مغامرة تحت المطر!

آخر النهار ركب «تختخ» دراجتَه، فقفز «زنجر» وأخذ طريقَه إلى فيلَّا «محب» حيث يجتمع «المغامرون»، وما إن دخل عليهم حتى قالت «لوزة»: هل وجدتَ طريقةً لدخول الفيلَّا؟

ابتسم «تختخ» ولم يردَّ، فقالت «نوسة»: إنك تُخفي شيئًا!

حكى لهم «تختخ» علاقته الجديدة ﺑ «أدهم» ودخوله الفيلَّا عنده، ورؤيته للحديقة الخلفية للفيلَّا الغامضة، وأن الفيلَّا تُستخدم كمخزن، فقالت «نوسة»: لهذا لا يهتمون بالحديقة فليس هناك مَن يعيش فيها.

تختخ: هذا صحيح … والأهم هو أن كلاب الفيلَّا يحبسونها بالنهار، ويُطلقونها بالليل، وهذا يعني ضرورة دخول الفيلَّا بالنهار.

محب: لكن الكلاب تعرفنا، فعندما انصرفنا من الفيلَّا ليلة حادثة «نوار» لم تفعل الكلاب معنا شيئًا.

فقال «عاطف»: المهم الآن هو تقوية علاقتنا بالصديق الجديد، بعد أن اكتشفنا أنه يمكن الدخول إلى الفيلَّا الغامضة عن طريق فيلَّاه.

تختخ: هذا صحيح … ولذلك أقترح أن نجهز رحلة سريعة غدًا أو بعد غد، حتى نؤكد علاقتنا به.

سألت «نوسة»: هل أخذتَ رقم تليفونه؟

تختخ: طبعًا … تبادَلْنا أرقام التليفونات، وبيننا موعد لممارسة رياضة ركوب الدرجات، وسوف أتصل به غدًا لتتعرفوا عليه.

فقال «محب»: ما دمنا عرفنا أن الفيلَّا مخزن، وأن سياراتٍ تأتي محمَّلة ببضائع، وأن صاحبها يعمل في الاستيراد والتصدير، فلا بد أن له شركة، والشركة لها مقرٌّ … وطبعًا سوف يذهب صاحبها إليها، فإذا عرفنا عنوان الشركة فإننا سوف نعرف صاحبها، ومَن يدري قد يكون «نوار» هو صاحب الشركة!

– هذه فكرة لامعة … لكن كيف سنعرف اسم الشركة؟!

محب: الأشياء التي يستوردها تأتي على عنوان الشركة؛ يعني سيكون اسم الشركة مكتوبًا على الصناديق التي رأيتها في الفيلَّا الغامضة.

شرد «تختخ» قليلًا ثم قال: هذه فكرة أيضًا، ولذلك تصبح علاقتنا ﺑ «أدهم» ضرورية، فمن نافذة غرفته يمكن معرفة اسم الشركة بواسطة نظارتي المكبرة.

•••

في الصباح، تحدَّث «تختخ» تليفونيًّا ﻟ «أدهم» حتى يلتقوا في موعد خروجه للرياضة، ووافق «أدهم» وقال إنه سيكون سعيدًا بهم لأنه بلا أصدقاء، وتحدث «محب» إلى «المغامرين» يخبرهم بالموعد، وأنه سيكون في انتظارهم … وقبل الموعد بقليل كان «المغامرون» أمام فيلَّا «تختخ» بدراجاتهم. انضمَّ إليهم «تختخ» وأخذوا طريقهم في اتجاه فيلَّا «أدهم» الذي كان يقف في انتظارهم. قدَّمهم إليه «تختخ»، فامتلأ وجه «أدهم» بالدهشة وقال: أنتم «المغامرون الخمسة» إنني أقرأ مغامراتكم في مجلة «علاء الدين»، وقد فكَّرتُ أن أكتب إليكم، لكنني ترددت، وأنا أتمنى أن أنضم لكم، فهل يمكن أن تقبلوني معكم؟!

فقال «تختخ»: بالتأكيد … يُسعدنا أن تنضم إلينا.

ركبوا دراجاتهم وانطلقوا في شوارع «المعادي» الهادئة.

فجأة قال «أدهم»: ها هو حارس الكلاب في الفيلَّا المجاورة لفيلَّانا!

كان الرجل القصير الذي رآه «تختخ» و«محب» يأخذ طريقه إلى الفيلَّا الغامضة، فقال «تختخ»: سوف أتبعه وابقَوا أنتم في رياضتكم!

تتبَّعه «تختخ» عن بُعْد حتى وصل إلى الرجل القصير وأخرج مفتاحًا من جيبه وفتح البوابة ثم دخل، وترك البوابة مفتوحة، ولم تمضِ دقائق حتى ظهرَت عربتَا نَقْل، ودخلتَا الفيلَّا، حاول «تختخ» أن يقرأ ما هو مكتوب على الصناديق التي كانت تحملها، لكنه لم يستطع … فقط ظلَّ في مكانه …

مرَّت نصف ساعة ثم ظهرَت عربتَا النقل خارجتَين، وقد أنزلَت حمولتهما، ثم أُغلقت البوابة … رنَّ تليفونه المحمول، وكان المتحدث «محب» جاء صوته يقول: لماذا تأخرت؟ هل وصلت لشيءٍ؟!

تختخ: لا يوجد شيء جديد، إنني في الطريق إليكم.

انضمَّ «تختخ» للمغامرين فسأل «أدهم»: لماذا أنتم مهتمون بهذا الحارس، هل هناك لغز؟!

ابتسم «تختخ» وقال: نعم!

خرج «أدهم» وظهرَت على وجهه السعادة وقال: إذن أشركوني معكم، فأنا أحب مغامراتكم التي أقرأها في المجلة.

تختخ: نحن فعلًا في حاجة إليك.

أدهم: إذن كلِّفوني بأي عمل.

تختخ: هيَّا الآن نُكمل رياضتنا، وغدًا سوف تعرف دورك في اللغز!

أخذوا طريقهم إلى كورنيش النيل في «المعادي»، كان الجو باردًا قليلًا … وإن كانت السماء صافية، قضَوا بعض الوقت يتسامرون، ثم اتفقوا على العودة، وقبل أن يتركوا «أدهم»، قال «تختخ»: غدًا سوف آتيك في الصباح، ليبدأ دورُك في اللغز.

أدهم: سوف أكون سعيدًا أن أقوم بدور، فأنا أعرف أن المغامرين الخمسة يقومون بأعمال الخير ويساعدون الناس الذين يحتاجون المساعدة.

عندما ودَّعهم «أدهم» ودخل فيلَّاه، كان «المغامرون» يمرون من أمام الفيلَّا الغامضة، فرأوا بوابة الفيلَّا تُفتح ويخرج الرجل القصير ويُغلق البوابة، وكانت أصوات الكلاب تأتي من بعيدٍ، فقالت «نوسة»: لقد تأكدنا أن الكلاب لا تظهر إلا في الليل.

•••

افترق «المغامرون» ودخل «تختخ» فيلَّاه، كان يفكر فيما سوف يفعله غدًا، وعندما دخل غرفته أخرج نظارته المكبرة من درج المكتب ووضعها في حقيبته، ثم أبدل ثيابه واستلقى في سريره، وأخذ كتابًا من فوق «الكومودينو»، واستغرق في القراءة.

•••

عندما استيقظ في الصباح، كان جرس تليفون «تختخ» يتردد، وجاء صوت «أدهم» يُلقي عليه تحية الصباح، ثم قال أدهم: لقد تأخرت، إنني في انتظاره.

ابتسم «تختخ» وقال: إنَّ الوقت لا يزال مبكرًا.

أدهم: لكنني أريد أن أعرف دوري في اللغز!

تختخ: إنني في الطريق إليك.

أدهم: إنني لم أرَ «زنجر» كلبَكم العزيز معكم، عندنا كلب مثله وقد نُسمِّيه «زنجر»!

تختخ: سوف تراه اليوم.

تناول «تختخ» إفطاره وسأل دادة «نجيبة»: هل تناول «زنجر» إفطاره؟!

نجيبة: منذ ساعة، فقد ظل يزوم، ويبدو أنه كان جوعان!

ركب «تختخ» دراجته، فقفز «زنجر» خلفه، واتجه إلى حيث فيلَّا «أدهم»، فوجده ينتظر على باب الفيلَّا ومعه كلبه، نبح كلب «أدهم» عندما رأى «زنجر» الذي لم يردَّ على نباحه، وعندما نزل من فوق الدراجة، اتجه إلى كلب «أدهم»، ووقف «تختخ» و«أدهم» يراقبهما … كان كلٌّ من الكلبين يتشمَّم الآخر، ثم اتجه كلب «أدهم» ودخل الفيلَّا، في حين بقيَ «زنجر» واقفًا أمام «تختخ»، وعندما دخلَا الفيلَّا تَبِعهما «زنجر» في هدوء. اتجهَا إلى غرفة «أدهم»، فاتجه «زنجر» إلى حيث الكلب الآخر، وفي غرفة «أدهم» قال «أدهم»: ما هو دوري الآن؟

ابتسم «تختخ» وقال: عليك أن تفتح النافذة.

اندهش «أدهم» وقال: هل هذا دوري فقط؟!

تختخ: سوف تعرف الآن.

ذهب «أدهم» وأزاح الستار عن النافذة، ثم فتحها، في نفس الوقت كان «تختخ» قد أخرج نظارته المكبرة من حقيبته، واتجه إلى النافذة، ورفع النظارة أمام عينَيه، وبدأ يستعرض ما هو ملقًى في الحديقة، ثم تجاوزه إلى الصناديق المرصوصة والمغطاة، فلم يتبيَّن شيءٌ، قال في نفسه: لا بد من النزول إلى الحديقة. نظر إلى «أدهم» وقال: هيَّا ننزل إلى الحديقة.

أدهم: لماذا؟ وعمَّ تبحث؟!

تختخ: سوف تعرف.

نزلَا إلى الحديقة، فاتجه «تختخ» إلى شجرة عتيقة، وقال ﻟ «أدهم»: اصعد إلى غرفتك وراقبني، إن وجدتَ أحدًا فأطلق صفارة مرتين.

تسلَّق «تختخ» الشجرة … في حين انصرف «أدهم» إلى غرفته، أصبح «تختخ» عند الفرع الذي يتدلَّى إلى داخل حديقة الفيلَّا الحمراء الغامضة … ظلَّ يحدد المكان الذي سينزل فيه، ثم استلقى على الفرع الضخم، وزحف حتى أصبح داخل حديقة الفيلَّا الغامضة. لكن الفرع كان عاليًا … فكَّر أنه إذا نزل فلن يستطيع العودة مرة أخرى … أخرج من حقيبته حبلًا متينًا وربطه في الفرع، ثم نزل عليه إلى الحديقة، وعندما لامست قدماه الأرض ترك الحبل … اتجه مباشرةً إلى الصناديق المغطاة. فجأة سمع صوت موتور سيارة. أنصت جيدًا … كان الصوت يقترب. أسرع يندسُّ بين الأشياء المهملة، ظهرَت عربة نَقْل … رأى من مكانه الرجل القصير يشير إلى كومة الصناديق، وظهر ثلاثة رجال أخذوا ينقلون الصناديق ويضعونها فوق العربة، وقال واحد منهم: سوف نعود لنقل الباقي، ثم انصرفت العربة، وظل الرجل القصير واقفًا، ترددت صفارة مرتين، فعرف أنه «أدهم»، وقال «تختخ» في نفسه: «المغامرون» لا يقعون في مثل هذا الخطأ، فهو يمكن أن يكشف وجودي.

رأى الرجل القصير وهو يذهب إلى بيت الكلاب الذين استقبلوه بنباح هادئ، ظل الرجل القصير يُداعب الكلاب من وراء السلك الذي يغطي الباب، ثم انصرف مختفيًا …

فكَّر «تختخ» أنه لو أصدر أيَّ حركة فقد تسمعها الكلاب ويقلِبون الدنيا نباحًا … ظلَّ في مكانه لا يتحرك؛ لكنه أخذ يبحث بعينَيه وسط الأشياء المهملة … كانت الأشياء صناديق مكسورة وكاوتش سيارات قديمة … وحوضًا مكسورًا.

ركَّز نظرَه بين كاوتش السيارات، فرأى عدة مواسير مكوَّمة بين إطارات السيارات، قال في نفسه: هل يمكن أن تكون هذه المواسير بقايا الكرسي المتحرك؟! … تحرك من مكانه في حذرٍ حتى اقترب منها. مدَّ يده وسحب إحدى المواسير. فوقع إطار قديم وأحدث صوتًا؛ لكنه لم يكن عاليًا. تجمَّد مكانه بعد أن ترك الماسورة، اهتزَّ المحمول في جيبه فعرف أن أحد المغامرين يتحدث إليه … ضغطَ على المحمول وأغلقه. مرَّ وقت فمدَّ يده وحاول تخليص الماسورة في هدوء، لكنها كانت محشورة بشكل يصعب معه سحبها، قال في نفسه: أنتظر حتى تعود السيارة وتحمل الصناديق وتنصرف وينصرف هذا الرجل القصير، فهو لن يعود إلا آخر النهار ليُطلق الكلاب، ونحن ما زلنا في أول النهار.

ظل مكانه لا يتحرك. كان يخشى أن يتصرف «أدهم» تصرفًا يكشف وجوده، خصوصًا وقد مرَّ وقت طويل … منذ نزل إلى حديقة الفيلَّا الغامضة … فجأة أَظْلمت السماء وبدأ رذاذ خفيف يتساقط.

لم يكن هناك ما يحتمي به … أخذ الرذاذ يزداد، وبدأت ملابسه تبتلُّ … فكَّر: هل ينصرف الآن؟ … وإذا ظهر الرجل القصير.

قال أحدهم: ننتظر حتى يتوقف المطر، ثم ننقل حمولتنا.

فكَّر: لو استمر المطر فإنه لا يستطيع أن يغادر مكانه! بحث بعينَيه عن شيء يمكن أن يحتميَ تحته.

رأى قطعة مشمع محشورة بين إطارات السيارات … مدَّ يده، أخذ يسحبها في هدوء … استجابت له وانزلقت بسبب مياه المطر … وضعها فوق رأسه واحتمى بها، فمنعت عنه المطر، بعد وقت بدأ المطر يتوقف، وأضاء ضوء الشمس المكان وسمع أحدهم يقول: هيَّا بسرعة قبل أن يعود المطر مرة أخرى.

ظهر الرجال وبدءوا في حمل الصناديق حتى انتهوا منها وتحركت السيارة تغادر الفيلَّا … سمع صفارة «أدهم» مرتين، فقال في نفسه: هل ظهر أحد جديد؟

لكنه بعد دقائق سمع صوت إغلاق بوابة الفيلَّا، ففهم أن الرجل القصير قد غادرها. أنزل المشمع من فوق رأسه … ومدَّ يده يسحب الماسورة المعدنية … كانت محشورة؛ لكنه ظل يسحبها في هدوءٍ حتى استجابت له، وعندما أصبحت في يده أخذ يفحصها فوجدها مفرغة. وضعها على جانبٍ، ثم أخذ يبحث عن مواسير أخرى … استغرق ذلك جهدًا، فالأشياء مكوَّمة فوق بعضها بعضًا بطريقة عشوائية، عثر على ماسورة أخرى فتفحَّصها، ثم وضعها بجوار الماسورة الأولى … فجأة انبعثت أضواء من داخل الفيلَّا الغامضة. فعرف أن أحدًا بداخلها … وربما يكون الرجل القصير لم ينصرف وأنه دخل الفيلَّا … وأنه عاد مرة أخرى. فكَّر بسرعةٍ: ماذا يفعل الآن؟ وهل ينصرف ويعود في وقت آخر؟

فجأة انفتحت نوافذ الفيلَّا، تجمَّد في مكانه، وقال في نفسه: لو أطلَّ أحد من النوافذ الخلفية، فقد يكتشف وجودي!

بهدوءٍ انسحبَ في اتجاه الحبل المربوط في فرع الشجرة، وتسلق إلى الفرع حتى أصبح فوق الشجرة، ونزل في حديقة «أدهم» الذي جاءه بسرعة، واندهش عندما رأى ثيابه المبللة بالمطر، فأخذه إلى غرفته ليجفف ثيابه، لقد كانت مغامرة. لكن من الضروري تكرارها في يومٍ آخر … فقد اقترب من حلِّ اللغز!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤