حكاية «عبد القادر»

كانت كلمات المحامي كأنها قنبلة انفجرت في الغرفة … وظلَّ المفتش و«تختخ» و«محب» في حالة ذهول لحظات طويلة قبل أن يقول «تختخ»: اسم مُوكِّلك «عبد القادر موسى»؟

المحامي: بالضبط.

تختخ: وهو طبعًا غير «عبد القادر موسى» الذي يسكن حاليًّا في «الفيلا»؟

المحامي: طبعًا … إنه شخص آخر.

محب: وأين هو الآن؟

المحامي: لا أعرف … إن عندي توكيلًا عامًّا بإدارة كل ما يملك، ولكني لا أعرف أين هو.

المفتش: ألَا يزوركَ مطلقًا؟

المحامي: آخر مرة رأيته فيها كانت منذ عشر سنوات، ومنذ ذلك الوقت لم أرَه، وكان يتصل بي أحيانًا، أو يُرسل شخصًا!

المفتش: شيء مدهش للغاية! … هل هو في مصر؟

المحامي: لا أدري.

المفتش: هل تستطيع أن تروي لنا قصة اتصاله بك … وكيف تعرَّفت به، وماذا كان يعمل؟

تردَّد المحامي قليلًا، ثم قال: جاءني ذات يوم منذ نحو عشر سنوات، وكان متهمًا في قضية اختلاسٍ من الشركة التي يعمل بها، هو وزميل له … وطلب إليَّ أن أقوم بالدفاع عنه … وقد استطعتُ أن أحصل له على البراءة.

المفتش: وزميله؟

المحامي: لقد حُكم عليه بالسجن خمس سنوات … ولكنه تُوفي في السجن بعد سنة تقريبًا.

تختخ: وكم كان المبلغ الذي اتُّهما باختلاسه؟

المحامي: كان عشرين ألفًا من الجنيهات … وقد اختفى المبلغ تمامًا … ولم تعثر عليه الشرطة.

المفتش: وماذا حدث بعد ذلك؟

المحامي: بعد براءة «عبد القادر» تركَ عمله، ووكَّلني في إدارة أملاكه، وقال لي إنه سيُحاول السفر إلى الخارج … وبعدها لم أرَه.

تختخ: هل كان متزوِّجًا؟

المحامي: نعم، وكانت زوجته على وشك الوضع عندما حدثت هذه الوقائع.

تختخ: إن اللغز ينكشف شيئًا فشيئًا.

محب: وهل زوجته هنا؟

المحامي: لا أدري … هذه هي كل معلوماتي عن الموضوع.

محب: وماذا كان اسم شريك «عبد القادر»؟

المحامي: «علي الشرقاوي».

وخرج الثلاثة من مكتب المحامي، وقد استُغرق كلٌّ منهم في أفكاره الخاصة، وعندما وصلوا إلى الشارع قال المفتش وهو ينظر إلى محل «لاباس»: إنني في حاجة إلى فنجان من القهوة، فهل عندكما مانع من أخذ كوب من الجيلاتي في هذا الحَر؟

محب: لا مانع … بالإضافة إلى أننا محتاجون إلى تبادل الحديث حول المعلومات الأخيرة التي سمعناها.

تختخ: فعلًا … إن ما سمعناه يجعلنا نُعيد النظر في معلوماتنا عن حادث الاختطاف.

حول مائدة منعزلة جلسوا جميعًا يتحدَّثون، فالتفت المفتش إلى «تختخ» قائلًا: أعتقد أن عندكَ كلامًا كثيرًا توَد أن تقوله.

تختخ: طبعًا، إن في رأسي فكرةً أخرى عن الموضوع.

محب: وأنا أيضًا.

تختخ: إذن ابدأ أنتَ يا «محب»، لنرى كيف تُفكِّر.

محب: يبدو أن العصابة تُطارد «عبد القادر موسى»، صاحب «الفيلا»، وليس «عبد القادر موسى» قريب «تختخ».

تختخ: تمامًا.

محب: وعلينا أن نُخبر العصابة أنها وقعت في خطأ كبير … لعلَّهم يُفرجون عن «أشرف» بعد ذلك.

المفتش: معقول … ولكن من المهم بالنسبة لي أن أقبض على العصابة في نفس الوقت.

تختخ: ومن ناحية أُحب أن أُفسِّر لغز اختفاء «عبد القادر موسى» صاحب «الفيلا» … ولْنُسمِّه «عبد القادر الأول» أو «الرجل الثاني»؛ تمييزًا عن الأستاذ «عبد القادر» قريبي.

المفتش: وذلك شيء هام فعلًا …

تختخ: سأقول لكما أفكاري … لقد اشتركَ «عبد القادر» الأول في حادث اختلاسٍ منذ عشرة أعوام بالاشتراك مع «علي الشرقاوي» … واستطاع «عبد القادر» بواسطة محاميه الأستاذ «صبري» أن ينجو من السجن، على حين سُجن «علي الشرقاوي» حيث مات بعد سجنه بفترة، فما هو سبب استقالة «عبد القادر» من عمله … واختفائه برغم أنه حصل على البراءة من التهمة؟

محب: هذا هو السؤال.

تختخ: السبب ببساطة كما أتصوَّره هو أنه كان مشترِكًا في الاختلاس … وبعد أن حصل على العشرين ألف جنيه اختفى … لأنه تصوَّر أن شريكه «علي الشرقاوي» سيُخبر بعض المساجين بالحقيقة … وهذه هي عادة السجناء … يتحدَّثون عن الجرائم التي اشتركوا فيها … ولعلَّ هؤلاء المساجين الذين سمعوا القصة من «الشرقاوي» قرَّروا بعد خروجهم من السجن مطاردة «عبد القادر» وتهديده للحصول على المبلغ المختلس … أو نصفه الذي يخص «الشرقاوي» … وبما أنه استقال من عمله فليس له عنوان إلا «الفيلا» التي كان يسكن فيها … وقد ظلَّت «الفيلا» خاليةً عشر سنوات حتى سكنها «عبد القادر موسى» الثاني، فظنَّت العصابة التي تُطارده أنه «عبد القادر موسى» الأول، فخطفت ابنه ليدفع المبلغ. وهذا ما كان يُريده «عبد القادر» الأول … إنه ذكي للغاية، واستنتج أن العصابة لا تعرفه شخصيًّا، فأي شخص سيسكن «الفيلا» ويحمل اسمه ستُطارده العصابة فورًا، وهكذا ينجو هو من الانتقام.

محب: معقول جدًّا … خاصةً وأن زوجة «عبد القادر» الأولى كانت حاملًا منذ عشر سنوات … و«أشرف» عمره نحو عشر سنوات فعلًا … وبهذا الدليل زاد تأكد العصابة من أنه هو «عبد القادر» المطلوب.

المفتش: وذلك واضح لأن العصابة قالت في مكالمتها التليفونية إنها تعرف أن عند «عبد القادر» ألوفًا من الجنيهات …

تختخ: هذا صحيح …

محب: وما هي الخطوات التالية لنا؟

المفتش: سنعمل أولًا على إنقاذ «أشرف» من أيدي العصابة، وبعدها نُطاردها، وعندما نقبض على أفرادها سنتمكَّن من الحصول على اعترافاتهم التي ستُؤيِّد في الغالب استنتاجاتنا.

تختخ: إنني أقترح أن نسير في عملنا على خطَّين متوازيَين … أي أن نعمل على إعادة «أشرف» … وفي نفس الوقت نُحاول تتبُّع أثر «عبد القادر» الأول لعلنا نعثر عليه.

محب: ولكن ما هي الطريقة؟

تختخ: هل نستطيع معرفة أسماء المسافرين للخارج والعائدين خلال عشر سنوات؟

المفتش: هذا هو المستحيل بعينه …

محب: ومن الممكن أن يكون «عبد القادر» الأول يعيش تحت اسم مستعار، ولن نستطيع معرفة مكانه مطلقًا.

المفتش: لعلَّه سيظهر بعد أن تكون العصابة قد تحرَّكت. وأنا أُرجِّح أنه يرقب الحوادث ولعله لم يُغادر مصر مطلقًا … بل يعيش متخفيًا في مكان ما في انتظار ما سيحدث.

تختخ: ذلك معقول جدًّا … وليس علينا إلا أن ننتظر ونرى …

محب: هناك بعض أسئلة صغيرة أُفكِّر فيها … مثلًا كيف عرفَت العصابة أن «عبد القادر موسى» سكن «الفيلا»؟

تختخ: ذلك سهل للغاية، إن في إمكانها أن تسأل بوَّاب «الفيلا».

وسأل: وأين ذهب مبلغ العشرون ألف جنيه؟ لم يُجب أحد … ثم قال المفتش بعد لحظات: في الحقيقة إن هذا السؤال هام؛ فعن طريق تتبُّع هذه النقود يمكن أن نصل إلى «عبد القادر الأول».

تختخ: ولكن كيف؟ … من غير المعقول أنه وضعها في البنك؛ فهذا الإجراء يمكن أن يُثبت عليه الاختلاس، وفي نفس الوقت يسهل للعصابة إمكان تتبُّع خطواته …

المفتش: إذن علينا أن نُتابع العصابة، ونقبض على أفرادها، ونُعلن في الصحف أخبار القبض عليها، فسوف يطمئن «عبد القادر» الأول على أن العصابة وقعت في أيدينا فيظهر … وعن طريق مراقبته يمكن الوصول إلى النقود وإثبات اختلاسه ليلقى جزاءه …

محب: هذا إذا لم يكن قد صرفها.

تختخ: هذا كل ما يمكننا عمله، وعلينا الآن أن نعود إلى المعادي؛ فقد فات وقت الغداء …

أوصل المفتش الصديقَين بسيارته إلى محطة باب اللوق، حيث استقلَّا القطار إلى المعادي، وعاد بعد ذلك إلى مكتبه … وكان المفتش قد طلب منهما الذهاب إلى الأستاذ «عبد القادر» في منزله ليتفقا معه على مقابلة المفتش وأخذ العشرة آلاف جنيه ليُسلِّمها للعصابة …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤