الفصل الخامس والعشرون

عندما جاء ونتوورث إلى مقرِّ الشركة ليرى إن كان قد جدَّ جديد، أخبره كينيون بأن لونجوورث الشابَّ لم يُسافر إلى الشمال على الإطلاق، وأنه في باريس. فكَّر ونتوورث في هذه المعلومة للحظة، ثم قال:

«لقد بعثتُ رسالةً له، لكني لم أتلقَّ أيَّ رد. لقد ذهبتُ لتوي لمقابلة المحامين، وأخبرتُهم بأن الوقت يُداهمنا وبأننا يجب أن نفعل شيئًا. لقد اتفقوا تمامًا على أنه من الأفضل اتخاذُ بعض الإجراءات على الفور، لكنهم، بالطبع، وكما قالوا، كانوا فقط ينتظرون الأوامر. إنهم على استعدادٍ لفعل أي شيء نطلبه منهم. لكنهم نصحوا بضرورة الانتظار حتى عودة لونجوورث، ثم اقترحوا ضرورة عقد اجتماع في مقرِّ الشركة هنا. لقد قالوا أيضًا إن المسألة برُمَّتها ستنتهي في غضون أسبوع على الأكثر إن كان لدى لونجوورث خمسة أو ستة أشخاص يعزمون على الانضمام للمشروع. إنهم لم يَبدُ عليهم على الإطلاق القلقُ بشأن ضيق الوقت، لكنهم قالوا إن كل شيء يعتمد على المستثمرين الذين سيجلبهم لونجوورث. إن كانوا مناسبين، فلن تكون هناك أيُّ مشكلة. لذا، إجمالًا، نصَحوني بعدم القلق بشأن الأمر، وبضرورة التواصل مع لونجوورث، إن كان ذلك باستطاعتي، وحثِّه على العودة بأسرعِ وقتٍ ممكن. يجب أن أعترف أن هذا كان هو الشيءَ الوحيد الذي يجب فعله؛ لذا جئتُ إلى هنا لأرى إن كانت قد وصَلَتك أيُّ أخبارٍ عنه.»

قال كينيون: «لم تصلني أيُّ أخبار عنه، فيما عدا أنه قد كذب، وذهب إلى باريس بدلًا من الشمال.»

رد متأملًا: «حسنًا، أعتقد أن هذه ليست نقطةً مهمة للغاية. قد يكون في مهمةِ عمل في باريس، وربما ظن أنه ليس من شأن أحد معرفةُ أين ذهب، وهو أمر محقٌّ ومخطئٌ فيه بعض الشيء. لقد ظن، بلا شك، أنه إن قال إنه ذاهبٌ إلى الشمال، لرؤيةِ بعض الرجال الذين لا يُمكن رؤيتهم دون الذَّهاب إلى هناك، فإن ذلك سيُهدئنا، ويجعلنا نعتقد أن مشروعنا يسير على ما يُرام.»

«هذا بالضبط ما أعترض عليه، يا ونتوورث. إن سلوكه بالكامل يبدو أنه يُشير إلى أنه يريدنا أن نعتقد أن كلَّ شيء على ما يُرام، في حينِ أن الأمر ليس كذلك.»

«حسنًا، يا جون، كما قلت من قبل، عليك القيامُ بأحد الأمرين. عليك الوثوق بلونجوورث أو المضيِّ قدمًا بدونه. والآن، بحق السماء، قرِّر ماذا تريد، ولا تتذمَّر.»

«أنا لا أتذمر. الرجل الصادق بحقٍّ لن يكذب، حتى ولو كانت كذبة صغيرة.»

«أوه، أنت نَيِّقٌ بشدَّة. ابقَ في حي السيتي لمدة عشْر سنوات، ولن تُبالي بأمر بسيط كهذا.»

«الأمور البسيطة كهذه، كما تُسميها، تشير إلى أمرٍ عام.»

«أحيانًا يكون هذا هو الحال، وأحيانًا لا يكون كذلك. لا يجب أن تأخذ الأمور بجدِّية شديدة هكذا. أنا لا أرى أن أي شيء يمكن فعله حتى يُقرر لونجوورث الظهور. إن كان بإمكانك اقتراحُ أي شيء أفضل، كما قلت من قبل، فأخبرني به، وأنا على استعدادٍ للقيام بدوري فيه.»

«أعترف بأنني لا أعرف ما يُمكننا فعله. قد يكون علينا الانتظارُ ليوم أو اثنين آخَرين، ثم إن لم نسمع أي أخبار عن لونجوورث، فعلينا الاستغناء عن المحامين الذين اختارهم والاستعانةُ بآخرين يعملون لصالحنا.»

«الأشخاص الذين اختارهم لونجوورث ليسوا ذَوي شهرة كبيرة للغاية؛ ومع ذلك، يجب أن أعترف أنهم يتحدثون بطريقة أمينة للغاية. وكما قلت، ربما يكون من الأفضل أن نُبقي الأمورَ على ما هي عليه ليوم أو يومين.»

سرعان ما مرَّت هذه المهلة. وكتب ونتوورث مرة أخرى للونجوورث رسالةً في مكتبه، وقال إنهما سينتظران ليومَين آخرَين، وإن لم يظهر، قبل ذلك الوقت، فسيمضيان قدمًا في تأسيس الشركة، كما لو أنه لم ينضمَّ إليهما من الأساس.

لم يأتِ أيُّ رد على تلك الرسالة؛ ولذا بدأ كينيون وونتوورث مرة أخرى يناقشان الأمر في المقرِّ الفخم الذي اخْتِيرَ لهما.

قال كينيون: «أعتقد أنه لا توجد أيُّ أخبار بعد؟»

كان الرد: «لا شيء على الإطلاق.»

«رائع للغاية؛ لقد قررتُ ما يجب عليَّ فعلُه …»

وقبل أن يكون بإمكان كينيون قولُ ما قرَّر فعله، انفتح الباب ودخل عليهما السيد ويليام لونجوورث، بقبعته الحريرية اللامعة كالمرآة، ومظهره العامِّ الأنيق والفخم، ونظارته المثبتة في مكانها وعروة معطفه المعلَّق بها وردة.

وقال: «صباح الخير، يا رفاق.» ثم أردف: «ظننتُ أنني سأجدكما هنا؛ ولذا لم أذهب إلى مكتبك، يا ونتوورث.» ثم قال، وهو يتفحَّص المكان: «آه، هذه هي الخُطة الملائمة! هذا المقر يبدو حتى أفضل مما ظننتُ أنه سيكون عليه.» وأضاف، وهو يلتفت إلى شريكيه: «لقد وصلتُ لتوي هذا الصباح.»

قال ونتوورث: «في واقع الأمر، إننا سعيدان للغاية لرؤيتك. كيف كانت رحلتك لباريس؟»

لم يبدُ الشابُّ على الإطلاق مندهشًا من هذه الملاحظة. لقد رفع حاجبَيه فقط وهزَّ كتفيه وقال:

«آه، حسنًا، كما يعلم كِلاكما بلا شك، باريس لم تَعُد كما كانت. ومع ذلك، فقد قضيتُ وقتًا طيبًا للغاية هناك.»

قال ونتوورث: «أنا سعيدٌ لمعرفة هذا؛ وهل قابلتَ الرجال الذين توقعتَ مقابلتهم؟»

«يجب أن أُقِر بأنني لم أفعل. لم أظن أن هذا ضروري. لديَّ خمسة أو ستة أشخاص مهتمِّين بالفعل بالأمر، وقد تعهَّدوا فعليًّا بتقديم كل رأس المال اللازم.» وبعد أن قال هذا، استدار حول المكتب الذي كانوا يقفون عنده، وجلس، واضعًا ساقه اليمنى على ساقه اليسرى، وممسكًا ركبته بيديه.

«حسنًا، ما الذي تمَّ في غيابي؟ هل طُرِح المنجم للبيع بعد؟»

رد ونتوورث: «لا؛ لم يُطرَح المنجم للبيع بعد. والآن، سيد لونجوورث، قد حان وقتُ التحدُّث بصراحة. لقد سافرتَ لباريس دون أن تُعلِمَنا على نحوٍ مسبق في وقتٍ حرج للغاية، ولم تردَّ على أيٍّ من الرسائل التي بعثتُ بها إليك.»

«في الواقع، يا عزيزي، السبب هو أنني كنت أتوقع كلَّ يوم أن أعود إلى هنا، وكل يوم كنتُ أجد أن الأمر يحتاج إلى وقتٍ أطول.»

«رائعٌ للغاية؛ النقطة التي أود التأكُّدَ من إدراكك لها هي ما يلي: إن الوقت يُداهمنا. إن كنا سنُؤسس هذه الشركة، فعلينا أن نشرع في ذلك على الفور.»

قال لونجوورث، بنبرةِ عتاب: «زميلي العزيز، هذا بالضبط ما قلتُه لنفسي. إن الوقت يُداهمنا، كما تقول. وبالطبع، كما قلت عندما انضممتُ إليكما، أنا ليس بإمكاني تخصيصُ كلِّ وقتي لهذا. إننا شركاءُ متساوون، وحقيقة أنني كان عليَّ أن أسافر لبضعة أيام لا يجب أن تُؤثر على عمَلنا. ما الذي كان من المفترض أن تقوما به إن لم أكن شريكًا لكما؟»

رد ونتوورث ببعض الحدَّة: «إن لم تكن شريكًا لنا، لكُنَّا قد مضَينا قُدمًا في الأمر وأسَّسنا الشركة، وإلا لكنا سنفشل؛ لكن حقيقة أنك شريكٌ لنا هي فقط التي تعوقنا الآن عن فعل ذلك. نحن نشعر بأننا لا يحقُّ لنا فعلُ أي شيء حتى نحصل على موافقتك، أو حتى نعلم أنه لا يتعارض مع شيء قد قمتَ به بالفعل.»

«حسنًا، يا رجال، إن كنتما تنظران للأمر هكذا، فأنا على استعداد تامٍّ للانسحاب. أنا على استعداد لإرجاع الورقة التي أخذتُها منك، واستعادةِ الورقة التي أعطيتها لك. بالطبع، لا يمكننا العمل معًا إن كانت هناك أيُّ اتهامات متبادَلة. لقد فعلتُ كلَّ ما في وسعي؛ لقد فعلت كل ما وعدتُ بفعله؛ وحتى أكثر من ذلك؛ لكن إن ظننتُما للحظةٍ أن بإمكانكما المضيَّ قُدمًا في الأمر على نحوٍ أفضلَ بدوني، فأنا على استعداد في أي وقت للانسحاب.»

«ليس من السهل قولُ هذا، يا سيد لونجوورث، الآن بعد أن بقي على انتهاء مدة عقد خيار الشراء شهرٌ واحد فقط. يجب أن تتذكر أن وقتًا طويلًا قد ضاع، ولم يكن هذا خطَأَنا.»

«آه! هل تقصد أن تقول إنه قد ضاع بسبب خطئي أنا؟»

«أقصد أننا إن كنا بمفردنا في الأمر، لكان شيءٌ قد تم، بينما نحن الآن في نفس الوضع الذي انطلقنا منه. إننا في وضعٍ أسوأَ عما كان عليه الحال في البداية، ليس فقط لأننا قد أضَعْنا أموالنا وإنما أيضًا لأننا قد أصبحنا غارِقين في الدَّين.»

«حسنًا، سيد ونتوورث، أنا لم أعرض الانسحابَ حتى كِدتَ، في واقع الأمر، تطلبُ ذلك. أنا مستعدٌّ ومتحمس بشدة للمساعدة، لكن إن بقيتُ معكما، فيجب التأكد من عدم وجود مثلِ هذه الاتهامات المتبادَلة بيننا. يجب أن تفعلا كلَّ ما في وسعكما، ويجب أن أفعل كلَّ ما في وسعي.»

قال ونتوورث: «رائعٌ للغاية، إذن، تركُك لنا في هذا الوقت ليس محلَّ نقاشٍ على الإطلاق. والآن، هلا تعطيني أسماءَ الأشخاص الذين عرَضوا الانضمام إلينا؟»

«بالتأكيد.»

أخرج لونجوورث دفتر ملاحظات من جيب معطفه الداخلي، بينما التقط ونتوورث قلمًا من على المكتب وسحب ورقة باتجاهه.

«أولًا: السيد ميلفيل.»

«هل هذا هو ميلفيل الذي قابلتُه وتحدثتُ إليه بشأن تلك المادة؟»

«أنا بالتأكيد لا أعرف. إنه على رأس شركة سكرانتن للخزف.»

«هل أعربَ عن رغبته في الانضمام إلينا؟»

«نعم، يبدو أنه يعتقد أن المشروع جيد. لماذا تسأل؟»

«في واقع الأمر، فقط لأنني قد أخذتُ عينة من المادة إليه وكتب لي مديرُه أنها غيرُ ذاتِ قيمة. يبدو من الغريب جدًّا أن يرغب في الاستثمار في المنجم رغم أن مديره يعتقد أن تلك المادة لا قيمةَ لها.»

«أوه، إنه يرغب في الانضمام بصفته الشخصية. إنه ليس متأثرًا على الإطلاق بما يقوله المدير. المدير لا علاقة له بشئون ميلفيل الخاصَّة.»

«مع ذلك، يبدو هذا غريبًا للغاية لأنَّ كينيون عندما قابل المدير في الشمال، زعَمَ أنهم لا يستخدمون هذه المادة وقال إنها ليس لها أيُّ فائدة بالنسبة إليه.»

قال لونجوورث متأملًا: «هذا عجيبٌ للغاية.» ثم أضاف: «حسنًا، كل ما يُمكنني قوله هو أن ميلفيل أكد لي أنه يرغب في الاستثمار في هذا المنجم؛ لذا بحسَب اعتقادي، هو والمدير مختلفان بشأن قيمة المادة. يُمكنك كتابة اسم السيد ميلفيل بثقةٍ تامة. أنا أعرفه جيدًا، وأعرف أنه رجلُ أعمال دقيق. بالإضافة إلى ذلك، ستكون مَيزةً كبيرة أن ينضمَّ إلينا رجلٌ له صلة بصناعة الخزف.»

لم يكن هناك أيُّ جدل بشأن هذه النقطة؛ لذا لم يقل ونتوورث أيَّ شيء آخر. ثم ذكر لونجوورث أسماءَ خمسة أشخاص آخَرين، لكن لم يكن ونتوورث يعرفُ أيًّا منهم. ثم أغلق دفتر ملاحظاته ووضعه في جيبه.

سأل ونتوورث: «السؤالُ الذي يطرح نفسَه هو: هل حدَّد هؤلاء الرجالُ مدى مساهمتهم في الشركة؟»

«لا، لم يُحددوا. بالطبع، إن كل شيء سيعتمد على مدى انبهارهم بما يمكن أن نُخبِرَهم به. الشيء المهم هو إيجاد أشخاص راغبين حتى في الاستماع إليك. والباقي يعتمد على الحوافز التي تُقدِّمها.»

«هل تتوقع الحصولَ على مزيد من الأشخاص المهتمين بالأمر؟»

«أنا لا أعتقد أن هناك حاجةً إلى المزيد. إن أفضل شيءٍ علينا فعلُه الآن هو جمعُ هؤلاء الأشخاص معًا وإحضارُ محامينا إلى هنا. ثم يمكن لصديقنا كينيون، الذي هو متحدثٌ بارع، عرضُ المسألة عليهم.»

إن كينيون، الذي لم يتحدَّث على الإطلاق أثناء الحوار الدائر، حتى لم يرفع بصرَه باتجاه المتحدث، وعلى ما يبدو لم يسمع بالتلميح الساخرِ لبراعته في الحديث.

«رائع جدًّا؛ ومتى سيكون الوقت المناسب للدعوة إلى هذا الاجتماع؟»

رد لونجوورث: «بأسرعِ ما يمكن، على ما أعتقد.» ثم أضاف: «ما رأيك في يوم الإثنين، الساعة الثالثة؟ الناس ينتهون من تناول الغداء في تلك الساعة، ويكونون في حالةٍ مِزاجية جيدة. إن أرسلتَ رسالة مفادها أنَّ اجتماعًا سينعقدُ هنا في غرفة المديرين في الساعة الثالثة، تمامًا، يوم الإثنين، فسأزور هؤلاء الرجالَ وأجعلهم يأتون. إنهم بالطبع بوجهٍ عام منشغلون، وقد تكون لديهم مواعيدُ أخرى؛ مع ذلك، يجب أن نفعل شيئًا، ولا يمكن فعلُ شيء حتى نجمعهم معًا.»

«صحيح؛ دعوات الاجتماع ستُرسَل على الفور.»

قام لونجوورث من مكانه، وذهب إلى المكتب والتقط ورقة.

ثم قال: «ما هذا؟»

رفع كينيون بصره فجأة.

وقال، بتورُّد بسيط: «هذا هو أول مساهمٍ لدينا.»

«من كتب اسمَ الآنسة إديث لونجوورث هنا؟»

«السيدة الشابة نفسُها.»

«هل أتت إلى هنا؟»

«لقد جاءت إلى هنا، وأرادت أن تكون أولَ المساهمين.»

صاح لونجوورث، بعبوس: «هُراء! نحن لا نريد أن يكون لأيِّ امرأة علاقةٌ بهذا الأمر.» وبعد أن قال هذا، مزَّق الورقة نصفين.

أمسك كينيون بقبضة يده، وكان على وشك أن يقول شيئًا، عندما نزلت يد ونتوورث على كتفه بقوة.

وقال ونتوورث: «أنا لا أعتقد أننا سنرفض عشَرة آلاف جنيه من أي شخص يعرض دفعها، سواءٌ كان رجلًا أو امرأة. ربما من الأفضل أن نعرف ما إذا كان رجالُك سيُساهمون بمبلغ مساوٍ لهذا قبل أن نرفض مساهمةً حصلنا عليها بالفعل.»

«لكنها ليست لديها عشَرةُ آلاف جنيه.»

رد ونتوورث: «أعتقد أن أي شيء تقرن الآنسة لونجوورث اسمَها به تكون على استعدادٍ للالتزام به.» وبعد ذلك مباشرة، وضع الورقة المقطوعة نصفين في أحد الأدراج. وأضاف: «والآن، أعتقد أن هذا هو كل شيء؛ إننا سندعو للاجتماع يوم الإثنين، وننتظر ما سيُسفر عنه.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤