الشريدة

الغالب على أحاديث الشُّبَّان في هذه الأيام أن تتَّجه نحو غرضَين؛ النساء والسياسة، وحول هذين الموضوعين دار الحديث في مجتمع من الأصدقاء كان من حظِّي المشاركة فيه مُحدِّثًا ومُنصِتًا. وقد بدأ الحديث فاترًا مُبتذَلًا فلم يستطِع أن يجذب إلا بعض انتباهي، حتى تكلَّم ذلك الصديق البارع وتدفَّقت الذكريات على لسانه الذَّرِب، فألقيت إليه بانتباهي کله؛ لأن حديثه كان قصةً مُستوفاة العناصر، ومثل هذا الحديث يستبدُّ بمشاعري استبداد المال بقلب اليهودي الشحيح، وإليك ما قصَّه صاحبي، قال:

لا يكاد يخلو تاریخُ شابٍّ من امرأة، ولكنه قد يخلو من المرأة المؤثِّرة التي تترك وراءها شاهدًا عميقًا لا ينال منه طمسُ السنين كالوشم في اليد أو الصدر. وقد عرفت نساءً كثيرات لا أذكُر منهن إلا أثرًا ذاهبًا من اللذة أو الألم، أو أطيافًا في الظلام والنسيان، إلا امرأةً بدَت في فترة من حياتي كالكوكب الدُّرِّي يُنير أبدًا ويُضيء ما حوله، فلا أنساها ولا يغمر النسيان حياتي التي غمَرَتها بروحها الرقيق .. لماذا؟ .. ألأنها كانت أجمل من عرفت .. أو أحبَّهن إلى قلبي؟ لا أعتقد هذا، ولكن ربما لأنها كانت أتعسَهن جميعًا، ولأن تعاستها هذه كانت السبب الخفيَّ في سعادتي بها زمنًا طيبًا لن يعود أبدًا.

ويرجع عهد معرفتي بها إلى يوم من أيام عام ۱۹۲۰، وكنت آنئذٍ طالبًا في السنة الأولى بمدرسة الزراعة العليا، استيقظت ذلك اليوم في الصباح المُبكِّر كعادتي، فجاءتني والدتي وقالت لي: حسُّونة .. أرى أن أخبرك أنَّ ضيفةً نزلت ببيتنا، وأنها ربما أقامت بيننا إلى أجلٍ غير مسمًّی.

فنظرت إليها بغرابة وقلت لها: من هي؟

– زينب هانم زوج اليوزباشي محمد راضي جارنا.

فاستولت عليَّ الدهشة وقلت: لكنها ما زالت عروسًا في شهر العسل .. أليس كذلك؟

– هو ذلك يا بُنَي، والظاهر أنها تعِسة الحظ؛ لأنها اضطُرَّت إلى هجر بيتها والالتجاء إليَّ في الصباح الباكر، وزوجها ولا شكَّ رجُلٌ غليظ فظٌّ لا تَسهُل مُعاشَرته، وإلا ما ترکها تَهِيم على وجهها وهو يعلم أن لا أقارب لها في القاهرة.

وكانت والدتي شديدة التأثر، فقلت: مِسكينة.

فقالت بانفعال: كانت أمُّ هذه الشابَّة صديقةَ صِباي، وإني أرجو صادقةً أن تعيش بيننا سعيدة.

ثم أردفت بلهجةٍ ذات مغزًی: وأن تكون لها يا حسُّونة أخًا كريمًا.

وبادرت قائلًا: طبعًا .. طبعًا .. يا أمَّاه.

وذهبت إلى المدرسة وأنا أتذكَّر كلمة والدتي الأخيرة واللهجة التي قالتها بها، وأحسستُ بمزيج من الخجل والغضب. تُرى هل تُشفِق والدتي من سلوکي علی ضيفتنا؟ ثم خطرَ لي أن أتساءل: «هل هي جميلة إلى حد تبرير مَخاوف والدتي؟» .. حامت أفكاري حول ذلك طولَ الطريق من مصر الجديدة إلى الجيزة. والحق أن كلمة والدتي البريئة أوجدت في نفسي منذ البداية الاستعدادَ الذي كانت تُشفِق منه أيَّما إشفاق.

کان جوُّ بيتنا غايةً في الهدوء؛ فوالدي كان حينذاك قاضيًا بمحكمة طنطا الأهلية، وكان يقيم نِصف الأسبوع في القاهرة ونِصفه الثاني في محل عمله، وكان أخي علي في المدرسة الحربية، وأخي عادل في بعثة مدرسة الطب بالنمسا. وفي ذلك الجو المغمور بالهدوء والسكينة عرفتُ زينب هانم العروس التعِسة .. وقد خُيِّل إليَّ وأنا أُلقي عليها النظرة الأولى أني أرى صبيةً صغيرة. نعم كانت بضَّةً مُمتلئةً بادية الأنوثة، ولكني قرأت في عينَيها العسليتَين نظرةَ براءة وسذاجة، بل طفولة كاملة لولا ما يلوح فيهما بين الحين والحين من الحزن العميق الذي لا تعرفه الطفولة الحقة.

وكان الشباب في ذلك العهد غيرهم الآن، كانوا أعظم استقامة، وأدنى إلى العفَّة والطُّهر، وأرعی عهدًا للتقاليد، وكانت المرأة المصونة تبدو دائمًا وكأنها مُحاطة بسياج من الأسلاك الشائكة، وكان الحب بعيدًا نسبيًّا عن التهتُّك والابتذال اللذَين صرعاه أخيرًا وأورداه الإباحية والجنون؛ فكانت العواطف تزدهر في القلب وتنبت الآمال والأماني، وتنصهر في العقل وتخلق الأخيلة والأحلام، وتكتسي بحُليٍّ نادرة من صُنعِ الأوهام والأطياف.

فكان يُقنعني من زينب نظرةٌ أختلسها من وجهها الحَسن أو جِسمها البَض؛ لتكون زادي في النهار والليل وفي اليقظة والنوم، وأصبحت وأمسيت في عالمٍ أثيري جميل بثَّ في وجداني حياةً ناضرة كالحياة التي ينشرها الربيع في الحقول والبساتين. على أن الأمر لم يقتصر على ذلك؛ فجَرى الحديث بيننا مرَّات، ولعِبْنا الورق مرةً والنَّرد أخرى، وغالبَتني عواطفي فوسوسَت إليَّ نفسي أن أتشجَّع، وتساءلت بخُبث: لماذا لا أُجرِّب حظِّي؟ لماذا لا ألمس أناملها في أثناء اللعب مثلًا، أو أُهدي إليها مجدولين فتكون فاتحة حديث لا يعلم ختامَه إلا الله؟ .. ولكني لقيت من التردد الشيء الكثير، ولم تُسعفني الجرأة التي تعلَّمتها فيما بعد، وضاع الوقت هباءً، حتى رجعت يومًا إلى البيت فوجدت والدتي وحدها .. وكنت تعوَّدت أن أراها إلى جانبها، وأحسست بوحشة وضِيق، وكتمت رغبةً تُلحُّ عليَّ بالسؤال لأن تلوُّث نفسي أفقدَني صراحة الأبرياء، وظننت السؤال فاضِحي، ولم تدعني والدتي فريسة العذاب، فقالت لي: شكرًا لله؛ فقد جاء جارنا الضابط واعتذر لزوجته، وعاد بها لأنه نُقِل إلى أسيوط، وقد كلَّفَتني أن أُهديَ إليك تحيَّاتها.

وأحسستُ في الحال إحساسَ الطالب الذي يُمنَّى بالسقوط في الامتحان وهو يَحلُم باختيار الوظيفة اللائقة به. وضاق صدري ذلك اليوم بالبيت ففرَرتُ إلى الخارج لأخلوَ إلى نفسي بعيدًا عن عينَي والداتي. على أن الصِّبا دائمًا قادر على جرفِ الأحزان والهموم، فاستطعت أن أبرأ في مدةٍ وجيزة، ونسيت في غمرة الحياة والآمال تلك الحسرةَ التي عصرَت قلبي أيامًا، فكانت مثل «الزكام» الذي يُفقد الإنسان طعم الحياة حينما يزول سريعًا فكأنه لم يكن.

ودارت الأيام وانتهيت من الدراسة، وحصلت على الدبلوم، ووُظِّفت في وزارة الزراعة سنة ١٩٢٥، ثم انتقلت إلى تفتيش الإسكندرية بعد ذلك بخمس سنوات. وفي الأيام الأولى لهبوطي إلى الإسكندرية آثرت أن أنزل بفندق لأستريح من وَعْثاء السفر وأبحث في هدوء عن مَسکنٍ مُناسب، ووقع اختیاري على فندق «ریش» لحُسن موقعه من البحر؛ لأننا كنا في سبتمبر، وهو من الشهور المحبوبة في الإسكندرية، يطيب فيه الجو ويهدأ البحر ويصفو؛ فحملت حقيبتي ونزلت في حجرة من حجرات الطابق الثاني، وأذكُر أنه لم يكَد يترکني الخادم ويُغلِق وراءه الباب حتى سمعت طَرقًا، فدلفت إلى الباب وفتحته، ورأيت لدهشتي صديقنا الدكتور أحمد شلبي، واستقبلته بشوق، وأجلسته إلى جانبي، وكان يقول لي: أحقًّا هو أنت؟

ثم أردف: كنت تارکًا باب حجرتي مفتوحًا فلمحتُك وأنت تتبع الخادم، وعرفتك في الحال.

– هذه فرصةٌ سعيدة.

– يا حظك!

– أيَّ حظ تعني؟ .. أنت تعلم أن مُوظَّفي الزراعة لا حظ لهم يُحسَدون عليه.

فقال ضاحكًا: أنا لا أتكلم عن الكادر .. ولكن عن فوزك بهذه الحجرة .. فيا حظك!

– وما الداعي إلى هذا الحسد؟ .. هي حجرةٌ دون حجرات الصف المُقابل التي تُطلُّ نوافذها على البحر.

– هذا حق، ولكنَّ شُرفتها تمسُّ شُرفة الحجرة رقم ۲٤ التي إلى يمينك، وحسبُك هذا.

– وما شأن الحجرة رقم ۲٤؟

فقال وهو يتنهَّد: تُقيم بها امرأةٌ حسناء وحيدة.

– وحيدة!

– نعم .. وإلى هذا يعود السبب في أن حجرات هذا الطابق مأهولةٌ كلها.

– لعلها مُمثِّلة أو راقصة.

– هو ما يظنُّه الرقم ۲۷.

فقلت مُستفهمًا: الرقم ۲۷؟

– أعني زميلي الدكتور الصوَّاف المُقيم في الحجرة رقم ۲۷، ولكني لم أُوافقه على ظنه؛ لأني خبير بالصالات والمراقص جميعًا، والأعجب من هذا أنها تبدو محترمة، ولا ينقصها إلا زوج لتكون من المَصُونات حقًّا.

فابتسمت وقلت: عند الامتحان يُكرَم المرء أو يُهان.

– أوه .. كل الأرقام تُطاردها مطاردةً عنيفة.

– ألم يَفُز أي رقم بطائل؟

– في الظاهر لا، والله أعلم بالسرائر.

وجالَسني صدیقي ربع ساعة، تحدَّث فيها ما شاء له الحديث، ثم ودَّعني وانصرف إلى حجرته. وكنت تعِبًا منهوك القُوى، فنِمت ساعةً نومًا عميقًا واستيقظت عند العصر، وفتحت شُرفتي وجلست فيها أستروح هواء البحر المُنعِش، ولاحت مني نظرة إلى الشُّرفة التي إلى يميني، فتذكَّرت ما قال صدیقي الدكتور، وأدمنت النظر إليها باهتمام وشغف، ولكني استرددت نظري بسرعة لأني سمعت صرير بابها وهو يُفتَح، ونظرت أمامي، ولحظت بُروز شخص، وخُيِّل إليَّ أنه امرأة، وتأكَّد ظني عندما عطسَت، وحافظت على جمودي وتظاهرت بعدم الاكتراث .. وغالبًا ما يُفيد البرود، وهو إن لم يُفِد يُعزِّي عن الخيبة.

ولكني لم أثبُت طويلًا، ونازَعني شغف إلى النظر، فألقيت ببصري إلى جارتي، ورأيت امرأةً أول ما راعني منها شعور بعدم الغرابة سُرعانَ ما تحوَّل إلى يقين بأني رأيتها من قبل، وأنا أتمتَّع بذاكرة لا تَخِيب قطُّ في حفظ الصور؛ فلم ألبث أن تذكَّرت .. تذكَّرت جارتنا القديمة .. التي عاشت معي في بيتٍ واحد بضعةَ أيام كانت كافية لإنضاج وجداني .. وتملَّكَتني الدهشة والاهتمام.

ولاحت منها نظرة إليَّ فالتقَت عينانا، وتوقَّعت بقلبٍ خافق أن أُطالع في وجهها آية التذكر، وتحفَّزت للسلام، ولكن خاب رجائي؛ لأن نظرتها كانت جامدة لا حياة فيها، ولم تلبث أن ولَّتني ظهرها وعادت من حيث أتت. وا أسفاه! نسيَتني بغير شك .. وما من شك في أنها هي جارتنا القديمة، وهي ما تزال تُحافظ على جمالها وأنوثتها، ولكن ما لها تعيش وحدها في هذا الفندق .. وما الذي يحملها على هذه الوحدة الغريبة .. وأين زوجها يا تُرى؟

وطال تفكيري في شأنها حتى قمتُ لارتداء ثيابي وغادرت حجرتي، وشاءت المصادفات أن يُفتح باب حجرتها على أثر خروجي مباشرةً، فتباطأت في خُطاي حتی حاذَتني وهبطنا الأدراج معًا، ووجدت في نفسي رغبةً شديدة في محادثتها، ولم أكن أُحجِم في مثل ذاك الموقف، فقلت لها بهدوءٍ غريب: سعيدة يا هانم .. لعلك تذكُرينني.

فحدَجتني بنظرة إنكار، ولعلَّها ظنت أني أتذرَّع بالحيلة لاستدراجها إلى محادثتي، وأسرعت الخُطى فلحقت بها عند باب الفندق وقلت لها: أهكذا تنسين جيرانك بسرعة؟ .. ألا تذكرين حرم حسن بك همَّام القاضي؟

فألقت عليَّ نظرةً غريبة، ولاحت في عينَيها الأحلام، وسمعتُها تُتمتم: عدالات هانم .. شارع الزقازيق!

فقلت بفرح: نعم، هذه هي والدتي .. وهذا شارعنا.

فهشَّت لي وسارت إلى جانبي وهي تقول: أأنت ابنها؟ .. تذكَّرت .. كيف حال عدالات هانم؟

فقلت بسرور وقد أيقظ صوتها وَجْدي القديم بها: والدتي بخير .. كيف حالك أنتِ يا هانم؟

– عال، ولكن أين عدالات هانم؟ .. هل أنت وحدك؟

– نعم، الأسرة في رأس البر لأن والدي يُحبُّها ويُفضِّلها على الإسكندرية، وأنا هنا بحُكم عملي.

– نسيت اسمك.

– حسُّونة.

وكنت نسيت اسمها كذلك، ولكني نفرت بطبعي من سؤالها عنه، فمشیت إلى جانبها صامتًا، وكان وِجداني في يقظةٍ قوية، وأُصارحكم القول بأني من الذين لا يملكون عواطفهم إذا خلَوا إلى امرأة أيًّا كان جمالها، وإن رغبتي في النساء عامة لا تعرف التخصص. وقد كنت قبل نحو عشرين عامًا ذا استعداد للحب، ولكني فقدت بمرور الزمن واطراد التجارِب وكثرة الأهواء تلك الموهبة الجميلة، ودنوت كثيرًا من الحيوانات الراقية. وكنت في ذلك الوقت خاطبًا، وكنت اخترت خطيبتي من بين عشرات الفتَيات، ولكن ذلك لم يمنع قلبي — ذلك اليوم — من التعلق السريع بتلك المرأة ومعاناة الرغبة والطمع، قلت لها: أأنتِ وحدكِ هنا؟

فقالت بلا اكتراث: نعم!

– وزوجك؟

– في السلوم.

– ولماذا تعيشين وحدك؟

فضحكت ضحكةً رقيقة وقالت: لا ينقصك إلا أن تفتح محضرًا للتحقيق وتُطالبني بالشهود.

فخجلت من فضولي، وضحكت أُداري خجلي، ولم تكن عواطفي تكفُّ عن الطغيان، فقلت: ألا يَحسُن بنا أن نبحث عن مكانٍ صالح للجلوس؟

فهزَّت رأسها وقالت بعنادٍ ظريف: کلا، أنا أُفضِّل المشيَ لأني أريد أن أنحف.

فنظرت إلى جسمها البضِّ المُمتلئ نظرةَ مُعذَّب، ووجدت في كلامها فرصةً ذهبية لا ينبغي أن تُفلِت مني، فقلت بإعجاب: وما جدوی هذا التعب؟ .. إن جسمك كامل الفتنة.

فألقَت عليَّ نظرةً جمَعَت بين الانتقاد والدلال، وقالت وهي تُشير إلى جسمها: هذه موضة قديمة.

فقلت بحماس: هذا جميل وكفى .. وما عدا ذلك فلا وزن له عندي.

– وعند الناس؟

– نعم وعند الناس.

كِدت أنسى هذا؛ إذ خيَّل إليَّ الوهمُ الساحر أني صاحب الشأن الأوحد، وعلى أنها قالت ما قالت وهي تبتسم إليَّ بإغراء، فاستخفَّني الوهم مرةً أخرى، واشتدَّ بي الطمع، فقلت: أنتِ لم تتغيَّري في هذه الفترة الطويلة، وكأن التي أراها الآن هي السيدة الجميلة التي أشرقَت بغتةً في بيتنا بمصر الجديدة منذ عشرة أعوام، وغربَت بغتةً كذلك فتركَتني أحلُم بها أيامًا وشهورًا.

فنظرَت إليَّ بخُبث وقالت: يا لك من ماكر!

فقلت ضاحكًا: ما وجه الغرابة في ذلك؟ .. مَن يرى هذا الحُسن ولا يتمنَّاه؟

– الظاهر أني سأجد من الواجب أن أُفارقك لأنجوَ من أمانيك.

– حاشا أن تفعلي .. بل حاشاي أن أتركُك تفعلين. إن فوزي بلقائك بعد هذا الغياب الطويل نعمةٌ من البَطر الشرير الكفرُ بها.

– إنك تُحدِّثني كما لو كنا عاشقَين افترقَا ثم تلاقيَا.

– هذا شعورك.

– هو أدنى إلى الوهم.

– أما من ناحيتي فلا.

– وأما من ناحيتي فنَعَم.

ولكنها قالت ذلك بدلال ورِقة، وهي تبتسم ابتسامةً عذبةً تسيل إغراءً. ولم أدهش لما تُبدي من استسلام؛ لأن حالتها في الواقع كانت تدعو إلى الريبة، وتذكَّرت ما قال صديقي الدكتور شلبي فقلت: إني أعجب لماذا تُقيمين وحدك في هذا الفندق!

– أراك تعود إلى التحقيق.

– کلا، لا داعيَ للتحقيق، ولكني علمت أن المُقيمين بالطابق الثاني يُضايقونك.

– أبدًا، لعلَّهم يُضايقونك أنت.

فتنهَّدت وتعمَّدت أن أُسمعها تنهُّدي، ثم قلت: فليَكُن .. ألا ترَين من الحكمة أن نترك فندق ريش؟

– نترك؟!

– نعم .. أنا أعني ما أقول، وأعرف فندقًا هادئًا في لوران، فما رأيك؟

ولم تُجِبني، ولازمت الصمت حينًا، وبدا على وجهها الاهتمام والتفكير، فخفق قلبي وساوَرني الخوف والقلق؛ ولكني أحسست فجأةً بذراعها تلتفُّ بذراعي، وسِرنا مُشتبكَين كالعُشاق أو الأزواج، فأُثلج صدري، وغمرني الفرح والفوز، وقنعت بذلك جوابًا.

وفي مساء ذلك اليوم افتتحنا معًا مأدبة الحب، فعُدنا إلى ريش وأخذنا حقائبنا ورحلنا إلى لوران، ونزلنا في فندق أكس لا شابل، وهو فندقٌ هادئ مُنعزِل يقوم على شاطئ البحر كزاهدٍ عازف يُولِّي ظهره ضجيج الحياة، ويستقبل أفق الأبدية والأحلام.

وعِشت أيامًا أذكُرها دائمًا كما يذكُر السقيم عهد الصحة والعافية؛ كان الحب فيها الحاكم القاهر المستبِدَّ الطاغيَ الذي لا يترك لشيء مكانًا من عقولنا أو نفوسنا. وكنت أعلم أنها أيام وإن طالت قِصار، وإن صفت فإلى انتهاءٍ سريع؛ فأقبلت عليها بنهَمٍ وجشع أملأ من حسنها قلبي وحواسِّي؛ کي لا أدع زيادة لمُستزيد، غير مؤجِّل متعةً إلى غد أو مُبقٍ على لذة إلى حين، أو تاركٍ ثمرة بلا قطف والتهام .. وكانت شريكتي سعيدةً راضية يُسكرها الحب وتستخفُّها آيات العطف، فتستزيد منها كما يستزيد منها الثَّمِل من الطرب.

وتبيَّن لي بغير كبير عَناء أن آمالنا مُتباينة، فكنت لا أفكِّر إلا في حاضري، وأودُّ لو أمتصُّ ما فيه من حلاوة في رشفةٍ واحدة .. أما هي فكانت تنظر إلى بعيد، ولا تفتأ تذكُر المستقبل، وترغب رغبةً صادقة في أن تطمئنَّ إلى دوام السعادة والحب. وقد عجبتُ لذلك، وعلمت أني لم أفهم بعدُ تلك المرأة. وقد ظننتُها حينًا امرأةً مُستهترة مُتقلبة الأهواء، تجوب البلاد بعيدًا عن زوجها طلبًا للحب الآثم وانتهابًا للذات .. ولكني وجدتها هادئة الطبع، عظيمة المودة، لا تُسيطر عليها النزوات العمياء التي تُورِد أصحابها مَهالك الفتن.

وكانت أيامنا الأولى أيام حب خالص، فلم يُكدِّر صفوي مُکدِّر، إلا أن إفراطي الشدید ردَّني إلى شيء من اليقظة والانتباه، فاستطاع فِكري أن يتناول أمورًا غير الحب.

فكَّرت في أني أعتدي لأول مرة على حُرمة الزوجية، ولم يكن سبَق لي أن اقترفت هذا الإثم المُنكَر، فوخزتني شكة الألم وأحسست بخوفٍ غامض، وزاد من ألمي أني كنت على عتبة الحياة الزوجية، وساءلت نفسي في رعب: ألا يجوز أن يقتصَّ الله مني ويُصيبني يومًا في المقتل الذي طعنت فيه الآخرين.

وهنا قاطَعه أحد المُستمعين قائلًا: وهل صدَقَت مخاوفك فيما بعد؟

وضحك البعض، ونظر مُحدِّثنا إلى مُقاطِعه شزرًا، ثم استأنف حديثه قائلًا: ثم فكَّرت في أمرٍ آخر لا يقلُّ عن سابقه خطورة، فكَّرت في أمر الزوج الغريب الذي يترك لزوجته الحبل على الغارب، ما الذي عساه يُفرِّق بينهما؟ .. وكيف يرضى عن هذه الحياة الغريبة؟ .. وألا يمكن أن يظهر بغتةً في أُفقنا الهادئ فتكون الطامَّة التي لا تُدفع.

وكانت هذه الأفكار تُساورني خارج الفندق بعيدًا عن ظلها الخفيف، ولكني وجدت نفسي مسوقًا إلى مُفاتَحتها بهذا الحديث وقد فعلت، فسألتها يومًا: أما من أخبار عن زوجك؟

فاكفهرَّ وجهها وأظلمت عيناها، وقالت: دع هذا الحديث جانبًا.

فاضطُرِرت ساعتئذٍ إلى السكوت، وفي نيَّتي أن أُعيدَ الكَرَّة مهما كلَّفني ذلك. وكانت تتحاشى هذا الحديث وتتهرب منه، ولكني قلت لها يومًا بإخلاص وحزم: ينبغي أن تعلمي أنه ليس الفضول الذي يدفعني إلى معاودة السؤال، ولكنه اهتمام بشخصٍ أُعزُّه وأُحبُّه، وأرجو دائمًا أن يفتح لي صدره وقلبه.

كم فرحت لكلامي هذا .. لقد التصقَت بي بوَجْد وحنان، وتنهدَّت بسعادة وقالت: يا للسعادة .. طالما ضرعت إلى الله أن يهَبني قلبًا حنونًا مُحبًّا.

فداعبتُ خصلة من شعرها الأسود بیدي وقلت: إذن هيَّا وصارحيني بكل شيء.

– ولكنه حديثٌ مؤلم کريه.

فقلت: أنا لا أدري شيئًا؛ لأنكِ لم تريدي أن تُطلعيني على شيء، ولكني كنت أُرجِّح دائمًا أن حياتك الزوجية غير سليمة، ومَهما يكن من أمر فينبغي أن أعلم كيف يتركك زوجك هكذا!

فهزَّت منكبَيها باستهانة وقالت: إنه لا يعرف مَقرِّي على وجه التحقيق.

– ما أعجبَ هذا! .. أستطيع أن أفهم أنكما غير مُتحابَّين، ولكن الذي لا أستطيع فهمه هو أن تبقيا زوجَين بعد ذلك.

– إنه لا يُطلِّقني لأنه لا يستطيع الاستغناء عن مالي .. وسوى ذلك فلم يكن زوجًا قط، وهو لا يُطيق أن يكون زوجًا في يوم من الأيام .. على أني في الواقع لا أرغب في الطلاق.

فحدَّقت في وجهها دهشًا وقلت: هذا أعجب!

– لا تعجَبْ لشيء، ألا ترى أني هكذا مالكة لحريتي؟ ولو كنت مُطلَّقةً ما استطعت أن أذهب إلى حيث أشاء، ولو كان لي من يُهمُّه أمري ويحنو عليَّ بصدق لتغيَّر مصیري من بادئ الأمر، ولكني وحيدة، وحيدة في هذه الدنيا الواسعة، أنت لا تدري ما الوحدة .. أما أنا فقد تجرَّعت مذاقها طوال هذه السنين .. مات أبواي، والتحقَ أخي الأوحد بوظيفة في قنصلية اليونان، ونبذني زوجي .. فليس لي مكانٌ آوي إليه أو قلبٌ يعطف عليَّ، أنا منبوذة في هذه الدنيا.

فوجمت صامتًا وغلبني التأثر الشديد، ورأيت وجهها الجميل مُحتقنًا كقطعة من الجمر، ولمحت دمعةً حبيسة في عينَيها، فقلت: إنكِ جميلة وغنية، فماذا كان يريد هذا الأحمق؟

– إنه وحشٌ ضارٍ وقاسٍ جَحود، لم أستطِع أن أُعاشره كزوجة إلا أيامًا معدودات، ثم اضطرَّني إلى حياة التشرد والهيمان .. ولو وهبني الله طفلًا لاستعنت به على الصبر والرضا، ولكني حُرِمت حتى من هذا العزاء.

وكانت تتكلم بتأثرٍ شديد فيُخيَّل إليَّ أني سأتبعها إلى البكاء، وثُرتُ في نفسي على الحظ التَّعِس الذي ضيَّق عليها الخِناق، وخطرَت لي فكرة فقلت لها: ألم يكن في وُسعك إصلاحُ ما أفسد الحظ؟

فضحكت ضحكةً مريرة وقالت: الحظ التعس لا يُصلحه شيء، وأنا ما قصَّرت قط. وأُصارحك القول بأني كنت أحبه، وما وافقت على الزواج منه إلا لأني أحببته يومًا، ولكنه مضى بعد الأسبوع الأول من زواجنا يقضي الليل خارج البيت ولا يعود إلا قُبَيل الفجر، وكنت إذا انبريت لإصلاحه ومدافعة الشقاء الذي يُهدِّدني به سَخِر مني وهزأ بمحاولاتي. ولمَّا ضاق بي ترك السخرية والهُزء وعمد إلى الخشونة والفظاظة.

وسكتت عن الحديث دقائق وهي مُستسلِمة إلى الشعور الأليم الذي أحدثته الذكريات، ثم أردفت بصوتٍ أعمق ووجهٍ أشدَّ اكفهرارًا: وأدركني اليأس منه ولمَّا أُتمَّ شهرًا كاملًا في بيتي الجديد؛ وكان ذلك لحادثةٍ همجية لا يمكن أن تُمحى من ذاكرتي؛ أیئَسَتني من الخير ودمَّرت كل فضيلة في نفسي؛ ففي ليلة من ليالي شهر العسل كنت مُستغرِقة في النوم بعد سُهاد حزين، وإذا بهزَّة عنيفة توقظني من نومي، فاستيقظت فزِعةً صارخة ونظرت بعينَين مُرتعِبتَين، فرأيته جالسًا إلى حافة الفِراش، وهممت بتعنيفه، ولكن لساني لم يتحرَّك في فمي؛ لأنه كان في حالة سُكْر شديد كما تبيَّنت ذلك من نظرته الذاهلة ووجهه المُحتقِن والرائحة التي تنبعث من فمه. وكان هناك ما هو أدهى من ذلك؛ كانت تقف قريبةً منه امرأةٌ غريبة في مثل حالته من السُّكْر الشديد، كانت تنتظر بلا ريبٍ أن أُوسع لها مكاني من فِراش العُرس، ولم يُمهلني حتى أُفيقَ من فزعي ودهشتي، فقال لي بلسانه الثقيل المُلتوي: «تفضَّلي خارجًا.» ولم تنتظر صاحبته، فدنَت من الفِراش وارتمت إلى جانبي. ولم أتمالك نفسي، ففزعت من مكاني إلى أرض الغُرفة وفقدتُ رُشدي، فانفجرت غاضبةً وانهَلتُ عليه سبًّا ولعنًا، ولكنه هزَّ كتفَيه استهانةً واستلقى إلى جانبها، فغادرت الحُجرة في حالةٍ جنونية، وأحسست برغبة لا تُقاوَم في هجر البيت. وكانت ثيابي في الدولاب داخل الحجرة، فأخذت غطاء المائدة القطيفة وتلفَّعت به، وفتحت الباب وولَّيت خارجًا والديوكُ تصيح مُعلنةً طلوع الفجر، وهرولتُ في الطريق المُوحِش لا ألوي على شيء، حتى انتهت قدماي إلى البيت الوحيد الذي تعوَّدنا الذهاب إليه .. بيت والدتك .. ولعلك تذكُر الأيام القلائل التي قضيتها عندكم .. إني لا أنسى تلك الليلة أبدًا، ولا تزال قائمة في نفسي بجميع تفاصيلها .. وقد كانت فاصلة في حياتي بين عهدَين.

إني أذكُر تلك الأيام بلا ريب .. ولكن كم كنت أجهل ما تُخفي من التعاسة والبؤس.

واحترمت فترة الصمت التي تلَت ذلك ثم سألتها: كيف عُدتِ إليه بعد ذلك؟

فهزَّت رأسها باشمئزاز وقالت: في تلك الليلة انتهت حياتي الزوجية في الواقع، ولكني كنت بلا مأوًى وبلا مُعِين، فماذا أصنع؟ .. عرض عليَّ اتفاقيةً فقبِلتُها، وهي أن أُعطيَه من مالي على أن يُعطيني حريتي. وقد كان .. وغدوت حُرة أُقيم حيث أشاء وأفعل ما أشاء لا أُسأل عما أفعل.

وهالني الأمر فقلت: وهل عِشتِ سعيدة؟

فتنهَّدت وقالت: ليت ذلك كان ممكنًا .. ما تمنَّيت على الله من شيء مثلما تمنَّيت أن يَسلبني حريتي هذه في لقاء أن أحظى بالسعادة التي أحلُم بها والعطف الذي أتحرَّق إليه؛ وأنا مُستعدة دائمًا أن أتنازل عن حريتي بائنةً لمن يهَبني قلبه وإخلاصه .. كم تعبت وكم بحثت .. وكم ضِقت بحُريتي!

الآن علمت كل شيء .. لقد صرفَت هذه المرأة التعسة عشرةَ أعوام في البحث عن العبودية السعيدة، فهل يا تُرى وُفِّقت إلى ما تريد؟ .. كلَّا، هي لم تُوفَّق ولا ريب، ولو أنها وُفِّقت إلى الحبيب الصادق ما ارتمت بين أحضاني أنا بهذه السهولة. لقد انصرمَت السنوات العشر في خيبةٍ مريرة وخِدَع أليمة. وما من شك في أن الكثيرين تلقَّفوها بشراهة وجشع كما أفعل الآن، ثم ردُّوها قهرًا بعد شبع إلى حُريتها البغيضة. وهكذا فالحرية نفسها تهون وترخص أحيانًا، وتعيى في طلب المُستبد الغاصب.

ولمَّا انتهت من سرد قِصتها نظرَت إليَّ بطمأنينة واستسلام، ثم ألصقت جبهتها بجبهتي، وسمعتها تهمس في أُذني قائلةً: وأخيرًا …

وفهمت مدلول تلك الكلمة، وعلمت أني ألعب في روايتها البائسة دور الأمل الأخير؛ فإما أن أقوم به كما تتمنَّى أحلامها وإما أن أُشفيَ بها على اليأس القاتل.

وأحسست بثقلٍ تَبِعني، ورانَ علی صدري همٌّ عظيم، وتساءلت حيرانَ: تُرى ما هي أحلامها؟ .. أن تدوم هذه العِشرة؟ .. وكيف لي بدوامها وأنا على قاب قوسَين أو أدنى من الزواج؟ .. ومضى تأثُّري الشديد لتعاستها يهدأ نوعًا، وأخذت أفكِّر في نفسي وأنظر إلى علاقتي بها بعينٍ مُتشائمة، وأتساءل في قسوة وأسف عن طريقة للخلاص .. وكانت تأتي عليَّ أوقاتٌ أعجَبُ فيها من أنانيَّتي، وأتساءل في اشمئزاز: إذَن كيف كان شأنُ من لم يشعر نحوها بغير الشهوة والطمع؟ الحق أن عالمنا الإنسانيَّ عالمٌ شديد القسوة، وما أضيَع الفلسفة التي تَعِب أصحابها في الدعوة إلى القسوة وتحقيق تنازُع البقاء؛ فهي في الحق تحصيل حاصل وجهدٌ ما كان أحرى باذِليه بالضنِّ به.

على أن الذي أزعجني هو أن زينب فطنت لمشاعري الخفية من غير أن أُصارحها بها، وبدا لي ذلك في وُجومها وبُرودها وقنوطها. ولم أدهش؛ فإني من الذين لا يدرون كيف يُخفون ما بنفوسهم، وتفضحهم أعيُنهم وإيماءاتهم. ولم أكُن بيَّتُّ قطُّ نيةَ مُصارَحتها بعاطفة مما يعتلج في صدري أو بفكر مما يحترق في رأسي، وقد كنت أفكر في حالتها بعطف ومودة، ولكن العطف شيء والحب شيء.

وكنت أتوقَّع في خوف وإشفاق أن تُفاتحني بما يقوم في نفسها من الوساوس، وكان ذلك يُضاعف آلامي النفسية، ورجوت أن تنقشع تلك السحابة من سماء حياتي دون أن تترك وراءها أثرًا لحزن أو ألم أو تأنيب ضمير. وانقلبت حياتنا تمثيلًا ثقيلًا، وكان كلٌّ منا يعلم بما يشعر به صاحبه نحوه، ولكنَّا كنا نتجاهل كل شيء .. لماذا لم تُصارحني بشعورها؟ .. ولماذا لم تهبَّ للدفاع عن سعادتها الموهومة؟ لم يحدث شيء من هذا.

وقد عُدتُ ظُهْر يوم من عملي بالتفتيش فوجدت حُجرتنا خالية، وبحثَت عیناي عن آثارها اللطيفة التي تعوَّدت رؤيتها، كالفساتين التي كانت تُعلِّقها على المِشجب أو الحقيبة التي كانت تضعها على المائدة، فلم أرَ أثرًا، وأسرعت إلى الدولاب وفتحته على مِصراعَيه فلم أجد سوى ثيابي، وناديت الخادم وسألته عنها، فأخبرني أن الهانم تركت الفندق الساعة العاشرة صباحًا، وأنه أحضر لها بنفسه التاكسي.

وبحثت هنا وهناك عن خطاب أو ورقة لأني كنت أتوقَّع أن تترك لي كلمة، ولكني لم أعثر على شيء.

لقد تركتني دون كلمة، وانتهى كل شيء!

وجلست صامتًا واجمًا تتنازعني العواطف، ولم أشعر براحة للخلاص الذي جاءني بدون مشقَّة، وأحسستُ بخجل وألم ووحشةٍ ثقيلة، ولم أجد رغبة في الطعام، فقمت من فوري أبحث عن مَسكنٍ جديد؛ لأنه كان يتعذر عليَّ أن أبيت ليلتي في تلك الحجرة المهجورة.

وسكت الراوي لحظةً ثم أردف: ومضت سنوات لم أرَها فيها، ثم رأيتها منذ عهدٍ قريب تُساير شابًّا أنيقًا في ميدان المحطة، ولكني لا أدري إن كانت ما تزال تبحث عن الحب والعطف أم إنها استسلمت إلى القنوط!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤