الفصل الخامس عشر

يونجفراو

في يوم آخر، صادفنا سفينة أخرى تدعى يونجفراو. لم نقربها لكننا صحنا منادين من على متنها، فقدمت إلى مسافة قريبة منا.

كان طاقمها متشوقًا للتواصل معنا، ما إن اقتربت سفينتهم إلى مسافة كافية منا، حتى أنزلوا زورق تجديف من سفينتهم إلى الماء، واتجه قبطانهم نحونا.

سأل ستارباك: «ما هذا الذي يحمله القبطان في يده؟»

كان القبطان يحمل علبة صغيرة يرفعها عاليًا ورجاله يجدفون، بدا أنه يحاول الحفاظ عليها.

قال ستابز: «أعتقد أنه مصباح.»

وقد كان مصباحًا بالفعل! حمل قبطان يونجفراو مصباحًا زيتيًّا إلى بيكود.

قال ستارباك متعجبًا: «يا إلهي! لقد نفد منهم الزيت!» نفد زيت الحوت من على متن سفينة صيد حيتان! أيعني هذا أنهم لم يصيدوا أي حيتان؟

هز جميعنا رأسه عجبًا. لا بد أن تلك السفينة أبحرت عدة شهور دون أن تصيد حوتًا.

ما إن صعد القبطان — الذي علمنا فيما بعد أنه يدعى ديريك — إلى متن سفينتنا، حتى توجه إليه القبطان آهاب؛ فقد أراد أن يعرف إن كان طاقم يونجفراو قد أبصر موبي ديك.

حاول ديريك أن يجيبه، لكنه لم يتحدث الإنجليزية جيدًا، بل تحدثها بصعوبة، لكنه في نهاية الأمر، نجح في إفهام القبطان آهاب أنهم لم يبصروا موبي ديك.

أوضح القبطان ديريك لنا أنه يحتاج إلى ملء مصباحه الزيتي، فسمحنا له بالقيام بهذا قطعًا، وبعدها عاد إلى زورقه.

كان قد شارف تقريبًا على بلوغ سفينته، عندما لمحنا فجأة مجموعة من الحيتان، فلم يفكر حتى في مغادرة الزورق الذي يركبه، ومرر مصباح الزيت إلى رجل على ظهر سفينته وانطلق بقاربه خلف الحيتان.

نزلت الزوارق الماء بسرعة من كلا السفينتين، وبدأت المطاردة.

كانت هناك ثمانية حيتان، شكلت سربًا متوسط الحجم أدرك أنه في خطر فسبح أفراده متجاورين وهم يتصادمون فيما بينهم، تعذر على زوارقنا الاقتراب منهم إلى مسافة كافية.

تصايح وكلاء ربان سفينتنا — ستارباك وستابز وفلاسك — وصاحوا في أفراد طاقمهم.

صاحوا بلهجة خشنة واستخف كل منهم الآخر، وسخر منه ليجدف أسرع، لكن كل هذا لم يكن إلا من قبيل التشجيع؛ كانوا يحثون الجميع على الجد أكثر في العمل، وكل هذا لم يكن إلا جزءًا من اللعبة؛ من سباق الوصول إلى الحيتان، فقد أرادوا أن يحرزوا قصب السبق على زورق ديريك.

لكن ديريك ارتكب أخطاءً كثيرة؛ إذ هرع إلى الحيتان دون أن ينتبه إلى كل ما عليه فعله؛ فأخذت الأمواج تحمل مجاديف زورقه الذي عجز عن مواكبة زوارقنا، ومع كثرة الموج وكل هذه الإثارة التي حملها الموقف، كاد زورقه ينقلب.

من ثم تقدمت زوارقنا على زورقه؛ اتجه رجالنا مباشرًة بهدوء بالزوارق إلى مواقعهم وفي لمح البصر أحاطت زوارقهم الأربعة بأحد الحيتان.

ذعر الحوت، وأخذ يتقلب في الماء محاولًا الإفلات، لكننا ثبتنا في مواقعنا. أوشك صياد زورق ديريك على التصويب على الحوت في اللحظة الأخيرة لكنه أهدر فرصته؛ إذ وقف صيادونا صفًا تقريبًا وألقوا رماحهم.

طارت الرماح فوق رءوس الألمان وحطت فوق ظهر الحوت بالضبط، وانقلب قارب ديريك على جانبه وسط كل هذا الصخب فطُرح هو وصياده عن زورقهما في الماء.

بعد هذا حدث كل شيء بسرعة.

أمسك رجالنا بالحبل الذي قيدوا به الحوت وجذبوه لإحكامه قدر الاستطاعة حول الحوت الذي أصدر أصواتًا مريعة، وكان شديد الثقل إلى حد أننا خشينا أن ينقطع الحبل، لكننا تشبثنا به حتى لفظ الحوت أنفاسه الأخيرة فبدأنا نجره إلى بيكود.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤