لا تجزعي

أدمَنوها بقولِكم صفراءُ
فاحذَروا النارَ أيها الشعراءُ
لا تُضِلُّوا العبادَ فالخمرُ رجس
قد نهى الله عنه والأنبياء
نحن بالعِلمِ في سماءٍ من الأر
ضِ دَرَارِي بِرُوجِها الكهرباء
وغدَوْنا تُزْجي البروقُ لنا الأنْـ
ـباءَ مهما تناءَتْ الأرجاء
ويُغَنِّي لنا الحديدُ فتَقْضِي
كمدًا فوق غُصنِها الورقاء
ويطيرُ المقدامُ منَّا فتنأى الأر
ضُ عن عزمِهِ وتدنو السماء
يا حماة القريضِ والعصر نورٌ
أسَمِعْتُمْ ما قاله القدماءُ
وصفوها فأحسنوا الوصفَ لِلخمـ
ـرِ ولكن للشاربين أساءوا
يا حُماةَ القريضِ في الخمرِ نارٌ
جَمْرُها فيه تنضُجُ الأحشاء
يا حماةَ القريضِ في الخمرِ سُمٌّ
يتعاطاهُ بينكم أشقياء
كلُّ كأسٍ من المُدامِ بها وِر
دُ هوانٍ يدبُّ فيه القضاء

•••

مرضَ الناسُ بالمُدامِ قديمًا
وتفَشَّى الضَّنَى وعزَّ الدواءُ
وأذابوا بطونَهم كانزين الـ
ـتِّبْرَ فيها وليس كالحرصِ داء
ومتى كان كلُّ أصفرَ تِبْرًا
والأفاعي مُصفرَّةٌ والوباء
كَرِهُوا نعمةَ العقول فجُنُّوا
وقبيحٌ أن تُكْرَهَ النَّعْماءُ
رأَوا الضارياتِ حين تبدَّى
لِظباءٍ ترتاع منها الظِّباء
بين وثبٍ تَغْتَرُّ فيه المنايا
عن ثنايا تجري عليها الدماء
وزئيرٍ يشُقُّ أفئدةَ الأحـ
ـجارِ يهتزُّ في صداه الفضاء
فَتَمَنَّوْا أن يشْبِهوها فزلُّوا
وتَوَلَّتْ عليهم الأهواء
وأرادوا أن يجمعوا فأضاعوا
وأحبوا أن يحسنوا فأساءوا
عصروا الكرْمَ ليْتَهم تركوهُ
فهو مرعًى به غِنًى ورضاءُ
أيها الكرمُ كم جَنَيْتَ حروبًا
حُمَّ فيها على البَرايا البلاءُ
كم طَعِينٍ بالكأسِ ينظرُ للشُّهْـ
ـبِ حزينًا وأين منها الشفاء
نال منه الرحيقُ والكأسُ حتَّى
هوَ لِلكأسِ والرحيقِ الفداء
بَزَّهُ الحانُ طارفًا وتَليدًا
فهو فوق الثَّرَى جفاهُ الثراء
وبَنُوهُ قد فاتهم ما جَنَاهُ
لأَبِيهمْ آباؤُه النُّجَبَاء
ومن العارِ أن يُهدِّمَ نَسْـ
ـلُ السوءِ ما شاده لهُ الآباء
وأتَتْ عرسُه الطبيبَ فقالتْ
وعليها من الظلامِ رداء
أيُّ يومٍ يُبَلُّ فيه قَرِيني
يا طبيبًا يُجِلُّهُ الحكماء
قال لا تجزَعي فهذا سبيلٌ
سار فيه أَسلافُنا القدماء
إنَّ طيرَ الحِمام إن حام بالمرْ
ءِ فماذا يَرُدُّ عنه الدواءُ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤