وردة، أرشيف، ٢٥

وقف «تختخ» يُحدِّق في الظلام حوله … كان يشعر بأن الدنيا تدور به، وأن عصابة «رجل الصندوق» أخطر من أن يُواجهها المغامرون الخمسة … وأن الموقف الآن رهيب بعد أن وقعَت «لوزة» و«نوسة» في يد العصابة … وسمع «زنجرَ» يزوم في الظلام فقال له: هذه المرة نحن في موقف سيئ جدًّا يا «زنجر»، وليس لكَ عمل تقوم به.

عاد «زنجر» يزوم في الظلام، واستمدَّ «تختخ» من رفقة كلبه المحبوب شعورًا بالثقة أخذ يُسيطر عليه تدريجيًّا، وبدأ ذهنه يصفو … ويُفكِّر فيما ينبغي عمله … لقد أصبح واضحًا أن المكالمة التليفونية التي استمعَت إليها «لوزة» و«ناهد» كانَت مُدبَّرة … ولم يكن سهوًا من العصابة أن تترك الخط مفتوحًا بحيث تستمع الصديقتان إلى الحديث … لقد كان ذلك مقصودًا لإيهام من يستمع بأنه عرف تحرُّكات العصابة. وقد نجحَت الخطة تمامًا … وتصوَّرت الصديقتان الصغيرتان أنهما وقعتا على طرف خيط يُؤدِّي إلى معرفة مكان العصابة، فأسرعتا إلى منطقة «الاستاد» الموحشة، وكان سهلًا جدًّا على العصابة أن تختطف الفتاتَين الصغيرتَين ببساطةٍ في هذا الظلام.

والآن ما العمل؟!

هكذا كان «تختخ» يُفكِّر … ولو كانَت العصابة قد أسرَت «محب» و«عاطف» لاختلف الأمر؛ فقد وقعا من قبلُ في مآزق، واستطاعا الخلاص منها … أمَّا «لوزة» و«نوسة» … وتنهَّد «تختخ»، ولكنه ظلَّ يُفكِّر في هدوء … ثم قرَّر في النهاية أن يعود للبحث عن «محب» و«عاطف»؛ فقد يكونان قد عادا، وبعدها يبدءون معًا التفكير في الخطوة التالية.

وأسرع عائدًا … وأحسَّ ببعض الطمأنينة عندما شاهد غرفة «محب» مضاءة، وسرعان ما أطلق نعيق البومة تحت نافذته … وهو الصوت المتفق عليه بين المغامرين الخمسة لتبادل الإشارات.

نزل «محب» مسرعًا ففتح الباب ﻟ «تختخ» الذي اندفع صاعدًا إلى غرفة «محب» وهو يسأل: هل «عاطف» معك؟

محب: نعم … ما هي الأخبار؟ لقد روَت لنا «ناهد» قصة المكالمة التليفونية منذ دقيقة واحدة، وكدنا نلحق ﺑ «لوزة» و«نوسة» إلى منطقة «الاستاد» لولا حضورك … ماذا فعلت؟

ردَّ «تختخ» وهو يُلقي بنفسه على كرسي في غرفة «محب»: لا شيء أكثر من أنهما وقعتا في أيدي العصابة!

صاح «عاطف» منفعلًا: ماذا تعني؟!

تختخ: ما قلتُه بالضبط … سقطَت الفتاتان في أيدي العصابة.

محب: كيف؟!

تختخ: لا أدري … لكن من الواضح أن المكالمة التليفونية التي استمعَت إليها «ناهد» و«لوزة» كانَت مكالمةً مصطنعة، وأن العصابة خطيرة، وزعيمها ذكي وداهية … وقد أوقعوا الفتاتَين بحيلة بسيطة جدًّا.

محب: وماذا وجدتَ في منطقة «الاستاد»؟

تختخ: الحقيقة أنني وقعتُ أنا الآخر ضحية عملية بسيطة؛ فقد خرج شخص من الظلام وأنا أبحث عن «لوزة» و«نوسة» واصطدم بي، ثم أعطاني ورقة قال إنها وقعَت مني … وقبل أن أُفكِّر فيما حدث، اختفى الرجل كأنما انشقَّت الأرض وابتلعَته!

وأخرج «تختخ» الورقة وناولها ﻟ «محب» الذي أخذ يقرأ بصوتٍ مرتفع نصَّ إنذار العصابة إليهم.

وبعد أن انتهى «محب» هبط صمت ثقيل على الثلاثة … فقد كان واضحًا أن تحديد الخطوة التالية ليس مسألةً سهلة.

قال «عاطف»: تعالَوا نذهب فورًا إلى مقر «الشركة العالمية للنقل» … وسنُمسك بمن نجده هناك ونخنقه حتى يعترف.

تختخ: هذا ما فكَّرتُ فيه … ولكن الشركة الآن أغلقَت أبوابها … فنحن بعد العاشرة، ولا أظن أنها تفتح الآن أبوابها.

وهكذا أُغلق الباب الوحيد فعلًا لمحاولة الاتصال بالعصابة، وعاد الصمت يُخيِّم على الأصدقاء الثلاثة … ولكنه صمت لم يستمرَّ طويلًا … فقد سمعوا صوت التليفون وهو يدق في الدور الأول، وأسرع «محب» للرد عليه … وعندما عاد كان يمسكه في يده … وكانَت المكالمة من والدة «عاطف» تسأل عنه وعن شقيقته، فقال «تختخ» ﻟ «عاطف» بصوتٍ هامس: قل لها إنكما قد تقضيان الليلة هنا.

وأمسك «عاطف» بسمَّاعة التليفون ويده ترتجف …

لقد كان مُضطرًّا للكذب، وهي مُهمَّة شاقة لا يُجيدها ولا يُحبها، ولكن لم يكن هناك حل آخر لتغطية غياب «لوزة» … ولم تشكَّ الوالدة في حديث «عاطف»؛ فقد قالَت له: ولكن ليس معك «بيجامة» ولا «لوزة»!

عاطف: سآخذ «بيجامةً» من «محب»، وتأخذ «لوزة» واحدةً من «نوسة»!

وأخذ قلبه يدق خوفًا من أن تطلب والدته أن تُكلِّم «لوزة»، ولكن لحسن الحظ انتهَت المكالمة، وتنفَّس «عاطف» الصُّعَداء.

قال «محب»: الحمد لله أن والدَي مسافران؛ وإلا لوقعنا في أزمة خطيرة!

تختخ: والمهمة التي قمتما بها … ألم تُؤدِّ إلى شيء؟ ولماذا تأخَّرتما؟

محب: لقد انتهَت المهمَّة بالنجاح.

قفز «تختخ» واقفًا وقال: بالنجاح! … إذن لدينا خيط هام إلى العصابة! لماذا لم تقُل هذا قبل الآن؟! إنها فرصتنا الوحيدة … إننا …

رفع «عاطف» يده وأطلق صفيرًا من فمه كحكم في مباراة كرة قدم وصاح: قف! … ما هذا؟ لقد اندفعتَ كالصاروخ، ووصلتَ إلى استنتاجات ليسَت صحيحة … إن المهمَّة انتهَت بالنجاح لأننا عثرنا على الرجل فعلًا … ولكن اتضح أنه ليس له أية علاقة بالعصابة … المسألة كلها أنه سقط وهو يسير في أحد الشوارع وأُصيب بارتجاجٍ في المخ وفقدٍ مُؤقَّت للذاكرة … وقد بدأنا البحث …

ولكن «تختخ» انتهز الفرصة ليردَّ على «عاطف»، فرفع يده قائلًا: قِف! ليس هذا وقت حكاية مغامراتكما التي انتهَت بالنجاح … ما دام الرجل ليس له علاقة بالعصابة وما نحن فيه من ألغاز!

سكت «عاطف»، وعاد الأصدقاء الثلاثة يُنكِّسون رءوسهم إلى الأرض وهم في حَيرة من أمرهم عندما قال «تختخ»: الخيط الوحيد الذي في يدنا الآن هو أن نذهب لمقابلة الشاويش «فرقع»، ونأخذ منه كلَّ المعلومات التي يعرفها عن السائق المدعو «طفاشة»، ثم نُتابع «طفاشة» هذا بواسطة المفتش «سامي» ورجاله … هذا هو الحل الوحيد، وهذا العمل سيأخذ وقتًا طويلًا، علمًا بأن العصابة حذَّرتنا … وهناك احتمال آخر.

محب: ما هو؟

تختخ: أن تتصل بنا العصابة … فهذا هو المعتاد في حوادث الخطف … فالعصابة قد خطفَت الفتاتَين … فماذا تُريد؟ لا بد أن تتصل بنا.

ولم يُكمل «تختخ» حديثه حتى دقَّ جرس التليفون، فصاح «محب»: لا بد أنها العصابة!

ولكن المكالمة كانَت من «ناهد»، وأسرع «تختخ» يتحدَّث إليها … قالَت «ناهد» بصوتٍ مُتقطِّع الأنفاس: الحمد لله أنني وجدتكم … لقد اتصلتُ بك في البيت ولكن لم أجِدك.

تختخ: هل هناك شيء؟

ناهد: نعم … لقد اتصلَت بي العصابة.

نظر «تختخ» إلى «محب» و«عاطف» نظرةً أدركا منها أن المكالمة مهمة جدًّا فاقتربا، وأخذا يستمعان بجواره، ومضَت «ناهد» تقول: لقد اتصلَت بي العصابة … وقال لي أحدهم: إن الفتاتَين عندنا … ولقد أرسلنا لكم إنذارًا استمعوا إليه. وهم يطلبون منا ألَّا نتصل بالشرطة مطلقًا لفترة ما، ثم يُطلقون سراح الفتاتَين وينتهي الأمر.

تختخ: ألم يقل لك شيئًا آخر؟

ناهد: لا … ولكني طلبتُ الحديث إلى «نوسة» أو «لوزة» لأطمئن عليهما وقد تحدَّثتُ إلى «نوسة».

تختخ: عظيم جدًّا! … أنتِ مغامِرة ممتازة!

ناهد: وقد اطمأننتُ عليها … وفي آخر الحديث قالَت لي «نوسة» ثلاث كلمات فهمتُ واحدةً ولم أفهم الباقي.

دقَّ قلب «تختخ» سريعًا؛ فقد أدرك أن «نوسة» تُرسل إليه رسالةً سريةً قد تُفيد، فقال: ما هي الكلمات الثلاث؟

ناهد: قالَت لي «الوردة»، وقد فهمتُ فهي كلمة السر بيننا …

تختخ: الكلمة الثانية؟

ناهد: الأرشيف.

تختخ: والثالثة؟

ناهد: ٢٥.

تختخ: لا شيء آخر؟

ناهد: لا … لا … لا شيء آخر.

تختخ: أشكرك جدًّا … أنت ممتازة!

ناهد: وماذا تعني هذه الكلمات؟

تختخ: إنها تعني كثيرًا … وسأشرح لكِ ذلك فيما بعد.

وأغلق «تختخ» السمَّاعة … وصاح ﺑ «محب»: أين الأرشيف الذي تُعده «نوسة» من الحوادث التي تُنشر في الجرائد؟

محب: إنه في دولاب بغرفة نومها.

واندفع الأصدقاء الثلاثة إلى غرفة «نوسة» فكادوا يصطدمون بالشغَّالة التي حضرَت تحمل لهم بعض «السندوتشات» والشاي، وقالَت الشغَّالة: أين «نوسة» يا أستاذ «محب»؟

محب: مع «لوزة»، و«لوزة» مع «نوسة» … و…

الشغَّالة: لقد أحضرتُ لكم بعض الأطعمة الخفيفة والشاي.

محب: شكرًا لك … ضعيها على مكتبي.

ودخل الثلاثة غرفة «نوسة»، وفتحوا الدولاب، وأخرجوا مجموعة الملفات التي كُتب على كلٍّ منها نوع الجريمة … خطف … سرقة … نصب … جرائم متنوعة … إلى آخره.

قال «عاطف»: هل نبحث عن شيء مُعيَّن؟

تختخ: افتحوا صفحة ٢٥ في كل ملف، واقرءوا ما تجدون.

وأمسك كل واحد بملف، وفتحوا صفحة ٢٥، وقال «عاطف»: قصاصة من جريدة «الأخبار» … وقعَت أمس سرقة في منزل أحد القضاة … وقد استطاع اللصوص سرقة مجموعة من الأشياء الثمينة، ولم يتركوا أي آثار يمكن أن تدل عليهم … ويقوم رجال الشرطة الآن …

تختخ: لا أعتقد أن لهذا علاقةً بموضوعنا … وكذلك الموضوع الذي أقرؤه في هذا الملف … فهو عملية نصب قام بها نصَّاب على أحد الفلَّاحين في ميدان باب الحديد.

محب: وهذه قضيةُ خطف رجل في الصعيد … وقد خطفه الجُناة طمعًا في الفدية.

تختخ: قد يكون هذا هو الرجل المطلوب … أرني هذا الملف!

وأخذ «تختخ» يقرأ الحادثة … ولكن «عاطف» الذي كان يقف بجواره قال: لا يمكن أن يكون هذا هو الرجل المطلوب!

تختخ: لماذا؟

عاطف: لأن تاريخ الجريدة لاحق لعثور «ناهد» على رجل الصندوق؛ أي إن الحادث وقع بعد حادث رجل الصندوق.

قال «تختخ» بضيق: معك حق … لقد توقَّعتُ أن يكون هذا هو الحادث الذي تُريد منا «نوسة» أن نعرفه … ولكن …

محب: بقي ملف جرائم متنوعة.

وأمسك «تختخ» بالملف، وفتح الصفحة رقم ٢٥، ولم يكَد ينظر فيها حتى صاح: عظيم! يا سلام يا «نوسة» على ذكائك! … لقد وقعنا على ما نبحث عنه.

عاطف: ما هو؟

تختخ: انظر!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤