المغامرون الخمسة

كان الصوت الذي استمع إليه «تختخ» هو صوت «زنجر» الكلب الأسود الذكي … ولكن هل يستطيع «زنجر» أن يصل إلى الشقة؟ وإذا وصل هل يتردَّد «منصور» في أن يضربه؟

أخذ «تختخ» يُفكِّر … وفي الوقت نفسه كان «منصور» يُفكِّر … إن عنده رهينتَين فعلًا … ولكن ماذا يفعل بهما … إن الشرطة تعرف القصة كلها … ولكنهم بالطبع لا يعرفون مكانه … وإلا لهاجموه فورًا … ولكنهم بالتأكيد سوف يعرفون المكان إن عاجلًا وإن آجلًا … وخاصةً أن هذا الولد السمين قد عرف مكانه … وهؤلاء الأولاد الذين عرضوا عليه الكوكاكولا المثلَّجة … لعلهم هم أيضًا يشكون فيه!

أحسَّ «منصور» أنه وقع في فخ … وقرَّر أن يهرب … ولكن العشرة آلاف جنيه قريبة منه … لقد ظلَّ يحلم بهذا المبلغ سنوات طويلة … وليس من المعقول أن يُضيعه في لحظة … إن أمامه الآن أن يتصل ﺑ «عبد القادر موسى» ليُحدِّد موعد حصوله على المبلغ … ولكنه لا يستطيع أن يُكلِّمه من تليفون الشقة؛ فهو بالتأكيد مراقب، ولا بد أن يخرج …

عندما وصل «منصور» إلى هذا الحد من التفكير وهو واقف خلف النافذة يراقب، قرَّر أن يخرج فورًا … وهكذا ارتدى بقية ثيابه، ثم غادر الشقة بعد أن أغلق بابها بالمفتاح.

اختفى صوت «زنجر» من الشارع، وأخذ «تختخ» يُحاول الإنصات إليه دون أن يفقد الأمل؛ فهو يعلم أن «زنجر» لم يكن يُضيع وقته عبثًا … وهذا ما حدث؛ لقد أسرع الكلب الأمين إلى منزل «عاطف» حيث اعتاد أن يذهب مع صاحبه «تختخ»، وكان الأصدقاء الأربعة يجلسون معًا يتحدَّثون … وينتظرون «تختخ» وقد قلقوا لغيابه … ووجدوا «زنجر» بينهم وحيدًا، فتأكَّدوا أن «تختخ» إمَّا في القاهرة … وإمَّا أنه وقع في مشكلةٍ ما … اقترب «زنجر» من «لوزة» صديقته العزيزة وأخذ ينبح ثم يجري إلى باب الحديقة … وتكرَّر هذا التصرُّف منه بضع مرات، فقالت «لوزة»: إن «زنجر» يدعونا أن نتبعه … فهيا بنا …

أسرع الأصدقاء الأربعة خلف «زنجر» وقد أحسُّوا جميعًا بأنهم مقبلون على مغامرة مثيرة. وسار الكلب الأسود سريعًا عبر شوارع المعادي متجهًا إلى شارع «٦٦»، فقالت «نوسة»: يبدو أنه سيذهب بنا إلى «فيلا» الأستاذ «عبد القادر» فهو متجه إلى الشارع.

عاطف: على كل حال سنرى ماذا يُريد «زنجر» منا.

وصلوا جميعًا إلى الشارع، ولدهشتهم الشديدة وجدوا «زنجر» يتجه إلى المنزل رقم «١٦»، المنزل الذي حامت حوله الشبهة، وأن شخصًا يقف خلف نافذته … أسرعوا جميعًا خلف «زنجر» الذي جرى مسرعًا إلى الدور الثالث ووقف أمام نفس الشقة التي دقُّوا بابها من قبل.

قال «محب» هامسًا: إن الرجل الشرس الذي استقبلنا أول مرة سوف لا يتردَّد في ضربنا إذا دققنا الباب مرةً أخرى.

عاطف: ولكن لا بد أن شيئًا ما يحدث في هذه الشقة ما دام «زنجر» يُريدنا أن ندخل، ولا بد أن ندخل.

وكان «زنجر» يدق باب الشقة بقدمَيه وينبح في خشونة … وكان «تختخ» يستمع في الداخل وقلبه يدق سريعًا …

قالت «لوزة»: تعالَوا نتصنَّت على الباب لعلنا نسمع شيئًا في الداخل! ومال الأصدقاء على الباب بعد أن أبعدوا «زنجر» وأسكتوه … وكان الصمت مخيِّمًا على الشقة … فليس هناك أي صوت … مدَّ «محب» يده، وضغط زر الجرس … ووقف الأصدقاء جميعًا استعدادًا لمواجهه الرجل … ولكن أحدًا لم يفتح … دقوا مرةً أخرى وثالثةً ورابعة، ثم قال «عاطف»: من الواضح أن الرجل قد خرج ولا أحد في الشقة، فماذا نفعل؟

أدرك «تختخ» أن أحدًا يقف أمام باب الشقة يُريد الدخول … وكان متأكِّدًا تقريبًا أنهم الأصدقاء، ما دام نُباح «زنجر» واضحًا أمام الباب، وخشي أن ينصرف الأصدقاء بعد أن يفقدوا الأمل، وكان قريبًا من باب الغرفة، فرفع قدمَيه إلى الباب ودقه عدة دقَّات … وقالت «نوسة»: استمعوا … إنني أسمع صوت دقَّات في الداخل. وأنصت الأصدقاء جميعًا … ولم يكن هناك شكٌّ في أن شخصًا ما يُحاول أن يلفت أنظارهم لوجوده.

قال «محب»: لا شك أنه «تختخ»، ولا بد أنه جاء لمقابلة الرجل الذي حاولنا الحديث معه في الشقة واستطاع الرجل بطريقة ما أن يأسره.

لوزة: وماذا نفعل الآن؟

محب: نُحاول إنقاذ «تختخ» طبعًا … إنني أُلاحظ أننا في الدور الثالث والأخير من هذه العمارة، وسوف أصعد إلى السطح لأرى؛ فقد أجد طريقةً لدخول الشقة.

أسرع «محب» يصعد إلى السطح، وكان الظلام قد هبط، ولكنه استطاع أن يرى خلال المنور أن نافذة المطبخ مفتوحة، فنزل إلى الأصدقاء وقال لهم: «عاطف» و«لوزة» ينتظران هنا أمام الباب في انتظار أي تطوُّرات، ولْتأتِ «نوسة» معي، لقد وجدتُ طريقةً لدخول الشقة.

وأسرعتْ نوسة مع «محب» إلى السطح، وأخذ «محب» ينزل بمفرده على مواسير المياه حتى وصل إلى علو النافذة … كانت بعيدةً عن المواسير بحوالي نصف متر … وكان عليه أن يمد ساقة دون أن يفقد توازنه، وأخذ يُحاول وهو ينظر إلى تحت … وكان الظلام كثيفًا … ولكن النور الذي كان مضاءً في الشقق الأخرى ساعده على تبيُّن الطريق … وهكذا استطاع في النهاية أن يقفز إلى النافذة المفتوحة، ثم إلى داخل الشقة …

كان قلب «محب» يدق بسرعة وهو يُنادي في صوتٍ لا يدري لماذا كان خافتًا: «تختخ» … «تختخ» … «تختخ» أين أنت؟

وجاءه صوت دق قدمَي «تختخ» يدله على مكانه … وأسرع إلى الغرفة ومدَّ يده يفتح الباب، وكان الباب مغلقًا … ولكن لحسن الحظ كان المفتاح في الباب ففتحه وأضاء النور … وعلى الأرض وجد «تختخ» و«أشرف» مربوطَين … وملقيَين بجوار الحائط!

أسرع «محب» يفك «تختخ»، وكان اللقاء مؤثِّرًا بين الصديقَين برغم أنهما لم يفترقا طويلًا … ثم فكَّا رباط «أشرف» الذي كان في غاية التعب والإرهاق …

أسرع «تختخ» إلى التليفون … كان يُريد أن يُطمئن والدة «أشرف» … ويطلب من الأستاذ «عبد القادر» ألَّا يدفع الفدية … رنَّ جرس التليفون في شقة الأستاذ «عبد القادر» … وفي هذه اللحظة كان باب الشقة يُفتح … وكان «عاطف» و«لوزة» و«زنجر» قد سمعوا صوت أقدام «منصور» وهو يصعد السلالم، فأسرعوا يصعدون إلى السطح حتى لا يراهم … سمع «تختخ» المفتاح في الباب، فوضع السمَّاعة وأشار إلى «محب» و«أشرف» وأسرَعوا جميعًا إلى الغرفة الصغيرة التي حُبس فيها «تختخ»، ثم أغلقوا الباب وانتظروا …

كانت خطوات «منصور» في الشقة مسموعة، وكان واضحًا أنه يجمع حاجياته بسرعة ليهرب … ولم يكن «تختخ» يعرف ماذا تمَّ … ولكنه قرَّر في هذه اللحظة أن يُهاجم «منصور»؛ فمعه «محب» … و«أشرف» … وقريبًا منهم بقية الأصدقاء.

همس «تختخ»: سننتهز الفرصة ونُهاجم «منصور» برغم أنه مسلَّح.

محب: هذه مخاطرة يا «تختخ»؛ فقد يُصيب أحدنا بطلقةٍ من مسدسه.

عاود «تختخ» التفكير برهة، ثم قال: ولكن إذا تركناه فسيهرب … ولعله حصل على الفدية … وبعدها لن نستطيع الوصول إلى أثرٍ له مطلقًا.

محب: إن استرداد الفدية من مُهمَّة رجال الشرطة، المهم أن ننجو بأنفسنا.

كانت خطوات «منصور» تقترب من الغرفة التي هُم فيها فتدق قلوبهم بانفعال، ثم تبتعد … قال «تختخ»: سأُحاول فتح باب الشقة ثم نجري جميعًا دون أن يُحس بنا!

وتسلَّل «تختخ» خارجًا من الغرفة بعد أن سمع خطوات «منصور» تبتعد عن الصالة … واستطاع الوصول إلى الباب بخفة … وفتح الباب في حذر … ولكن بدلًا من أن يخرجوا جميعًا في صمت إذا بالكلب الأسود يندفع داخلًا إلى الشقة نابحًا في فرح وهو يُلقي بنفسه على صدر «تختخ» … وسمع «منصور» النباح فأسرع إلى الصالة وهو يُشهر مسدَّسه … ولكن قبل أن يُفيق من أثر الدهشة كان «زنجر» قد قفز عليه وأمسك بيده التي تُمسك المسدَّس، وانتهز الأصدقاء الفرصة وانقضوا جميعًا عليه …

كانت «لوزة» قُرب الباب … ولم يكن في إمكانها أن تشترك في الصراع العنيف الدائر، ففكَّرت بسرعة وقرَّرت أن تطلب النجدة من أي مكان، ولم يكن في هذا الدور شقة أخرى، فأسرعت تجري إلى الشارع … وكم كانت دهشتها عندما شاهدت الشاويش «علي» متجهًا إلى «فيلا» الأستاذ «عبد القادر»! …

نادت عليه في فرح قائلة: يا شاويش «علي»! … يا شاويش «علي»!

توقَّف الشاويش … وهو ينظر حوله في ضيق، فلمَّا شاهد «لوزة» قرَّر عدم الالتفات إليها، ولكنها جرت إليه وتعلَّقت بذراعه قائلة: تعالَ بسرعة لقد عثرنا على «أشرف»!

قال الشاويش بضيق وهو يشد ذراعه: ابتعدي عني، ليس عندنا وقت للهزار الآن! … قد استطاع المجرم أن يأخذ الفدية ويهرب من أيدينا!

صاحت «لوزة» وهي تكاد تبكي: أرجوك! إن الأصدقاء جميعًا في خطر وقد قبضوا على المجرم!

الشاويش: هذا كلام فارغ.

لوزة: صدِّقني … وجرِّب هذه المرة.

أمام إلحاح «لوزة» أسرع الشاويش معها إلى المنزل، وصعد السلالم مسرعًا، ثم دخل. كان الصراع قد انتهى تقريبًا … واستطاع الأصدقاء أن يشلوا حركة «منصور» … الذي صاح عندما رأى الشاويش: الحقني يا شاويش! … هؤلاء الأطفال اعتدَوا عليَّ.

ولكن «تختخ» الذي كان يُمسك بذراع «منصور» قال: لا تُصدِّقه يا شاويش، هذا هو «منصور» خاطف «أشرف» فاقبِض عليه حالًا.

كان الشاويش مشهرًا مسدَّسه فصاح في غلظة: تعالَ معي أيها المجرم! ولم يجد «منصور» مفرًّا من الاستسلام!

•••

بعد دقائق كان الأصدقاء الخمسة ومعهم «أشرف» يدخلون منزل الأستاذ «عبد القادر» … واندفع «أشرف» إلى والدته التي احتضنته وهي لا تُصدِّق ما تراه. أمَّا «تختخ» فأسرع إلى التليفون يتصل بالمفتش «سامي» ويُبلغه بكل ما حدث. قال المفتش مندهشًا: لقد استطاع «منصور» أن يخدعني؛ لقد تحدَّث تليفونيًّا وطلب من «عبد القادر» أن يذهب بعد ساعة إلى الكازينو ومعه النقود، فأعددنا له كمينًا هناك … ولكنه بدلًا من أن يذهب إلى الكازينو ذهب إلى منزل «عبد القادر» بعد دقائق وأخذ النقود وهرب.

تختخ: إنه لم يهرب … لقد عاد إلى الشقة ليحزم حاجياته، وكنا في انتظاره.

المفتش: والنقود؟

تختخ: إنها موجودة في الشقة؛ فقد وجدنا حقيبةً صغيرةً هناك وأحضرناها معنا.

المفتش: وأين «منصور» الآن؟

تختخ: إنه في يد أمينة … مع الشاويش «فرقع».

المفتش: وكيف وصل الشاويش إليكم في الوقت المناسب؟!

تختخ: بالصدفة … إن هذا اللغز كله مجموعة من الصدف العجيبة.

المفتش: فعلًا … ولكن بقي شيء.

تختخ: ما هو؟

المفتش: «عبد القادر موسى» الأول … أو الرجل الثاني!

تختخ: لم يعد مهمًّا للمغامرين الخمسة … إنه مهم لرجال الشرطة لاستعادة النقود.

المفتش: بالطبع سوف يتدخَّل المغامرون الخمسة.

تختخ: مؤكَّد … وقد يكون هذا هو لغزنا القادم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤