الفصل الخامس

تنضج صداقاتُ الرحلات البحرية بسرعة. ومن الصحيح أيضًا بوجهٍ عام أنها تختفي بسرعةٍ مساوية؛ ففي اللحظة التي يضعُ فيها المرءُ قدَمَه على أرضٍ صُلبة، يبدو أنَّ بهاء البحر يذهب عنه، وينسى بسرعة على الشاطئ الصديقَ الذي أقسمَ على الإخلاصِ لصداقته طَوال العمر بينما كان على سطح السفينة. لم تُفكر إديث لونجوورث في موضوع الطبيعة البريئة لصداقات الرحلات البحرية عندما تذكَّرَت مشيها المبهِجَ على سطح السفينة مع كينيون. لقد قابلَت العديدَ من الأشخاص الظُّرفاء في أسفارها المتعددة، لكنهم أثبتوا جميعًا أنهم مجردُ معارفِ سفر، وكانت تجدُ الآن صعوبة كبيرة في تذكُّر أسمائهم. ربما ما كانت ستتذكَّر السيد كينيون ثانيةً في تلك الليلة لولا بعضُ الملاحظات الغبيَّة التي رأى ابنُ عمها أنَّ من المناسب إبداءَها على طاولة العشاء.

سأل لونجوورث الشابُّ: «مَن كان ذلك الرجل الذي كنتِ تسيرين معه اليوم؟»

ابتسمَت له إديث بابتهاج، وردَّت قائلة:

«أعتقد أنك تقصد السيد كينيون؟»

ردَّ بغلظة: «أوه، أنتِ تعرفين اسمه، أليس كذلك؟»

أجابت: «بلى؛ فأنا بالتأكيد لن أمشي مع رجلٍ دون أن أعرف اسمه.»

قال لها ابنُ عمها باستهزاء: «حقًّا؟! وهل جرى تقديمُكِ له؟»

ردَّت إديث بهدوء: «أنا لا أعتقد أن أيَّ شخص لديه الحقُّ في طرح هذا السؤال عليَّ سوى أبي. إنه لم يطرحه، وردًّا على سؤالك، فأنا فقط سأُجيب بأنني قُدِّمتُ للسيد كينيون.»

«أنا لا أعرف أيَّ شخص مشترك بينكما على سطح السفينة يُمكنه تقديم كلٍّ منكما للآخَر.»

«حسنًا، كانت المسألة غيرَ رسمية بعض الشيء. لقد قدَّم أحدَنا إلى الآخرِ صديقُنا المشترك، إلهُ البحر العجوز نيبتون. لقد جعلني نيبتون، الذي كان، كما تعرف، صاخبًا قليلًا هذا الصباح، أصطدم بالسيد كينيون. إنَّ وزني أخفُّ من الريشة، وكانت النتيجة — على الرغم من أن السيد كينيون كان مهذبًا بما يكفي لأن يقول بأنه لم يُصَب بسوء — أن الكرسيَّ الذي كان يجلس عليه لم يُراعِ بنفس القدر مشاعري وتحطَّم. ظننت أن السيد كينيون سيأخذ كرسيًّا بدلًا من كرسيه الذي حطمتُه رغمًا عني، لكن السيد كينيون لم يكن رأيه هكذا. لقد قال إنه يعمل مهندسَ تعدين وإنه لا يمكن أن يزعم أنه رجلٌ بارع جدًّا في هذا المجال إذا وجد أيَّ صعوبة في إصلاح كرسيٍّ على سطحِ سفينة. ويبدو أنه نجح في فعل هذا، وهذه كلُّ قصة تقديمي إلى السيد كينيون، مهندس التعدين، وتواصُلي معه.»

ردَّ الرجل الشاب: «هذا ممتع ورومانسي جدًّا، وهل تعتقدين أن أباكِ سيُوافق على تكوينك معارفَ عشوائيةً على هذا النحو؟»

قالت إديث، وقد تورَّدَت خجلًا قليلًا بسبب هذا:

«لن أفعلَ بمحض اختياري أيَّ شيء يرفضه أبي.» ثم أضافت بصوتٍ منخفض: «فيما عدا، ربما، شيء واحد.»

مال الآن أبوها، الذي سمع مقتطفاتٍ من الحوار، باتجاه ابن أخيه، وقال محذرًا:

«أعتقد أن إديث قادرةٌ على الحكم على الأمور بنفسها. تلك هي الرحلة البحرية السابعة لها معي، ودائمًا ما أجد أن هذا هو الوضع. إن تلك هي أولُ رحلة لك معنا، ولذلك، إذا كان لي أن أضعَ نفسي مكانك، فسأتوقَّف عن الحديث في هذا الموضوع.»

صمت الشاب، وأعطَت إديث لأبيها نظرةَ شكرٍ وامتنان. نتيجةً لهذا، ورغم أنها ما كانت لتُفكِّر ثانيةً في كينيون، فإن الملاحظات التي أبداها ابنُ عمها، جلبَت إلى ذهنها، بينما كانت بمفردها، صورةَ الرجلَين، ولم تكن المقارنةُ بينهما على الإطلاق في صالح ابن عمها.

أيقظَت كينيون أصواتُ فُرَش التنظيف على سطح السفينة فوق غرفته مبكرًا في صباح اليوم التالي. لبضعِ لحظات بعد أن صعد على سطح السفينة، ظنَّ أن السفينة له وحده. كان أحدُ جانبي السطح نظيفًا ومبتلًّا، وكان الرجال على الجانب الآخر يُحركون ببطءٍ فُرَشَ التنظيف للأمام والخلف، بصوتٍ ممل. وبينما كان يمشي على السطح، رأى راكبًا صعد هناك على نحوٍ أبكرَ منه.

استدارت إديث لونجوورث عندما سمعَت خطواته، وأشرق وجهُها بابتسامةٍ عندما عرَفَت أنه هو.

رفع كينيون بجديةٍ قبعةَ البحر الخاصة به وقال لها: «صباح الخير.»

«إنكَ مِن الذين يستيقظون مبكرًا، يا سيد كينيون.»

«ليس مثلَكِ، كما أرى.»

ردَّت الفتاة: «أعتقد أنك راكبٌ استثنائي في هذا الشأن. أنا أستمتع دائمًا بالصباح الباكر في البحر. أحبُّ أن أذهب إلى أبعدِ مكان في الأمام في السفينة قدرَ الإمكان، بحيث لا يقف شيءٌ بيني وبين اللانهائي. حينها، يبدو لي وكأنَّ العالم كلَّه مِلكي، ولا يوجد به أحدٌ سواي.»

قال كينيون: «ألا ترَين أن هذه نظرة أنانية جدًّا؟»

«أوه، أنا لا أرى هذا. لا يوجد بالتأكيد شيءٌ أناني في استمتاعي بالأمر، لكن، كما تعرف، هناك أوقاتٌ يرغب فيها المرء أن يكون بمفرده وأن ينسى الجميع.»

«أرجو ألا أكونَ قد قاطعتُكِ في أحد هذه الأوقات.»

ردَّت رفيقتُه وهي تضحك: «أوه، لا، على الإطلاق، يا سيد كينيون. لا يوجد شيءٌ شخصيٌّ في ملاحظتي. إذا أردتُ أن أكون بمفردي، ما كنت سأتردد في الانصراف. أنا لستُ معتادة على التلميح؛ فأنا أتحدَّث بصراحة؛ بعضُ أصدقائي يرون أن هذه صراحةٌ زائدة قليلًا عن اللزوم. هل سافرتَ من قبلُ عبر المحيط الهادئ؟»

«مطلقًا.»

«آه، الصباح هناك ممتع. إنه رائعٌ هنا الآن، لكن في الصيف في المحيط الهادئ يكون الصباحُ أحيانًا هادئًا ومسالمًا ونضرًا لدرجةٍ يبدو معها كما لو أنَّ العالم قد خُلق مؤخرًا.»

«لقد سافرتِ كثيرًا، يا آنسة لونجوورث. أنا أحسدكِ.»

«كثيرًا ما أظن أنني شخصٌ يجب أن أُحسَد، لكن ربما تتحطَّم سفينةٌ أكون على متنها في أحد الأيام، وحينها، لن أكون موضعَ حسد.»

«أتمنى عن صدقٍ ألا تتعرَّضي قطُّ لمِثل هذه التجرِبة.»

«هل تعرضتَ من قبل، يا سيد كينيون، لتجرِبة تحطمِ سفينةٍ كنتَ على متنها؟»

«أوه، لا؛ فتجارِبُ سفري محدودةٌ للغاية. لكن التعرف على الأمر عن طريق القراءة عنها يؤكِّد صعوبةَ الأمر بشدة.»

«إن رحلتنا رائعةٌ حتى الآن. تمامًا كما لو كانت قد حدثَت في الصيف. يُمكن للمرء بصعوبةٍ تصديقُ أننا ترَكْنا أمريكا في وسط الشتاء، والجليد في كلِّ مكان ودرجة الحرارة أقلُّ من الصفر بكثير. هل أصلحتَ كرسيَّك الذي على سطح السفينة، بالشكل الكافي الذي يجعلك تثقُ في الجلوس عليه مرة أخرى؟»

قال كينيون، وهو يضحك: «أوه! يجب حقًّا ألا تسخَري من مهارتي كهاوٍ في أعمال النِّجارة على هذا النحو. كما أخبرتُكِ، أنا مهندس تعدين، وإذا لم أستطِع إصلاحَ كرسي مثل هذا، فماذا ستتوقَّعين مني أن أفعل في منجم؟»

سألت الشابة: «هل لديك خبرةٌ في التعامل مع المناجم؟»

ردَّ كينيون: «لقد دخلتُ لتوِّي المجال، وهذه، في واقع الأمر، إحدى مهامِّي الأولى. لقد أُرسِلتُ مع صديقي ونتوورث لفحص مناجمَ معينةٍ على نهر أوتاوا.»

قالت إديث متعجبة: «نهر أوتاوا! هل أنت أحد الاثنين اللذين أرسلتهما شركةُ لندن سينديكيت؟»

رد كينيون باندهاش: «نعم. ماذا تعرفين عن الأمر؟»

«أوه، أنا أعرفُ كل شيء عنه. كل شيء، فيما عدا ما يجب أن يكونَ عليه تقريرُ خبير التعدين، والمعلومات، بحسب ظني، التي لديك؛ لذا، نحن الاثنان نعرف الكثيرَ عن أعمال لندن سينديكيت.»

«حقًّا! أنا مندهشٌ لمقابلة شابةٍ تعرف أي شيء عن الأمر. كنتُ أعتقد أن الأمر سرِّي إلى حدٍّ كبير حتى اللحظة.»

«آه! لكني، كما ترى، أحدُ ملاك الشركة.»

«أنتِ!»

ردَّت إديث لونجوورث، وهي تضحك: «بالتأكيد. على الأقل، والدي أحدُ الملاك، وهو الأمر نفسُه، أو قريبًا من ذلك. لقد كنا ننوي السفرَ لكندا بأنفُسِنا، وشعرتُ بخيبة أملٍ كبيرة لعدم الذَّهاب إلى هناك. وأعتقد أن التزحلق هناك بالزلاجات وأحذية التزلج والمزالج شيءٌ رائع.»

«لقد رأيتُ القليل جدًّا من الجانب الاجتماعي للحياة في هذه المنطقة، حيث قضيتُ الغالبية العظمى من وقتي في المناجم، لكن حتى في القرية التي يوجد بها المنجم وسكَنتُ فيها، كان هناك نادٍ لأحذية التزلُّج، ومكانٌ رائع للتزحلق بالمزالج، وكان جيدًا جدًّا في واقع الأمر، لدرجةِ أنني، بعد أن سقطتُ مرة واحدة، لم أغامر مطلقًا بفقدان حياتي بفعلِ ذلك مجددًا.»

«إذا علم والدي بوجودِك على متن السفينة، فسيتلهَّف للقائك. أنت تعرف بلا شكٍّ أن لندن سينديكيت ستكون شركةً كبيرة للغاية.»

«نعم، أنا أُدرك ذلك.»

«وهل تعلم أن الكثيرَ من الأمور سيعتمد على تقريرك؟»

«أعتقد أن الأمرَ كذلك، وأتمنى أن تجد الشركةُ تقريري على الأقل أمينًا ووافيًا.»

«هل الزميل الذي كان معك موجودٌ أيضًا على متن السفينة؟»

«نعم، إنه هنا.»

«إنه إذن مُراجع الحسابات الذي أُرسل إلى هناك؟»

«نعم، وهو رجلٌ يقوم بعمله بإتقانٍ شديد، وأعتقد أن الشركة ستَسْعد بما قام به من عمل.»

«وهل تعتقد أنهم سيَسعدون بما قمتُ به من عمل أيضًا؟ أنا متأكدة من أنك قمتَ بعملك بإخلاص وضمير.»

كاد كينيون يتورَّد خجَلًا بينما كانت تُبدي السيدة الشابة هذه الملاحظةَ، لكنها نظرَت إليه باهتمامٍ شديد، ورأى هو أنَّ أفكارها لم تكن تتمحورُ حوله، لكن حول المصلحة المالية الكبيرة التي قد تنتجُ عن تقريره.

سألَتْه: «هل ترى أن أوتاوا منطقةٌ ملائمة للتعدين؟»

أجاب: «نعم، بشدة.» ثم أضاف، وهو يريد أن يُحوِّل دفَّة الحوار بعيدًا عن تقريره: «لقد أُعجبتُ بالمكان بشدة لدرجة أنني حصَلتُ على عقدِ خيارِ شراءِ منجمٍ لنفسي هناك.»

«أوه! هل تنتوي شراءَ أحد المناجم هناك؟»

ضحك كينيون.

«لا. أنا ليس لديَّ رأسُ مال ولا أسعى لإيجاد استثمارٍ لأموالي، لكنني رأيتُ أن احتمالات تحقيق المنجم لأرباح كبيرة لمن يمتلكونه كبيرة. إن قيمته أعلى بكثير، في رأيي، مما يعتقد أصحابُه أنفسُهم؛ لذا، حصلتُ على عقد خيار شراءٍ بشأنه لمدة ثلاثة أشهر، وأتمنى عندما أصلُ إنجلترا، أن أُؤسِّس شركةً للاستحواذ عليه.»

قالت السيدة الشابة: «حسنًا، أنا متأكدة، إذا كنتَ واثقًا بأن المنجم جيد، أنك لن تجدَ مَن سيُساعدك في هذا الشأن أكثرَ من أبي. لقد كان يفحص بعضَ مصانع الجِعَة التي كان يريد الاستثمار فيها، لكنه خلَصَ إلى عدم المضيِّ قدمًا في هذا الأمر، ولذا، سيكون متلهفًا لإيجاد استثمارٍ أكثرَ رِبْحيةً مكانه. ما المبلغ المطلوبُ لشراء المنجم الذي ذكَرتَه؟»

قال كينيون: «كنتُ أفكِّر في طلب خمسين ألف جنيه كمقابلٍ له.» وتورَّد عندما فكَّر في اندفاعه وقيامه بزيادةِ سعر المنجم لأكثرَ من الضِّعف.

كان كينيون وونتوورث قد قدَّرا القيمة المحتملة للمنجم، وخلصا إلى أنهما حتى عندما يبيعانه بهذا الثمن — الذي سيجعلهما يحصلان على مبلغٍ قدره ثلاثون ألفَ جنيه ويقسمانه بينهما — فإنهم يبيعان منجمًا يستحقُّ بحقٍّ أكثرَ من ذلك بكثير، وسرعان ما سيُدِرُّ أرباحًا كبيرةً على الخمسين ألف جنيه. وتوقَّع أن تتعجَّب السيدة الشابة من المبلغ، ولذا، اندهش بشدةٍ عندما قالت:

«خمسون ألف جنيه! هل هذا هو المبلغ فقط؟ إذن، أخشى أن أبي لن يستثمرَ فيه. إنه يشارك فقط في المشاريع الكبيرة، وأنا واثقةٌ أنه لن يهتمَّ بالمشاركة في شركة باستثمار خمسين ألف جنيه.»

قال كينيون: «أنتِ تتحدَّثين عن الخمسين ألف جنيه كما لو أنه مبلغٌ تافه. بالنسبة إليَّ، إنه يبدو ثروةً كبيرة. أتمنى فقط أن أحوزه، أو أحوزَ نصفه.»

قالت الفتاة، باهتمامٍ واضح: «أنت لستَ ثريًّا، إذن؟»

رد الرجل الشاب: «نعم. أنا عكس ذلك جدًّا.»

في هذه اللحظة، ظهرَ السيد لونجوورث العجوز عند مدخل الدرَج، وأخذ ينظر في أنحاء سطح السفينة.

وقال، بينما كانت ابنتُه تقفز ناهضة من كرسيِّها: «أوه، ها أنتِ هنا.»

صاحت: «أبي، أودُّ أن أُعرفك بالسيد كينيون، خبير التعدين الذي أُرسِل من جانب شركتنا لإلقاء نظرةٍ على مناجم أوتاوا.»

قال الرجل العجوز: «سُرِرتُ بمقابلتك.»

جلس الرجلُ الرأسمالي بجوار مهندس التعدين، وبدأ الحديثَ عن شركة لندن سينديكيت، مما سبَّب الإحراجَ بعض الشيء لكينيون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤