في تاريخ المحاضرات

كانت سوق الأدب رائجة في عهد خلفاء بني أمية في الشام والأندلس، وخلفاء بني العباس في العراق؛ إذ كانوا يُقَرِّبُون من مجالسهم أُدباء عصرهم ليحادثوهم بما يُرَوِّحُ نفوسهم ويشرح صدورهم من قَصِّ نوادر غريبة وأخبار عجيبة وإنشاد أشعار رقيقة. وعلى سننهم جرى عُمَّالهم في الأمصار؛ فكان الأديب يبذل وسعه في تعرف أنباء السالفين والحاضرين وحفظ أشعارهم واستحضار مُلَحهم ولطائفهم ليكون ذا اطِّلاع واسع واقتدار بارع على أن يحضره بداهةً في مجلس الخليفة أو الأمير ما يقتضي الحال ذكره، لينال منه كذا جائزة. وقد دوَّنوا لهذا الغرض مصنفات تجمع نوادر وأخبارًا ومُلَحًا وأشعارًا وغيرها، وسموا معرفة ذلك بعلم المحاضرات، وهو لا ريب نوع خاص من علم التاريخ.

وأساس هذا العلم على ما يقال كتاب «كليلة ودمنة»، الذي ترجمه إلى العربية عبد الله بن المقفع كاتب الخليفة أبي جعفر المنصور العباسي المتولي الخلافة سنة ١٣٧ للهجرة، وهو كتاب يشتمل على حكايات موضوعة على ألسنة الحيوانات، متضمِّنة حِكَمًا وسياسات تُهَذِّب الأخلاق والنفوس، وضعه الفيلسوف بيدبا لملك الهند في القرن الرابع قبل الميلاد، وقد طَبَع هذا الكتاب أحد علماء الإفرنج الشهير بسلفستر دِسَاسي Sylvestere de saey سنة ١٨١٦، وطُبع أيضًا في مطبعة وادي النيل بالقاهرة سنة ١٢٩٧ للهجرة، وفي مطبعة بولاق، وفي بيروت سنة ١٨٨٤. وفي عصر الخليفة المنصور هذا صنَّف محمد بن إسحاق كتاب «المغازي والسير».

وممَّا دُوِّن في المحاضرات كتاب «العِقْد الفريد» لشهاب الدين أحمد بن محمد الأندلسي، المعروف بابن عبد ربه، المتوفى بقرطبة سنة ٣٢٨، قال في خطبته: «وبعد، فإن أهل كل طبقة وجهابذة كل أمة قد تكلموا في الأدب وتفلسفوا في العلوم على كل لسان ومع كل زمان، وإن كل متكلم منهم قد استفرغ غايته وبذل مجهوده في اختصار بديع معاني المتقدمين واختيار جواهر ألفاظ السَّالفين، وأكثروا في ذلك حتى احتاج المختصر منها إلى اختصار، والمتخير إلى اختيار. ثم إني رأيت آخر كل طبقة وواضعي كل حكمة ومؤلفي كل أدب أعذب ألفاظًا وأسهل بنيةً وأحكم مذهبًا وأوضح طريقةً من الأول؛ لأنه ناقض متعقب والأول بادٍ متقدم، فلينظر الناظر إلى الأوضاع المُحكَمَة والكتب المُترجمة بعين إنصاف، ثم يجعل عقله حكمًا عادلًا قاطعًا، فعند ذلك يعلم أنها شجرة باسقة الفرع طيبة المنبت زكية التربة يانعة الثمرة، فمن أخذ بنصيبه منها كان على إرثٍ من النبوَّة ومنهاج من الحكمة، لا يستوحش صاحبه ولا يضل من تمسَّك به. وقد ألَّفت هذا الكتاب وتخيَّرت جواهره من متخير جواهر الآداب، ومحصول جوامع البيان، فكان جوهر الجوهر ولُباب اللُّباب. وإنما لي فيه تأليف الاختيار وحسن الاختصار وفرش لدور كل كتاب، وما سواه فمأخوذ من أفواه العلماء ومأثور عن الحكماء والأدباء.

وقد نظرتُ في بعض الكتب الموضوعة، فوجدتها غير متفرقة في فنون الأخبار ولا جامعة لجمل الآثار، فجعلت هذا الكتاب كافيًا جامعًا لأكثر المعاني التي تجري على أفواه العامة والخاصة وتدور على ألسنة الملوك والسُّوقة، وحلَّيْتُ كل كتاب منها بشواهدَ من الشعر تُجانس الأخبار في معانيها، وتوافقها في مذاهبها، وقرنت بها غرائب من شعري ليعلم الناظر في كتابنا هذا أنَّ لِمَغربنا على قاصيته وبلدنا على انقطاعه حظًّا من المنظوم والمنثور. وسميته كتاب «العقد الفريد»؛ لما فيه من مُختلف جواهر الكلام مع دقة المسلك وحسن النظام، وجزَّأته على خمسة وعشرين كتابًا كل كتاب منها جزءان، فتلك خمسون جزءًا في خمسة وعشرين كتابًا، قد انفرد كل كتاب منها باسم جوهرة من جواهر العقد. فأولها كتاب «اللؤلؤة في السلطان»، ثم كتاب «الفريدة في الحروب ومدار أمرها»، ثم كتاب «الزبرجدة في الأجواد والأصفاد»، ثم كتاب «الجمانة في الوفود»، ثم كتاب «المرجانة في مخاطبة الملوك»، ثم كتاب «الياقوتة في العلم والأدب»، ثم كتاب «الجوهرة في الأمثال»، ثم كتاب «الزُّمُرُّدَة في المواعظ والزهد»، ثم كتاب «الدرَّة في التعازي والمراثي»، ثم كتاب «اليتيمة في النسب وفضائل العرب»، ثم كتاب «العسجدة في كلام الأعراب»، ثم كتاب «المجنبة في الأجوبة»، ثم كتاب «الواسطة في الخُطب»، ثم كتاب «المجنبة الثانية في التوقيعات والفصول والصدور وأخبار الكَتَبَة»، ثم كتاب «العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأيامهم»، ثم كتاب «اليتيمة الثانية في أخبار زياد والحجَّاج والطالبيين والبرامكة»، ثم كتاب «الدُّرَّة الثانية في أيام العرب ووقائعهم»، ثم كتاب «الزمردة الثانية في فضائل الشعر ومقاطعه ومخارجه»، ثم كتاب «الجوهرة الثانية في أعاريض الشعر وعلل القوافي»، ثم كتاب «الياقوتة الثانية في الألحان واختلاف الناس فيه»، ثم كتاب «المرجانة الثانية في النساء وصفاتهن»، ثم كتاب «الجمانة الثانية في المتنبئين والموسومين والبخلاء والطفيليين»، ثم كتاب «الزبرجدة الثانية في بيان طبائع الإنسان وسائر الحيوان»، ثم كتاب «الفريدة الثانية في الطعام والشراب»، ثم كتاب «اللؤلؤة الثانية في الفكاهات والمُلَح».» ا.ﻫ. وقد طُبع بمطبعة بولاق سنة ١٢٩٣.

وكتاب «الأغاني» لأبي الفرج علي الأصفهاني المتوفى ببغداد سنة ٣٥٦، وهو كتاب جامع لكثير من السير والنوادر والأشعار وأيام العرب وأخبارهم، وقصص الملوك في الجاهلية والخلفاء في الإسلام، وقد بنى كل ذلك على المائة صوت المختارة للخليفة هارون الرشيد العباسي، وهذا الكتاب قلَّ أن يُوجد له مثيل، وقد طُبع في عشرين سِفْرًا بمطبعة بولاق الأميرية سنة ١٢٨٥، وطُبع السفر الحادي والعشرون من هذا الكتاب في مدينة ليدن سنة ١٣٠٥.

وكتاب «نثر الدرر» لأبي سعد منصور بن الحسين وزير مجد الدَّولة رستم بن بويه، من أدباء القرن الرابع، اختصره من كتاب «نزهة الأدب».

وكتاب «محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبُلَغَاء» لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، كان في أوائل المائة الخامسة، وهو كتاب نفيس في سفرين، طبعته جمعية المعارف المصرية سنة ١٢٨٧ بمطبعة السيد إبراهيم المويلحي.

وكتاب «زهر الآداب وثمر الألباب» لأبي إسحاق إبراهيم المعروف بالحصري القيرواني المتوفى بالقيروان سنة ٤٥٣، وقد طُبع على هامش كتاب «العقد الفريد» المتقدم.

وكتاب «الغرر والدرر» للشريف المرتضى أبي القاسم علي بن الطاهر المتوفى ببغداد سنة ٤٣٦ وهو ذو ثلاثة أسفار.

وكتاب «ربيع الأبرار ونصوص الأخبار» لأبي القاسم محمود الزمخشري المتوفى سنة ٥٣٨.

وكتاب «زاد الرفاق» لأبي المظفر محمد الأبيوردي المتوفى بأصبهان سنة ٥٥٧.

و«أبو قماش» لشرف الدين مبارك بن أحمد الإربلي المتوفى سنة ٦٣٧ في الموصل، جمع فيه من النوادر ما لا يُحصى.

وكتاب «محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار» لمحيي الدين أبي بكر محمد المعروف بابن العربي، المتوفى بدمشق سنة ٦٣٨.

وكتاب «العدد والمعدود» تأليف أبي يحيى زكريا المراغي، من علماء النصف الثاني من القرن السادس، فيه مائة باب، ثمانون منها في خمس مقالات، وعشرون مُنفردة.

و«ريحانة الأدب» لأبي الحسن علي بن موسى الأندلسي المتوفى سنة ٦٧٣، جمع فيه بين «عيون الأخبار»، و«مستحسنات الأشعار».

وكتاب «تمام المتون إلى شرح رسالة ابن زيدون» التي كتب بها إلى ابن جهور، لصلاح الدِّين خليل بن أيبك الصَّفدي المتوفى سنة ٧٦٤.

و«التذكرة» لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي أيضًا، وهي ثلاثون سفرًا جمع فيها نوادر الأشعار ولطائف الأبيات نظمًا ونثرًا.

و«ثمرات الأوراق» لابن حجة الحموي، المتوفى سنة ٨٣٧، وقد طُبع منفردًا سنة ١٣٠٠ بالمطبعة الوهبية، وطبع أيضًا على هامش «محاضرات الراغب» السابقة.

و«فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء» لشهاب الدين أحمد الدمشقي المعروف بابن عرب شاه المتوفى بالخانقاه الصالحية من القاهرة سنة ٨٥٤، وقد نحا منحى كتاب «كليلة ودمنة»، وقد طُبع بمطبعة بولاق سنة ١٢٧٦.

و«روض الأخبار المنتخب من ربيع الأبرار» لمحيي الدين محمد بن الخطيب، المتوفى سنة ٩٤٠، قال في أوله: «لما كان علم المحاضرات علمًا نافعًا لا تُدرَكُ غايته؛ استخرجت من بحث فوائده على وجه الاختصار ما عثرت عليه في كتب الأدباء.» ا.ﻫ. واسم الكتاب يدل على انتخابه من كتاب الزمخشري.

و«المستطرف في كل فن مستظرف» لشهاب الدين أحمد الإبشيهي، من علماء القرن التاسع، وقد طُبع في بولاق سنة ١٢٨٥.

وكتاب «طراز المجالس» لأحمد بن محمد الخفاجي المتوفى سنة ١٠٦٩، وله أيضًا كتاب «ريحانة الألباء وزهرة الحياة الدنيا»، ذكر فيه من عاصرهم من الشعراء والأدباء في الشام والمغرب وجزيرة العرب ومصر، وقد طُبع بمطبعة بولاق سنة ١٢٧٣.

وكتاب «نفحة اليمن فيما يزول بذكره الشَّجَن»، لأحمد بن محمد الأنصاري اليمني، من علماء النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤