معلومات الشاويش «فرقع»

جلس «تختخ» صامتًا لحظات، والمغامرون ينتظرون منه تفسيرًا لما حدث … ولكن «تختخ» قال في بساطة: أعطوني بعض الوقت … إنني في حيرة من أمري! وقام إلى التليفون واتصل بمنزلهم، وأكَّدُوا له أن أحدًا لم يتصل … وقال ﻟ «محب»: هيَّا بنا، سنذهب لزيارة الأستاذ «مراد».

لوزة: ألن نأتيَ معكما؟

تختخ: من الأفضل أن تنتظروا قليلًا … إذا لم نَعُد في خلال ساعة فعليكم الحضور إلينا هناك … فقد يدعوننا إلى الغداء.

وقفز الوالدان إلى دراجتيهما … وانطلقا في اتجاه منزل الدكتور … وعندما وصلا إلى هناك توقَّفا قليلًا ينظران إلى البيت … لم يكن هناك شيء غير عادي … لا رجال شرطة ولا زحام.

تختخ: يبدو أنهم لم يبلغوا الشرطة بعد.

محب: إنني شغوف جدًّا بمعرفة ما حدث.

واقتربا من الباب وضغط «محب» الجرس … وبعد أقل من نصف دقيقة ظهر «مراد» على الباب مبتسمًا … وصافح الصديقين بحرارة، وقال: لقد عثرنا على الفتاة! إنني لا أعرف كيف أشكركم على ما فعلتم؟ … إنكم مغامرون فعلًا من طراز ممتاز!

تختخ: وكيف حالها؟

مراد: إن الدكتور — ومعه طبيب نفسي — معها … إنها مضطربة جدًّا لما حدث لها … ولكن الطبيب النفسي يؤكد أنها ستستعيد ذاكرتها في فترة قصيرة، بعد أن تهدأ وتطمئن إلى مَنْ حولها.

محب: ألا نستطيع رؤيتها؟

مراد: ليس الآن … ربما في المساء … لو حضرتما ليلًا فسوف تكون في حالة أفضل … إن ذلك يتوقف على رأي الطبيب النفسي، وهو يؤكد أنها في حاجة إلى الهدوء والراحة أكثر من أيِّ شيءٍ آخر.

ودعاهما «مراد» للدخول، فقد كانوا جميعًا يقفون في مدخل الفيلَّا، ولكن «تختخ» قال: لا داعي للدخول الآن … سوف نحضر في المساء، ولكن «محب» قال: كيف استطعتم الوصول إليها؟ … هل استعنتم بالشرطة؟

مراد: هذه قصة طويلة سوف أحكيها لكم فيما بعد … إننا الآن مهتمون فقط بالحصول على المستندات … وبعد الحصول عليها سوف تعرفون كل شيء … فأنتم الذين استطعتم الوصول إلى الفتاة … ومن المؤكد أن المفتش «سامي» سوف يكون سعيدًا جدًّا بكم كما كان دائمًا.

ولم يعد هناك مجال للحديث، فانصرف المغامران … وأسرعا إلى بقية المغامرين في حديقة منزل «عاطف»، وكان الثلاثة يشتركون في حديث صاخب، وعندما رأتهما «لوزة» صاحت: هل عثروا على الفتاة؟

محب: ما هو رأيك؟

لوزة: لقد عثروا عليها.

محب: كيف عرفتِ؟

لوزة: إن وجهيكما يعكسان هذا الحقيقة.

محب: إنكِ قارئة وجوه ممتازة.

نوسة: وهل حصلوا على المستندات؟

محب: ليس بعد … إن الفتاة مُنهكة من أثر الصدمة، ومن أثر الحبس الطويل الذي تعرَّضت له … وعندها الآن طبيب نفسي، ومن المنتظر أن نزورَها في المساء.

لوزة: إنني في أشد الرغبة إلى رؤيتها.

محب: سوف ترينها قريبًا.

استأذن «تختخ» منهم لشعوره بإرهاق، وانطلق عائدًا إلى منزله … كان يركب دراجته وهو مستغرِقٌ في التفكير، حتى إنه لم يلاحظ أن الشاويش كان يتبعه على دراجته، وأخذ الشاويش يقترب تدريجيًّا من «تختخ» دون أن يلحظه، ثم صاح به فجأة: «توفيق»!

ودهش «تختخ» وتوقَّف مكانه بسرعة حتى كاد يسقط … ثم التفت إلى الشاويش الذي قال له محذِّرًا: إنني ألاحظ أنكم تجتمعون كثيرًا هذه الأيام … وأنَّ لكم تصرُّفاتٍ مريبة … إنني أحذركم … فقد تقعون في خطأ جسيم.

أخذ «تختخ» ينظر إلى الشاويش في شبه ذهول … كان عقله يعمل بشدة … وكان في أشد الحاجة إلى التركيز … برغم أن ذلك خطر عليه وهو يقود دراجته … فقد يقع له حادث وهو يفكِّر شاردًا.

أعادَهُ نداءُ الشاويش وحديثه إلى نفسه وقال: معك حق أيها الشاويش … إنني في حاجة إلى استشارتك.

الشاويش: قلت لكم …

تختخ: لا داعي لأن تقول لي ماذا قلت لنا وقلنا لك … المهم الآن أنني أريد أن أستشيرك … هل عندك مانع؟

الشاويش: لا مانع طبعًا.

تختخ: إذن فإنني أدعوك إلى كوب من الشاي في منزلنا.

واتجه الاثنان إلى منزل «تختخ»، وعندما دخلا الحديقة، أسرع «زنجر» إليهما وأخذ يداعب الشاويش كعادته … ولكن الشاويش صاح به مُحذرًا … وكذلك فعل «تختخ»، فقد طلب من كلبه الذكي أن يبتعدَ عن الشاويش.

بعد لحظات أُحْضِرَ كوب الشاي … وجلس «تختخ» والشاويش يتحدثان … قال «تختخ»: هل أستطيع أن أعرف إذا كانت هناك بلاغات عن غياب فتاة صغيرة في الفترة الأخيرة يا شاويش؟

وضع الشاويش ساقًا على ساق، وقال: إنك تسألني عن عملي، وهذا ممنوع بحكم القانون.

تختخ: إنَّ مثل هذا السؤال ليس سرًّا يا شاويش.

أخذ الشاويش يرشف الشاي في استمتاع، ثم قال: نعم، هناك بلاغ منذ فترة عن اختفاء فتاة …

تختخ: تُدعى «راوية».

قفز الشاويش من مكانه كأنما لدغه ثعبان، وقال: كيف عرفت؟

تختخ: من الذي أبلغ عنها؟

الشاويش: قُل لي أولًا كيف عرفت؟

تختخ: ليس هذا مهمًّا الآن يا شاويش … المهم من الذي أبلغ عنها؟

الشاويش: أسرتها!

تختخ: وأين يسكنون؟

الشاويش: في عزبة «عباس»، قرب نهاية المعادي من ناحية الشرق.

تختخ: وهل عثرت عليها؟

الشاويش: ما زلنا نبحث.

تختخ: كيف بدأت البحث؟

الشاويش: سألت كيف خرجت، وسألت عن أصدقائها، والأماكن التي تتردَّد عليها.

تختخ: ألم تكن تعمل؟

الشاويش: نعم … كانت تبيع بعض الخَضْراوات التي تضعها في سلةٍ تحملها على رأسها.

سكت «تختخ» واستغرق في تفكير عميق … لقد كان يحس أن هناك شيئًا غامضًا في موضوع اختفاء «راوية» … فهل هذا هو الشيء الغامض؟ لقد قال له الأستاذ «مراد» إنها كانت شغَّالة تعمل عندهم … والآن يعلم أنها كانت تبيع الخَضْراوات … أين الحقيقة؟

سأله الشاويش: ماذا حدث؟ إنك تفكر في شيء.

ردَّ «تختخ» بشرود: نعم!

بدأ الشاويش يغضب، ويتغيَّر لون وجهه وقال: لقد حصلت على المعلومات التي تريدها. وها أنا ذا أراك صامتًا … إنك تستدرجني إلى الإدلاء بمعلوماتي، إنني أريد أن أعرف معلوماتك عن هذا الموضوع.

كان حديث الشاويش معقولًا ومنطقيًّا … ولكن «تختخ» لم يكن في موقف يسمح له بالحديث عن أهمية هذه الفتاة، وعن الأوراق التي سرقتها، وفي نفس الوقت أنه قد عثر عليها … نعم كان يحس بالصراع داخل نفسه بين واجب الحديث إلى مُمثِّل القانون وإخباره عن العثور على الفتاة، وبين العهد الذي قطعه على نفسه ألا يُخبر أحدًا حتى يحضُرَ المفتش «سامي»، وهكذا اختار موقفًا وسطًا وقال: سوف أبلغك خلال فترة قصيرة بمعلوماتي عنها.

الشاويش: ولماذا لا تخبرني الآن؟

تختخ: إنني لا أستطيع الآن لاعتبارات كثيرة.

الشاويش: إن في إمكاننا القبض عليك بتهمة إخفاء معلومات عن أجهزة الأمن، إنها جريمة يمكن أن تُحاسب عليها.

تختخ: أؤكد لك يا حضرة الشاويش أنني حريص على عمل جهات الأمن مثل حرصك، ولكن الأسباب التي تمنعني من الحديث إليك قوية … وباسم الصداقة التي تربط بين المغامرين وبينك …

صاح الشاويش وهو يكاد ينفجر من الغضب: صداقة … أي صداقة هذه؟! … إنك سخرت مني، واستدرجتني!

وقام الشاويش واقفًا، فقال «تختخ»: اهدأ قليلًا يا حضرة الشاويش … إنني قد أُهدي إليك قصة مثيرة عن اختفاء هذه الفتاة.

الشاويش: أي قصة مثيرة؟! … هل ستؤلف ألغازًا وقصصًا أنت أيضًا؟

تختخ: إن التأليف مهنة صعبة … خاصةً تأليفَ الألغاز التي تشبه المعادلة الرياضية أو الكيميائية … إنني سأهدي إليك قصة واقعية … قد تأخذ عنها مكافأة عظيمة.

خرج الشاويش وهو لا يزال غاضبًا، لم يكن يُصدِّق ما قاله «تختخ»، ولا يتصور أنَّ وراء اختفاء هذه الفتاة الصغيرة قصةً مثيرةً حقًّا … أما «تختخ» فقد جلس وحيدًا يفكِّر … لا بُدَّ أن المساء سيحمل أخبارًا هامة، فسوف يقابلون الفتاة، وسوف يعرفون كل شيءٍ عنها … وإذا كانت قد استعادت الذاكرة فسوف يكونون بذلك قد قدَّموا خدمة كبيرة للعدالة وللوطن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤