هل هناك دور للشاويش؟

كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة ليلًا عندما اقترب «تختخ» من المنزل رقم ١٩، كان يرجو أن يجد الدكتور في المنزل … كان يريد أن يفهم منه أهمية المستندات، ولماذا لم يتابع رجال المفتش «سامي» البحث عن الفتاة، بدلًا من جهود المغامرين التي انتهت بتحديد مكان الفتاة … أو على الأقل معرفة مختطفيها … وأخذ «تختخ» يفكر لحظات قبل أن يتجه إلى باب المنزل … أيتصرف من تلقاء نفسه أم عليه أن يبلغ الدكتور بما حدث؟ إن أي تصرُّف خاطئ قد يؤدي إلى نتائج سيئة … وهكذا اقترب من الباب ودقَّ الجرس، ومرت لحظات ثم سمع صوت الباب يُفتح فتحة صغيرة وتُطل منه سيدة، أدرك على الفور أنها «زاهية» مدبِّرة المنزل … كانت تلبس ملابس فاخرة … وتبدو قوية مسيطرة … حتى دبَّ الخوف في نفس «تختخ» عندما التقت عيناهما … ولكن ابتسامتها المرحِّبة خفَّفت من وقع النظرات …

قال «تختخ»: مساء الخير … أريد مقابلة الدكتور.

ردت «زاهية» بحزم: عليك أن تقابل الأستاذ «مراد» أولًا!

وقادته عبْر دهاليز المنزل الفاخر إلى غرفة الاستقبال، ثم تركته لحظات، وعادت تقول: إنَّ الأستاذ «مراد» قادم حالًا.

واختفت، وجلس «تختخ» وحده دقائق ثم ظهر الأستاذ «مراد» يسير بنشاط، وقد بدت على وجهه ابتسامة متسائلة، وبعد أن تبادلا التحية، قال «مراد»: إن ثيابك متسخة … لعلك وقعت على الأرض.

قال «تختخ» معتذرًا: آسف جدًّا … لقد نسيت تمامًا أنني فعلًا وقعت على الأرض … ولكن الأخبار التي أحملها لا تحتمل التأجيل.

بدت علامات الاهتمام على وجه «مراد»، وعاد «تختخ» يقول: هل أستطيع مقابلة الدكتور؟

ردَّ «مراد»: سأذهب لأرى إذا كان قد نام أم لا … لقد عاد بعد يوم عمل طويل في الأكاديمية … وكان مُرْهَقًا جدًّا.

وغاب «مراد» لحظات ثم عاد يقول معتذرًا: آسف جدًّا … لقد نام ولا نستطيع إيقاظه … وإذا شئت أن تؤجل لقاءك معه إلى الصباح، فيمكننا أن نحدد موعدًا من الآن وتأتي لتقابله، إلَّا إذا كنت تحمل أخبارًا هامة حقًّا … فمن الأفضل أن تُخبرَني بها … وقد نوقظ الدكتور لسماعها.

أخذ «تختخ» يروي الأحداث التي جرت منذ حصلوا على الصورة حتى وصلوا إلى مقر العصابة التي خطفت «راوية» … وكان «مراد» يُصغي بانتباه شديد وقد بدا عليه الإعجاب بحديث «تختخ» ودِقَّته وتسلسله … وعندما انتهى «تختخ» من روايته، قال «مراد»: إنكم أولاد مدهشون … ولا عجب أن يوصيَنا المفتش باللجوء إليكم … سوف أوقظ الدكتور فورًا ليستمع إليك.

وغاب «مراد» وظهرت «زاهية» تحمل كوبًا من الشاي، كان «تختخ» في أشد الحاجة إليه …

وجاء «مراد» بعد لحظات يقول: إن الدكتور سيأتي حالًا للحديث إليك … إنني أريدك أن تحدِّد لي المكان بالضبط.

وظهر رجل بجوار «مراد» قدَّمه الأخير قائلًا: هذا هو الأسطى «حامد» وهو يعرف المنطقة جيدًا.

أخذ «تختخ» يصف المكان كما رآه في الظلام … وكانت أسئلة الأسطى «حامد» تُوضِّح أنه يعرف المكان جيدًا … فقد استفسر عن كل شيء … وبعد أن وصف «تختخ» المكان وصفًا جيدًا … انتظر حضور الدكتور، ولكنه فجأة أحسَّ أنه مُتْعَب جدًّا … إن النهار الطويل الذي قضاه في هذه المغامرة والمطاردة الأخيرة سبَّبا له تعبًا شديدًا … وقال ﻟ «مراد»: إنني لن أستطيع الذهاب معكم.

مراد: ولكن هذا مهم جدًّا.

تختخ: بل إني لن أستطيع انتظار حضور الدكتور، وسأعود إلى المنزل فورًا، فإنني في أشد الحاجة إلى الراحة.

مراد: كما تريد … وفي الصباح سوف أراك … وأحكي لك كل شيء؟

تحامل «تختخ» على نفسه … كان يشعر أن كل جزء في جسده في حاجة إلى راحة طويلة … ولعله لم يلتفت إلى التعب إلا بعد أن اجتاز المغامرة الشاقة … وفعلًا ما كاد يصل إلى منزله بالدراجة حتى صعد إلى غرفته … واستلقى على فراشه وراح في سُباتٍ عميق … وعندما استيقظ في صباح اليوم التالي تذكَّر أنه مرَّ بأحلام وكوابيس كثيرة … وأنه ما زال مُتْعَبًا، ورجَّح أن يكون ذلك نتيجة توتُّر أعصابه … فهذه أول مهمة يوكلها إليهم المفتش «سامي» دون أن يكون موجودًا … وهي قضية تتعلَّق بمستندات هامة للوطن.

تلقَّى أول مكالمة في ذلك الصباح من المغامِرة الصغيرة «لوزة» التي انطلقت كالصاروخ تُلقي عليه عشرات الأسئلة … ماذا فعل ليلًا مع «محب»؟ … هل تم العثور على الفتاة؟ ماذا فعل الأستاذ «مراد»؟ … وأسئلة أخرى كثيرة … كان «تختخ» يتثاءب وهو يسمع … كان لا يزال متعبًا … وقال لها: من الأفضل أن نلتقيَ جميعًا … سأحكي لكم كل شيء.

واتفقا على اللقاء في المكان المعتاد، طبعًا في حديقة منزل «عاطف» و«لوزة»، ودخل «تختخ» الحمَّام، وأخذ «دشًّا» باردًا … وأحسَّ أنه أفضل مما كان … ثم قفز إلى دراجته وأخذ «زنجر» معه … ثم تذكَّر أنَّ «مراد» قال إنه سيتصل به في الصباح لإخطاره بما حدث … ونظر إلى ساعته … كانت لا تزال التاسعة والنصف … فلينتظر قليلًا … ونزل من الدراجة في الحديقة بعد أن نادى على الشغَّالة وطلب منها أن تردَّ على التليفون فورًا، وأن تُخطِره.

وأخذ يتمشَّى بين الأشجار الصغيرة والورود … وذهنه يعمل ويستجمع المعلومات، وما مرَّ به من أحداث في هذه المغامرة … وكان «زنجر» يمشي خلفه وهو مندهش لماذا لم يخرج صاحبه بعد أن ركبا الدراجة؟ … كان يريد أن يتنزَّه قليلًا، وأن يقابل بقية الأصدقاء. ولكن «تختخ» كان مشغولًا تمامًا … وتوقَّفَ أمام فَراشة كانت تطير بهدوء في الحديقة … كان ثمة شيء يضايقه … نعم … هناك شيء في هذا الموضوع غير مريح، شيء ناقص … شيء غامض، ولكن ما هو؟

ومضت نصف ساعة … ثم نادته الشغالة؛ لأن التليفون يطلبه … وأسرع يقفز سلالم الفيلَّا إلى الداخل … ولكن لم تكن هي المكالمة التي انتظرها … لقد كانت من «لوزة» تسأله لماذا تأخَّر؟

قرَّر «تختخ» أن يذهب إلى الأصدقاء … وقفز إلى دراجته، وأسرع إليهم، وكانت خواطره تدور حول الشيء الغامض الذي في هذه القصة كلها … وعندما وصل إليهم وجدهم جميعًا في انتظاره مشتاقين إلى سماع أخباره … ولم يكن «محب» قد روى لهم شيئًا، وفضَّل أن ينتظر حتى يأتيَ «تختخ».

جلسوا جميعًا ينصتون و«تختخ» يروي المغامرة الليلية … وكيف استطاع هو و«محب» في النهاية تحديد مكان الفتاة.

وقفزت «لوزة» قائلة: وكيف تركت الفرصة تفوتنا … وكان يجب أن يصل المغامرون الخمسة أولًا — وقبل أي إنسان آخر — إلى الفتاة.

ردَّ «تختخ»: لقد فكرت في ذلك … ولكنَّ هناك أسبابًا منعتني … أولًا: خطورة أن نهاجم هذا المكان في الجبل ونحن لا نعرف مَن الذي فيه … إنها عصابة، وقد تكون في منتهى الخطورة … ثانيًا: أننا وعدنا الأستاذ «مراد» أن نُبلغه أولًا بأول بما يحدث … وكان يجب أن نفيَ بوعدنا … ثالثًا: أن الفتاة فقدت الذاكرة … ومعنى هذا أننا لن نحصل منها على معلومات عن مكان المستندات المسروقة … فهي تحتاج إلى عناية طبية حتى تستعيد ذاكرتها … وهذا يستغرق وقتًا طويلًا … فأين نضعها؟ وكيف نُنفق عليها؟

لم تستسلم «لوزة» أمام هذا المنطق … وقالت: كان يجب أن نحصل على الفتاة أولًا، ثم نرى بعد ذلك ما يمكن …

وقبل أن تتم جملتها ظهر الشاويش «علي» عند باب الحديقة … بدا متهيبًا قليلًا … ثم نظر إلى المغامرين، وقال: ماذا فعلتم حتى الآن مع المصور؟

محب: أي مصور؟

الشاويش: لا تنكر … لقد ذهبت أنت و«توفيق» إلى المصور ليلة أمس.

وصُعق الصديقان … كيف عرف الشاويش ذلك؟ وهل يعرف أكثر؟

قال «تختخ»: اسمع يا شاويش «علي» … إنك مُمثِّل القانون هنا … ونحن نحترمك جدًّا … ولكن هل ارتكبنا خطأ يستحق أن تتابعه؟

أُعجب الشاويش بكلام «تختخ»، وقال: إن القاعدة في الأمن أن نمنع الجريمة قبل وقوعها، وليس أن ننتظر حتى تقع الجريمة ثم نبحث عن الفاعل.

تختخ: إن هذا كلام عظيم جدًّا يا شاويش «علي»، وهذا يثبت أنك رجل كُفْء تفهم بالضبط مهمةَ رجل الأمن …

وتوقف «تختخ» لحظات ثم قال بين دهشة جميع المغامرين: إننا بمنتهى الصراحة نبحث عن شيءٍ هام …

ونظر إليه الجميع في دهشة بما في ذلك الشاويش «علي» الذي أخذ يعبث بشاربه كلما أحسَّ أنه في موقف قوي …

وعاد «تختخ» يقول: وسوف نطلب مساعدتك في الوقت المناسب … فهل تسمح لنا أن نحدِّد هذا الوقت؟

الشاويش: وما هو الشيء الهام الذي تبحثون عنه؟

تختخ: وهذا أيضًا سوف نشرحه لك في الوقت المناسب.

ساد الصمت بعد هذه الجملة … وبدا أنَّ ثمةَ شيئًا غير عادي يحدث، وأخذ الشاويش يعبث بشاربه مرة أخرى، ثم قال: إنني موافق على ما تقول … المهم ألَّا تُعرِّضوا أنفسكم للخطر.

ثم قفز الشاويش إلى دراجته ومضى … ونظر المغامرون إلى «تختخ» في دهشة … والتفتَ إليهم «تختخ» قائلًا: إنني أحسُّ أن ثمة شيئًا يحتاج إلى الشاويش في هذا الموضوع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤