الفصل السابع

السكان في الجغرافيا السياسية

تهتم الجغرافيا السياسية بدراسة السكان الذين يدينون بالولاء للدولة وتهتم بناحيتين:
  • الأولى: الناحية الحضارية أو الأنتروبولوجية؛ وتشتمل على السلالة والمقومات الثقافية أو الحضارية التي تجعل منهم أمة أو أكثر، خاصة اللغة والدين.
  • الثانية: الناحية الديموجرافية؛ وهي تعطي فكرة عن عدد السكان وبالتالي عن مقدار قوة الدولة وحيويتها وقيمتها في المجال الدولي، وهذه الدراسة تقوم على الإحصاء.

    أما عن الناحية الأنتروبولوجية فسبق أن أشرنا أن الدولة هي تطور تاريخي بمعنى أن جماعة من الناس التصقت بوطن من الأوطان وكونت شعبًا معينًا وأقامت دولة، وتطورت تطورًا حضاريًّا أو ثقافيًّا معينًا، وكونت تقاليد خاصة بها أو لهجة مختلفة عن جيرانها، وكونت عاطفة معينة في نفوس أفرادها نحو هذا الوطن بحيث أصبحوا شخصية متميزة تطلق على نفسها اسم أمة، وقد يكون لهذه الأمة دولة أو تنطوي تحت لواء دولة أخرى.

(١) السكان حضاريًّا

(١-١) اللغة

وتتمثل مقومات الأمة — وخاصة النواحي الحضارية منها التي أهمها اللغة والدين بجانب الأصول المشتركة — بنسب مختلفة في تكوين الأمم، ويمكننا القول أن اللغة أهم مقومات الأمة والحاجز اللوني أهم الحواجز التي تفصل السلالات بعضها عن بعض، فاللغة العربية مثلًا هي الرباط الهام الذي يربط شعوب العرب ويجعلهم أمة واحدة تمتد من المحيط إلى الخليج.

ونشأة اللغة البرتغالية ميزت البرتغاليين وفصلتهم عن الإسبان، وحتى في إسبانيا هناك شبه قوميتين قائمتين على اللغة القطالونية واللغة القشتالية.

في الجزر البريطانية سادت اللغة الإنكليزية على اللغات الغالية القديمة بعد أن فرض الأنجلو ساكسون أنفسهم سادة وحكامًا على سكان الجزيرة؛ مما أدى إلى اندثار بعض اللغات الغالية القديمة مثل لغة كورنول. واتفاق المهاجرين الأوروبيين إلى أمريكا الشمالية في لغة واحدة هو في النهاية الأساس الذي تكونت عليه الأمة الأمريكية، وقد عملت القوميات الحديثة التي كونت دولًا بعد الحرب الأولى على دعم قوميتها بجعل لغتها هي اللغة الرسمية الوحيدة وفرضها على الأقليات اللغوية والقومية الموجودة داخل حدودها، ونلاحظ أن بعض الدول عملت على إحياء لغتها القديمة كإحياء اللغة العبرية في إسرائيل أو اللغة الكلتية في أيرلندا الحرة، ومحاولة الفرنسيين إحياء اللغة البربرية في الجزائر وإنشاء قومية بربرية تناهض بها القومية العربية السائدة في شمال أفريقيا.

وقد اعترفت بعض الدول بوجود أكثر من لغة بها، ففي اتحاد جنوب أفريقيا تعتبر لغة البوير — وهي لغة هولندية قديمة — اللغة الرسمية بجانب اللغة الإنجليزية، وفي كندا تعتبر اللغة الفرنسية لغة رسمية بجانب الإنكليزية، وفي بلجيكا لغتان رسميتان: لغة الفلمنك ذات الأصل الجرماني في الشمال، ولغة الوالون ذات الأصل اللاتيني في الجنوب.

وتوجد في سويسرا أربع لغات هي: الفرنسية والألمانية والرومانشية والإيطالية، ويصل عدد اللغات أقصاه في الهند حيث توجد أكثر من ٢٠٠ لغة مختلفة، وفي الملايو اثنتا عشرة لغة آسيوية ومن ثم كان لا بد من Lingua Franca.

(١-٢) الدين

رغم أنه عنصر هام في بناء المجتمع إلا أنه في المجتمعات المتطورة ليس عاملًا حاسمًا في تكوين القومية، بل ربما كانت اللغة أبلغ أثرًا في التمييز بين الشعوب وتكوين القوميات من الدين، ولا يشذ عن هذه القاعدة سوى اقتران الدين اليهودي بالقومية الصهيونية من ناحية، واقتران الدين الإسلامي بالقومية الباكستانية من ناحية أخرى، وهاتان هما الدولتان الوحيدتان في العالم اللتان تقومان على أساس الدين في الوقت الحاضر باستثناء الفاتيكان، وهي مقر البابا الرئيس الروحي للكنيسة الكاثوليكية في العالم، ولا شك أن العاطفة الدينية تربط الشعوب بعضها بالبعض الآخر عبر الحدود السياسية المرسومة، فهناك عاطفة قوية تربط دول أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية بالدول الكاثوليكية بأوروبا، وللبابا نفوذ سياسي لا شك فيه في كثير من الدول الكاثوليكية مما جعل بعض الدول تعمل على فصل الدولة عن الكنيسة مثل فرنسا، وفي بلجيكا التي حاولت إبعاد الكنيسة الكاثوليكية، غير أن عوامل القومية قد تغلبت في بعض الأقطار القومية على الدين، والإسلام يعتبر قوة دينية كبيرة في العالم، وهو يتكتل وينتشر من المحيط الأطلسي غربًا حتى غرب الصين شرقًا، ومن البحر الأسود وقزوين شمالًا إلى خط الاستواء جنوبًا، وهذه القوة نمت بالتدريج من نواتها الأولى في شبه جزيرة العرب، وبعد قرن من الزمان كانت قد امتدت وشملت العالم العربي كما نعرفه في الوقت الحاضر، ومنه انتشر الإسلام بالتدريج شمالًا وشرقًا في آسيا كما انتشر عبر الصحراء الكبرى في أفريقيا إلى إقليم الحشائش، ومن شرق أفريقيا وجنوب الجزيرة العربية انتشر عبر المحيط الهندي مع التجار العرب إلى جزر إندونيسيا، ولم يعرف هذا العالم الإسلامي الكبير الوحدة السياسية الكاملة في تاريخه الطويل، غير أن أجزاء كبيرة منه عرفت تلك الوحدة في فترات من تاريخها مثلًا أثناء الدولة العباسية. ويعتبر العالم الإسلامي بقومياته المختلفة — وهي العربية والإيرانية والتركية والإندونيسية — وحدة ثقافية من ناحية الدين والتقاليد وإن اختلفت اللغات.

ومن الدول التي تكونت في الوقت الحاضر «حديثًا» على أساس الدين الإسلامي الباكستان وإندونيسيا، رغم أن إندونيسيا لم تزعم أنها استقلت على أساس الدين، ولكن فكرة باكستان قامت على أساس فصل الأقلية المسلمة الكبيرة التي بلغت ١٥٪ من سكان الهند بثقافتها ولغتها عن الأغلبية الهندوكية.

إن الدول التي تكون الغالبية العظمى من سكانها — أي ٩٠٪ فما فوق — من دين واحد، لا توجد فيها عادة مشاكل أقلية دينية، فمصر وشمال أفريقيا حتى السودان وشبه جزيرة العرب والدول العربية الآسيوية ما عدا لبنان، وتركيا وإيران وأفغانستان وباكستان وإندونيسيا ذات أغلبيات عظمى إسلامية، وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفرنسا وجمهوريات أمريكا الوسطى واللاتينية تتكون من غالبيات كاثوليكية، ودول اسكندناوة وأستراليا وجنوب أفريقيا أغلبيتها العظمى بروتستانتية، أما دول البلقان فغالبيتها العظمى أرثوذكسية.

أما الدول ذات الأغلبية الكبيرة من الناحية الدينية فهي التي يتكون ٦٠–٨٠٪ من سكانها من دين واحد، فالولايات المتحدة الأمريكية توجد فيها أقلية كبيرة كاثوليكية تتركز في شرقي الولايات المتحدة وفي الولايات الجنوبية القريبة من المكسيك، أما في أوروبا فهناك نطاق يعتبر منطقة انتقال بين الدول الكاثوليكية والدول البروتستانتية، وهذا النطاق يمتد من بحر الشمال إلى بحر البلطيق شمالًا حتى جبال الألب، وهناك أقلية كاثوليكية في الجزر البريطانية، بينما معظم الأيرلنديين كاثوليك والفلمنك في بلجيكا بروتستانت، بينما الوالون كاثوليك، وهناك أقلية كاثوليكية كبيرة أيضًا في ألمانيا.

هذا بينما يوجد ٢٧٪ من السكان بروتستانت في المجر الكاثوليكية توجد أقلية بروتستانتية كبيرة في شمال أيرلندا، أما بولندا فهي معقدة إلى حد كبير فنجد أغلبيتها الكبيرة كاثوليكية ثم ١٢٪ أرثوذكسية و٢٪ بروتستانت، وكان هناك ١٠٪ يهود ولكن معظمهم هاجر إلى فلسطين. والأقليات الإسلامية الموجودة في أوروبا هي التي بقيت بعد انسحاب الأتراك من البلقان: هؤلاء من السكان المحليين الذين دخلوا الدين الإسلامي أثناء الحكم الإسلامي للبلقان أو من بقايا الحكام والجنود والتجار الذين آثروا البقاء في البلقان واتخذوه وطنًا لهم، وأعظم فئة إسلامية في البلقان تتمركز في وسط ألبانيا حيث يكونون ٧٠٪ من السكان يحيط بهم ٢٠٪ من الأرثوذكس في الشمال و١٠٪ من الكاثوليك في الجنوب، كما توجد أقليات إسلامية قديمة في كلٍّ من رومانيا وبلغاريا واليونان وخاصة في مقدونيا، أما يوجسلافيا فهي تشبه بولندا في تكوينها الديني؛ إذ إن الكروات قد تأثروا بالكاثوليك ويكونون ٣٧٪ من السكان، بينما الصرب أرثوذكس، ويضاف إلى ذلك أقلية إسلامية كبيرة تبلغ ١١٪ من السكان في منطقتي البوسنة والهرسك.

وعلى العموم يمكن أن نقسم أفريقيا إلى ثلاثة نطاقات: الشمالي مسلم والجنوبي وثني فيما عدا المستوطنين الأوروبيين، والوسط توجد فيه العقائد الثلاث بدرجات متفاوتة.

أما في آسيا فتوجد أقليات مسيحية في دول الشرق العربي، ففي سوريا ٢٠٪ مسيحيون و٨٠٪ مسلمون، وفي لبنان تتساوى الفئات الإسلامية والمسيحية، أما فلسطين فلها وضع خاص حيث كانت نسبة اليهود ١٠٪ في بداية الانتداب البريطاني ثم أصبحت ٣٠٪ في نهاية الانتداب، وقد زاد هذا العدد نتيجة لسياسة الهجرة اليهودية التي نفذتها بريطانيا في فلسطين، وقد اقتطعت أجزاء من فلسطين تشمل السهل الساحلي والجليل وصحراء النقب ومرج ابن عامر، وكونت ما يُعرف بدولة إسرائيل، ولكن عدد اليهود تطور من ٣٨٦ ألف نسمة ١٩٣٧ إلى ٢٣٧٦٠٠٠ إلى ٢٥٠٠٠٠٠ سنة ١٩٦٥ وتضم عددًا بسيطًا من العرب هو ٨٠ ألفًا.

وفي بعض الجمهوريات السوفيتية أغلبيات إسلامية كبيرة مثلًا ٦٥٪ القزاق — قوزاق — وفي تركستان الروسية ٧٥٪ من السكان مسلمون، أما الصين ففيها أقلية إسلامية تبلغ ٢٠ مليون نسمة معظمهم في الولايات الغربية، وفي جنوب شرقي آسيا ٥٠٪ من سكان الملايو مسلمون و٤٪ من سكان الفلبين مسلمون، ويعتبر هؤلاء أطراف الأغلبية الإسلامية المتمركزة في إندونيسيا، والخلاصة أن الدين عامل قوي مرتبط في بعض الأحيان بالقومية، وينفصل عنها في أحيان أخرى، فالقومية الصهيونية دينية في الأصل وهي المسئولة عن إنشاء إسرائيل، أما في البلاد العربية فالثقافة إسلامية والدعوة القومية تقوم على أساس اللغة.

(١-٣) السلالة

يقسِّم العلماء سكان العالم إلى سلالات رئيسية لكلٍّ منها صفاتها الجسمانية الخاصة، والتي تميزها كمجموعة وتفصلها عن غيرها من السلالات الأخرى، وأهم هذه السلالات البشرية الرئيسية هي القوقازية والمغولية والزنجية بجانب بعض سلالات أخرى ثانوية. وتنقسم السلالات الرئيسية إلى سلالات فرعية عديدة مثلًا السلالة الرئيسية القوقازية التي تنقسم إلى السلالة النوردية والسلالة الألبية وسلالة البحر المتوسط.

وقد اختلطت هذه السلالات منذ فجر البشرية بوسائل الاختلاط الكثيرة عن طريق الغزوات والهجرات والزواج، وأصبحنا حاليًّا لا نجد سلالة بشرية نقية إلا فيما ندر بين أشد الشعوب بدائية وعزلة مثل الأقزام في داخل الغابات الاستوائية، ولا بد أن نميز بين السلالة بمفهومها البيولوجي، وهي عبارة عن جماعة تتصف بصفات جسمانية معينة تميزهم عن غيرهم من الجماعات الأخرى، وبين الاصطلاحات الأخرى اللغوية أو الدينية أو القومية التي حصل خلط بينها وبين مفهوم السلالة، مثال ذلك الاصطلاحات التي انتشرت لفترة من الزمن حول السلالة الآرية أو السامية أو السلالة اليهودية أو السلالة العربية، وهذا خطأ لأن هذه الاصطلاحات — كما سبق وأشرنا — اصطلاحات حضارية «لغوية أو دينية»، ولا شك أن الذين يصرون على استعمال الخطأ لهذه الاصطلاحات هم دعاة العنصرية والقومية السياسية.

والواقع أنه نتيجة الاختلاط الشديد الذي حصل بين السلالات نجد الشعوب مكونة من اختلاط أكثر من سلالة؛ ولذا لا توجد مشاكل سلالية إلا حيث توجد جماعات من سلالات مختلفة يسهل التعرف عليها بسرعة وتعيش معًا في دولة واحدة كما في الولايات المتحدة الأمريكية حيث توجد المشكلة الزنجية، وكما في جنوب أفريقيا حيث تظهر بشدة مشكلة الملونين وفي أستراليا قوانين الهجرة القائمة على أساس التمييز العنصري.

المشكلة السلالية في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية

إن سكان الولايات المتحدة — برغم أن غالبيتهم الساحقة من الأصول الأوروبية — يكونون خليطًا كبيرًا من السلالات العالمية الرئيسية، فهناك ٣٥٠ ألفًا من سلالة الأمريند — الهنود الحمر — وهم السكان الأصليون لأمريكا والذين أبادت الحروب البيضاء معظمهم، ولكن أكبر المشاكل السلالية هي الناجمة عن وجود الزنوج والمغول والملونين.

والخوف الأكبر للبيض ليس راجعًا فقط إلى الخوف من الاختلاف السلالي وفقدان لون البشرة الأبيض والصفات القوقازية الأخرى، إنما أكبر ما يثير الخوف هو أن إزالة كافة أنواع التمييز العنصري سوف تؤدي إلى منافسة قوية لكل الملونين في أشكال الحياة الاقتصادية والسياسية، وبذلك ينزل الأبيض الفقير من مكانته الاجتماعية التي يكتسبها لمجرد لون بشرته.

وفي الولايات المتحدة حوالي ٢٠ مليونًا من الزنوج (١٩٦٠) غير أولئك الذين تسربوا داخل الكتلة السكانية البيضاء، وهم يتمركزون أساسًا في عدد من الولايات الجنوبية ويكوِّنون أكثر من ثلث هذه الولايات عامة، بينما تقل نسبتهم إلى مجموع سكان الولايات الأخرى كلما اتجهنا شمالًا (انظر الخريطة ٨) ويتضح هذا التتابع على الساحل الشرقي بوضوح شديد؛ فنسبة الزنوج في كارولينا الجنوبية ٣٥٪ تنخفض إلى ٢٥٪ في كارولينا الشمالية، وإلى ٢١٪ في فرجينيا، ١٦٪ في ديلاور، و٨٫٥٪ في نيوجرسي ونيويورك، و٤٫٢٪ في كونيتيكت، و٢٫٢٪ في ماساشوستس، و٠٫٣٪ في نيوهامشاير ومين.

ويتكون ٢٠٪ من السكان الأمريند والإسكيمو، بينما ٣٢٪ فقط من سكان ولاية هاواي هم من الأوروبيين، وإلى جانب ذلك توجد أقليات صينية ويابانية مركزة في منطقة الساحل الغربي الأمريكي، لكن التمييز العنصري موجه بعنف ضد الزنوج أكثر منه ضد غيرهم، ويرجع ذلك إلى كثرتهم العددية التي تساوي في مجموعها حوالي ١٠٪ من مجموع سكان الولايات المتحدة.

ولا شك أن مشكلات الأقليات عامة والزنوج خاصة تميل إلى إضعاف التضامن والتواجد السياسي العام في أمريكا، ويرى البيض أن حل المشكلة يكمن في بقاء الزنجي مستقلًّا اجتماعيًّا، بينما هو مندمج اقتصاديًّا في العمل الأمريكي، لكن الزنوج يرفضون هذا الاستقلال الاقتصادي، وتنادي هيئاتهم السياسية المتطرفة باستقلالهم في ولاية واحدة مثل كارولينا وجورجيا.

أما أمريكا اللاتينية فهي تختلف عما تقدم؛ إذ حدث فيها اختلاط كبير بين سلالات متباينة، ويمكن إرجاع عناصر السكان إلى ثلاث مجموعات هي:
  • (١)

    الهنود الأمريكيون (الأمريند).

  • (٢)

    الأوروبيون.

  • (٣)

    الزنوج.

ويتمركز الهنود الأمريكيون في الجمهوريات الشمالية الغربية من أمريكا اللاتينية حيث كانت تقوم مدنيات هندية قديمة، ففي جمهورية المكسيك كانت حضارة الأزتك وفي جمهورية جواتيمالا حضارة المايا، وفي الإكوادور وبيرو وبوليفيا كانت حضارة الأنكا، والهنود يكونون أغلبية عددية في كلٍّ من بوليفيا وجواتيمالا ونصف سكان بيرو ولهم أقلية كبيرة في المكسيك، أما الأوروبيون فأغلبهم من سكان جنوب أوروبا وأقدمهم الإسبان والبرتغال، ويوجد معهم عدد كبير من السوريين واللبنانيين وكذلك في شيلي، وتكاد هذه الجمهوريات الثلاث تكون خالية من الهنود أو الزنوج، ويفوق عدد الأوروبيين فيها عدد العناصر المختلطة «المستيزو»، كذلك يفوق عدد العنصر الأوروبي العناصر المختلفة والهندية في أورجواي وفي كوستاريكا.

أما الزنوج فتركز عددهم في الجمهوريات الاستوائية الحارة في البرازيل وفنزويلا، كذلك في جزر البحر الكاريبي في بنما وجاميكا وهايتي، وتقل نسبتهم في بقية جمهوريات أمريكا اللاتينية، وقد اختلط الزنوج بالبيض؛ لأن البرتغاليين لم ينفروا من الزنوج كما نفر الأوروبيون الآخرون، ويقبل سكان هذه الجمهوريات أصولهم الزنجية بنفس الروح التي يقبل الأمريكي في الولايات المتحدة أصله الإيطالي أو التشيكي، ونشأ عن اختلاط الزنوج بالأوروبيين عناصر المولاتو وعددهم في العالم الجديد حوالي ٨ ملايين نسمة، كذلك حدث اختلاط بنسبة قليلة بين الزنوج والهنود والأمريكيين، وحدث اختلاط أكبر بين الأوروبيين والهنود الأمريكيين، والعناصر الجديدة هي التي تسمى بالمستيزو، وتسود عناصر المستيزو في بعض الجمهوريات؛ فهي في بارغواي ٩٧٪ من السكان، وفي فنزويلا ما بين ٧٠ و٩٠٪ مستيزو، وعددهم في أمريكا الجنوبية حوالي ١٦ مليونًا، ويقدر بعض الكُتاب نسبة الإسبان والبرتغاليين الخلص بحوالي ١٠٪ من السكان، وتدل القرائن على أن هذه القارة قد انصهرت فيها عناصر مختلفة واختلط فيها أيضًا المولدون، وقد تنتهي هذه العملية بسلالة واحدة تغلب فيها صفات الأوروبيين والهنود الأمريكيين، فتصبح أمريكا اللاتينية المثل الصالح للتسامح العنصري، ولا سيما إذا اقترن هذا برفع مستوى الطبقات الفقيرة التي يحتشد فيها الهنود الأمريكيون والزنوج والمولدون والمستيزو.

الدول الناضجة عنصريًّا

ونختم هذا الموضوع بالإشارة إلى أن الدول التي تكون من سلالة واحدة قليلة العدد في الوقت الحالي، وتختلف الدول من حيث تجانسها السلالي فقد يكون التكوين للدولة من الناحية السلالية من ناحية تجانسها بسيطًا أو ملتئمًا أو مركبًا، فالتكوين البسيط هو الذي لا يلحظ فيه الغريب أي تنافر سلالي في الشعب الذي يكوِّن الدولة، فمثلًا المصريون متجانسون أتم تجانس رغم تعدد السلالات التي دخلت في تكوينهم؛ إذ استطاعت البيئة المصرية على مدى القرون أن تتمثل جميع العناصر التي دخلتها بحيث أصبحت جميعًا مصرية، وتشبه هذه الحالة أيضًا الأمة الفرنسية؛ فهي أمة متجانسة رغم وجود ثلاث سلالات أوروبية رئيسية ممثلة داخلها فقد حدث الانصهار والتمثيل خلال تاريخها الطويل بين العنصر الغالي الكلتي والعناصر النوردية، وامتزجت الثقافات وكونت أصول الثقافة الفرنسية الحديثة رغم وجود عنصر الباسك في الجنوب الغربي والبريتون في شبه جزيرة برتني.

ويتمثل التكوين الملتئم في جمهوريات العالم الجديد؛ إذ من السهل التعرف على عناصر السكان المختلفة دون عناء كبير في أي وحدة سياسية فيه، ويمكن اعتبار البريطانيين تكوينًا ملتئمًا؛ فهناك ثلاث قوميات لكلٍّ لغتها المتميزة وهي: الإنجليزية والغالية والاسكتلندية، هذا رغم وحدة اللغة والتقاليد ووحدة المصالح المادية والفرص الواحدة المتساوية أمام هذه القوميات جميعًا في العمل والحكم، وكانت كلها عوامل تمثيل قوية تؤدي إلى وحدة قومية واحدة.

أما التكوين المركب فهو لا يميز إلا الدول التي لم تنضج قوميًّا، وهذا التكوين يشبه تكوين العناصر التي لم يمتزج بعضها ببعض إلى جانب احتفاظ كلٍّ منها بشخصيته الحضارية، بل وولائه القومي، ومن ثم كان هذا التكوين مصدر ضعف للدولة، ومن ثم أيضًا كانت المشكلة التي يطلق عليها مشكلة الأقليات. وتنقسم الأقليات إلى أقليات قومية وأقليات غير قومية، والأقليات القومية هي التي تدخل في تكوين القومية الأصلية في الدول، مثل: الفرنسيون في كندا، والإيطاليون في الأرجنتين، والألمان في البرازيل وشيلي، كذلك هناك أقليات قومية سلالية مثل: الزنوج في الولايات المتحدة، واليابانيون في البرازيل، والباسك في فرنسا، والأتراك في بلغاريا، واللاب في السويد. أما الأقليات غير القومية فبعضها قانع راضٍ بوضعه في الدولة التي وجد نفسه فيها، وبعضها له ميول للانفصال والانضمام إلى بقية أفراد قوميتها الموجودين خارج الحدود، من الأمثلة على القنوعيين الدانمركيون والهولنديون في ألمانيا، وعددهم قليل، كذلك الكروات والسلوفيون في جنوب شرق النمسا، وكلاجنفورت في جنوب النمسا، والأرمن في تركيا وسوريا، والإيطاليون في ساحل دالماشيا — الساحل الشرقي لبحر الأدرياتيك.

وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى عقدت تركيا عدة اتفاقيات مع اليونان ورومانيا أعيد بمقتضاها الأتراك الموجودون في اليونان ورومانيا إلى تركيا، وأخطر الأقليات جميعًا هي التي تأمل في الانضمام إلى الدولة الأم، ولقد استغل القوميون المتطرفون هذه الأقليات لأغراض توسعية كالحزب النازي المسئول عن إحياء حركات الانفصاليين في بولندا والسوديت، وكانت ألمانيا العظمى في نظر الحزب تشمل كل مكان يسكن فيه ألماني بغض النظر عن القوميات الأخرى، والألمان الموجودين خارجها لأن حدودها — لأسباب اقتصادية وتاريخية وسياسية عديدة — لم تستطع أن تضمهم جميعًا، فهناك الألمان في شلزويج «جنوب الدنمارك»، والألمان الموجودون في بلجيكا في إقليم مالميدي وفي التيرول الإيطالي وفي سويسرا وفي إقليم بانات في رومانيا ويوجسلافيا، والألمان الذين كانوا يسكنون في دول البحر البلطي مع الألمان الذين كانوا يسكنون شرق نهر الأودر قد نقلوا عبر الحدود إلى ألمانيا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية، وهي إحدى عمليات نقل السكان الكبيرة التي تمت بعد الحرب العالمية الثانية، فلم يبق الألمان في ممل أو بروسيا الشرقية أو الممر البولندي القديم أو سيليزيا العليا.

وتوجد أقلية مجرية في إقليم الزكلر في رومانيا، وقد طلب هؤلاء الانضمام إلى المجر عندما خضعت للغزو الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، وتعمل المبادئ الماركسية على إذابة الخلافات بين الأقليات، خاصة في البلقان الذي يمتلئ بأقليات لغوية ودينية كثيرة في رومانيا ويوجسلافيا على وجه التحديد، ولم يحن الوقت الكافي لمعرفة نتائج السياسة الجديدة وانعكاساتها على التركيبات السكانية المختلفة داخل الدول، سواء كانت سلالية أو لغوية أو حضارية.

(٢) السكان ديموجرافيًّا

يبلغ عدد سكان العالم الآن حوالي ٣٫٧ مليارات من الأشخاص، وقد كان عدد السكان أقل من مليارين في عام ١٩٢٥، وينتظر أن يصل إلى أربعة مليارات عام ١٩٧٥، وإلى ستة مليارات عام ألفين.

ويتوزع سكان العالم بطريقة غير متعادلة على أجزاء العالم، فهناك ٦٠٪ من مجموع السكان متمركزون في ثلاث مناطق محددة هي: (١) الصين واليابان. (٢) الهند وباكستان وبنجلاديش. (٣) أوروبا. وهذه المناطق الثلاث تساوي ١٥٪ من مساحة اليابس الأرضي فقط، وحتى في داخل هذه المناطق الثلاث لا يتوزع السكان بعدالة، فالازدحام السكاني الهائل في سهل الهندوستان عامة لا يوازي الكثافة المعتدلة للسكان في هضبة الداكن، والحال مثل ذلك في السهل الصيني والسهل الأوروبي بالقياس إلى بقية أراضي هاتين المنطقتين.

وإلى جانب هذه المناطق الثلاث نجد تجمعات كثيفة للسكان في مناطق محدودة من بقية العالم، فهناك مائة مليون نسمة يزدحم أكثرهم في جنوب اليابان ووسطها، وبضع عشرات من الملايين يتكاثفون في جزيرة جاوة أو في وادي النيل في مصر، أو في شمال شرقي الولايات المتحدة أو نيجيريا الجنوبية والغربية.

ومساحة اليابس الأرضي — باستثناء قارة أنتاركتيكا — تبلغ نحو ١٣٦ مليون كيلومتر مربع، والكثافة السكانية العالمية في عام ١٩٦٩ — موزعة على هذه المساحة — كانت ٢٧ شخصًا للكيلومتر المربع الواحد، بافتراض أن كل مناطق العالم مسكونة، لكن النظر إلى خرائط توزيع السكان يوضح لنا أن هناك مساحات شاسعة تكاد تكون خالية، ومناطق أخرى يبلغ فيها التكاثف البشري ما بين شخص وشخصين للكيلومتر المربع الواحد، ومناطق ثالثة ترتفع فيها الكثافة إلى أضعاف أضعافها بالنسبة للكثافة العالمية.

وإذا كانت الكثافة تُعبر عن تناسب السكان والمساحة العامة للدولة، فإنها تُعبر — من ناحية أخرى — عن ضغط السكان على ما تقدمه المساحة من موارد حالية واحتمالات مستقبلية، ولكن الكثافة ليست عنصرًا ثابتًا، بل هي عنصر متغير باختلاف نسبة الزيادة الطبيعية سنة بعد أخرى وجيلًا بعد جيل، ولهذا فإن التغير السكاني هو عنصر ديناميكي يجب أن يُحسب له حسابه في دراسة القوى السكانية للدولة وعلاقة ذلك بالموارد المتاحة.

وعلى هذا النحو فإن ما يهم الجغرافيا السياسية من الموضوع الديموجرافي ثلاثة عناصر رئيسية هي: (١) عدد السكان. (٢) الكثافة السكانية بأنواعها المختلفة (عامة وفيزيولوجية). (٣) التغير السكاني وتأثيره على تركيب الدولة في شتى نواحيه الاقتصادية والعسكرية والبنائية — بما في ذلك الهجرة بأشكالها الداخلية والدولية.

جدول ٧-١: الدول العشر الكبرى سكانيًّا.
الدولة عدد السكان (بالمليون) الكثافة العامة (شخص/كم٢) التغير السكاني (الزيادة لكل ألف)
الصين ٧٢٠ ٧٥ ١٤
الهند ٥١١ ١٥٦ ٢٥
الاتحاد السوفيتي ٢٣٥ ١١ ١٢
الولايات المتحدة ١٩٩ ٢١ ١٣
إندونيسيا ١١٠ ٧٤ ٢٤
اليابان ١٠٠ ٢٧٠ ١٠
البرازيل ٨٥ ١٠ ٣٠
نيجيريا ٦١ ٦٧ ٢٧
ألمانيا الغربية ٦٠ ٢٤٢ ١٠
بريطانيا ٥٦ ٢٢٦ ٦

يوضح هذا الجدول أن الدول العشر الكبرى في أعداد السكان في الوقت الحاضر تختلف كثيرًا في كثافة السكان، وبعبارة أخرى؛ إن إمكانيات الزيادة المستقبلية في الدول المزدحمة — الهند واليابان وألمانيا الغربية وبريطانيا — أقل بكثير من تلك التي نجدها في دول أخرى وخاصة البرازيل والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، ومن ثم فإن مشكلة الضغط السكاني على الموارد تظهر حادة في الدول كثيفة السكان، وهذا مما يسبب ضرورة اعتمادها على التجارة والعلاقات الحرة بين الدول — باستثناء الهند التي يمكن أن تتجه إلى أنشطة اقتصادية كثيفة العمالة كالصناعة والخدمات.

وتتغير الصورة كثيرًا بدراسة أرقام التغير السكاني الحالية، ويظهر منها أن نمو السكان يبلغ صورة حادة في البرازيل والهند ونيجيريا وإندونيسيا أكثر منها في البلاد الأخرى، علمًا بأن متوسط التغير السكاني العالمي هو في حدود ٢٠ في الألف، وتوضح الأرقام التالية احتمالات الزيادة السكانية في أربع دول خلال قرن محسوبة على أساسين: (١) اضطراد الزيادة الحالية. (٢) نسبة زيادة معدلة ومتناقصة:

عدد السكان (بالمليون)
التغير السكاني بريطانيا ٠٫٧٪ الولايات المتحدة ١٫٤٪ البرازيل ٢٫٤٪ الهند ٣٫٢٪
السنة زيادة مضطردة زيادة معدلة مضطردة معدلة مضطردة معدلة مضطردة معدلة
١٩٦٦ ٥٥ ٥٥ ٢٠٠ ٢٠٠ ٨٦ ٨٦ ٥١٠ ٥١٠
١٩٨٦ ٦٣ ٦٢ ٢٦٠ ٢٥٢ ١٥٦ ١٤٦ ٨٠٢ ٧٦١
٢٠٠٦ ٧٣ ٦٧ ٣٤٤ ٣٠٤ ٣٠٢ ٢٢٩ ١٢٨٩ ١٠٥٠
٢٠٦٦ ١١٠ ٦٧ ٧٩١ ٣٧١ ١٩٣٧ ٤٢٦ ٥٣٤٧ ١٥١٣
عدد مرات التضاعف السكاني ٢ ٤ ٢٣ ١٠
ملاحظات على الجدول:
  • (١)

    تمثل بريطانيا والولايات المتحدة نمط الدول التي يظهر فيها التغير السكاني بمعدل أقل من المتوسط العالمي، بينما تمثل البرازيل والهند النمط الآخر المعاكس.

  • (٢)

    يتضح من الجدول أن التغير السكاني سوف يؤدي إلى انعدام التوازن في طاقة الدول البشرية، تحتل بمقتضاه الدول النامية الصدارة، ويصبح الفرق شاسعًا بينها وبين الدول المتقدمة عامة.

  • (٣)

    هل يترتب على هذا اختلاف آخر في موازين القوى والنشاطات الاقتصادية على المستوى العالمي، خاصة وأن الدول النامية هي مجالات الاستثمار الكبرى الراهنة؟

  • (٤)

    يجب ملاحظة أن هذا التنبؤ خاضع لثبات نسبة التغير السكاني وهو أمر لا يمكن التكهن به إطلاقًا، فالتغيرات تطرأ بصفة دائمة، ويكفي أن نشير إلى أن السكن المدني — الناجم عن نمو الصناعة والخدمات في الدول النامية — يؤدي بطبيعته إلى تقليل النمو السكاني، وبرغم ذلك فإن القاعدة العريضة لسكان الدول النامية تسمح بأن يزيد عدد سكانها كثيرًا خلال القرن القادم عن الدول الكبرى الحالية.

وأيًّا كان الأمر في المستقبل فإن مجرد القوة العددية للسكان ليست في حد ذاتها العنصر الوحيد في علاقة السكان بالدولة، ففي أحيان كثيرة يصبح الازدحام السكاني عائقًا أمام التنمية الاقتصادية، وعلى أي الحالات فإن درجة الازدحام السكاني مسألة اعتبارية محضة لا تصدق إلا على فترة زمنية معينة بالارتباط بالنشاط الاقتصادي السائد في تلك الفترة، فالكثافة العامة في ألمانيا الغربية أعلى منها في الصين، لكن المشكلة السكانية في الصين تكوِّن ضغطًا واضحًا على سياسات الصين الداخلية، بينما ازدحام الألمان لم يصبح مشكلة ضغط على كافة أشكال الموارد الصناعية والتجارية.

ولهذا فإن مشكلة السكان والدولة يمكن أن تُقاس بمقياس أكثر صدقًا — في حدود — من مقياس الكثافة، ذلك المقياس هو نصيب الفرد من قيمة الإنتاج القومي العام GNP كما يوضحه الجدول التالي:
نصيب الفرد من الإنتاج القومي العام (بالدولار) (١٩٦٧) والنسبة المئوية للسكان غير الزراعيين (أرقام ١٩٦٦).
الدولة نصيب الفرد (بالدولار) ٪ سكان غير زراعيين
الولايات المتحدة ٣٥٢٠ ٩٤
الكويت ٣٤١٠ ٩٩
السويد ٢٢٧٠ ٨٨
سويسرا ٢٢٥٠ ٩٠
كندا ٢٢٤٠ ٨٩
نيوزيلندا ١٩٣٠ ٨٧
لكسمبورج ١٩٢٠ ٨٩
أستراليا ١٨٤٠ ٩٠
الدانمرك ١٨٣٠ ٨٥
أيسلندا ١٧٤٠ ٦٥

ويتضح من هذا الجدول أن الدول الكبرى باستثناء الولايات المتحدة لا تظهر بين الدول العشر الأولى في العالم في ترتيب أنصبة الفرد من الإنتاج القومي العام، وربما كان ذلك من أسباب عدم موضوعية هذا العنصر في التقييم السياسي لعلاقة الدولة والسكان، ومع ذلك فإنه مؤشر واضح من مؤشرات الرخاء الاقتصادي إذا ربطناه بعامل آخر مثل نسبة السكان الذين لا يعملون في قطاع الزراعة، ففي اليابان ٧٣٪ غير زراعيين وفي الاتحاد السوفيتي ٧٠٪ أيضًا غير زراعيين، وفي كلتيهما نجد نصيب الفرد من الإنتاج القومي العام هو ٨٦٠ و٨٩٠ دولارًا على التوالي.

وتظهر هذه الارتباطات بشدة في الدول النامية كما يتضح من الأرقام التالية:

الدولة نصيب الفرد (بالدولار) ٪ سكان غير زراعيين
الصين ١٠٠ ٣٧
الهند ٩٠ ٣٠
إندونيسيا ١٠٠ ٣٤
باكستان (١٩٦٧) ٩٠ ٢٦
نيجيريا ٨٠ ٢٠
مصر ١٨٠ ٤٥
جنوب أفريقيا ٥٥٠ ٧١ (؟)
البرازيل ٢٤٠ ٤٨
شيلي ٥١٠ ٧٤
الأرجنتين ٧٨٠ ٨٢
ويمكننا أن نلخص دور السكان في بناء الدولة في النقاط التالية:
  • (١)

    العدد الكبير للسكان يكون في حد ذاته قوة في المجالات العسكرية حتى برغم الحرب الحديثة، ولا شك أن ذلك ينطبق بنوع خاص على الماضي حين كانت الجيوش البرية تحدد مصير المعارك بين الدول.

  • (٢)

    العدد الكبير للسكان يعطي للدولة طاقات اقتصادية كثيرة في مجال استغلال الموارد المتاحة ومجال التسويق، وفي هذا نستطيع أن نقارن بين أستراليا بمساحتها الضخمة وأعداد سكانها القليلة بدولة أخرى كهولندا تشابهها في عدد السكان — ١٢، ١٢٫٥ مليونًا على التوالي — بينما تزيد عنها أستراليا في المساحة نحو ٢٣ مرة، ومع ذلك فإن نصيب الفرد من الإنتاج القومي متشابه — ١٨٤٠، ١٤٢٠ دولارًا على التوالي.

  • (٣)

    يكون العدد الكبير للسكان في الدول النامية عبئًا كبيرًا على اتفاقات الدولة في جانب الخدمات الصحية والتعليمية، ومن المشكلات التي تواجهها هذه الدول سوء التغذية ومكافحة الأوبئة والأمراض المتوطنة وتقليل نسبة الوفيات عامة، وقد ترتب على نجاح كثير من الدول في هذه الخدمات ارتفاع متوسطات الأعمار، ومن ثم يمكن أن ترتفع فترة العمالة المنتجة في حياة الأفراد.

  • (٤)

    ولكن انخفاض الوفيات لم يقابله انخفاض نسبة المواليد بسرعة موازية لانخفاض الوفيات مما أدى إلى وجود قاعدة كبيرة من الأطفال رفعت بذلك نسبة الإعالة، وفي الوقت نفسه أدى ارتفاع متوسطات الأعمار إلى ضغط السكان على الموارد الاقتصادية المحدودة في الدول المتخلفة.

  • (٥)

    في الدول المتقدمة نجد توازنًا واضحًا بين الوفيات القليلة والمواليد المضبوطة، وباستثناء حالات قليلة حُمِد فيها النمو السكاني على نسبة ضئيلة — ٠٫٥٪ في النمسا و٠٫٦٪ في بريطانيا، ٠٫٧–٠٫٩٪ لغالبية دول اسكندنافيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا — فإن مجموعة الدولة المتقدمة لا تعاني المشكلات السكانية العنيفة التي تعانيها الدول المتخلفة، وقد أدى هذا إلى زيادة المصاعب أمام التنمية الاقتصادية أمام الدول المتخلفة، وتسبب في ظهور ضعف أساسي جديد في بناء هذه الدول من النواحي الاقتصادية والسياسية معًا.

  • (٦)

    برغم أن عددًا من الدول المتقدمة قد فتحت أبوابها للعمالة من بعض الدول المتخلفة — كدول السوق الأوروبية التي تحتاج إلى أيدٍ عاملة من اليونان وتركيا وجنوب إيطاليا وإسبانيا والبرتغال … إلخ — إلا أن هذه الدول لا تستطيع امتصاص الزيادة السكانية لمثل هذه الدول المتخلفة، وإنما تستوعب أعدادًا محدودة في جوانب العمالة غير الماهرة فقط.

  • (٧)

    أدت الأوضاع السكانية إلى صورة من عدم التكافؤ في التوزيع الجغرافي لم يكن لها مثيل من قبل، فقد أصبح ٥٥٪ من سكان العالم مركزين في آسيا الشرقية والجنوبية، وحوالي ٢٥٪ في أوروبا والاتحاد السوفيتي والشرق الأوسط والباقي موزعين على أجزاء العالم الأخرى بتركيز واضح في مناطق محددة وخاصة الولايات المتحدة، وتتوزع هذه الكتل الرئيسية في السكان على المعسكرات السياسية السائدة على النحو التالي:

    التوزيع الاسمي للكتل السكانية الرئيسية على المعسكرات السياسية (أرقام ١٩٦٦).
    القارة والأقاليم الكتلة الغربية الكتلة الشرقية العالم الثالث والمحايد
    المجموع ١٢٥٥ ١١٣٨ ٩٤٣
    أوروبا والاتحاد السوفيتي ٣١٠ ٣٥٥ ٤٨
    أمريكا الشمالية ٢٢٠
    أمريكا اللاتينية ٢٤٠ ١٨
    آسيا الشرقية والجنوبية ٣٧٥ ٧٦٥ ٦١٥
    الشرق الأوسط والعالم العربي ٥٨ ١٢٠
    بقية أفريقيا وأوشينيا ٥٢ ١٦٠

    والمقصود بالتوزيع الاسمي هنا أن الاعتماد قائم على التحديد الرسمي لسياسة الدول، وليس على الانتماءات الفعلية، ومما يوضح ذلك أن الكثير من دول الحياد والعالم الثالث مرتبطة اقتصاديًّا — ومن ثم في واقع الأمر — بدول متعددة من العالم الغربي الأورو أمريكي.

  • (٨)

    لقد كان الضغط السكاني في أوروبا يجد له متنفسًا في الهجرة إلى العالم الجديد ومناطق المستعمرات الأوروبية في أفريقيا الجنوبية وأستراليا، ولكن بعد تقسيم العالم ونشأة الدول القومية فإن مجالات الهجرة أصبحت خاضعة للكثير من القيود المرتبطة بالمصالح القومية عامة، التي تكاد تقتصر على هجرة أبناء الشعوب الأوروبية بوجه خاص.

لهذا نجد أن المشكلة السكانية تقفز لتحتل الصدارة في مشكلات الدولة الكثيفة السكان في آسيا وأفريقيا، ولكن الضغط السكاني لم يظهر بعد على السطح كمشكلة من بين المشكلات السياسية التي تعانيها بعض الدول كالصين والهند ومصر، ولا شك أن هذه المشكلة تحتاج إلى مرونة كبيرة في علاقات الدول المستقبلة للمهاجرين، وإلى تطوير خاص في البناء الاقتصادي للدول التي تشكو الازدحام السكاني.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤