فاتحة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربنا العَلِي، والصلاة والسلام على نبيِّنا الأُمِّي، وعلى آلِه وأصحابه الكاتِبين بالخط العربي، «وبعد»؛ فهذا كتابٌ صغيرٌ، ضمَّنْتُه نتائجَ تعبٍ كثير، وخلاصةَ بحثٍ غزير، في انتشار الخط العربي بين الأمم الإسلامية وغيرها في أنحاء العالم، وذِكْر لغاتها التي تكتب به، والكلام عليها، وعلى الممالك والأقطار التي انتشر فيها بالتفصيل، إلى غير هذا مما يرتبط بالموضوع، مع فَذْلَكة في أوَّله في تاريخ الخط العربي قبل الإسلام وبعده.

فيتبيَّن منه — على صِغَر حجْمِه — مبلغُ حضارة الإسلام ومدنيته، وتأثيره الذي لا يُمحَى في العالم الإسلامي، فإنه أوْجد رابطة الخط العربي التي هي مِن أعظم الروابط بين هذه الأمم وأكثرها انتشارًا.

ومما حَدَا بي إلى البحث في هذا الموضوع أنَّه جديد في لغتنا العربية، بل وفي غيرها من اللغات الإفرنجية، فلم يؤلَّف فيه للآن كتابٌ ولا رسالة، بل لم أرَ فيه كلمةً أو مقالة، وقد أخذتُ في تأليفه، وأنا أعلم أهمية موضوعه، وافتقار اللغة العربية إلى أمثاله، فرأيتُ مباحثه مشتَّتةً في بطون الكتب الإفرنجية والعربية، فجمعتُ شمْلَها بعد أبحاثٍ شتَّى، ومطالعات عديدة، كابدتُ فيها عناءً ليس باليسير، يعرفه مَن اطَّلع عليه أو اشتغل بشيء مِن هذا القَبِيل. هذا، وقد حلَّيْتُه بفوائد علمية، وحواشٍ تاريخية جغرافية، مما يدخل في دائرة بحثه؛ ليكون المُطَّلِع عليه في غنًى عن الرجوع إلى غيره، مما يجعله أهلًا للقبول عند الناطقين بالضاد في جميع البلاد.

وقد الْتزمْتُ أنْ أنُصَّ على مظانِّ النقْل في مواضع الحاجة، وإنِّي أؤمِّل أن يكون لكتابي هذا نصيب وافر في استفادة القارئ والباحث، فينال من الحظوة والإقبال ما هو خَليقٌ به، وأتقدَّم إلى رجال الفضْل أن يتَّخِذوا ما يروق لديهم منه، شافعًا لي فيما تقف عليه فكرتهم مِن الزَّلَل، فإن في وُعورة موضوعه وحداثَته في عالم التأليف، مع قصوري في هذا الشأن، تمهيدًا للعُذْر على ما يشوبه من النقْص، فما العصمة والكمال إلا لله وحده.

فأرجو أن تُصادِف خدمتي هذه قبولًا وإقبالًا، أسأل الله التوفيق والهداية، وحسن البداية والنهاية، فهو حسبنا ونعم الوكيل.

عبد الفتاح عبادة

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤