقيبتان ضخمتان بجوار الخزينة … وُضعَت فيهما الخرائط والملفات بسرعة وإتقان.

حاول «أحمد» النهوض … ولكنَّ ساقَيه لم تحتملاه … وكذلك فعل «فهد». قال ذو اللحية: ماذا سنفعل؟ هل سنأخذهما معنا؟

تردَّد «عوني» لحظات … وسمع صوت انفجارٍ رابعٍ عنيف هزَّ المكان بشدة وتطايرَت الأشياء.

فقال «عوني»: هيا بنا … سوف نجدهما في أي وقت!

الرجل: وهذه الانفجارات؟

عوني: ربما حدث خطأ في أحد المفاعلات أدَّى إلى هذه الانفجارات … ومن الأفضل أن نُنقِذ المستندات من الضياع أو الحريق حتى يمكن السيطرة على الحالة.

وخرج الرجلان مسرعَين … وقام «أحمد» وهو يترنَّح ومعه «فهد» وسارا خلفهما … قطع الرجلان الدهليز الطويل، ثم وقفا أمام الباب الصلب المستدير في الحائط، وبدأ الرجل ذو اللحية يُدير مفاتيحه … وما كاد الباب يفتح، حتى ظهر صوتُ محرِّك يدور … وسالت على الأرض بعض المياه … وبدا واضحًا أن هذا الباب ليس إلا بابًا جانبيًّا، يؤدي لغواصةٍ تقف على استعداد للرحيل … وكاد الرجلان يدخلان الغوَّاصة، لولا أن انفجارًا خامسًا قويًّا هزَّ المكان من أساسه … وتدفَّقَت المياه فجرفَت الرجلَين … ثم جرفَت «أحمد» و«فهد» … وبدا كل شيء عائمًا في هذه اللحظات الخطرة.

لم يكن في إمكان أحدٍ أن يقف أمام هذا الطوفان … وكان «أحمد» و«فهد» قد استردَّا وعيهما بالكامل. وكان هدف «أحمد» في هذه اللحظة هي الحصول على هذه المستندات الهامة التي كان ذو اللحية و«عوني» يحملانها … وبدأ صراعًا في محاولة للاقتراب منهما أمام سيل الماء المتدفق … ولكنَّ الرجلَين كانا يعرفان جغرافية المكان خيرًا من «أحمد» و«فهد»، وهكذا استطاعا الاختفاء سريعًا خلف أحد الأبواب … ولم يعُد أمام الشياطين إلا محاولة النجاة بحياتهما.

صاح «أحمد»: دعنا نستسلم للتيار. إنه سيحملنا خارجًا.

واستلقيا على ظهرَيهما وتركا نفسهما للتيار … وسرعان ما كان يحملهما خارج المبنى.

كان المشهد الخارجي مثيرًا … فقد كانت الانفجارات قد حطَّمَت مجموعة المباني الكبيرة … ولحسن الحظ أن الجو الشديد البرودة لم يساعد النيران التي اشتعلَت على الاستمرار … وظهر الكلبان «دهب» و«فضة»، وأسرعا نحو «فهد» و«أحمد» … ثم ظهر بقية الأصدقاء.

قال «أحمد» مسرعًا: لقد أنقذتمونا.

إلهام: المهم أننا عرفنا سر هذا المعسكر الكبير.

أحمد: كيف؟

إلهام: استطعتُ استجواب أحد العملاء الشبان الذين يعملون في المصانع هنا … ليس هناك يورانيوم، ولا أية موادَّ لها علاقة بالذرَّة … ولكن التجارب التي يُجْرونها هنا أخطرُ بكثير!

ومضت «إلهام» تقول: إنهم يحاولون رفع درجة حرارة المنطقة القطبية عشر درجات!

فهد: وماذا يعني هذا؟

إلهام: إنها نظريةٌ حديثة في العثور على البترول دون حفر … فالبترول يُوجد في هذه المناطق في مساحاتٍ شاسعة، ولكن تحت الجليد، ومن الصعب استخراجه بالوسائل التقليدية … وهكذا فكَّر مجموعة من العلماء في رفع درجة حرارة الجليد بحيث يذوب وينحدر في شكل مياه، كاشفًا عن طبقات الأرض التي تحمل البترول.

أحمد: إنها فكرةٌ شيطانية!

إلهام: فهمنا من العالِم الشابِّ أنه يعمل تحت ضغط؛ لأنه يعلم أن رفعَ درجة حرارة هذه المنطقة، ومدَّ أنابيب البترول بها، قد يؤدِّي إلى ذوبان كميةٍ هائلة من الجليد قد تتحول إلى فيضانٍ كاسح، يُهدِّد الحياة على سطح الأرض.

أحمد: إن هذه المعلومات خطيرة للغاية، ويجب الحصول على المستندات التي أخذها «عوني» والرجل ذو اللحية معهما.

بو عمير: إنهما لن يستطيعا مغادرة المكان الآن إلا عن طريق البحر.

أحمد: معك حق، وقد حاولا ركوب غوَّاصة للفِرار بها … ولكن الانفجارات أدَّت إلى تدفُّق المياه، ومنع الغوَّاصة من الإبحار.

كان المشهد حول الشياطين يبدو عجيبًا … فالليل مستمر في هذه الدائرة القطبية … والانفجارات قد تركت المصانع كالأطلال … وحرائقُ صغيرة تتناثر هنا وهناك كأنها نوعٌ من الورد في محيطٍ من البياض والسواد.

لم يكن هناك أثَر لإنسان … هرب كل مَن في المعسكر في اتجاهاتٍ مختلفة. ولم يعُد أمام الشياطين إلا العودة إلى المقر الرئيسي … فلا بد أن «عوني» والرجل ذا اللحية سيُحاوِلان الهرب بالغوَّاصة مرةً أخرى.

وتحرَّك الجميع بعد أن هدأَت المياه، وعاد كل شيء إلى حاله … دخلوا إلى مجموعة من المباني التي تحطَّم منها الجزء الأعظم … ولكن الأجزاء التي بُنيَت بالصلب والنازلة إلى جوف الأرض كانت لا تزال سليمةً إلى حدٍّ بعيد.

فجأةً زمجر «دهب» و«فضة»، وبدا أنهما يدركان شيئًا خفيًّا يحدُث في المكان، وتوتَّرَت عضلات الكلبَين وأخذا يدوران في المكان.

همس «أحمد»: هناك من يراقبنا!

وأسرع الشياطين يختفون بجوار الجدران … وفجأةً انطلق سيلٌ من الرصاص في نفس الاتجاه الذي كانوا فيه … وارتفع صوتٌ يقول: استسلموا!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤