الفصل التاسع

قال جون كينيون بإلحاح: «أخبِرْني ماذا حدث.»

رفع ونتوورث بصرَه إليه.

ورد: «لقد حدث كلُّ شيء.»

«ماذا تقصد، يا جورج؟ هل أنت مريض؟ ما بك؟»

«أنا في حالٍ أسوأ من المرض؛ أسوأ كثيرًا من المرض. يا ليتني كنت مريضًا فقط.»

«هذا لن يُجدي، أيًّا كانت المشكلة التي تُعاني منها. هيا، انهض. وأخبرني بما حدث.»

«جون، أنا غبي … أحمق … أبلهُ ثَرْثار.»

«إذا سلَّمْنا بهذا، فماذا إذن؟»

«لقد وثقتُ بامرأة … أنا أحمق؛ والآن … والآن … أنا على الحال الذي تراه.»

سأل كينيون بارتياب: «هل … هل الآنسة بروستر لها أيُّ علاقة بهذا؟»

«إنها السبب في كل هذا.»

«هل … هل رفضَتْك، يا جورج؟»

«ماذا! «هذه» الفتاة؟ أوه، أنت الشخص الأحمق الآن. هل تعتقد أنني كنتُ سأسألها؟»

«أنا لا يُمكن أن أُلامَ على الاستنتاج المتسرِّع. يجب أن تتذكَّر أن «هذه الفتاة»، كما تُشير إليها، قد حَظِيت بمرافقتك أغلبَ الوقت أثناء هذه الرحلة؛ وبمعظم ثنائك بينما لم تكن معها. ما الأمر؟ وما علاقتها بما تُعانيه؟»

ذرَع ونتوورث جَيئة وذهابًا الحدودَ الضيقة للغرفة كما لو أنه محبوسٌ في قفص. وضرب بيده على فخذه، بينما كان كينيون ينظر إليه متعجبًا.

قال: «لا أعرف كيف يُمكن أن أخبرك بالأمر، يا جون.» ثم أضاف: «يجب أن أخبرك، بالطبع؛ لكني لا أعرف كيف يمكنني ذلك.»

«اصعد معي على سطح السفينة.»

«أبدًا.»

«كلُّ ما أطلبه منك هو أن تخرج إلى الهواء الطَّلْق. إن الجو خانقٌ هنا، كما أن احتمال أن يُسمعَ ما نقول في الغرفة أكبرُ مما هو عليه على سطح السفينة. تعالَ معي، يا صديقي القديم.»

أمسك رفيقَه من ذراعه، وجرَّه جزئيًّا خارجَ الغرفة، وأغلق الباب وراءه.

وقال: «تماسك.» ثم أضاف: «القليلُ من الهواء الطلق سيُحسن من حالتك.»

سارا باتجاه السطح، وأخذا يمشيان جيئةً وذهابًا عليه، مشبكين ذراعَيهما معًا. لوقت طويل، لم يقل ونتوورث شيئًا، وكان لدى كينيون من الكِياسة ما جعله يلزمُ الصمت. وفجأة، لاحظ ونتوورث أنهما كان يمشيان جيئةً وذهابًا أمام الآنسة بروستر، لذا سحب صديقه بعيدًا إلى جزءٍ آخرَ من السفينة. وبعد بضعة انعطافات هنا وهناك، قال:

«أنت بالطبع تتذكَّر ريفرز.»

«دون شك.»

«إنه يعمل في تلك الصحيفة القذرة، «نيويورك آرجوس».»

«أعتقد أنها صحيفةٌ قذرة. أنا لا أتذكر أنني رأيتها يومًا. نعم، أنا أعرف أن له صلةً بهذه الصحيفة. ماذا إذن؟ ما علاقة الآنسة بروستر بريفرز؟»

«إنها واحدةٌ من فريق عمل تلك الصحيفة، أيضًا.»

«جورج ونتوورث، أنت لا تقصد أن تُخبرني بما فهمت؟!»

«بل، أنا أقصد.»

«وهل هي هنا من أجل مسألةِ المناجم؟»

«بالضبط. لقد تولَّت المهمة بعد فشلِ ريفرز.»

قال كينيون، مسقطًا فجأةً ذراعَ رفيقه ومواجهًا إياه: «جورج! ماذا قلتَ لها؟»

«هنا تَكْمن المأساة. لقد أخبرتُها بكل شيء.»

«صديقي العزيز، كيف يُمكن أن تكون …»

«أوه، أعرف … أعرف! أنا أعرف كل شيء ستقوله. كل شيء يمكن أن تقولَه قلتُه لنفسي، وأكثر وأسوأ منه عشر مرات. لا يوجد شيءٌ يمكن أن تقوله لي أكثرَ مرارةً مما أعتقده عن نفسي.»

«هل قلتَ لها أي شيء عن «تقريري»؟»

«قلتُ لها كل شيء … «كل شيء»! هل فهمت؟ إنها سترسل برقيةً من كوينزتاون تتضمن خلاصة ما جاء بالتقريرين … كِلا التقريرين.»

«يا إلهي! هذا أمرٌ مخيف. ألا توجد طريقة لمنعها من إرسالها؟»

«إذا كنتَ تعتقد أن بإمكانك منْعَها، فأرجو أن تحاول فعل ذلك.»

«كيف اكتشفتَ هذا؟ هل قالت هي لك؟»

«أوه، لا يهمُّ كيف اكتشفتُ الأمر. لقد اكتشفته. لقد أخبرني رجلٌ مَن تكون، ثم سألتها، وكانت صريحةً جدًّا بشأن الأمر. لقد قرأَتْ عليَّ حتى نصَّ المقال.»

«قرأَتْه عليك؟»

«نعم، قرأته عليَّ، ووضعَت علاماتِ ترقيمه في حضوري … وأضافَت بعض الكلمات التي رأيتُ أنها أفضلُ من تلك التي كانت تستخدمها. أوه، لقد كان أروعَ مقال يمكن أن يراه المرء!»

«لكن لا بد أن تكون هناك طريقةٌ ما لمنعِها من إرسال هذا المقال إلى نيويورك في الوقت المناسب. كلُّ ما علينا فعلُه هو أن ترسل برقيةً لرجالك تطلب فيها منهم تسليمَ تقريرنا للمديرين، وحينها سنكونُ قد سبَقْنا مقالها. إنَّ عليها إرسالَ البرقية من مكتب بريدٍ بريطاني، ويبدو لي أن بإمكاننا منْعَها من ذلك بطريقةٍ ما.»

«مثل ماذا؟»

«أوه، أنا لا أعرف كيف الآن، لكن يجب علينا أن نستطيع فعل ذلك. لو كنتَ رجلًا، لحبسناه باعتباره أحدَ المخرِّبين أو شيئًا من هذا القبيل؛ لكن نظرًا إلى أنها امرأة، فهذا يجعل الأمر أكثرَ صعوبةً في التعامل معه. جورج، لو كنتُ مكانك، كنت سأخاطب الجانب الطيب فيها.»

ضحك ونتوورث بتهكُّم.

رد: «الجانب الطيب؟» ثم أضاف: «إنها ليس لديها جانبٌ طيب، وهذا ليس أسوأَ ما في الأمر. لقد «حسَبَت»، بحسَب قولها، كلَّ الاحتمالات المتضمَّنة في الأمر؛ لقد «حسبَت» أننا سنصلُ كوينزتاون تقريبًا يوم السبت ليلًا. وإذا فعَلْنا ذلك، فستُرسل مقالها في الوقت المناسب بحيث يُنشَر يوم الأحد في صحيفة «نيويورك آرجوس». إن كان هذا هو الوضع، فانظر كيف سيكون حالُ برقيَّتِنا. سنرسل برقية إلى رجالنا نطلب فيها إرسالَ التقرير. ستصل البرقية إلى المكتب يومَ السبت ليلًا، ولن تُقرَأ. المكتب سيُغلَق في الساعة الثانية، وحتى إذا حصَلوا عليها وأدرَكوا مدى إلحاحِ الأمر، فلن يستطيعوا عرض الأوراق على المديرين قبل صباحِ الإثنين، وبحلول صباح الإثنين، سيكون الموضوع معروضًا في صحف لندن المالية.»

«جورج، تلك المرأة شيطانة.»

«لا، إنها ليست كذلك، يا جون. إنها مجردُ صُحفية أمريكية بارعة، تظن أنها قد قامت بعملٍ رائع جدًّا، وأنها، بسبب غباء أحد الرجال، قد نجحَت، هذا كلُّ ما في الأمر.»

«هل حاولتَ أن تُناشدها بأيِّ نحوٍ ألا تفعلَ ما تنوي فعله؟»

«أوه، هل من الممكن ألا أفعل؟! بالطبع، فعلتُ هذا. لكن ما الفائدة؟ لقد سخرَت مني. ألا تفهم؟ إنها هنا من أجل هذا. إن رحلتها بالكامل كان هذا هو هدفَها الوحيد؛ ومن غير المحتمل أن تتخلَّى المرأة عن نجاحها بعد أن حقَّقَته؛ وخاصةً بعد أن أخفقَ في تحقيقه شخصٌ آخرُ من مكانِ العمل نفسِه. تبدو حقيقةُ أن ريفرز فشل وأنها نجحَت شيئًا عظيمًا تفتخر به.»

قال كينيون: «إذن، أنا سأُناشد الآنسة بروستر بنفسي.»

«رائعٌ جدًّا. أتمنى لك النجاح في مسعاك. لكن افعل ما يُمكنك، يا جون، إذا كنتَ لا تُمانع في ذلك. وفي تلك الأثناء، أريد أن أكونَ بمفردي في مكانٍ ما.»

نزل ونتوورث على الدرَج المؤدي إلى جزء السفينة الخاص بالمسافرين بتكلفةٍ رخيصة، وجلس لبضع لحظات وسط هؤلاء الركاب. ثم صعد سُلَّمًا آخرَ واقترب بشدةٍ من مقدمة السفينة. وهناك جلس على لفة من الحبال، وأخذ يُجيل الأمر في رأسه. لكن التفكير لم يُفِده كثيرًا. وأدرك أنه، حتى لو حصل على الورقة التي كتبَتها الآنسة بروستر، فبإمكانها بسهولةٍ أن تكتبَ غيرها. إنَّ لديها الحقائقَ في رأسها، وكل ما تحتاج إلى فعله هو الذَّهاب إلى مكتب تلغراف وإرسال رسالتها عبره.

في تلك الأثناء، قام كينيون ببعض الانعطافات هنا وهناك عبر السطح، وهو يُفكِّر بعمقٍ في نفس الموضوع. ووصل إلى الجانب الذي كانت تجلس فيه الآنسة بروستر، وعندما وقف أمامها، لم يمتلك الشجاعةَ الكافية لأن يجلس بجوارها. لقد كانت تقرأ بهدوء كتابَها. جاء ثلاثَ مرات قُبالتَها، وتوقَّف للحظة، ثم استمرَّ في سيره البائس. رأى أن شجاعته لن تكون كافيةً من أجل إتمام المهمة، ومع ذلك، كان يشعر أنه يجب تنفيذ المهمة بأيِّ نحو. لم يكن يعرف كيف يبدأ. لم يكن يعرف ما الحافزُ الذي يمكن أن يُقدمه للسيدة الشابَّة للتخلِّي عن ثمار براعتها. شعر أن هذه نقطةُ الضعف في دفاعه. في المرة الثالثة التي وقف فيها أمام الآنسة بروستر، رفعَت بصرها باتجاهِه وأشارت إليه بالجلوس على الكرسيِّ المجاور لها، قائلةً:

«أنا لا أعرفُك جيدًا، سيد كينيون، لكنني أعرف مَن تكون. هلا تجلس هنا للحظة؟»

جلس الرجل المدهوش على الكرسي الذي أشارت إليه.

«والآن، سيد كينيون، أنا أعرفُ ما الذي يَشغَلُ بالك. لقد مررت ثلاثَ أو أربع مرات آمِلًا أن تجلسَ بجواري، ولكنك خشيتُ أن تُغامر بفعل ذلك. أليس هذا صحيحًا؟»

«بلى، صحيح تمامًا.»

«أعلم ذلك. والآن أنا أعلم أيضًا ما أتيتَ من أجله. أخبرك السيد ونتوورث بالأمر. لقد أخبرك بأنه أعطاني كافَّة التفاصيل الخاصة بالمناجم، أليس كذلك؟»

«لقد فعل.»

«ولقد ذهب إلى غرفته ليُفكر في الأمر، وترك الأمر في يدَيك، وأنت تتخيَّل أنك يُمكنك أن تأتيَ هنا إليَّ، وربما تستطيع أن تَثْنيني عن إرسالِ مقالي إلى صحيفة «آرجوس». أليس هذا ما تريد؟»

قال كينيون، وهو يمسح العرق عن جبينه: «هذا ما آمُل أن أكون قادرًا على فعله.»

«حسنًا، ظننت أن عليَّ أن أُخلصك من حيرتك في الحال. إنك تأخذ الأمور بجدِّية شديدة، يا سيد كينيون؛ يمكنني ملاحظةُ ذلك. والآن، أليس هذا صحيحًا؟»

«أخشى أن هذا صحيح.»

«بالطبع، هذا صحيح. إنَّ نشر هذا، كما قلت للسيد ونتوورث، لن يكون شيئًا مهمًّا في واقع الأمر على الإطلاق. إنه لن يكون له أيُّ تأثير على أيٍّ منكما؛ لأن أصدقاءكما سيكونون متأكدين من أنكما، إن كنتما تعرفان مع مَن تتحدثان، ما كنتما ستقولان قطُّ شيئًا عن المناجم.»

ابتسم كينيون بتجهُّم لهذا النوع من المواساة.

«والآن، لقد كنت أفكر في شيء منذ أن تركني السيد ونتوورث. أنا حقًّا حزينة للغاية من أجله. أنا حزينة أكثرَ مما يمكن أن أخبر به.»

قال كينيون بحماس: «إذن، ألا …»

«لا، أنا لن أفعلَ هذا؛ لذا، لا يجب أن نعود إلى تلك المرحلة من الموضوع. إن هذا هو ما جئتُ هنا من أجله، وبغضِّ النظر عما ستقول، سيجري إرسالُ برقيتي. من الأفضل أن تعيَ هذا من البداية، حتى لا يُشكِّل هذا أيَّ مشكلة فيما بعد. ألا ترى أن هذا هو الأفضل؟»

رد الرجل البائس: «ربما.»

«حسنًا، إذن، دَعْنا نبدأ مِن هناك. سأقول في البرقية إنني لم أحصل على معلوماتي لا مِن السيد كينيون ولا من السيد ونتوورث.»

«لا بأس، لكن هذه لن تكون الحقيقة.»

«بالطبع، لن تكون الحقيقة؛ لكن هذا لا يُهم، أليس كذلك؟»

قال كينيون: «حسنًا، في بلدنا، نحن نعتقد أن الحقيقة شيءٌ مهم حقًّا.»

ضحكَت الآنسة بروستر من كلِّ قلبها.

وقالت: «يا إلهي! أنت لستَ عمَليًّا بالقدر الكافي. ما الذي يَعْنيك إذا كانت هذه الحقيقةَ أوْ لا؟ إذا كان هناك أيُّ كذب، فأنت لم تَقُله؛ لذا، أنت ليس عليك أيُّ لوم. في واقع الأمر، أنت لا يقعُ عليك أي لوم بأيِّ نحو، في هذه المسألة؛ إنه خطأُ صديقك ونتوورث بالكامل؛ ومع ذلك، لو لم يكن ونتوورث هو مَن أخبرني بما جاء في التقرير، لكنتَ أنت ستُخبرني.»

نظر إليها كينيون بارتياب.

قالت، وهي تُومِئُ له بثقة: «أوه، نعم، كنتَ ستفعل ذلك.» ثم أضافت: «يجب ألا تغترَّ بنفسك — لأن السيد ونتوورث أخبرني كل شيء بشأن هذا الأمر — وترى أنك ما كنتَ ستفعل الشيءَ نفسَه، إذا أردتُ أن أكتشف حقيقةَ الأمر منك. إن كل الرجال متشابهون عندما يتعلق الأمر بالنساء.»

«هل هناك شيء يُمكن أن أقولَه لكِ، يا آنسة بروستر، يجعلكِ تتراجعين عن إرسال الرسالة إلى أمريكا؟»

«لا، يا سيد كينيون. أعتقد أننا حسَمْنا هذا الأمر من البداية. أرى أنه لا توجد فائدةٌ من الحديث إليك. سأعود إلى كتابي المثيرِ جدًّا. طاب صباحك، يا سيد كينيون.»

شعر كينيون بفشلِ محاولته تمامًا مثلما شعر ونتوورث، وأخذ يتجول بتعاسةٍ بطول سطحِ السفينة، واضعًا يديه بعمقٍ في جيبيه.

وعندما وصل إلى الجانب الآخر من السطح، التقى الآنسة لونجوورث التي كانت تمشي بمفردها. ابتسمَت ابتسامةَ ترحيب وُدية له، فالتفت وبدلَ خطوته لتُناسب خطوتها.

وقال: «هل تسمحين لي بالسير معكِ لبضع دقائق؟»

كان ردُّها: «بالطبع، تفضل، ما الأمر؟ تبدو في غاية التعاسة.»

«أنا ورفيقي في مشكلةٍ كبيرة، ورأيت أنني يجب أن أتحدث معكِ بشأنها.»

«إن كان هناك أيُّ شيء يُمكنني فعله لمساعدتك، فيُسعدني بشدة فعله.»

«ربما تُقدِّمين اقتراحًا مفيدًا. كما تعرفين، إن تعامُلَ رجلين مع امرأةٍ واحدة أمرٌ لا جدوى منه تمامًا.»

«آه، مَن هي هذه المرأة … إنها ليست أنا، أليس كذلك؟»

«لا، ليس أنتِ، يا آنسة لونجوورث. يا ليتها كانت أنتِ؛ إذ حينَها لن تكون هناك أيُّ مشكلة.»

«أوه، شكرًا!»

«إن الأمر كالتالي: عندما كنا في كيبيك — أعتقد أنني أخبرتُكِ بهذا الأمر — أرسلَت صحيفة «نيويورك آرجوس» رجلًا لمعرفةِ ما أوردناه في تقريرنا الذي أرسلناه، أو كنا سنُرسله، لشركة لندن سينديكيت.»

«نعم، لقد أخبرتَني بذلك.»

«كان اسمه ريفرز. في واقع الأمر، عندما علمَت هذه الصحيفةُ نفسُها بفشلِ ريفرز في مهمته رغم سرقته للمستندات، نفذَت خطةً أكثرَ مكرًا، وكانت مبشرةً بالنجاح. لقد أرسلَت على متن هذه السفينة امرأةً شابة معروفًا عنها أنَّ لديها مهارةً في معرفة الأسرار التي يحاول الناسُ إخفاءها عن الجميع. تلك المرأة الشابة هي الآنسة بروستر، التي تجلس بجوار ونتوورث على الطاولة. يبدو أن القدَر قد وقف إلى جانبها وجعلها تجلسُ بجواره. اقترب الاثنان أحدهما من الآخر، ولسوء الحظِّ أخبرها صديقي بالكثير عن مسألة المناجم، التي أعلنت عن اهتمامِها بها. أو، بالأحرى، تظاهرت باهتمامها بونتوورث، مما جعلَه يتحدَّث؛ نظرًا بالطبع إلى أنه كان يجهل الحقيقة. لا يوجد شخصٌ في العالم أكثرُ حذرًا من جورج ونتوورث، لكن الرجل لا يتوقع أبدًا أن يظهر يومًا حوار خاصٌّ له مع سيدة في صحيفة.»

«من الطبيعي ألا يحدث هذا.»

«رائع جدًّا، هذا هو الوضع. بطريقةٍ ما، عرَف ونتوورث أن هذه السيدة الشابة هي المراسلةُ الخاصة لصحيفة «نيويورك آرجوس». وتحدَّث معها عن ذلك، وكانت صريحةً بشدة وقالت إنها هنا فقط من أجل معرفة مضمونِ التقريرين الخاصَّين بنا، وإنها بمجرد أن تصل إلى كوينزتاون، ستُرسل برقية تتضمَّن كلَّ ما اكتشفته إلى نيويورك.»

«يا إلهي! هذا أمر محير جدًّا. وماذا فعلتم؟»

«لم نفعل شيئًا حتى الآن، أو بالأحرى، يجب أن أقول إننا جربنا كلَّ شيء يُمكننا التفكيرُ فيه، ولم نصل إلى شيء. ناشدها ونتوورث أن تتراجعَ عن مسعاها، وقد قمتُ بمحاولةٍ بليدة لاستجدائها أيضًا، لكنها لم تكن مجدية. أشعر بقلة حيلتي في هذا الأمر، وونتوورث محطَّم تمامًا بسببه.»

«يا له من مسكين! أنا متأكدة من ذلك. دعني أُفكِّر لبُرهة.»

أخذا يسيران جَيئة وذهابًا بطول السطح في صمتٍ لبضع دقائق. ثم نظرت لونجوورث إلى كينيون وقالت:

«هلا تترك هذا الأمر لي؟»

«بالتأكيد، إذا كنتِ من اللطف بحيث تُظهرين أيَّ اهتمام به.»

«أنا مهتمةٌ به بشدة. بالطبع، أنت تعرف أن أبي مهتمٌّ بشدة به أيضًا؛ لذا، أنا على نحوٍ ما أنوبُ عنه.»

«هل لديكِ أيُّ خطة؟»

«نعم؛ خُطتي ببساطة هي الآتي: السيدة الشابة تعمل من أجل المال؛ لذا، إذا استطعنا أن نعرض عليها أكثرَ مما تُعطيه لها صحيفتها، فسرعان ما ستَقْبل، وإلا فسأكون مخطئةً بشدة في نوعية النساء التي تنتمي إليها.»

قال كينيون: «آه، نعم، لكننا ليس لدينا المالُ اللازم، كما تعرفين.»

«لا عليك؛ المال سرعان ما سيأتي. لا تَشْغل بالَك كثيرًا بشأنه. أنا متأكدة من إمكانية تنفيذ ذلك.»

شكرها كينيون، وعبَّر عن امتنانه بعينيه لا بلسانه؛ لأنه لم يكن سريعَ البديهة، وتركته حتى يُمكِنَها التفكيرُ في كيفية تنفيذ خطتها.

في ذلك المساء، كان هناك نقرٌ على باب غرفة الآنسة جيني بروستر.

صاحت شاغلةُ الغرفة: «ادخل.»

دخلت الآنسة لونجوورث، ورفعت شاغلة الغرفة بصرها باتجاهها، بعبوس، مما كانت تكتب.

سألتها الزائرة بجدِّية: «هل لي أن أتحدثَ إليكِ لبضع لحظات؟»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤