المكالمة الثانية

كان الضيف هو الأستاذ «عبد القادر». وكان يبدو مضطربًا شاحب الوجه، وأدرك «تختخ» على الفور أنه جاء يستدين من والده لإكمال مبلغ الفدية، ولم يرَ فائدةً من حضور هذا الموقف المحرج، فانسحب إلى غرفته.

ومضى اليوم دون أن يجدَّ جديد، وفي اليوم التالي اتصل المجهول مرةً أخرى بوالد «أشرف» … وكان رجال الشرطة يُتابعون المكالمة ويُسجِّلونها على أمل أن يعرفوا مصدرها … ولكن اتضح أن المجهول قد تحدَّث من تليفون عمومي في الشارع وليس من منزل … وأثبت بهذا ذكاءه ودهاءه.

أسرع «تختخ» إلى المفتش «سامي» ليستمع إلى المكالمة. وكانت مكالمةً غريبةً للغاية.

قال المجهول: أنت «عبد القادر موسى»؟

الأب: نعم …

المجهول: إن ابنك رهينة في أيدينا … فإذا لم تدفع …

الأب: أرجوك … إنه ولدي الوحيد، وأنا لا أملك كل المبلغ المطلوب.

المجهول: دَعك من اللف والدوران … إننا نعلم أنك تملك أضعاف هذا المبلغ من زمن بعيد.

الأب: أُقسم لكَ إنني رجل فقير ولا أملك سوى مرتبي.

صاح المجهول بغضب قائلًا: إننا نعرف كل شيء! … ونُريد المبلغ كاملًا وإلا …

الأب بخوف: أرجوك … لقد جمعتُ لكم مبلغ ثلاثة آلاف جنيه و…

المجهول: عشرة آلاف … وإذا لم تدفعها بأسرع ما يمكن فسنرفع المبلغ إلى عشرين ألفًا … وسأتصل بك مرةً أخرى …

الأب: اسمع … إنني …

وكان المجهول قد وضع السمَّاعة، ولكن الأستاذ «عبد القادر» ظل يصيح: ألو … ألو … ألو … دون جدوى.

قال المفتش: ما رأيك؟

تختخ: شيء غريب للغاية! … من المؤكَّد أن هناك سرًّا عجيبًا في هذا الموضوع.

المفتش: فعلًا … هل لاحظتَ أن المجهول يقول: إننا نعرف كل شيء، وإنك تملك أضعاف هذا المبلغ من زمن بعيد! … ما معنى هذا؟

تختخ: معناه أنهم يعرفون أن الأستاذ «عبد القادر» يملك أموالًا كثيرةً ولكنه لسبب غير معروف يُخفيها.

المفتش: إذن لا بد أن نستجوب «عبد القادر» ونعرف الحقيقة منه …

تختخ: المدهش أنني متأكِّد أنه لا يملك!

المفتش: من يدري؟ … سأستدعي «عبد القادر» لاستجوابه …

تختخ: سيعلم أني أبلغتك بالمكالمة الأولى.

المفتش: ليس هذا مهمًّا الآن. لقد قمتَ بواجبك، وواجبنا أن نتدخَّل لنعرف الحقيقة، ونُنقذ الولد المخطوف … هيا بنا …

وركب «تختخ» مع المفتش في سيارته التي انطلقت بهما مسرعةً إلى المعادي، وعندما اقتربا من الضاحية الهادئة قال المفتش: من الأفضل أن أراه بعيدًا عن منزله، سنذهب إلى منزلكم …

وفي منزل «تختخ» جلس المفتش حيث استقبله والد «تختخ» مُرحِّبًا به، وطلب منه المفتش الاتصال بالأستاذ «عبد القادر» واستدعاه إلى البيت. وبعد نحو نصف ساعة حضر الأستاذ «عبد القادر» … شاحب الوجه مُحطَّمًا … ولم يكَد يرى المفتش حتى زاد اضطرابه فقال المفتش: اهدأ قليلًا يا أستاذ «عبد القادر» … إننا في حاجة إلى معونتك.

عبد القادر: معونتي أنا! … أنا المحتاج إلى معونة كل الناس … إن ولدي مُهدَّد بالموت ولا أجد من يُنقذه … إنكَ لا تعلم كل ما حدث.

المفتش: بل أعلم كل شيء … لقد كان «توفيق» أكثر تعقُّلًا منكَ وأخبرني بالمكالمة التليفونية الأولى والفدية التي طلبتْها العصابة.

عبد القادر: والمكالمة الثانية!

المفتش: إنها مُسجَّلة في مكتبي وأُريد الحديث عنها معك … وأرجو أن تكون صريحًا فحياة ولدك مُعلَّقة على هذه الصراحة.

عبد القادر: إنني لا أفهم شيئًا!

المفتش: لقد قال لك المجهول … إننا نعلم أنك تملكُ أضعاف هذا المبلغ … فهل هذا صحيح؟

قال «عبد القادر» باهتياج: هذا كذب! … هذا كلام فارغ! … من أين لي أن أملكَ عشرة آلاف جنيه وأنا موظَّف بسيط؟! … لا بد أنهم يقصدون رجلًا آخر.

المفتش: هدِّئ نفسكَ يا أستاذ «عبد القادر» … وفسِّر لي كيف تقول العصابة هذا الكلام إن لم يكن حقيقيًّا؟

عبد القادر: أُقسم لك … اسأل الأستاذ «خليل» هل أملك عشرة آلاف جنيه؟! من أين؟!

قال الأستاذ «خليل» والد «تختخ»: إنني أعرف «عبد القادر» جيدًا، ومن المؤكَّد أنه لا يملكُ هذا المبلغ ولا حتى ألف جنيه.

المفتش: هل في ماضيك شيء تُخفيه لسببٍ أو آخر؟

عبد القادر: أبدًا … أبدًا.

التفت المفتش إلى «تختخ» الذي كان يستمع إلى الحوار في انتباه شديد، فهز «تختخ» رأسه في دهشة، وقال المفتش موجِّهًا حديثه إلى «عبد القادر»: في هذه الحالة سوف ندفع نحن الفدية.

عبد القادر: أنتم! … من أنتم؟

المفتش: الشرطة … سنُعطيك العشرة آلاف جنيه … لتُسلِّمها إلى العصابة، وكل ما نُريده أن تُخبرنا أولًا بأولٍ بما يحدث … وسوف نقبض على العصابة ونُعيد إليكَ ولدكَ حيًّا.

عبد القادر: ولكن العصابة هدَّدتني إذا أبلغتُ الشرطة أنها ستقتل «أشرف»!

تدخَّل الأستاذ «خليل» قائلًا: يا «عبد القادر» ليس هناك حلٌّ آخر، ويجب أن تكون أكثر ثقةً في رجال الشرطة خاصةً المفتش «سامي»، وهو من أبرع رجال الشرطة …

عبد القادر: وماذا أفعل الآن؟

المفتش: لا شيء … سوف أُقابلكَ في منزل الأستاذ «خليل» وأُسلِّمك المبلغ وننتظر المكالمة الثالثة من المجهول … وعليكَ أن تتظاهر أولًا بأنك لم تجمع المبلغ كلَّه حتى لا تشك العصابةُ في الأمر … ثم في النهاية تستسلم وتطلب معرفة الطريقة التي ستُسلِّم بها النقود … وسنتولَّى نحن الباقي.

عبد القادر: أرجوكم … ألَّا يقول أحدٌ لوالدته ما حدث. إنها ستموت إذا علمتْ أنني أبلغتُ الشرطة، وسأقول لها إنني استدنتُ المبلغ بطريقة أو بأخرى.

المفتش: ليس هذا فقط … إنني أُريد ألَّا يعلم أحدٌ مطلقًا أنكم اتصلتم بي؛ فنحن لا نعرف شيئًا حتى الآن عن هذه العصابة، ولعل لها أعوانًا يقربون منكم أو يُراقبونكم فخذوا حذركم جميعًا.

أوصل «تختخ» المفتش حتى سيارته، ثم أسرع للالتقاء بالأصدقاء في حديقة منزل «عاطف»، وروى لهم كل ما حدث … وطلب منهم ألَّا يتحدَّثوا عن خطة المفتش «سامي» مع أي شخص على الإطلاق.

قال «محب»: هناك شيء غريب يا «تختخ» … من الواضح أن العصابة تعرف أشياء لا نعرفها عن الأستاذ «عبد القادر»؛ فهم يقولون له إن عنده عشرات الألوف من الجنيهات.

تختخ: هذا صحيح!

محب: إذن لماذا لم يُحاولوا قبل الآن أن يسلبوا هذه الأموال؟! لماذا بدءوا عملهم بمجرَّد أن انتقل الأستاذ «عبد القادر» وأسرته إلى المعادي؟ أليس هذا شيئًا عجيبًا؟!

تختخ: فعلًا … إنها ملاحظة ذكية يا «محب»، ولكن ما هي استنتاجاتك بهذا الخصوص؟

محب: أعتقد أن هناك ارتباطًا بين عملية الخطف وسكن الأستاذ «عبد القادر» في المعادي.

لوزة: وربما في هذه «الفيلا» بالذات!

تختخ: إنكم تُفكِّرون جيدًا، ولكن وضِّحوا أكثر.

محب: من الواضح أن العصابة تعرف الأستاذ «عبد القادر» منذ زمن بعيد، وهذا واضح من المكالمة التليفونية، فلماذا لم يُنفِّذوا خطتهم إلا بعد أن سكن في هذه «الفيلا» بالذات … برغم أنه سكن في شقة بالمعادي قبل ذلك؟

عاطف: كما أن «أشرف» كان يسير وحده كثيرًا من قبلُ بين شقتهم الصغيرة ومنزلنا أو منزلكَ يا «تختخ»، فلماذا لم يخطفوه قبل الآن؟ لماذا انتظروا حتى سكن الأستاذ «عبد القادر» في «الفيلا»؟

تختخ: من الواضح فعلًا أن هناك ارتباطًا بين سكنه في «الفيلا» وخطف «أشرف»، وعلينا أن نبحث نحن الخمسة عن هذه العلاقة فهي أول خيط سيكشف اللغز.

محب: إن بوَّاب منزلنا صديق لبوَّاب «فيلا» الأستاذ «عبد القادر»، وسأطلب منه أن يسأل هذا البوَّاب عن تاريخ هذه «الفيلا»، وظروف سكن الأستاذ «عبد القادر» بها، وسأعود لكم بالمعلومات بعد ساعات، وقد سمعتُ بوَّابنا يقول عنها إنها «فيلا» مشئومة.

انطلق «محب» على درَّاجته … وقال «تختخ» لبقية الأصدقاء: أُريدكم أن تقوموا بعمل دوريات مراقبة حول «فيلا» الأستاذ «عبد القادر»؛ فهناك مثل يقول: إن المجرم دائمًا يحوم حول مكان جريمته، وقد يُحاول أحد أفراد العصابة أن يُراقب «الفيلا» لمعرفة ما إذا كان الأستاذ «عبد القادر» قد اتصل بالشرطة، أو لا … وعليكم أن تكونوا يقظين جدًّا؛ فقد نستطيع الوصول إلى العصابة عن هذا الطريق.

وانطلق الأصدقاء في حماسٍ بعد أن وضعوا خطة المراقبة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤