الليلة المخيفة

أسرع «جلال» إلى «تختخ» قائلًا: هناك ملاحظات أريد أن أقولها لك، لقد أحسست ليلًا أن هناك مَن يريد اقتحام القصر، وعندما سمعوا صوتي وقد تعمدت أن أرفعه، غادروا المكان فورًا، إن هناك من يحاول سرقة القصر يا «تختخ».

تختخ: إنني أعرف ذلك منذ مدة طويلة، المهم الآن أن نأخذ زوجة «عطية» لزيارته في المستشفى، ثم نعود بها إلى منزلنا، فسوف تساعد والدتي في حياكة الملابس للسوق الخيرية التي ستُقيمها مع صديقاتها، وسوف تبقى عندنا حتى يخرج «عطية» من المستشفى.

فرحَت السيدة العجوز لأنها ستذهب لزيارة زوجها بهذه السرعة، فأعدَّتْ ثيابها التي ستأخذها معها، ثم غادرَت القصر، ولكنها قالت ﻟ «تختخ»: وهل نترك القصر بلا حراسة، إن «لطيفة هانم» سوف تغضب جدًّا إذا ضاع أيُّ شيءٍ من القصر وهو، كما تعرف، مليءٌ بالتحف والأثاث الغالي.

تختخ: لا تخافي، فسوف أقوم أنا بحراسته، وأرجو أن تعطيني المفتاح حتى أستطيعَ المرور عليه ليلًا.

سلمت السيدة الطيبة المفتاح ﻟ «تختخ» ثم ركبت مع الأصدقاء سيارة تاكسي حملتهم جميعًا إلى المستشفى.

فرح «عطية» بزياتهم له فرحًا عظيمًا، وبقيَت معه زوجته بعض الوقت، ثم أخذها «تختخ» ليقدِّمها إلى والدته التي أُعجبت بما هو ظاهرٌ عليها من علامات الطيبة والنشاط.

كان موعد الغداء قد حان، فانصرف الأصدقاء كلٌّ إلى بيته، بينما بقي «جلال» مع «تختخ» الذي دعاه إلى قضاء يومَيْن معه حتى يمكنهم حل اللغز معًا، ففرح «جلال» بالدعوة كثيرًا لأنه كان يحب «تختخ» جدًّا، ويتمنَّى أن يبقى معه طول الوقت.

تناول «تختخ» و«جلال» طعام الغداء معًا، ثم صعدا إلى غرفة العمليات، حيث أعد «تختخ» لصديقه مكانًا ينام فيه، ثم ذهب إلى غرفته فنام قليلًا استعدادًا لمغامرة الليلة.

والتقى الصديقان مرة أخرى على العشاء، ثم استأذن «تختخ» لينام، ولكنه في الحقيقة كان يرتدي ثيابه استعدادًا للخروج، دون أن يعلم أحد، ولكن «جلال» … كان يحس أن «تختخ» سوف يخرج ليلًا، وهكذا ظل مرتديًا ثياب الخروج منتظرًا سماع خطوات «تختخ» وهو يخرج من البيت وفعلًا، في نحو الساعة العاشرة، سمع غرفة «تختخ» وهي تُفتح في هدوء، ثم سمع أقدام «تختخ»، وهو يتسلَّل إلى الباب الخلفي للفيلا، ثم يخرج منه إلى الشارع. أسرع «جلال» يتبع «تختخ»، وعندما وصل إلى الحديقة، أحس بالكلب «زنجر» يتمسح بساقَيْه، فأدرك أنه لم يخرج مع «تختخ»، ولكنه يريد أن يخرج مع «جلال»، وهكذا فتح له «جلال» الباب، وانطلقا معًا خلف «تختخ» الذي اختفى في الظلام، ولكن صوت قدمَيْه كان يبدو واضحًا في هدوء الليل الذي كان يسود المعادي.

سار «تختخ» يتبعه «جلال» حتى وصل إلى «القصر الأخضر»، ونظر «تختخ» إلى القصر، فوجده قابعًا في الظلام كأنه وحش خرافي كبير، ليس فيه نقطة واحدة مضيئة، فأحس بالقشعريرة تهز جسمه كله، ولكنه لم يتردد فدفع باب الحديقة ثم سار بسرعةٍ بين الورود والأزهار حتى وصل إلى باب القصر ففتحه ودخل، ولم يتصوَّر أن بين هذه الأزهار البريئة كان يكمن رجال العصابة على استعدادٍ لعمل أي شيءٍ للحصول على الجواهر الزرقاء.

أغلق «تختخ» الباب خلفه، ثم أخرج بطاريته، ودار بضوئها في الصالة الواسعة، وأخذ يسير في هدوءٍ وهو يبحث في كل ركنٍ وفي كل حائطٍ على المخبأ الذي يمكن أن تختفي فيه الجواهر، وعندما وصل إلى الغرف الخلفية تذكَّر أن القصور القديمة يكون فيها عادة غرفةٌ سرية تحت الأرض للخزين، فقرر أن يبحث عنها. لم يستغرق بحثه طويلًا؛ فقد استطاع بالدقِّ على الأرض في الأماكن المختلفة من القصر أن يعرف مكانها؛ فقد صدر عن الأرض صوتٌ أجوف.

كانت الغرفة السرية موجودةً تحت سجادةٍ كبيرة، لم يستطع «تختخ» أن يرفعها بسهولة، ولكنه استطاع على كل حالٍ أن يزحزحَها حتى وصل إلى باب الغرفة السرية.

فتح «تختخ» الباب فأصدر صوتًا مزعجًا في الليل الهادئ، ولكن «تختخ» لم يهتم، فمن الذي سيلتفت إلى هذا الصوت في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ ولكن العصابة كانت قريبةً منه؛ فقد استطاع أحد الرجال الثلاثة أن يفتح باب القصر بمفتاحٍ مصطنع، وأن يُدخلهم جميعًا إلى القصر، تاركين الباب مفتوحًا حتى يمكنهم أن يعودوا خارجين بسرعةٍ إذا اقتضى الأمر.

واستطاع «جلال» من مكمنه أن يرى «تختخ» وهو يدخل القصر، ثم استطاع أن يرى العصابة وهي تتبعه، فخفق قلبه بشدة، وأخذ يربت على «زنجر» الذي وقف شعره استعدادًا للقتال.

لم يحس «تختخ» بما يدور حوله، فانبطح على الأرض، وأخذ يطلق ضوء بطاريته في أنحاء الغرفة السرية المظلمة حيث عثر على سلمٍ قديمٍ متآكلٍ كان يُستعمل في الهبوط إلى الغرفة التي كانت شديدة العمق ممتلئةً بالأثاث القديم النادر، وببعض التماثيل والخزائن المغلقة.

فكَّر «تختخ» في النزول إلى الغرفة السرية، ولكنه خشي أن ينكسر السلم تحت ثقله، فلا يستطيع الخروج مطلقًا، فوقف في الظلام يفكِّر فيما يمكنه عمله، وأخيرًا قرَّر الاستمرار في البحث عن مكان الجواهر في بقية القصر، ثم العودة إلى الغرفة السرية بعد ذلك، ومضى ينتقل من مكانٍ إلى آخر حتى وصل إلى المطبخ، وأخذ يفتح الدواليب الكبيرة، لعله يعثر في أحدها على المكان الذي اختفَت فيه الجواهر، ولكنه بدلًا من العثور على شيء، أحسَّ فجأةً بخطواتٍ تتحرك خلفه، فالتفت مسرعًا إليها، ولكن قبل أن يتمكن من أن يفعل أي شيء أحس بضربةٍ قويةٍ تسقط على رأسه، ودارَت به الدنيا، ثم أظلمَت وفقد وعيه، وسقط على الأرض.

كان أفراد العصابة قد تبعوا «تختخ» خلال تجوُّله في القصر دون أن يدري، ووجدوا الفرصة مناسبة للتخلص منه في هذه اللحظة، فضربه أحدهم على رأسه بقطعة من الحديد.

قال أحد أفراد العصابة للآخر: سنضعه في الدولاب مؤقتًا حتى نجد طريقةً لإخراجه من هنا، وهو على كل حال سوف يبقى مغمًى عليه بضع ساعات.

رد الثاني: المهم الآن هو العثور على الجواهر، ومغادرة هذا المكان بأسرع ما يمكن، فإن قلبي منقبضٌ من هذا الظلام المخيف.

قال الثالث: أظنُّ المكان الوحيد الذي يمكن أن تختفي فيه الجواهر هو الغرفة السرية، وقد اتفقنا مع «نبيل» عندما سرقناها أن يخفيها فيها حتى نتمكن من العودة إليها فيما بعد، ولكنه مات قبل أن يخبرنا أين أخفاها.

وانطلق الرجال الثلاثة في الظلام إلى الغرفة السرية. وفي هذه الأثناء كان «جلال» قد دخل القصر ومعه الكلب الصغير الأسود الذي انطلق يجري في ردهات القصر وهو يزوم في حزنٍ لأنه كان يحس أن صاحبه قد أصابه مكروه.

واستطاع «زنجر» أن يكشف مكان «تختخ» بسرعةٍ في الدولاب الكبير في غرفة المطبخ، وكان أنفه الحسَّاس قد قاده فورًا إلى حيث يرقد صاحبه الوفي مغمًى عليه داخل الدولاب، وكانت بطاريته في يده ما زالَت مضاءة، وقد شحب وجهه وبردت أطرافه حتى أحس «جلال» بالخوف عليه، وبالغضب من هؤلاء الأشرار الذين ضربوه.

لم يكن في إمكان «جلال» أن يحمل «تختخ» ويمضي به وكان واضحًا أنه لا يمكن رده إلى وعيه إلا بعد فترةٍ طويلة. فوقف «جلال» وقد غلبَتْه الحيرة لا يدري ماذا يفعل في الليل والظلام، وقرَّر في النهاية أن يخرجَ فورًا ويطلب النجدة من بقية الزملاء، أو حتى من عمِّه الشاويش «فرقع» ولكنه قبل أن يتحرَّك من مكانه سمع صوت جسم يرتطم بالأرض في مكانٍ ما من القصر، فأسرع يتبع الصوت ومعه «زنجر» الذي استيقظت فيه حاسة المغامرة.

كان أحد أفراد العصابة قد حاول النزول على السلم إلى الغرفة السرية، ولكن السلم القديم انهار به، فوقع في أعماق الغرفة المظلمة، وبينما كان زميلاه منحنيين على باب الغرفة ينظران إليه، قفز «زنجر» فجأة عليهما نابحًا في شراسة مخيفة، ولم يستطع اللصان أن يتمالكا توازنهما فإذا بهما يسقطان في الغرفة السرية، وهما يصيحان في رعب؛ فقد ظنا أن وحشًا مخيفًا قد هاجمهما.

عاد «جلال» و«زنجر» مرة أخرى إلى «تختخ»، وأخذ «جلال» يحاول إفاقته ولكن بلا فائدة؛ فقد كانت الضربة قوية، فقال ﻟ «زنجر»: انتظر أنت هنا يا «زنجر» معه، وسوف أذهب في طلب الزملاء، إنك تستطيع أن تحرسه أفضل مني فلا تتركه.

ويبدو أن الكلب الأسود الذكي فهم كل شيء فهز ذيله موافقًا … ومتحمسًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤