الميمية النبوية

طَيْفُ سَرَى فشَفَى صَبًّا من السَّقَم
سَّرَّى الهمومَ وجَلَّى حالكَ الظُّلَمِ
مُتَمَّمُ الخَلْقِ من حُسْنٍ ومن عَجَبٍ
مُكَمَّلُ النُّورِ من علمٍ ومن حِكَمِ
أرنو إليه فتُصْبِيني مَنَاظِرُهُ
فَأَخْفِضُ الطَّرْفَ إجْلَالًا لِذَا العِظَمِ
في مَوقفٍ بِكمالِ الحُسن مُتَّشِحٍ
بالطُّهرِ مُؤْتَزِرٍ بِالصدقِ مُعْتَصِم
حتى إذا سَكَنَتْ نفسي سَمَوْتُ لَهُ
أَرْعَى الجمالَ وأَخْشى زَلَّةَ القَدَمِ
لا أكذِبُ الوصفَ بدرُ التِّمِّ يعشَقُهُ
والشمسُ رَأْدَ الضُّحَى من أَطْوَعِ الخَدَمِ
وأين لِلبدرِ منهُ سحرُ مُكْتَحَل
وأين للشمس منه دُرُّ مُبْتَسَمِ؟
يا لينَ راحَتِهِ! لا الزَّهْرُ مَلْمَسُها
ولا الدِّمَقْسُ ولا ما شِئْتَ من نِعَم
قَبَّلْتُها وشذاهُ الروضُ يَنْفَحُني
وَفَوَهُ يُسْمِعُني من أَعذبِ النَّغَمِ
يُدْلِي إليَّ بِسِرٍّ من مَحَبَّتِنَا
قُدْسِ الصحيفةِ في حِرْزٍ عن التُّهَم

•••

يا لائِمي أنَّ دمعي في الغرامِ جَرَى
أَقْصِرْ فَدمعي قليلٌ في الهَوَى ودمي
دمعي وشعري معًا من منبعٍ جَرَيَا
في الحبِّ مُنْسَجِمًا في إِثْرِ مُنْسَجِم
لولا الجمال ولولا ما يطالِعُني
من البدائع لم أَعْشَقْ ولم أَهَمِ
تدعو المحاسنُ من بادٍ ومُسْتَتِرٍ
لَهُ المُحِبِّينَ من باكٍ ومُبْتَسِمِ
لو جنَّةُ الخُلْدِ لي من وجْهِهِ بَدَلٌ
لا أشْتَرِيها بما في القلبِ من ضَرَمِ
أو أنَّ صَبًّا يُعيرُ النُّصحَ واعيةً
لم تُلْفِني عن نذيرِ الشيبِ في صَمَمِ
يا ويحَ نفسَيَّ قد كَلَّفْتُها شَطَطًا
شَرْحَ الشبابِ ولم أخشَعْ لدي الهِرَمِ
وشاب فَوْدي وظَلَّتْ في طفولَتِها
تَرْعَى وتَرْتَعُ في مُسْتَوْبَلٍ وَخِم
تُوبِي لِرَبِّكِ وأخْشَيْ هَوْلَ غَضْبَتِهِ
وعانِقِي سُنَّةَ المخْتَارِ والتَزِمِي
وقَدِّمِي عَمَلًا تُرْجَى شفاعَتُهُ
وعانِقِي سنَّةَ المختار والتَزِمِي
هل نال رُتْبَتَهُ الهادي وسؤدده
إلا بإدمانه صبرًا على الأَلَمِ
وبالهواجر يطويها على ظَمَأٍ
وبالدياجر يحييها على وَرَمِ

•••

لم يُثْنِهِ قومُهُ يشتَدُّ غيظُهُمُ
في إثْرِهِ بالأَذَى في الحِلِّ والحَرَمِ
أَنْ يُلْبِسَ الدعوةَ الشَّمَّاءَ رَهبَتِهَا
بين القبائلِ لم يجزَعْ ولم يَخِمِ
ما ضارَهُ أنَّ كِنْدًا ربَّهُ كَنَدَتْ
وعامِرًا عَمَّرَتْ دهرًا مع النَّعَم
وأنَّ كلبًا على أربابِهَا كلِبَتْ
ودَوْسَ كالقَوْس لمَّا بعدُ تَسْتَقِمِ
ما زار مكةَ ذو فضلٍ ولا شرفٍ
إلَّا دعاهُ فلمْ يهدأ ولم يَنَمِ
ماذا لقيتَ فداكَ الناسُ كُلُّهُمُ
من الشياطينِ يحدوهمْ أبو الحَكَمِ
مِنْ زِمْعَةٍ وَأُبَيٍّ الوليدِ ومِنْ
حَرْثٍ ونَضْرٍ وعاصٍ بارئ النَّسَمِ
ونَوْفَلٍ لم يَجِئْ يومًا بنافِلَةٍ
ولا بِفَرْضٍ ولم يركَعْ ولم يصُمِ
والأَسْوَدَيْنِ منِ اسْتَسْقَى فمات ومَنْ
دعا الرسولُ عليه بالعَمَى فَعَمِي

•••

وآسَفَتْكَ ثقيفٌ إذ نُدِبْتَ لها
تدعو لِرَبِّكَ في سَهْلٍ وفي عَلَمِ
أَغْرَوْا بخير الوَرَى عُبْدَانَهم سَفَهًا
وجهل صبيانهم إغْراء مُنْتَقِمِ
حتَّى إلى حائطٍ أُلْجِئْتَ مُنْحرَِفًا
عن وجْهَةِ السَّيْلِ سيْلِ المِحْنَةِ العَرِمِ
جلستَ لله تدعوهُ وتذكُرُهُ
بِلُؤْلُؤٍ من نِثارِ الشُّهْبِ لا الكَلِمِ
تشكو لمولاكَ ضعفًا في قواك وما
كُنْتَ الضعيفَ إذا لاقاكَ أَلْفُ كَمِي
لكن على الحِلْمِ تَهْدي والسماح وفي
بَحْبوحةِ الرِّفْقِ كالرَّاعي مع الغَنَمِ
ما كان يَلْفِتُكَ المَوْلَى لتَدْعُوَهُ
إلَّا ليَنْثُرَ أَغْلَى الدُّرِّ خَيْرُ فَمِ
كم في دُعائِكَ من ظرفٍ ومن أدبٍ
وفي بيانِكَ من نورٍ ومن حِكَمِ
وفي المخَايِلِ من نُبْلٍ ومن شرفٍ
وفي الشَّمَائِلِ من عِتْقٍ ومن كَرَم
الله وَالَاهُ بالنُّعْمَى وقَرَّبَهُ
وزانَه بكَمالِ الخَلْقِ والشِّيَمِ

•••

وَقْفٌ عليكَ رسولَ الله تشفعُ لي
إنْ كنتُ جارَكَ فاشْفَعْ سيِّدَ الأُمَمِ
وقد عقدتَ جواري أنَّني وَجِلٌ
أَمَّلْتُ جاهَكَ دُونَ العُربِ والعَجَمِ
إذِ القيامةُ يومٌ كنتَ فارسَهُ
وكنتَ في ساحتيه صاحبَ العَلَمِ
آلَيْتُ ألقاكَ عند الحوض مُبتسمًا
أَن كنتَ جاري وأَوْفَى الناس بالذِّمَمِ

•••

كم في جِوارِكَ مِن أمن ومن سَعَةٍ
وفي فؤادِك من عطفٍ ومن رُحُم
وفي جَنابِكَ من عِزٍّ ومن شَرَفٍ
وفي رِحابِكَ من أهلٍ ومن نَعَمِ
وفي جبينكَ من شمسٍ ومن قمر
وفي يَمينِكَ من بحرٍ ومن دِيَمِ
كم فيكَ من حَسَبٍ كم فيك من نَسَب
كم فيك من نَجْدَةٍ كم فيك من هِمَمِ

•••

وآمنَ الضعفاء المُتَّقُونَ بِهِ
مِنْ كلِّ مُسْتَبْصِرٍ بالخيرِ مُتَّسِمِ
حَمَّالُ في بُغْضه الأوثان كلَّ أذى
ماضٍ على شِرْعَةِ التوحيدِ مُعْتَزِمِ
وعانَد الأقوياءُ الحقَّ وانفجر الـ
ـطُّغْيَانُ يقذفُ كالبركانِ بالحِمَمِ
لله دَرُّ أبي بكرٍ ونَجْدَتِه
إذِ المَوالي بِشَرٍّ غيرِ مُنْحَسِمِ
يُعَذَّبُون على الإسلام من سَفَهٍ
ويُفْتَنُونَ عن التوحيدِ من لَمَمِ
فكان يبتاعُهم عطفًا ويعْتِقُهُم
هيهاتَ يَقبلُ فيهم ظلمَ مُحْتَكِم
والبذلُ في نُصْرَةِ الإسلامِ شِيمتُه
والصدقُ والرِّفْقُ في بدءٍ ومُخْتَتَمِ

•••

وهاجرَ الحُنَفَاءُ المُهْتَدُون إلى
مُلْكِ النجاشي فلم يُخْفِرْ ولم يَضِم
لله (أصحَمةٌ) في الخير من ملكٍ
أَسْدَى الهُدَى نعمةً مرعية الحُرَم
حَمَى من الجهلِ والطغيانِ وافدَنا
ورَدَّ كيدَ العدوِّ الناقِمِ الخَصِم
في الرَّكْبِ بنتُ رسولِ الله يصحَبُها
عثمانُ في ثَبَجِ الأمواج والأَجَمِ
هل زار (إثيوبيا) من قبلِهَا مَلَكٌ
حالي الذَّوامِل باهي مَضرَبِ الخِيَم
لو خِدْرُهُ طالعَ الأحباشَ شارقُه
لكان يَبْيَضُّ منهم حالكُ الأَدَمِ

•••

ما أجهلَ الشِّركَ يَرْمينا بِشَرَّتِهِ
رَمْيَ الضعيف ويرمي الله بالرُّجُم
لا نسأمُ البغيَ والعدوانَ يتْبعُنا
حيثُ ارْتَحَلْنا فما في الله مِن سَأَم
لَعَلَّ فتْحًا إلى الأوطانِ يُرْجِعُنَا
فَإِنَّ حالًا على الأيامِ لَم تَدُمِ
ماذا يُحاولُ عَمْرٌو أرسَلُوه لَنا
يَرُدُّنا لِلْأَذَى والبَغْيِ والنِّقَمِ
أهْدَى النجاشِي فلم يقبلْ هَدِيَّتَهُ
وقال لا أرْتَشِي في الله مِنْ نَهَمِ
فعُدْ لِقومِكَ يا ابن العاصِ مُكْتَئبًا
فإنَّ جارَ النَّجاشِي أيُّ مُحْتَرَم

•••

وقد أتى الخزرجَ الداعي فأَسْمَعَها
وحيًا يكادُ يَرُدُّ الرُّوحَ في الرِّمَمِ
وكان قبلُ يهودٌ يذكرون لهم
إطْلالَ عهدِ رسولٍ صادقٍ عَلَمِ
فآمنوا وانْثَنَوْا يَهْدُون قومَهُمُ
باكين فوقَ رِحالِ الأيْنُقِ الرُّسُمِ

•••

وأيْنَعَ الوحيُ في الأنصارِ فانْبَعَثَتْ
وفودُهُمُ في طلابِ الحقِّ في أمَمِ
فَتَمَّتِ البيعةُ الصغرى لِطَاعَتِهِ
في الخيرِ، والشَّرُّ يَغْلِي غَلْيَ مُحْتَدِم
وكان بينَهُمُ خُلْفٌ فَأَلَّفَهُمْ
نُورٌ مِن الله كم أَوْصَى على الرَّحِمِ
وجَمَّعَ الجُمَعَ الأنصارُ يُرْشِدُهُمْ
مِن مُصْعَبِ بْنِ عُمَيرٍ خيرِ مُلْتَزِم
لله مَدْرسةٌ في يَثْرِب فُتِحَتْ
يُديرُها فَضْلُ ذاكَ المُقرئِ الفَهِمِ
كَذَاكَ ساسَ رَسولُ الله أُمَّتَه
بِالحِلْمِ والعدلِ والقُرآنِ والقَلَمِ

•••

وأَوْفَتِ البيعةُ الكُبْرَى لِنُصْرَتِهِ
في الحرب من ظالمٍ باغٍ ومُنْقَصِم
وذاع أمرُ رسول الله والْتَأَمَتْ
مجامع الشِّرْكِ فيه أي مُلْتَأَمِ
يعارضون إمامَ المرسلين وهَلْ
يعارضُ الوحيَ إلا كلُّ مُنْفَحِمِ
فكان (حاميم) يتلوها فتجرفُهم
كالسيل طَبَّقَ من مُستشرفِ الأكَمِ
وأرسل الله جبريلًا بهجرتنا
ليثرب فَزَهْت حُسنًا على إرَمِ
في كُلِّ يومٍ يُوافيها ويَقصدُها
ركبٌ لتوحيد رَبِّ العالمين نُمي
المؤمنون وجَلَّتْ تلك مرتبةٌ
وقسِمةٌ شَمختْ تيهًا على القِسَم
حتى تكاملَ وفدُ الحق واستلمتْ
جماعةُ الله رُكْنًا غيرَ مُنهدم
فَهَاجَرَ المصطفى الهادي وصاحبُه
وأَمْرُ رَبِّكَ مَقْدُورٌ من القِدَمِ
فجاء كالسَّهم يهْوي في مَخَارِمها
بِهِ فؤادُ عِدَاهُ المُشركين رُمِي
فتَمَّتِ الهجرةُ العُظْمَى التي حَطَمَتْ
ظَهْرَ الضَّلالِ وما أبْقَتْ على صَنَمِ

•••

آخَى نبيُّ الهدى بين الصحابة في
رِفْقٍ فآضوا لفيفًا غيرَ مُنْقَسِمِ
وأصبحوا قُوةً تُخْشَى بوادرُها
لو آذَنَتْ جبلًا بالحربِ لم يَقُمِ
مُهاجرُون وأنصارٌ قد ارتَبَطُوا
في رَبِّهمْ بِرِباطٍ غيرِ مُنْفَصِمِ
بِثَّ السَّرَايا على الأعداءِ يُرْهِبُهُمْ
من كلِّ مُسْتَبْسِلٍ بالنَّقْعِ مُلْتَثِمِ
يا يومَ بدرٍ جزاكَ الله صالحةً
طَلَعْتَ لِلَّاتِ بالوَيْلَاتِ والعُقَم
ولاحَ جِبريلُ في جُنْدِ الرسولِ على
خَيْلِ الملائكِ قد عَضَّتْ على اللُّجُمِ
رَمَى النبيُّ بِحَصْباءٍ فَشَرَّدَهُمْ
في البِيدِ مُنْهَزِمًا في إِثْرِ مُنْهَزِمِ
إلَّا أسارَى وصَرْعَى من حُمَاتِهِمُ
مِلْءَ القليبِ وتحت النارِ لا الرَّجَمِ
أَبْلَى عَليٌّ، وأغْنَى حمزةٌ، وبدا
عِشْقُ الشهادةِ فينا غيرَ مُنْكَتِم
سَلْ عُتْبَةً وأبا جَهْلٍ وفَلَّهُمَا
آللَّاتُ أَمْضَى ظُبًى في كل مُخْتَصَمِ
أَمْ أَجْمَعَتْ لِقتالِ المُصْطَفَى فِئَةٌ
أوْ سارَ جيشٌ عليه الطيرُ لم تَحُمِ
نَهى عن المُثلةِ الهادي وحَذَّرَنا
ولو يراد بها الفُجَّارَ لم يُلَم
أوصى بِأَسْرى العِدا خيرًا صحابَتَهُ
إنَّ القويَّ كريمُ العفوِ ذو الشَّمَِم

•••

كيف الشهادةُ لا تَحلُو وفي أُحُدٍ
وجهُ الشفيعِ بِأيدِي الظالمين دَمِي
وظَلَّ في الرَّوْعِ يرمي في نحورِهِمُ
مُفَرِّقًا جَمْعَهُمْ في كلِّ مُزْدَحَم
فرَّ الأَعَادي وقَد ريعَتْ نِساؤُهُمُ
فَهِنْدُ مذعورَةٌ تُبْدِي عن الخَدَم
وخالَفَ ابنُ جُبَيْرٍ في الرُّماة هُدًى
أمْر الحبيبِ لَهمْ حين القتال حَمِي
رَأَوْا قُطوفَ العدا في الرَّوْع دانيةً
فَضَيَّعَ الثَّغْرَ مِنْهُمْ كلُّ مُغْتَنِم
فَكان أَنْ حُطِّمُوا خَتْلًا وأنْ نَدِمُوا
مُخَالِفُ الرُّسْلِ لا يخلو من النَّدَمِ
أبو دُجانَةَ أَعْطَى السيفَ قيمَتَهُ
ضَرْبًا يَجِلُّ عن التقدير والقِيَمِ
أَغْنَى عليٌّ وأبْلَى حَمْزَةٌ ومَضَتْ
لله لُبْدَةُ لَيْثِ المِلَّةِ القَرِمِ
أُفٍّ لِحَرْبَةِ وَحْشِيٍّ لقد تَرَكَتْ
في جانب البأْسِ جُرْحًا غيرَ مُلْتَئِمِ
يا حَمْزُ لِلْحَرْبِ يُذْكِيها بُمْنَصِلٍت
في كفِّه كَشِهابِ الرَّجْمِ مُضْطَرم
لا يُهْنِئُ الشِّرْكَ كأْسٌ أنت شاربُها
في الله معسولَةً تَشْفِي من السَّقَم
يا حَمْزُ قَرَّتْ قلوبٌ كنتَ مُرْجِفها
مِنْ طائرٍ حين تَلْقاهُ ومُخْتَرَمِ
ماذا فعلتَ بِبدرٍ إذ تُمَزِّقُهُمْ
غادَرْتَهُمْ طُعَمَ العُقْبانِ والرَّخَمِ
وكمْ فَرَسْتَ من الأبطالِ في أُحُدٍ
يا لَيْثَ دينَ الهُدَى في كلِّ مُصْطَدَمِ
ما ضَرَّ سيفَ رسولِ الله ثُلْمَتُهُ
في النوم والعزمُ عضبٌ غيرُ مُنْثَلِم
أبْقَى لنا الله فيه نجدةً هَدَمَتْ
رُكْنَيْ أُبَيٍّ وطَوْدًا شامِخَ القِمَمِ

•••

ويومَ خندقَ لا فُلَّتْ عزائِمُهُ
فأصبح الغيلُ يُعْيِي كلَّ مُقْتَحِم
حَثُّوا المطايا وقادوا الجُرْدَ واحْتَشَدُوا
حولَ المدينَةِ في بَأْسٍ وفي بُهَمِ
قريشُ حالَفَها غَطْفانُ شايعَها
يهودُ مِنْ ناقضٍ حِلْفًا ومُرْتَطِم
جاءُوا ليَسْتَأْصِلُوا الهادي ويَثْرِبَه
بِكُلِّ مُنْصَلِت يَهْوي على اللَّمَمِ

•••

فيها الرسولُ وجبريلٌ ورَبُّهُما
يُمِيتُ مَن شاءَ أو يُحْيِي من العدَمِ
فَأَرْسَلَ الله رِيحًا في مُعَسْكَرِهِمْ
رَمَتْ مُحَرَّضَهُمْ بِالعَيِّ والبَكَمِ
تَذْرُو الوقودَ وتُكْفِي من قُدُورِهِمُ
خوفًا عليهم من الطُّغْيَانِ والبَشَم
وجاءَنا مؤمِنًا منهم وما عملوا
شَهْمٌ تَفَرَّدَ بِالإخلاصِ في الخِدَمِ
هذا نعيمُ بنُ مسعودٍ قبيلتُه
غَطْفَانُ يُرْبِي على غطفانَ كُلِّهِمِ
يقول هل خِدْمَةٌ أُرْضِي الجهادَ بها
إنْ كُنتُ عندَ الأعادِي غيرَ مُتَّهَمِ
قال الرسول له ثَبِّطْ عزائِمَهُمْ
إن اسْتَطَعْتَ وشَرِّدْ خادعًا بِهِمِ
فَمَزَّقَ الجيشَ تمزيقًا بِحِيلَتِهِ
كأنَّمَا كان جيشًا زار في حُلُمِ
وأصبح الجوُّ خِلْوًا من خيامِهِم
إذْ قُوِّضَتْ عن حساب جِدِّ مُنْخَرِمِ
كانتْ يَهودُ له ذِبْحًا رجالُهُمُ
بِصارِمِ العدلِ إلَّا غَيْرَ مُحْتَلِم
وقد أُفِيئُوا على الهادي وعِتْرَتِه
وصَحْبِه طُعْمَةً من أطيبِ الطُّعَمِ

•••

يا فَتْحَ مَكَّةَ أَوْسَعْتَ الضَّلالَ لظًى
والرُّشْدَ بَرْدًا بِجَارِي نَصْرِكَ الشَّبِمِ
يَدُ الإله من التوحيدِ قادرةٌ
رَمَتْ بِسَهْمٍ قلوبَ الشِّرْكِ مُنْتَظِمِ
خانتْ قُرَيْش عهودَ المصطفى فَمَضَى
في الخَيْلِ كالبحر بالمَاذِيِّ مُلْتَطِم
مَنَّتْ كتيبَتُه الخضراءُ ظافرةً
على العِدَا فأَضَافَتْهُم إلى الحَشَمِ
سَّماهُمْ الطُّلَقَاءَ المصطفى كرمًا
ومَنْ مِنَ الخلقِ أوْلَى منه بِالكَرَمِ؟

•••

وفي حُنَيْن وإنْ راعَتْ مواكبُهُمْ
فإنها لُقْمَةٌ تُهْدَى لمُلْتَقِمِ
جاءتْ هَوَازِنُ تَرْدى في أَعِنَّتِها
لِغَزو مكَّةَ في سعد وفي جُشَم
لم تُغْنِ كثْرتُنا شيئًا وقد طَلَعُوا
بالسَّمْهَرِيَّةِ والهِنْدِيَّةِ الخُذُم
وَلَّتْ جحافِلُنا إلا الرسولَ مَضَى
لِلنَّصْرِ يهْدِرُ في دِرْع من العِصَمِ
يَصيحُ في الجيش إذ وَلَّوْا يُشَجِّعُهُم
أنا النَّبِيُّ إلى عهدي إلى القَسَمِ
أنا محمَّدُ يا أنصارُ أين إذًا
عنِّي الفِرَارُ، ويا خيلَ العِدَا انْحَطِمي
حتَّى تَشَجَّعَ من أصحابه مِائةٌ
صَفَّا يُجَالِدُ، قال: الآنَ فاسْتَقِم
الآن يَحْمَى الوَطيسُ الْآنَ نهزِمُهُمْ
في الله، نَتْرُكُهُمْ لَحْمًا على وَضَمِ
وأقْبَلَ النصرُ والفَتْحُ المُبينُ على
داعِي الهدايةِ لم يُقْهَرْ ولم يُضَمِ
وقد تَشَتَّتَ شملُ الشِّرْكِ واغتُنِمَتْ
نِساؤُهُمْ والذَّرَاري أيَّ مُغْتَنَمِ
مَنَّ الرسولُ عليهم في نِسائِهِمُ
وفي بَنِيهِم وكانوا نهبَ مُقْتَسم
وَوَزَّعَ الفَيْءَ تأليفَ القلوبِ على
قِسطاسِ عَدْلٍ رضاءَ الله مرتَسِم

•••

شامَتْ ثَقِيفُ ضياءَ الحق فابْتَدَرَتْ
نهْجَ السَّدادِ، وألقتْ راحةَ السَّلَمِ
وحَرَّمَ الله حَجَّ المشركين بِمَا
طَغَوْا، وما أسْلَفُوا من كَيْدِ مُجْتَرِم
وأوُذِنُوا بقتالٍ يَسْتَحِرُّ إلى
أن يُشْربُوا الله فَرْدًا كاشفَ الغُمَم
وجاء يومُ تَبُوكٍ يومَ مفْخَرَةٍ
فالجِزْيَةُ الرُّومُ أعْطَوْهَا على رَغَم
وقام في الأرض دينُ الحقِّ مُعْتَلِيًا
ولَوْ أُقِيمَ بِغيرِ الله لم يَقُمِ
سَمَتْ إليه وفود العُرْب طائعةً
من ساكِنِي وَبَر أو ساكِني أُطُم
بالحَرْثِ — سعدِ بن بكر — بالهُدَى سُعدُوا
ملوكُ حِمْيَرَ من كَهْلٍ ومن هَرِم
بَنُو حنيفةَ، طيء، الأزْدُ قد قَنِعُوا
بالله فردًا وبِالقرآنِ مِنْ حَكَم
وتَمَّ فخرُ تميم عندما هُدِيَتْ
وآضَ مجدُ جُذام غيرَ مُنْجَذِمِ
زُبَيْدُ، كِنْدَة، عبد القيس، مِذْجَح،
هَمذَانٌ، مُرادٌ، نجوا من نارِ مُنْتَقِمِ
وعامرٌ عَمَرَتْ في الله أفْئِدَةً
كانتْ خرابًا، وكم من وافد وكم
كُلٌّ لقد عانَقَ الإسلام والتزموا
يا حُسْنَ معتنَق يا طيبَ مُلْتَزَم
الدعوةُ انتشرتْ في الأ رض وانْبَعَثَتْ
إلى الممالِكِ والأقطار من إضَمِ
إلى عُمَانٍ، لِغَسَّانٍ، إلى يَمَنٍ
لِلْفُرْسِ، لِلرُّوم، لِلْبَحْرَيْن، لِلْهَرَمِ
إلى النَّجَاشِي إلى مُلْكِ الشامِ إلى
دانٍ وقاصٍ من الأصْقَاعِ والتُّخَمِ

•••

هَذِي رسالةُ خَيْرِ الخلقِ باهرةً
كَغُرَّةِ الصُّبْحِ تَجْلُو فَحْمَةَ الغَسَمِ
يَكْفِي المُكَابِرَ والفُرْقَانُ في يَدِهِ
مُفَصَّلٌ بِفَرِيدِ الدُّرِّ والتُّوَمِ
بِحارُ علْمٍ من الْأُمِّيَّةِ انْفَجَرَتْ
وعبقريةُ آدابٍ عن اليُتُمِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤