الفصل الثالث

(١) ابْنُ آوَى

فقالَ الشَّيْخُ فِي نَفْسِهِ: «لَمْ يَبْقَ لِي أَمَلٌ في النَّجاةِ مِنَ الهَلاكِ — بَعْدَ الْيَوْمِ — وما أَظُنُّ أَحَدًا سَيَقُولُ فِيَّ خَيْرًا.»

عَلَىَ أَنَّهُ لَمْ يَيْأَسْ، والْتَمَسَ مِنَ النَّمِرِ أَنْ يَصْبِرَ عَلَيْهِ حتَّى يَلْقَيَا الْمُسْتَشارَ السَّادِسَ. فَلَم يُمَانِعْ في ذلِكَ.

وَلَمَّا سارا خُطُواتٍ قَلِيلَةً وَجَدا — فِي الطَّرِيقِ — ابْنَ آَوَى؛ فَقَصَّ عَلَيْهِ الشَّيْخُ الْهِنْدِيُّ قِصَّتَهُ مع النَّمِرِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «فَماذا تَرى، يا سَيِّدِي؟ وَأَيُّنا على حَقٍّ يا «أَبا وائِلٍ»؟»

فَقال ابْنُ آوَى: «لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَحْكُمَ فِي هذِهِ القَضِيَّةِ قَبْلَ أَنْ أَرَى المَكانَ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ حَوادِثُها. لا بُدَّ مِنَ التّثَبُّتِ والرَّوِية (التَّمَهُّلِ فِي التَّفْكِيرِ) قَبْلَ أَنْ أُصْدِرَ حُكْمي؛ حَتَّى لا أَظْلِمَ أَحَدًا مِنْكُما.»

(٢) تَحْقِيقُ الدَّعْوَى

فَعادَ النَّمِرُ والشَّيْخُ الْهِنْدِيُّ إِلَىَ الْقَفَصِ — وَمَعَهُما ابْنُ آوَى — فَلَمَّا بَلَغُوه، قالَ ابْنُ آوى: «الآَنَ خَبِّرْنِي — أَيُّها الشَّيْخُ الْهِنْدِيُّ — أَوَقَعَتْ هُنا قِصَّتُكُما؟»

فَقالَ لَهُ: «نَعَمْ، يا سَيِّدِي «أَبا وَائِلٍ».»

فقالَ ابْنُ آوَى: «فَأَيْنَ الْمَكانُ الَّذِي كُنْتَ وَاقِفًا فِيهِ بِالضَّبْطِ؟»

فَوَقَفَ الشَّيْخُ أَمامَ الْقَفَصِ، وقالَ لَهُ: «هُنا يا سَيِّدِي الْقاضِي!»

فقالَ ابْنُ آوَى: «فَأَيْنَ كانَ النَّمِرُ حِينَئِذٍ؟»

فَقَالَ النَّمِرُ: «كُنْتُ في الْقَفَصِ.»

(٣) الْعَوْدَةُ إِلَى الْقَفَصِ

فَقالَ ابْنُ آوَى: «ماذا تَعْنِي (ماذا تَقْصِدُ)؟ كَيفَ كُنْتَ في الْقَفَصِ؟ وَإلَى أَيِّ جِهَةٍ كُنْتَ تَنْظُرُ، يا «أَبا رَقاشِ»؟»

فقالَ النَّمِرُ: «كَيْفَ هذا؟ أَلا تَفْهَمُ ما أَقُولُ؟»

ثُمَّ قَفَزَ إِلَىَ الْقَفَصَ، وَقَالَ لَهُ: «هَكَذا كُنْتُ واقِفًا، يا «أَبا وائِلٍ»؛ رَأْسِي هُنا، وَذَيْلِي هُناكَ!»

فَقالَ ابْنُ آوَى: «شُكْرًا لَكَ يا سَيِّدِي.»

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الشَّيْخِ «سادُودانا» قائِلًا: «وَلَكِنْ خَبِّرْنِي، أَيُّها الْأَنِيسُ: أَكانَ الْقَفَصُ مَفْتُوحًا أَمْ مُقْفَلًا؟»

فَقالَ الشَّيْخُ: «كانَ مُقْفَلًا يا «أَبا وائِلٍ».»

فَقال ابْنُ آوَى لِلشِّيْخِ: «إِذَنْ، أَقْفِلِ الْبابَ، كَما كانَ.»

خاتِمَةُ الْقِصَّةِ

وَلَمَّا أَغْلَقَ الْشَّيْخُ الْهِنْدِيُّ الْقَفَصَ الْتَفَتَ ابْنُ آوَى إِلَى النَّمِرِ وَقَالَ: «أَيُّها الْوَحْشُ اللَّئِيمُ الْجَاحِدُ (الْمُنْكِرُ لِلْجَمِيلِ) الَّذِي لا يَحْفَظُ الْعَهْدَ، وَلا يَشْكُرُ لِلْمَعْرُوْفِ، وَلا يُثْمِرُ فِيهِ الصَّنِيعُ: ما بالُكَ (ما شَأْنُكَ) تَهُمُّ بِقَتْلِ هذا الشَّيْخِ الْهِنْدِيِّ الطَّيِّبِ، بَعْدَ أَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ، وَأَطْلَقَ سَرَاحَكَ مِنْ سِجْنِكَ؟ أَلَيْسَ لَدَيْكَ غَيْرُ الْقَتْلِ مِنْ جَزاءٍ تَجْزِيهِ بِهِ عَلَى إِحْسانِهِ؟ فَامْكُثْ فِي سِجْنِكَ بَقِيَّةَ حَياتِكَ، فلَنْ يُخْرِجَكَ مِنْهُ أَحَدٌ مَرَّةً أُخْرَى.»

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى «سادُودانا» قَائِلًا: «وأَنْتَ أَيُّها الْصَّديقُ الْهِنْدِيُّ الْكَرِيمُ: سِرْ في طَرِيقِكَ، وَلا تَصْنَعِ الْمَعْرُوفَ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ!»

فَشَكَرَ الْهِنْدِيُّ لابْنِ آوَى حِكْمَتَهُ وَذَكاءَهُ، ثُمَّ وَدَّعَهُ، وَسارَ فِي طَرِيقِهِ مُبْتَهِجًا مَحْبُورًا (فَرْحانًا مَسْرُورًا)، حَتَّى وَصَلَ إِلَى مَدِينَةِ «بَنَارِسَ».

أَسْـئِلَةٌ

(س١) مَنِ الْمُسْتَشَارُ السَّادِسُ؟
(س٢) مَنْ «أَبُو وائِلٍ»؟
(س٣) هَلْ سَمِعْتَ بِابْنِ آوَى أَوْ رَأَيْتَهُ؟
(س٤) ماذا تَعْلَمُ مِنْ أَخْلاقِهِ؟
(س٥) ماذا طَلَبَ ابْنُ آوَى قَبْلَ إِصْدَارِ حُكْمِهِ؟
(س٦) لِماذا عادَ بِالشَّيْخِ الْهِنْدِيِّ وَالنَّمِرِ إِلَى الْقَفَصِ؟
(س٧) هَلْ كانَ يُرِيدُ حَقًّا أَنْ يَشْهَدَ وَقَائِعَ الْحَادِثِ؟
(س٨) ماذا كانَ غَرَضُهُ مِنْ ذلِكَ؟
(س٩) ما حِيلَةُ ابْنِ آوَى لِلانْتقامِ مِنَ النَّمِرِ، وَتَخْلِيْصِ الشَّيْخِ الْهِنْدِيِّ؟
(س١٠) ماذا قالَ ابْنُ آوَى لِلشَّيْخِ الْهِنْدِيِّ؟
(س١١) عِنْدَ مَنْ أَوْصاهُ أَنْ يَصْنَعَ الْمَعْرُوفَ؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤