الفصل الثالث

لقد كان اليوم الثاني مفاجأةً سارَّة لكل ركابِ السفينة الذين أعدُّوا أنفسهم لرحلةٍ شتوية غيرِ سارة. لقد كان الهواء صافيًا والسماء زرقاء كما لو كان الوقتُ وقتَ الربيع، وليس منتصفَ الشتاء. وكانت السفينة في منطقة تيار الخليج الدافئ. سطَعَت الشمس بشدة وكان الطقس معتدلًا. ومع ذلك، كان يومًا غيرَ مريح للركاب المعرَّضين لدُوار البحر. فعلى الرغم من أنه لم يكن يبدو، للملاحِظ العادي، أن هناك حركةً كبيرة للماء، فقد أخذت السفينةُ تتأرجح على نحوٍ شديد. إن هؤلاء الذين اتخذوا قراراتٍ جريئةً بالجلوس على السطح كانوا يجلسون هناك في بؤسٍ صامت على كراسيهم التي كانت مربوطةً بدعامات قوية. القليل كان يتمشَّى على السطح اللامع النظيف لأن التمشيَ في ذلك الصباح كان يتطلب رشاقةَ لاعبي الجمباز. واستطاع الثلاثة أو الأربعة الذين أرادوا على ما يبدو أن يُثبتوا أنهم سافروا على متن هذه السفُن من قبل، ويعرفون كلَّ شيء عنها، أن يمشوا بالكاد على طول السطح. أما هؤلاء الجالسون على كراسيِّ السطح، فكانوا يُشاهدون ببعض الاهتمام مَن كانوا يسيرون أمامهم والذين كانوا من آنٍ لآخَر يتوقفون عن المشي وينحَنون بشدةٍ مع ميلِ السطح لأسفل. وأحيانًا كانت أقدامُ السائرين تَزلُّ، فينزلقون بسرعة على السطح المائل. ومثل هذه الحوادث كانت بلا شكٍّ محلَّ متابَعةٍ من قِبَل الجالسين، وحتى العُجُز كانوا يضحكون بوهن.

أسند كينيون ظهره على كرسيِّه على سطح السفينة وكانت عيناه مثبَّتتَين على السماء الزرقاء. كان عقله غيرَ منشغل الآن بشأن تقرير المناجم بعد أن أرسله بالتلغراف إلى لندن. وأخذ عقلُه ينظر في أحواله، وتساءل ما إذا كان سيجني الكثيرَ من المال من عقدِ خيار الشراء الذي حصل عليه في أوتاوا. لم يكن شخصًا متفائلًا، ولذلك شكَّ في هذا الأمر.

بعد أن انتهى الشابَّان من عملهما لصالح شركة لندن سينديكيت، أجريا صفقةً صغيرة لصالحهما. لقد زارا معًا منجمَ ميكا كان بالكاد يُغطي نفقاته، وكان مالكوه متلهِّفين على بيعه. كان المنجم مملوكًا لشركة المناجم النمساوية التي قابل كينيون وكيلها، فون برينت، في أوتاوا. أبرم الشابَّان عقد خيارِ شراءٍ بشأن هذا المنجم لمدة ثلاثة أشهُر مع فون برينت. كانت عين كينيون الخبيرة تقول له إن المادة المعدِنية البيضاء التي كانوا يُلقونها عند مقدَّمةِ المنجم كانت حتى ذاتَ قيمةٍ أعلى من الميكا التي كان المنجمُ يستخرجها من الأرض.

كان كينيون أمينًا بشدة — وهي صفةٌ نادرة بعضَ الشيء في مجال المناجم — وبدا له أنه ليس من العدل أن يستغلَّ جهل فون برينت بشأن المادة المعدِنية التي يتمُّ التخلُّص منها. ووجد ونتوورث بعضَ الصعوبة في التغلُّب على ضميرِ صديقه وأمانته الشديدة. وزعَم أن المعرفة دائمًا شيءٌ يجب أن يُدفَع من أجل الحصول عليه، سواءٌ في القانون أو الطبِّ أو مجال المناجم، ومِن ثَم فهما مُحقَّان تمامًا في الاستفادة من عِلمهما الكبير. وهكذا عاد الشابان بعقدِ خيار شراءٍ إلى لندن، مدتُه ثلاثة أشهر بشأن هذا المنجم.

أخذ ونتوورث يتجول في أنحاء السفينة طوال الصباح كروحٍ تائهة تبحث على ما يبدو عن صاحبِها. وقال لنفسه: «لا، لا يُمكن.» فقد كانت الفكرة مريعةً للغاية؛ ولذا، فقد أبعَدَها عن رأسه وخمَّن أنها ربما ليست من مُحبي الاستيقاظ المبكِّر، وقد كان بالفعل. في واقع الأمر، لم يستفِد أحدٌ يعمل في صحيفة صباحية قطُّ من المثَل الذي تضربه القُنْبُرة في الاستيقاظ مبكرًا.

قال ونتوورث: «حسنًا يا كينيون، إنك تبدو وكأنك تكتب قصيدة أو تقوم بشيء يتطلَّب جهدًا ذهنيًّا كبيرًا.»

«أترك لك كتابةَ القصائد، يا عزيزي ونتوورث. أنا أقوم بشيء عمَلي أكثرَ على نحوٍ كبير؛ شيء كان يجب أن تقومَ به أنت أيضًا. أنا أفكِّر فيما سنفعله في منجم الميكا الخاص بنا عندما نصل إلى لندن.»

قال ونتوورث بمرح: «أوه، «يكفي اليومَ شره»؛ بالإضافة إلى ذلك، نصف الساعة من التفكير من جانب شخصٍ في ذكائك تُساوي رحلةً كاملة من تأمُّلي العميق.»

قال كينيون: «ألم تَظهر بعد؟»

«نعم، يا عزيزي؛ نعم، ليس بعد. انظر كيف أنني لم أُظهِر غيرَ ما أُبطن كما يفعل غيري من الرجال الأقلِّ صدقًا. نعم، هي لم تظهر، ولم تتناول طعامَ الإفطار.»

قال كينيون: «ربما …»

صاح ونتوورث: «لا، لا! أنا لا أريد كلمةَ «ربما». لقد فكرتُ في هذا، لكنني استبعدتُ الفكرة على الفور. إنها غيرُ معرَّضةٍ لدوار البحر.»

«يجب أن تكون كذلك لكي تحتملَ مثل هذه الحركة. كما أن هذا يبدو غيرَ ضروري أيضًا. تُرى لماذا تتمايل السفينةُ هكذا؟»

«لا يُمكنني القول، لكن يبدو أنها تتمايل بشدة. يا صديقي القديم كينيون، أشعر بأن ضميري يُؤنِّبني بشدة بشأنِ تركِك هكذا، وفي وقتٍ مبكِّر من الرحلة. أنا لم أفعل ذلك في المرة السابقة، أليس كذلك؟»

ردَّ كينيون: «لقد كنتَ مثالًا لرفيق السفر في الرحلة السابقة.»

«أنا لا أريد أن أُقدِّم لك اقتراحاتٍ وقحةً، يا عزيزي، لكن اسمح لي أن أخبرك بأن هناك بعضَ الفتيات الأخرى الجميلات جدًّا على متن السفينة.»

ردَّ كينيون: «إذن، أنت لستَ سيئًا للغاية كما كنتُ أخشى، وإلا ما كنتَ ستعترف بهذا. ظننتُ أنك لا ترى أحدًا سوى الآنسة … الآنسة … في الواقع لم أسمَعِ اسمها.»

«أنا لا أُمانع في أن أخبرك يا كينيون، مع اعتبار هذا سرًّا، بأن اسمها هو جيني.»

صاح كينيون: «يا إلهي! أوصَلَ الأمر إلى هذا الحد؟ ألا تعتقد يا ونتوورث أنك متعجِّل بعضَ الشيء؟ يبدو هذا التوجُّهُ أمريكيًّا أكثرَ منه إنجليزيًّا؛ فالإنجليز يَزِنون الأمورَ على نحوٍ أكبر.»

«لا توجد ضرورة لوزن الأمور، يا صاح. أنا لا أرى أيَّ ضرر في التقرب من فتاةٍ جميلة ما دام أمامَ المرء رحلةٌ طويلة.»

«حسنًا، أنا ما كنتُ سأترك العلاقة تتطور، لو كنتُ مكانَك.»

«لا يوجد أيُّ احتمال للتطور في هذه العلاقة. فعندما تصل الفتاة إلى الشاطئ، لن تلقاني ثانية. إنها ابنة مليونير. وأبوها الآن في باريس، وسينطلقان في رحلةٍ إلى منطقة الريفيرا في غضون بضعة أسابيع.»

ردَّ كينيون: «وهذا سببٌ أدعى لضرورةِ ألَّا تجعل العلاقة تتطور. خذ حذرَك، يا صاح. لقد سمعتُ أن الفتيات الأمريكيات يَهْوَين استدراجَ الرجال في علاقةٍ حتى تصل تلك العلاقة لنقطة معينة، وحينها ترفع كلٌّ منهن حاجبَيها وتبدو عليها أماراتُ الاندهاش وبعد ذلك تنسى كلَّ شيء بشأنه. ومن الأفضل أن تنتظر حتى ينجح مشروعنا الخاصُّ بمنجم الميكا، وبعدها، قد تستمع إليك مليونيرتُك الحسناء.»

قال ونتوورث: «جون، أنت أكثرُ رجل أعرفه غِلظة. لم ألاحظ ذلك على نحوٍ خاصٍّ من قبل، ولكن يبدو لي أن سنواتٍ وسنواتٍ من العمل مع المعادن من كافةِ الأنواع؛ المعادن الصُّلبة والمتحجِّرة، تُغيِّر الإنسان. احذر أن تُصبح مثل المعادن التي تعمل معها.»

«حسنًا، أنا لا أعرف شيئًا أقلَّ قابليةً لترقيق الطِّباع من أعمدة الأرقام الطويلة. أعتقد أن الأرقام التي تعمل معها تُسبب غِلظة الطباع تمامًا مثلَ المعادن التي قضيتُ حياتي في العمل معها.»

«ربما أنت مُحِق في ذلك، لكن يجب أن تُلقى فتاةٌ بين ذراعيك قبل أن تعترف بوجودِ ذلك الشيء الذي يُطلَق عليه فتاة جميلة.»

«إذا استطعتُ الحصول على كل المال الذي آمُل أن أكسِبَه من منجم الميكا، فأتوقع أن الفتيات لن يُلقين بأنفسِهن بين ذراعيَّ، وإنما سيتهافَتْن على التقرُّب مني. إن المال عاملٌ مهمٌّ في إغراء أي فتاة لقَبول الزواج.»

قال ونتوورث بتمهُّل: «إنه بالطبع عامل مهم لإغراء أمِّها لقَبول الزواج. أنا لا أعتقد أن حبيبتي … أن الآنسة بروستر تُفكر على الإطلاق في المال.»

«ربما هي لا تحتاج إلى فعل ذلك، لكن لا شك أنَّ هناك أحدًا سيُفكر في ذلك بالنيابة عنها. إذا كان أبوها مليونيرًا، وقد كوَّن، مثلَ الكثير من الأمريكيين، ثروتَه بنفسه، فيجب أن تثقَ في أنه سيُفكر في الأمر بالنيابة عنها، وإذا اتضحَ أن الآنسة بروستر لا تُفكر في هذا الأمر، فإن الثريَّ العجوز سرعان ما سيُعيدكما أنتما الاثنان إلى صوابِكما. سيكون الأمر مختلفًا لو كان لديك لقَبٌ كبير.»

ردَّ ونتوورث: «ليس لدي أيُّ لقب، فيما عدا لقب جورج ونتوورث، مُراجع الحسابات، مع عُنوان في لندن وشقَّة في ضواحيها.»

«بالضبط؛ إذا كنت اللورد جورج ونتوورث أو حتى السير جورج أو ونتوورث بارون كذا أو كذا، فربما تكون لديك فرصة؛ أما في الوضع الحاليِّ، فإنَّ لقبَ مراجع حسابات لن يجعلَك تنجح في مسعاك مع مليونير أمريكي أو ابنته.»

«إنك فتًى بائسٌ وبارد وشديدُ الحرص.»

«أنا لستُ أيًّا من ذلك على الإطلاق. أنا فقط أفكِّر بعقلانية، وأنت تفتقد هذا في هذه اللحظة. إنك لن تثقَ في أرقامِ أيِّ كاتبِ حسابات دون أن ترى فواتيرَه. حسنًا، يا صاح، أنت ليس لديك الفواتير؛ على الأقل، ليس حتى الآن، ولهذا أطلبُ منك أن تُوجِّه اهتمامك لما سنفعلُه في منجمنا؛ وإذا أخذتَ بنصيحتي، فلن تُفكر بجِدِّية في المليونيرات الأمريكيين أو بناتِهن.»

انتصبَ جورج ونتوورث بسرعة؛ وذلك لأن السفينة مالت فجأة في تلك اللحظة، وما إنِ استطاع الحفاظَ على توازنه، حتى كاد أن يفقده ثانيةً؛ لكنه كان خبيرًا في مسألة التوزان هذه كما هو حاله مع الحسابات، وعلى الرغم من أن انتباهه كان في هذه اللحظة مركَّزًا على الحفاظ على توازنه، نظَر إلى رفيقه، الذي كان لا يزال يُسنِد ظهره بهدوء على كرسيِّه، وعلى وجهه ابتسامة.

وقال: «كينيون، سأبحثُ عن فتاة أخرى.»

«ألا تكفيك واحدة؟»

«نعم، أريد اثنتين؛ واحدةً لي والثانية لك. لا يمكن لأحدٍ أن يتعاطف مع الآخرين إلا إذا وُضع في نفس الموقف الذي هم فيه. جون، أريد بعضَ التعاطف، ولا أحصل عليه منك.»

قال كينيون بهدوء: «ما تحتاج إليه على نحوٍ فوري هو العقلانية، وهذا هو ما أُحاول أن أُمِدَّك به.»

«أنت تفعل كلَّ ما تستطيع في هذا الشأن؛ لكن الإنسان لا يحيا بالعقلانية وحدها. يأتي على الإنسان وقتٌ يرى فيه أن العقلانية لا قيمة لها. أنا لا أقول إن هذا الوقت قد أتى عليَّ بعد، لكني مُصرٌّ على أن أجعلَك في مِزاجٍ أكثرَ تعاطفًا؛ لذا، سأسعى لأن أجد فتاةً مناسبة لك.»

ردَّ كينيون، بينما تركه صديقه وعبَر إلى الجانب الآخَر من السفينة متواريًا عن الأنظار: «الأكثر احتمالًا أنك ستبحث عن فتاتك.»

لم يَعُد كينيون للتفكير في حساباته بشأن المنجم عندما تركه صديقه. وأخذ يُفكِّر في التطور السريع على نحوٍ غريبٍ للأحداث. وأمَّلَ ألا يأخذَ ونتوورث الأمر بجدِّية شديدة؛ لأنه شعر بطريقةٍ ما أن الآنسة بروستر من نوعية الفتيات التي ستتجاهله بعد أن تقتل الوقتَ معه في رحلةٍ مملَّة. بالطبع، لم يكن يستطيع أن يقول هذا لصديقه، الذي من الواضح أنه كان معجبًا بالآنسة بروستر، لكنه قال له أقصى ما يُمكنه ليجعله يأخذُ حذره.

قال كينيون لنفسه: «لو كانت مثلَ هذه الفتاة، ما كنتُ سأُبدي أيَّ اعتراض.» كانت هذه الفتاةُ المشارُ إليها فتاةً تمشي على سطح السفينة بمفردها لمدة نصف الساعة بمهارةٍ شديدة. إنها لم تكن جميلةً مثلَ الفتاة الأمريكية، ولكن كانت بشَرتُها أجمل، وكانت هناك حُمرة في وجنتَيها تُشير إلى أنها تنتمي لإنجلترا. إن فستانها لم يكن أنيقًا ولا ملائمًا بشدةٍ على جسدها مثل فستان الفتاة الأمريكية، ومع ذلك، كان ما ترتديه مناسبًا للطقس والظروف، وكانت ترتدي قبعةً من نوع تام أو شانتر بُنِّية تُغطي شعرها الأشقر. كانت تضع أطراف أصابع يديها في جيبَيْ معطفِها الأزرق القصير، وأخذَت تمشي على السطح بخُطًى ثابتة وواثقة أثارت إعجابَ جون كينيون. وكرَّر كلامه لنفسه قائلًا: «لو كانت مثل هذه الفتاة، ما كنت سأبدي أي اعتراض. هناك شيء غضٌّ وأصيل بشأنها. إنها تُذكرني بتِلال جنوب إنجلترا البهيجة.»

بينما أخذَت تمشي جَيئةً وذَهابًا، حاول شابٌّ أو اثنان التقرُّبَ منها، لكن كان واضحًا لكينيون أن الفتاة أعلنَت صراحةً لهما، على نحوٍ مهذَّب بالقدر الكافي، أنها تُفضِّل السير بمفردها، وقد رفعا لها قبعتَي البحر الخاصتَين بهما احترامًا لها وتركاها.

قال في نفسه: «إنها لم تُصادق أولَ رجل يتحدث إليها.»

بدأت السفينة في التأرجُح أكثرَ فأكثر، لكن اليوم كان بديعًا والبحر يبدو هادئًا. وقد غادر معظمُ المتنزهين السطح. وقد حافظ اثنان أو ثلاثةٌ منهم على توازنهم بنجاحٍ مُرضٍ ولَّد لديهم الشعورَ بالفخر الذي يسبق السقوط، لكنَّ لحظة انزلاقهم أتت أخيرًا ووجدوا أنفسهم مَلْقيِّين قُبالةَ سور السفينة. حينها، ضحكوا بخجلٍ وقاموا وتركوا السطح. والكثير من هؤلاء الذين كانوا جالسين في كراسيِّهم على متن السطح تركوا أماكنهم وذهبوا إلى غُرفِهم. كانت هناك لحظةُ إثارة مفاجئة عندما انخلع أحدُ الكراسيِّ عن وَثاقِه وانزلق حتى اصطدم بالسُّور، محدِثًا صوتَ ارتطامٍ قويًّا. ورُفِع مَن كان يجلس عليه من على الأرض وكان في حالة هيستيريَّة، وأُخِذ للأسفل. وربط المسئول عن السطح الكرسيَّ على نحوٍ أكثرَ حزمًا، حتى لا تقع تلك الحادثةُ مرةً أخرى. وكانت الفتاة الإنجليزية قُبالةَ جون كينيون عندما وقعَت تلك الحادثة، وقد تشتَّتَ انتباهُها بسبب الخوف على سلامة الشخص الجالس على الكرسيِّ المنزلق، وتلاشى اهتمامها بنفسها في أكثرِ وقتٍ كان مطلوبًا فيه. كان الميل التالي الذي تعرَّضَت له السفينة على الجانب الآخر هو الأقوى في هذا اليوم. ارتفع السطح حتى كادت الفتاةُ التي مالت بجسدها أن تلمسَه بيدها، ثم، ورغم محاولاتها، انزلقَت بسرعةِ البرق باتجاه الكرسي الذي كان يشغله جون كينيون، وتعثرَت ووقعت على جون على نحوٍ مفاجئ بشدة، وهو الأمر الذي كان سيُودي به إذا لم يفعل ذلك السقوطُ المباغتُ لفتاةٍ ممتلئةِ القِوام عليه. انكسر كرسيُّ السطح الهشُّ محدِثًا صوتًا عاليًا، وكان من الصعب تحديدُ مَن كان الأكثرَ تضرُّرًا من الحادثة المفاجئة، جون كينيون أم الفتاة.

قال متلعثمًا: «أرجو ألا تكوني قد أُصِبتِ.»

ردَّت: «لا تهتمَّ بأمري. لقد كسرتُ كرسيَّك، و… و…»

قال كينيون: «الكرسي لا يُهم. لقد كان ضعيفًا وهشًّا. أنا لم أُصَب، إن كان هذا ما تقصدينه؛ ولا يجب أن تهتمِّي بهذا.»

وهنا، تذكَّر مقولة جورج ونتوورث: «يجب أن تُلقى فتاةٌ بين ذراعَيك قبل أن تعترف بوجود ذلك الشيء الذي يُطلَق عليه فتاة جميلة.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤