وراء أمل بسيط

انتشر المغامرون الخمسة في صباح اليوم التالي في المعادي … لم تكن مهمة البحث عن مسجد بالمهمة الصعبة … فعدد المساجد محدود نسبيًّا … ومن السهل السؤال عنها … وكان العثور على المسجد المطلوب من نصيب «محب» الذي سرعان ما عرف أنه المسجد الذي يبحثون عنه من شكل السور … والسيارة القديمة التي كانت لا تزال واقفة مكانها … وكانت الساحة الخارجيَّة للمسجد بها سوق للخضار، وعدد من الدكاكين، ويقع كل هذا في الطرف الغربي من المعادي، بعيدًا قرب الصحراء.

لقد كان العثور على المسجد سهلًا … ولكن بقِيَت المهمة الصعبة، وهي السؤال عن الفتاة … وتوقَّف «محب» قليلًا بجوار سور المسجد يفكِّر … كان الحل الوحيد هو العثور على المصوِّر الذي صوَّر الفتاة … وأخذ يتجوَّل بدراجته هنا وهناك … إنه مصوِّر متجوِّل، يمكن أن يوجد في أي مكان، فأين هو الآن؟

وأخذ «محب» يسأل الدكاكين المنتشرة حول المكان … ولكنَّ أحدًا منهم لم يتذكر هذا المصور مطلقًا … وفجأة حدث شيء مثير … كانت هناك فتاة صغيرة تشتري قطعة من الشيكولاتة من أحد المحالِّ، وسمعت «محب» وهو يسأل عن المصوِّر … وردَّت الفتاة: إنني أعرفه … لقد التقط لي صورة منذ شهر تقريبًا.

محب: وهل تعرفين مكانه؟

الفتاة: نعم … لقد أردنا طبع صورة أخرى، فسألت عنه حتى عرفت عنوانه.

محب: وأين العنوان؟

الفتاة: إنه في حارة صغيرة مجاورة للمسجد من الجانب الآخر.

محب: هل تتفضلين بشرحه لي؟

الفتاة: إنني في طريقي إلى مكان قريب منه، وسوف أسير معَك.

ابتهج «محب» كثيرًا بما حدث … ومشى بجوار الفتاة حتى تجاوزا المسجد، ثم دارا دورةً واسعةً، وغاصا في شوارع ضيِّقة حتى وصلوا إلى حارة، أشارت الفتاة إلى منزل فيها وقالت: هذا هو مسكنه.

شكر «محب» الفتاة بحرارة، ثم اتجه إلى منزل المصور … كان منزلًا مُكوَّنًا من طابَقٍ واحد، وقفت على بابه سيدة تشتري «الخضار» من بائع متجول … وحيَّاها «محب» ثم سألها عن المصوِّر فقالت: إنه يلفُّ الآن بحثًا عن رزقه … ولا يعود قبل غروب الشمس … هل تريد شيئًا؟

محب: هناك صورة نريد إعادة طَبْعها.

السيدة: تعالَ في السابعة مساءً، ستضمن وجوده.

وشكرها «محب» وأسرع عائدًا … كان آخر المغامرين الذين وصلوا قبله … وعندما رأوا وجهه أدركوا أنه قد نجح … لقد عثر على منزل المصور … وإنْ لم يعثر على الفتاة …

وقال «عاطف» ضاحكًا: وما الفائدة من العثور على المصور؟ … إن المصوِّرين لا يحتفظون بعناوين زبائنهم … خاصة مصوِّرًا متجوِّلًا مثل هذا … إننا الآن نشبه المثل العامي الذي يقول: «سرقوا الصندوق يا محمد … لكن مفتاحه معايا!»

ردَّت «لوزة» بضيق: إنك تسخر فقط … ولكنك لا تُقدِّم أيَّ حل.

وقبل أن تتطوَّر المناقشة بين الشقيقين، قال «تختخ»: على كل حال، هذه خطوة إلى الأمام … ربما تعرَّف المصور على صاحبة الصورة، وبهذا نكون قد قطعنا مسافة إلى العثور عليها … فإذا لم يعرفها فإننا لم نخسر شيئًا.

نوسة: وهل نتصور أن الشرطة لم تسِرْ في نفس الخط؟

تختخ: إنني لا أعرف طبعًا … ولكن من المفروض أن نعتمد على أنفسنا، وخاصةً أن المفتش «سامي» مسافر … والوقت أمامنا ضيق للعثور على الفتاة.

وكأنما الحديث عن الشرطة قد استحضر رجال الشرطة … فلم يكد «تختخ» ينتهي من جملته حتى ظهر الشاويش «فرقع» على باب الحديقة … كان غارقًا في العرق، ويبدو أنه أقبل من مكان بعيد … وكعادة الأصدقاء فإنهم رحَّبوا به … على حذر طبعًا … فإن المهمة التي لديهم كانت تتسم بالسرية الكاملة … ومن المؤكد أن الشاويش قد حضر إليهم في مهمة أخرى … دخل الشاويش متردِّدًا … فدعاه الأصدقاء إلى الجلوس … فلم يتردَّد وألقى بنفسه على كرسي وهو يجفِّف عرقه … وقالت «لوزة»: عصير ليمون يا حضرة الشاويش؟

ردَّ الشاويش: شاي.

ودهشت «لوزة» لطلب الشاويش … شايًا في هذا الحر … ولكنها ذهبت لإحضار الشاي، وقد قرَّرت أن تأتيَ بكوب من الماء البارد معه.

قال «الشاويش» على الفور مشيرًا إلى «محب»: لقد شاهدتك اليوم في سوق بجوار المسجد، هناك عند طرف المعادي.

فوجئ «محب»، فهو لم يرَ الشاويش مطلقًا في ذلك المكان، وردَّ في هدوءٍ: وماذا تتصوَّر يا حضرة الشاويش؟

الشاويش: لقد رأيتك وأنت تتجه إلى بيت المصوِّر «مرعي»، وهو مصوِّر سيئ السمعة! نظر المغامرون بعضهم إلى بعض في دهشة … هل وراء زيارة الشاويش شيء؟

وهل هناك عَلاقة بين الفتاة المخطوفة وهذا المصور سيِّئ السمعة؟

وهل عند الشاويش معلومات عن الموضوع؟

كانت هذه الأسئلة تتردَّد في أذهان المغامرين في نفس الوقت … ولم يكن هناك طريقة إلَّا استدراج الشاويش للإدلاء بكل المعلومات التي عنده … فقد يحصلون على شيءٍ يُضيء لهم الطريق.

سأل «تختخ»: ماذا تقصد بسيئ السمعة يا شاويش؟ هل هو لص؟

الشاويش: لا أقصد هذا بالضبط … ولكن بعض الزبائن اشتكوا من أنه يصوِّرهم بدون استئذانهم … ثم يطلب منهم نقودًا مقابل صور لم يطلبوها … وأحيانًا يأخذ النقود بدون أن يُعد الصور.

تختخ: وهل عندك محاضر ضده؟

الشاويش: لقد أُنهيت جميع الشكاوى ضده صُلْحًا مع الزبائن، ولكني أنصحكم بعدم التعامل معه.

وجاء الشاي … وازدرد الشاويش كوب الماء البارد بسرعة، ثم أخذ يرشف من الشاي باستمتاع … كان يشعر أنه قدَّم خدمةً للمغامرين … فقد حذَّرهم من المصوِّر … ولكن المغامرين أحسوا أنهم لم يحصلوا على أية معلومات ذات قيمة حول اختفاء «راوية»، ولم يكن في إمكانهم السؤال عنها … فقد قال لهم الأستاذ «مراد»: إن موضوع اختفاء الفتاة موضوع سري … ولو كان المفتش يريد من الشاويش الاشتراك في البحث لأمره بذلك.

ساد الصمت … وعندما انتهى الشاويش من شُرب الشاي قام واقفًا وهو يمسح شاربه وقال: إنني أعتقد أنكم مشتركون في مغامرة ما … وأنَّ المصوِّر جزء من هذه المغامرة … ولكنكم لا تريدون إشراكي معكم … وأنتم أحرار فيما تفعلون … ولكني أحذِّركم من المصوِّر «مرعي» … وشكرًا على الشاي.

كانت مفاجأة للمغامرين … لقد عرف الشاويش الحكاية … ولكن الحمد لله أنه لم يعرف نوع المغامرة التي يقومون بها.

انصرف الشاويش، واستمرَّ الصمت … فلم يكن أحد من المغامرين عنده ما يقوله …

وقال «تختخ»: لقد حان موعد الغداء … سوف ألتقي بك يا «محب» عند منزلكم في الساعة السادسة لنذهب للمصوِّر معًا … وسيبقى «عاطف» و«نوسة» و«لوزة» هنا لحين عودتنا.

وانفضَّ الاجتماع … وفي السادسة تمامًا كان «تختخ» يمرُّ على «محب» في منزله، واتجه الاثنان إلى أطراف المعادي … ولم يكن عندهما من الأمل إلا أقله … ولكن على كل حال، شيء أفضل من لا شيء.

وحوالي الساعة السابعة كانا أمام منزل المصوِّر المتجوِّل «مرعي»، ودقَّ «محب» الباب، وفتحته فتاة صغيرة فسألها: هل الأستاذ «مرعي» موجود؟

ردَّت «الفتاة»: نعم … هل تريد صورة؟

محب: نعم.

غابت «الفتاة» لحظات، ثم عادت تقول: تفضل.

دخل المغامران إلى منزل صغير … بسيط الأثاث … وعلى باب إحدى الغرف كُتبت كلمة «الاستديو».

وأشارت الفتاة إلى الغرفة قائلة: هنا.

دخلوا إلى غرفة صغيرة مقسمة إلى قسمين … في أحد القسمين آلة تصوير قديمة وكرسي … والقسم الآخر كان مغلقًا … وواضح أنه المعمل أو الغرفة السوداء التي يتم فيها التحميض والطبع.

حضر «مرعي» … كان رجلًا تبدو عليه علامات الهُزال … وقال على الفور: من الذي يريد …؟

وقبل أن يكمل جملته قال «محب»: لقد جئنا بصورة لفتاة قمت بتصويرها منذ فترة، ونرجو أن تتذكرها.

بدت على «مرعي» علامات الضيق وقال: إنني لا أهتم بمعرفة زبائني … وليس عندي وقت أضيِّعه معكما.

محب: إننا سندفع لك ثمنَ هذا الوقت.

بدت علامة الشراهة والطمع على وجه «مرعي» وقال: أين هي الصورة؟

أخرج «محب» صورة «راوية»، وناولها للمصوِّر الذي أخذ ينظر إليها بتمعُّنٍ شديدٍ، ثم قال: لنبحث عن «النجاتيف» … الصورة السالبة … أحيانًا أكتب الاسم على المظروف الذي أحتفظ فيه ﺑ «النجاتيف».

ومضى إلى طرف الحجرة حيث يوجد دولاب صغير … فتح أحد أدراجه، وأخذ ينظر إلى المظاريف واحدًا وراء الآخر … وقد وقف الصديقان يرقبانه، وكلهما لهفة على ما سيحدث.

مرَّت الدقائق بطيئة وهو يفتح المظاريف وينظر فيها مقارنًا الصورة ﺑ «النجاتيف»، وفجأة توقَّف لحظات وقال: وجدتها.

ونظر إليه «تختخ» و«محب» وقد بدت عليهما علامات الاهتمام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤