الخدعة الكبرى!

دائرة النار الأولى ما زالت مشتعلة … ولا تستطيع السفينةُ اختراقَها، فماذا سيكون الحلُّ إذا اشتعلَت دائرةٌ أخرى حول هذه الدائرة، وتم تغذيتُها بالوقود … وهذا بالفعل ما حدث؛ فما كادت «إلهام» تنتهي من جملتها قائلة: إنها ستكون الكارثة … حتى اضطرمَت النيران في دائرة واسعة … ولكنها هذه المرة كانت أكثر اشتعالًا … وألسنة اللهب فيها كانت أعلى.

وصاحَت «ريما» في جَزَع قائلة: هل ضاع «أحمد» و«عثمان»؟

وردَّ عليها «كاتو» قائلًا: لا أظن هذا … ولو كنت أستطيع التصرف ما تأخرت، لكني لا أعرف ما الحل.

إلهام: أليس لديهما وسيلة اتصال؟

مصباح: معهما ساعتاهما.

ريما: إنهما على اتصال بالقمر الصناعي الخاص بالمنظَّمة.

إلهام: إذن سأُرسل لهما رسالة.

وبالفعل قامت «إلهام» بكتابة رسالة من كلمتين، أرسلَتها ﻟ «أحمد»، تقول له فيها: أين أنت؟

وكان لديها أملٌ في أن تتلقَّى ردًّا سريعًا … غير أن هذا لم يحدث …

ومرَّ الوقت وازدادَت النيران اشتعالًا … غير أنَّ حادثًا لم يكن يدور إلَّا في الخيال. جرى أمام أعينهم … فقد رأوا النيران تنطفئ من أولها … نعم إن الدائرة تنقص … فكيف يحدث هذا …

صاحَت «ريما» قائلة: هل احترق كلُّ الوقود؟

ردَّ «مصباح» منفعلًا بقوله: لو أن هذا حقيقي، لانطفأَت النيران من أكثر من مكان في وقت واحد … لكنها تنطفئ بانتظام.

وفجأةً صاحَت «إلهام» قائلة: إنه خزانُ ثاني أكسيد الكربون … لقد عاد «أحمد» و«عثمان»، ومن وسط دهشته قال «مصباح»: كيف تمكنَا من السيطرة على الخزان وتسييره حسبما شاءَا؟!

تصايح كلُّ مَن على ظهر السفينة إعجابًا بالعرض الذي يقدِّمه «أحمد» و«عثمان» … فقد تمكنَا من السيطرة على الخزان والقارب، والدوران بهما في دائرة النار الكبرى حتى انتهيَا منها تمامًا، ثم انتقلَا إلى دائرة النار الصغيرة، وما كادَا ينتهيَا من نصفها حتى فرغ الخزان، ولم يَعُد به إلَّا بعضُ الهواء … استفاد «أحمد» من خروجه، ليحصلَ على قوةِ دفعٍ وصلَت به إلى السفينة.

كان صعودُ سُلَّمِ السفينة الحديدي شاقًّا، بعد هذا الجهد الخارق الذي بذلوه، غير أنهما رفضَا معاونةَ أحدٍ لهما على الصعود … وما إن استقرَّا على سطحها، حتى وجدَا «إلهام» و«ريما» تحملان لهما زجاجاتِ عصير الفاكهة.

وما إن انتهيَا منها، حتى رأى «كاتو» يرفع إصبعَيه علامةَ الانتصار ويقول لهما: لا أعرف ماذا أقول … شجاعة أم عبقرية … أم مهارة … أم حسن تدريب.

نظر له «أحمد» مبتسمًا، وقبل أن ينطقَ سبقَه «عثمان» قائلًا: كل هذا بالطبع.

علَّق «كاتو» قائلًا في ابتسامة واسعة: أنا أوافق أنكم تتمتعون بكل هذا.

وهنا تدخَّل «أحمد» قائلًا: يتبقَّى شيء واحد.

كاتو: ما هو؟

أحمد: أن نتحرك سريعًا للخروج من هنا والوصول إلى «مستعمرة الأوغاد».

كاتو: هل سيمكنكم التحرك هناك؟

أحمد: لمَ لا … فهم لم يرفضونا هناك؛ لأنهم يظنون أننا نعمل ضد القانون مثلهم … وما يدور الآن هو محاولة لإثبات السطوة.

ما كاد «أحمد» يُتمُّ جملتَه حتى صاح «كاتو» قائلًا: فلنتحرك الآن.

وحدَّد لهم درجةَ الميل وزاويةَ الانحراف اللازمة … وانطلقَت السفينة، وانطلق الشياطين معها، يحدِّدون تفاصيلَ المهمة التي اقتربَت منهم كثيرًا.

لقد كان «مصباح» يرى أن نهاية هذه المستعمرة، تبدأ من هنا، من البحر … فكلُّ مواردها تحصل عليها من التجارة المشروعة على سطح البحر … وقطع الموارد عنها يهدِّد بقاءَها.

أحمد: هل لديك خطة محددة؟

مصباح: نعم القضاء على سفينة المراقبة، وبالونها الشهير هذا.

أحمد: هذا غيرُ كافٍ؛ فالبحر يعجُّ بالكثير غيرها.

مصباح: أنا أشعر أنها سفينة القيادة.

أحمد: لا يكفي أن تشعر …

مصباح: وماذا سيضرُّنا لو تمكنَّا من التخلص منها … حتى لو كان نوع من الثأر، لما فعلوه معكما أنت و«عثمان».

أحمد: أنا فقط لا أريد الدخول في صراعات جانبية، وأنا في طريقي إلى المستعمرة.

مصباح: إن طريقك إلى المستعمرة يبدأ من هنا … من السفينة.

أحمد: هذا إذا قبضت عليهم.

مصباح: أو دمرتها لهم … في الحالتين، سيخرج لك كلُّ الكامنين في الظلام.

أحمد: هل لديك خطة للتدمير؟

مصباح: سنُعدُّها سويًّا.

في هذه اللحظة، تدخَّل «عثمان» قائلًا: بالطبع لن يجوز الضرب المباشر لها بصاروخ من هنا، مثلًا.

أحمد: لماذا؟

عثمان: لأننا لا نعرف لها مكانًا.

أحمد: ألَا ترى هذا البالون المثبت في برجها؟

عثمان: تقصد أنها تحت هذا البالون مباشرة؟

أحمد: نعم …

عثمان: وكيف سنُوجِّه الصاروخ؟

أحمد: إلى نفس اتجاه البالون على أن يكون الارتفاع فوق سطح الماء مباشرة …

قال هذا، ثم التفت ﻟ «كاتو» صائحًا بقوله: ما رأيك يا «كاتو»؟

غادر «كاتو» مقعده وحضر إليهم وهو يقول: رأيي في ماذا؟

أحمد: سنضرب السفينة بصاروخ، يكون اتجاهه هذا البالون، وارتفاعه فوق سطح البحر.

كاتو: هل نستعد للضرب؟

أحمد: هل أنت موافق؟

كاتو: نعم …

التفت «أحمد» إلى «مصباح»، وسأله قائلًا: ما رأيك يا «مصباح»؟

مصباح: فلنجرِّب …

أحمد: إذن، أعطِ أوامرك بالضرب.

حدَّد «أحمد» إحداثياتِ اتجاه الصاروخ، وسلَّمها ﻟ «كاتو»، الذي سلَّمها لرجاله، وأعطى لهم الأمر بالضرب … وخلال دقائق، انطلقَت فرقعةُ انطلاق الصاروخ … غير أنهم لم يسمعوا بعدها غير صوت اصطدامه بسطح الماء، وابتلاع الماء له، فنظروا جميعًا لبعض في دهشة … غير أن «مصباح» كان أكثرَهم واقعية، فلم يتوقف عند ما حدث كثيرًا، وقال لهم: فلنجرِّب غيره مع دراسة أسباب الخطأ.

أومأ «أحمد» برأسه وقال له: معك حق فلنجرِّب غيره.

وقام بإدخالِ بعضِ التعديلات على إحداثيات الحركة … ثم سلَّمها ﻟ «كاتو» الذي سلَّمها لرجاله قائلًا: محاولة أخرى … نفِّذ.

وجلسوا جميعًا مترقِّبين … ينتظرون ما ستُسفر عنه نتائجُ الإطلاق الثاني، وكان «أحمد» أكثرَهم توترًا … فهو المسئول الأول عن نجاح وفشل هذه المحاولة، أولًا لأنه مقترحها، وثانيًا لأنه هو الذي حدَّد المسار.

ومرة أخرى، علَت فرقعةُ انطلاق الصاروخ … غير أن هذه المرَّة دوَّى صوتُ تحطُّمِه … فهل أصاب الهدف؟ لا أحدَ يعرف … غير أن ظاهرة مثيرة أعقبَت دويَّ تحطُّمِ الصاروخ … فقد انطلق البالون صاعدًا إلى أعلى … ليس هذا فقط … بل تحرَّك تاركًا مكانَه، وأخذ يقترب منهم …

وصاحَت «ريما» قائلة: ألَا يمكننا اصطيادُه؟

ردَّ «عثمان» وكأنما دارَت نفسُ الفكرة برأسه، فقال: نعم يمكننا اصطياده، إذا وافق الجميع على ذلك.

أحمد: نحن لا نعرف حتى الآن ماذا يحمل هذا البالون … ولماذا تحرَّك مقتربًا منَّا … هل عند أحدكم إجابة؟

لم يُجِب أحدٌ منهم، غير أن «مصباح» كان له رأيٌ آخر، فقال له: لماذا لا نربطه في برج السفينة، كما كان من قبل مع السفينة الأخرى … ونجرُّه معنا إلى حيث نذهب … وقد يظنون أننا عملاؤهم.

عثمان: فكرة سيئة لأنهم يعرفون سُفُنَهم.

مصباح: إذن لم تتبقَّ غيرُ فكرتك في اصطياده.

أحمد: إنه لم يقترب منَّا بعد.

إلهام: ولن يقترب، علينا نحن الذهاب إليه.

رفع «كاتو» يدَه قائلًا: أنا مع الآنسة … فلنذهب إليه.

نظر «أحمد» إليهم جميعًا … فرآهم يرفعون يدَهم بالموافقة … فأشار ﻟ «كاتو» كي يتحرك، فأصدر «كاتو» أوامرَه بالتحرك … وما إن تحرَّكَت السفينة، حتى تحرك البالون. فصاحوا جميعًا في دهشة، مستنكرين ما يفعله هذا البالون … وقد عبَّرَت عن هذا الاستنكار «إلهام» بقولها: إنه يستدرجنا.

انتبه «أحمد» لما تقوله، وقال لها: تقصدين أن هناك مَن يحرِّكه؟

إلهام: نعم …

صاح «عثمان» غيرَ مصدِّق، وقال: كيف هذا، وقد حرَّرناه من أَسر السفينة التي أغرقناها.

مصباح: أنا أرى أن السفينة هي التي كانت في أَسره لا هو الذي كان في أسرها.

أحمد: ولماذا تحرَّك بعدما أغرقنا السفينة؟

مصباح: لأن مهمَّتَه انتهَت مع غرقها … والدليل على ذلك أنه انطلق يبحث عن مهمَّة أخرى.

أحمد: إنه لا يبحث … إنه موجَّه.

مصباح: مَن إذن الذي يوجِّهه.

أحمد: هذا سؤال إجابتُه سهلة … فجماعة «هينو» هي التي تُوجِّهه، أما السؤال الحقيقي الصعب، فهو كيف توجِّهه؟

تحرَّكت السفينة مرَّة أخرى، فتحرَّك البالون يسبقها، فأومأ «أحمد» ﻟ «كاتو» … فأمر الأخير رجاله بالتوقف … فتوقَّفَت السفينة، وبالتالي توقَّف البالون، وسط دهشة الجميع … وهنا اعتصر «أحمد» رأسَه، ثم قال لهم: أنا أشك أن الصاروخ قد أصاب السفينة.

عثمان: تقصد أنهم هم الذين يوجِّهون البالون؟

أحمد: نعم …

عثمان: وكيف سنكتشف ذلك؟

أحمد: لقد أبعدَت النارُ القروش تمامًا … ويمكنني الآن التحرك في أمان إلى حيث تقف السفينة.

عثمان: أنا لا أوافقك على هذا الرأي.

أحمد: ليس لدينا حلٌّ غيره.

عثمان: ما رأيك لو أسقطنا البالون؟

أحمد: ماذا تقصد؟

عثمان: إن سقوطه سيُثيرهم، ويجعلهم يأتون مسرعين … ولكن هذه المرة تكون عيونهم قد عميَت بسقوط البالون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤