بواكير الربيع

أمَّا رضاي بما يقولُ ويفعلُ
فهو الذي بي في الصبابة يجمُلُ
وإذا قَنِعْتُ من الدلالِ بأَنَّني
أحيا مِرارًا في النهارِ وأُقْتَل
فأَنَا الذي بدأَ الهَوَى وأعادَه
وعليه آياتُ الجَوى تَتَنَزَّل
أَسْلَمْتُ نفسي لِلهُيامِ بما رَوَوْا
لي عن محاسِنِها وما أَتَخَيَّلُ
وعشقتُ لم أَرَها ولكن شخصُها
بالنار في كبدي الضعيفِ مُمَثَّل
بيضاءُ أنْهَلَها الشبابُ وعَلَّها
خمرًا تَضِلُّ لَهَا العقولُ وتَذْهَل
تَنْدَى العيونُ إذا تَبلَّجَ نورُها
طَرَبًا وينْفَتِحُ الفؤادُ المُقْفَل
يا مَن ضَرَبْتِ حجابَ كِبْرك بيننا
إنَّ التَّعَزُّزَ في الغرام تَذَلُّلُ
هذا الربيعُ أتَى لِيصْلِحَ بَينَنَا
وبِراحَتَيه بَنَفْسِجٌ وقُرُنْفُلُ

•••

ولقد دخلتُ الرَّوضَ يَعْبِقُ رَوْحُها
غَنَّاءَ تَنْفَحُها الصَّبا والشَّمْأَلُ
فإذا الربيعُ مَشَى بها مُتَبَخترا
يختالُ في حُلَلِ البهاء ويرفُل
فوقفتُ أرمُق طَلعة مَلَكِيةً
في حُسنِها يتحَيرُ المُتَأَمِّل
وعلى السماءِ من الغمامِ مَجاسدٌ
تكسو النهارَ لِمنكَبيه وتَفْضُل
ومنَ الغصونِ مُفَضَّضٌ ومُذّهَّبٌ
ومنَ الطيورِ مُسَبِّح ومُرَتِّل
ورأيت خُوطَ البانِ مالَ بِسمعِه
يصغِي لما يوحى إليه الجَدْوَل
فسرقتُ سِرَّ الحسن منه لأَنني
مُغْرًى بأسرار الجمالِ مُوَكَّل
وضمَمْتُ قامتَه الرشيقَةَ ضَمَّةً
لو جَنْدَلٌ رَاها لهَامَ الجندل
وعصرتُ من حُمرِ الشقائقِ في فمي
إنَّ المَشُوقَ فؤادُه يتعَلَّلُ

•••

وسمعتُ من أعلى الخميلة صائحًا
غَرِدا يفَصِّلُ في الغرام ويُجْمِلُ
يبكي ويضحكُ في بُكاهُ تَوجُّعًا
ويجِدُّ في شكوى جَواهُ ويهزلُ
فَرَحِمْتُهُ، بل تلك دَمعةُ عاشق
نطقت تُمَجِّد عاشقًا وتُبَجِّلُ
إن الذي فَطَرَ القلوب أعارَني
قلبًا يذوب إذا ترنَّم بلبل

•••

وسألت نفسي والجمالُ يحيطُ بي
وشدَا الفؤادُ يجيبُ عمَّا أسألُ
هل أنتِ أم زهرُ الربيعِ وطِيبُه
ومن الأخفِّ على القلوبِ الأَجْمَلُ؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤