الفصل الثامن

مَا فَعَلَهُ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون

فِي أَوْقَاتِ الْخَطَرِ: فَكِّرْ جَيِّدًا وَبِسُرْعَةٍ،
وَلَكِنْ رَجَاءً كُنْ هَادِئًا.
الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ

مِسْكِينَةٌ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ! لَقَدْ ظَنَّتْ سَابِقًا أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي مَآزِقَ مِنْ قَبْلُ، وَلَكِنْ لَمْ تَقَعْ قَطُّ فِي مَأْزِقٍ مِثْلِ هَذَا. وَقَفَ هُنَاكَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يَنْظُرُ إِلَيْهَا عَبْرَ مِنْظَارِ بُنْدُقِيَّتِهِ الرَّهِيبَةِ، عَلَى مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ، قَرِيبَةٍ جِدًّا مِنْهَا! لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ فَائِدَةٌ مِنَ الْهَرَبِ. كَانَتِ الْجَدَّةُ تَعْلَمُ هَذَا. تِلْكَ الْبُنْدُقِيَّةُ الرَّهِيبَةُ سَتَنْطَلِقُ! وَسَتَكُونُ تِلْكَ نِهَايَتَهَا.

لِبِضْعِ ثَوَانٍ كَانَتْ تُحَدِّقُ بِوَجْهِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون، لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَتَحَرَّكَ أَوْ حَتَّى تُفَكِّرَ مِنْ شِدَّةِ رُعْبِهَا. ثُمَّ بَدَأَتْ تُفَكِّرُ لِمَ لَمْ تَنْطَلِقْ تِلْكَ الْبُنْدُقِيَّةُ الرَّهِيبَةُ؟ مَاذَا يَمْنَعُ ابْنَ الْمُزَارِعِ براون؟ وَقَفَتْ عَلَى قَدَمَيْهَا. كَانَتْ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ أَوَّلَ خُطْوَةٍ لَهَا سَتَكُونُ آخِرَ خُطْوَةٍ، مَعَ ذَلِكَ لَمْ تَسْتَطِعِ الْبَقَاءَ هُنَاكَ.

كَيْفَ لِابْنِ الْمُزَارِعِ براون أَنْ يُقْدِمَ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْعَمَلِ الْمُرَوِّعِ؟ بِطَرِيقَةٍ مَا، لَمْ يَبْدُ وَجْهُهُ الْمُنَمَّشُ قَاسِيًا! حَتَّى إِنَّهُ بَدَأَ يَبْتَسِمُ. لَا بُدَّ أَنَّ هَذَا لِأَنَّهُ أَمْسَكَ بِهَا غَافِيَةً وَعَلِمَ أَنَّهَا لَنْ تَتَمَكَّنَ مِنَ الْهَرَبِ مِنْهُ مِثْلَمَا فَعَلَتْ فِي مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ سَابِقَةٍ. وَأَخَذَتِ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ تَنْتَحِبُ فِي صَمْتٍ.

وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ عَيْنِهَا فَعَلَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون شَيْئًا مَا. فِي رَأْيِكُمْ مَاذَا فَعَلَ؟ لَا، لَمْ يُطْلِقِ الرَّصَاصَ عَلَيْهَا. لَمْ يُطْلِقْ رَصَاصَ بُنْدُقِيَّتِهِ الرَّهِيبَةِ. فِي رَأْيِكُمْ مَاذَا حَدَثَ؟ يَا لَلْهَوْلِ! لَقَدْ رَمَى الْجَدَّةَ ثعلبة الْعَجُوزَ بِكُرَةٍ ثَلْجِيَّةٍ وَصَاحَ: «مُفَاجَأَةٌ!» هَذَا مَا فَعَلَهُ، وَهُوَ كُلُّ مَا فَعَلَ، بِاسْتِثْنَاءِ الضَّحِكِ، وَالْجَدَّةُ تَقْفِزُ قَفْزَةً كَبِيرَةً، وَتَجْرِي وَكَأَنَّ قَدَمَيْهَا السَّوْدَاوَيْنِ تَطِيرَانِ.

فِي كُلِّ لَحْظَةٍ كَانَتِ الْجَدَّةُ تَنْتَظِرُ أَنْ تَسْمَعَ صَوْتَ تِلْكَ الْبُنْدُقِيَّةِ الرَّهِيبَةِ، وَبَدَا وَكَأَنَّ قَلْبَهَا سَيَنْفَجِرُ مِنَ الْهَلَعِ وَهِيَ تَرْكُضُ، ظَانَّةً فِي كُلِّ مَرَّةٍ تَقْفِزُ فِيهَا أَنَّهَا سَتَكُونُ آخِرَ قَفْزَةٍ. وَلَكِنَّ الْبُنْدُقِيَّةَ الرَّهِيبَةَ لَمْ تَنْطَلِقْ، وَبَعْدَ قَلِيلٍ، بَعْدَ أَنْ شَعَرَتْ أَنَّهَا بِأَمَانٍ، الْتَفَتَتْ لِتَنْظُرَ وَرَاءَهَا. كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون لَا يَزَالُ وَاقِفًا فِي الْمَكَانِ نَفْسِهِ الَّذِي رَأَتْهُ فِيهِ آخِرَ مَرَّةٍ، وَكَانَ يَضْحَكُ أَكْثَرَ مِنْ ذِي قَبْلُ. أَجَلْ، لَقَدْ كَانَ يَضْحَكُ، وَبِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِ الْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، إِلَّا أَنَّ ضِحْكَتَهُ كَانَ لَهَا وَقْعٌ لَطِيفٌ عَلَى السَّمْعِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ ضِحْكَةً وَدُودَةً وَمَرِحَةً، وَكُلُّ مَا يَكُونُ مِنْ ضِحْكَةٍ مِنَ الْقَلْبِ.

صَاحَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون: «اذْهَبِي يَا جَدَّةُ! اذْهَبِي! وَفِي الْمَرَّةِ الْمُقْبِلَةِ الَّتِي يَطِيبُ لَكِ فِيهَا أَنْ تَسْرِقِي دَجَاجِي، فَقَطْ تَذَكَّرِي أَنَّنِي أَمْسَكْتُ بِكِ غَافِيَةً وَأَعْتَقْتُكِ فِي حِينِ كَانَ بِإِمْكَانِي اصْطِيَادُكِ. فَقَطْ تَذَكَّرِي هَذَا وَاتْرُكِيهِمْ وَشَأْنَهُمْ.»

وَحَدَثَ أَنَّ طَائِرَ الْقَرْقَفِ تومي رَأَى كُلَّ مَا كَانَ، وَأَخَذَ يُقَرْقِرُ عَلَى نَحْوٍ جَمِيلٍ وَهُوَ سَعِيدٌ. صَاحَ: «تَمَامًا مِثْلَمَا قُلْتُ؛ لَيْسَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون بِالشَّخْصِ السَّيِّئِ. كَانَ سَيُصَاحِبُ الْكَائِنَاتِ جَمِيعًا إِنْ سَمَحَتِ الْكَائِنَاتُ لَهُ بِذَلِكَ.»

دَمْدَمَ طَائِرُ السِّنْدِيَانِ سامي، الَّذِي رَأَى هُوَ أَيْضًا كُلَّ مَا حَدَثَ: «رُبَّمَا، رُبَّمَا، وَلَكِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيَّ أَذْكَى بِكَثِيرٍ مِنْ أَنْ أَثِقَ بِهِ. يَا إِلَهِي! يَا إِلَهِي! مَاذَا سَيُقَالُ عَمَّا حَدَثَ؟! لَنْ تَسْلَمَ الْجَدَّةُ ثعلبة الْعَجُوزُ مِنَ الْكَلَامِ. إِذَا حَاوَلَتْ مَرَّةً أُخْرَى أَنْ تَتَبَاهَى بِمَدَى ذَكَائِهَا، كُلُّ مَا عَلَيْنَا هُوَ فَقَطْ أَنْ نُذَكِّرَهَا بِالْمَرَّةِ الَّتِي أَمْسَكَ فِيهَا ابْنُ الْمُزَارِعِ براون بِهَا وَهِيَ غَافِيَةٌ. هَا! هَا! هَا! يَجِبُ أَنْ أُسْرِعَ وَأَجِدَ ابْنَ عَمِّي الْغُرَابَ بلاكي. هَذَا سَيَجْعَلُهُ يَقَعُ مِنَ الضَّحِكِ.»

وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَدَّةِ ثعلبة الْعَجُوزِ، لَقَدْ أَصْبَحَتْ تَخْشَى ابْنَ الْمُزَارِعِ براون أَكْثَرَ مِنْ ذِي قَبْلُ، لَيْسَ بِسَبَبِ مَا فَعَلَهُ بِهَا، وَلَكِنْ بِسَبَبِ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ بِهَا. فَلَا يُوجَدُ مَا يَجْعَلُهَا تُصَدِّقُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ صَدِيقًا لَهَا. ظَنَّتْ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا فَقَطْ لِيُظْهِرَ لَهَا أَنَّهُ أَذْكَى مِنْهَا! بَدَلًا مِنْ مَشَاعِرِ الِامْتِنَانِ، مَلَأَتْ مَشَاعِرُ الْكُرْهِ وَالْخَوْفِ قَلْبَ الْجَدَّةِ. فَكَمَا تَعْلَمُونَ:
إِنَّ مَنْ يُضْمِرُ السُّوءَ،
يَظُنُّ أَيْضًا بِالنَّاسِ السُّوءَ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤