مزيد من المعلومات

كانت لحظة مثيرة … فقد بدأ الطريق إلى العثور على الفتاة … ولكنَّ المغامرَين لم يستمتعا طويلًا بهذه النشوة … فقد أخذ المصوِّر ينظر إليهما بارتياب لحظات … ثم تردَّد لحظات أخرى وهو يسألهما: ماذا تريدان منها؟

محب: لا شيء ذو أهمية … إننا فقط نريد أن نسألها بعض الأسئلة.

المصوِّر: عن ماذا؟

محب: إن ما سنسألها عنه لا يهمك كثيرًا … فقط قُلْ لنا معلوماتك عنها.

المصور: إنني أتذكر … منذ فترة طويلة … كان يتحدث بتردُّد شديد، ثم صمت وسأله «تختخ»: تتذكر ماذا؟

المصور: كانوا يسكنون قريبًا منا … ولكن الآن لا أعرف أين هم؟

تختخ: قُل لنا على العنوان، وسوف نسأل جيرانهم إذا كانوا يعرفون منزلهم الجديد.

المصور: من الصعب أن تعثر على المكان الآن … إنه بعيد … وخاصة في الظلام.

محب: لقد وعدتك بمكافأة إذا دللتنا على طريقها.

المصور: ليست مسألة نقود … ولكني الآن مشغول … تعاليا غدًا صباحًا.

محب: ولكن الوقت مهم جدًّا بالنسبة لنا.

المصور: لا أستطيع الخروج الليلة مهما كانت الأسباب … عندي عمل كثير في المعمل، والزبائن لا بُدَّ من تسليمهم صورهم غدًا.

بدا واضحًا للمغامرَين أن المصور يُخفي شيئًا … وأنه متردِّد في الإفضاء بما عنده من معلومات … ولم يكن هناك بُدٌّ من مغادرة المكان، فقال «تختخ»: نراك غدًا إن شاء الله.

المصور: لا أدري بالضبط هل ستجدانني أوْ لا … لو أتيتما مُبكرَيْن فربما وجدتماني … لأنني بعد ذلك أتجوَّل للبحث عن رزقي.

غادر المغامران المكان وهما في غاية الضيق … وبعد أن سارا قليلًا توقف «تختخ» قائلًا: اسمع يا «محب» … إنني أتوقع أن يخرج هذا المصور بعد فترة، وأعتقد أنه سيذهب للحديث مع شخص ما.

محب: وماذا تقترح؟

تختخ: تعالَ ننتظر نصف ساعة في ركن مظلم من الحارة نراقب ونرى.

ووقف المغامران في ظل سور قديم يُطِلُّ على طرف الحارة … ولم تمضِ سوى دقائق حتى تحقق ما قاله «تختخ»، فقد فُتح باب المصور، وانطلق معه شعاع من الضوء خفَّفَ من حِدَّة ظلام الحارة … ثم ظهر المصور على الباب … وتوقَّف قليلًا ينظر حوله وعندما اطمأن أنَّ أحدًا لا يراقبه انطلق سائرًا في اتجاه السور الذي كان يقف عنده «تختخ» و«محب».

حبس الصديقان أنفاسهما والمصور يمرُّ بجوارهما، لا يبعد سوى مترين أو أقل، ولكن الرجل في عجلته لم يلتفت يمينًا أو يسارًا … وبعد أن غادرهما بمسافة خرجا من مكانهما وسارا خلفه … كان يتجه إلى الجبل … وأخذ الظلام يتزايد تدريجيًّا، ولم يبقَ أمامهما إلَّا أن يقتربا منه حتى لا يفقدا أثره … ولكن عندما وصل إلى جبل المقطم، اعتمدا أكثر على صوت قدميه في الصمت المطبق على الجبل … وبعد نصف ساعة من السير المتصل سمعا قدميه تتوقفان … واقتربا بسرعة زَحْفًا على الأرض الرملية، ودُهِشا … ففي بطن الجبل فُتح بابٌ من الصفيح، وانطلق نور ضعيف … وشاهدا من مكانهما شخصًا يفتح الباب، ويظهر في النور كشبح … وأسرع «محب» زاحفًا ليرى ويسمع … وسمع حوارًا في كلمات قليلة، كان المصور يقول: هناك من يبحث عن الفتاة.

وأُغْلِقَ الباب … وتلاشت الأصوات … وعاد «محب» سريعًا إلى «تختخ» وأخبره بما سمع.

وقف الصديقان ينظران حولهما حتى يتمكَّنا من تحديد المكان … ولكن وقفتهما لم تَطُل … فقد سمعا صوت الباب يُفْتَحُ مرة أخرى … وظهر المصور ومعه شخص آخر … وسارا معًا … ومرَّا بجوار «محب» و«تختخ»، وسمع المغامران ما يدور بين المصور والشخص الآخر.

قال الآخر: إن الفتاة قد فقدت الذاكرة … لقد حاولنا أن نحصل منها على معلومات عن مكان إخفاء المسروقات، ولكنها لا تتذكر شيئًا على الإطلاق … حتى اسمها لا تتذكره، ولا من أين أتت.

سارا معًا … وتبعهما «تختخ» و«محب» ونقلت إليهما الريح بعض الكلمات …

– الشرطة …

– الطبيب … ولكن …

– هل المستشفى …؟

– أفضِّل أن نساوم عليها …

– فكرة طيبة … إذا دفعوا لنا مبلغًا …

– ولكن الشرطة … نفس المصير …

وأخذ المغامران يلتقطان بقايا الكلمات … وكل منهما يُكَوِّن منها في رأسه تصورًا لما يفعله المصور وزميله … وسرح المغامران، ونسيا أنهما في الجبل … وأنَّ هذين الرجلين مشتركان في عملية اختطاف … فهُما مجرمان بشكل أو بآخر … وحدث فجأة أن توقَّف الرجل الآخر، وقال: إنني أسمع وقْعَ خطوات خلفنا.

وتنبَّه المغامران على هذه الجملة … وبسرعة استلقيا على الأرض … وسمعا صوت أقدام الرجلين وهي تتوقف عن السير. ثم سمعا الصوت يتجه إليهما … وأخذا يتدحرجان على الأرض بسرعة حتى سقطا في حفرة … وأحسَّ «محب» بألم صاعق في ساقه؛ لقد سقط عليها … ولكنه كتم صرخة تنطلق من فمه … واستلقيا صامتين على الأرض وهما يلصقان رأسيهما على الأرض للاستماع إلى وقْع الخطوات التي اقتربت تمامًا من الحفرة وتوقفت عندها.

كانت الحفرة مظلمة وعميقة … ورفع «تختخ» رأسه في هدوء وأطلَّ إلى فوق، وشاهد الرجلين يقفان عند حافة الحفرة وقد عاودا الحديث، قال المصور بصوته المشروخ: لا أحد هناك.

ردَّ الرجل: ربما كنت واهمًا.

المصور: وماذا تنوي الآن؟

الرجل: الواقع أنني في حيرة … فقد عثرنا على الفتاة ليلًا وهي تائهة في الجبل … وكانت تحمل لفة تحرص عليها حرصًا شديدًا … وعندما حاولنا أخذها منها سارعت بالفرار … واختفت نصف ساعة … وعندما عثرنا عليها مرة أخرى أخذت تجري أمامنا في الظلام وارتطمت بحجر وسقطت على الأرض وأصيبت في رأسها … ونقلناها إلى مقرنا في الجبل، وحاولنا أن ندفعها للاعتراف بمكان اللفة … ولكنها لم تتذكر شيئًا … وقال لي «العريف» إن الفتاة ربما أُصيبت بارتجاج في المخ من أثر السقطة …

المصور: إنني أعرف أسرة الفتاة، وهم يبحثون عنها … ولا أدري هل أبلغوا الشرطة أو لا.

الرجل: إذن فهم لا يعرفون الحقيقة.

المصور: لا …

الرجل: هذا شيء مدهش.

المصور: ربما لا يريدون أن يبلغوا الشرطة.

الرجل: لماذا؟

المصور: هذا ما لا أعرفه.

الرجل: هيَّا بنا … إنني لا أرى أثرًا لأحد في هذا المكان.

وانطلق الرجلان … وانتظر «تختخ» و«محب» حتى قَدَّرا أنهما ابتعدا بمسافة كافية … ثم قاما … كانت ساق «محب» تؤلمه جدًّا … حتى إنه سقط على الأرض عند أول محاولة للوقوف … وأسرع «تختخ» يسنده حتى وقف، ثم سنده ليسير … كانت ساقه قد التَوتْ … فتحامل على نفسه وأخذ يسير.

قال «تختخ»: هل تؤلمك جدًّا يا «محب»؟

محب: نعم … ولكن الألم سوف يزول على كل حال.

تختخ: هل تستطيع ركوب دراجتك؟

محب: أظن أنني أستطيع.

وساد الصمت لحظات، وهما يقطعان الجبل المظلم حتى اقتربا مرة أخرى من المكان الذي دخله المصور … وأخذ «تختخ» ينظر حوله في تأمل، فقال «محب»: هل تحاول تحديد المكان؟

تختخ: بالضبط … سوف نحتاج للعودة مرة أخرى.

محب: هل تفكِّر في اقتحام المكان وأخْذ الفتاة؟

تختخ: لا أدري … إن حكاية عدم الاتصال بالشرطة تقيِّد حركتنا تمامًا، والآن والفتاة قد فقدت الذاكرة كما هو واضح من حديث الرجلين، فليس أمامنا إلَّا إبلاغ الأستاذ «مراد» بكل شيء … وهو حر في اتخاذ القرار الذي يناسبه.

محب: هذا هو الحل الوحيد الصحيح.

تختخ: وتنتهي المغامرة عند هذا الحد؟ إن «لوزة» ستكون حزينة جدًّا إذا لم تشترك في الحل بشكل أو بآخر.

وابتسم المغامران، واستأنفا سيرهما بعد أن استند «محب» على كتف «تختخ» حتى وصلا إلى الأماكن المأهولة، وأخذا يسيران في اتجاه الدراجتين، حيث كانتا لا تزالان في ظل الجدار … وحمدا الله أنَّ أحدًا لم يسرقهما … وبمساعدة «تختخ» ركب «محب» دراجته، وما زالت ساقه تؤلمه، ثم انطلقا عائدَيْنِ إلى المعادي.

محب: هل ستبلغ الأستاذ «مراد» بهذه المعلومات الليلة؟

تختخ: طبعًا، إن أي تأخير قد يُضيِّع الخيط الوحيد الذي يدلُّنا على طريق الفتاة، وعليك أنت أن تذهب لترتاح حتى لا تتضاعف الإصابة، وسوف أبلغك بما سيحدث.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤