شمي نسيمك

أذاعَ غرامه فغدا شَهِيرا
وصاحب فيكِ قلبًا مُستطيرَا
وما بالي أرى دمعي غزيرًا
وكنت عهدتُه نَزْرًا يسيرَا
أذَلَّني الغرام وكنت ليثًا
ولست أزال وثَّابا هصورَا
إذا الآساد يوم وغًى رأتْه
على أعقابها وَلَّتْ نُفُورا
خُذيني بالدَّلَالِ الحُلو أحْيا
به لأُعَانِي الهَمَّ المريرا
ولا تتسلَّحي بالهجر إنِّي
لَبستُ لحَدِّه عمرًا قصيرَا
غدًا شِمِّي نسِيمَكِ واذْكرِيني
بقلبك تَذْكُري بَرًّا شَكُورَا
لِعَينِ وفائِه ما عاشَ لَحْظٌ
يظَلُّ إلى محاسِنِكم مُشيرَا
إذا رَوْحُ الشَّمالِ سَرَى إليه
تَنَسَّمَ من شمائِلكم عَبيرا
ولا هبَّتْ لكم يومًا جَنُوبًا
فما حَمَلَتْ لكم إلا زفيرَا

•••

سَلِي زهرَ الرياض وناشِقِيه
وشاربَها هناءً والمديرا
أغيرَ الحبِّ أنشَقُه ذكيا
وغيرَ الدمعِ أشربُه طهورا

•••

سقَى تلكَ الغَداةَ الدمعُ وبْلًا
يغَادرُ عهدَ ذِكراها نَضِيرا
وقفتُ لكي أراكِ وكان يومًا
على كَبدِي التي ذابتْ عَسِيرا
تَلفَّتَ إذْ طلَعْتِ إليك قلبي
وحاولَ من ضُلوعي أنْ يطِيرا
ولولا أنن أَمْسَكْتُ دمْعِي
لأَجْرِي في مَحَلَّتِكُم غَدِيرا
وكانت نظرةً قتلتْ جريحًا
وشَدَّت في سَلاسِلها أَسِيرا
وهاجتْ لوعةً في صدرِ صَبٍّ
وزادتْ نارَ ولهانٍ سَعِيرا

•••

وكم يومٍ عزمتُ على لِقاءٍ
أُعِينُ به على الشَّجْوِ الضميرا
ولكنْ لا يطاوعني حَيائِي
وعَزْمٌ كنتُ أحسَبُه طَرِيرا
أَتَثْبُتُ بي على الأفلاكِ رِجْلي
هَبِي لي قَبْلَهَا جَلَدًا كبيرَا

•••

سقى أكنافَ دارك بابِليٌّ
من الأَنْواءِ ينْبِتُها السرورا
وعاجَ على مغانِيكُم وَلِيٌّ
من النَّعْماءِ يوطِئُكِ الحريرا
منازلُ شمسُها تُحيي فؤادي
ويملأُ بدرُها عينَي نُورا

•••

متى نحيا ونَسْعَدُ في حياةٍ
إذا أعيادُنا كانتْ فُجُورَا
إذا شمُّ النسيمِ دنا إلينا
نُعِدُّ له المَعَازِفَ والخُمُورا
وريحانًا نُدَنِّسُهُ بأَيدٍ
قد امْتَلَأَتْ من الدنيا غُرورا
وكم شاهدتُ ذاكَ اليومَ طفلًا
وكنتُ عَرَفْتُه شيخًا وَقُورا
تَسَكَّعَ في العَمَايةِ لم يوقِّرْ
مُهَذَّبةً ولم يرْحَمْ صغيرَا
وكم ضَجَّتْ سَفِينٌ بالمَخَازِي
ويأْبَى النيلُ إلَّا أنْ تَسِيرا
وهلْ يصفُو لَهمْ في النيل وِرْدٌ
وقد قَتَلُوهُ كُنْياكًا وبِيرا
أرى آدابنا فَسَدَتْ وأَضْحَى
أَرَقُّ حديثنا هُجْرًا وَزُورا
أرَانا في تواكُلِنا اتَّفَقْنا
وشابَهَ فيه أحقرُنا الخَطِيرا
يقَصِّرُ صانعٌ ويضِلُّ قاضٍ
ويتْرُكُ أرضَه الفلاحُ بورا

•••

وهل يبقى القليلُ لنا طويلًا
ولم تَحْفَظْ أناملُنا الكثيرا
ننامُ عن المفاخِر والمساعِي
ونَبْنِي من أمانِينا قُصورا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤