نمو الحركة

قالت الأنسيكلوبيديا حوالي سنة السبعين للقرن التاسع عشر: بدأت مكانة العنصرية تزداد في اليهود، والفضل في ذلك لانتعاش الشعور العنصري في أوروبا عقيب نوال البلغاريين والصربيين وأهالي رومانيا حريتهم التامة.

پنسكر لم يعتقد بإمكانية صيرورة فلسطين وطنًا لليهود، غير أن الشعور اليهودي اقتاد الآخرين بسرعة في تلك الوجهة.

بن يهودا كتب مقالات متتابعة في «الهاشاهار» يقترح على استعمار الأراضي المقدسة، وتوطين اليهود تدريجيًّا فيها، حاسبًا ذلك الواسطة الوحيدة لخلاص اليهودية واليهود، وكتب إسحاق رولف كتابه المشهور «اروهات بات أَمي» بذات المغزى. وقد أثرت هذه الفكرة على الكتبة المسيحيين فكتبوا فيها كثيرًا، وأحدث موسى لوب ليلينبلوم وسمولنسكن تأثيرًا كبيرًا في إحياء النهضة الملية اليهودية في روسيا، وقد قال اللورد دزرئيلي: «إن العنصرية مفتاح التاريخ.»

وكتب كتبة كثيرون في الحركة اليهودية في ذلك الزمن، منهم جورج إليوت، ودانيال دروندا، ودافيد كوفمن، الذي قال: من يجسر أن يقول بما لا يمكن أن ينجم عن طوفان الشعور في قلوب اليهود؟ ومن يستطيع الجزم بأن جسم الشعور اللطيف هذا الذي لا يعرف له حد، وهذه القوى الغامضة التي تنمو على مرور الأجيال ولا تنقص تعبر بدون أن تخلف أثرًا.

وزاد على ذلك يوسف يعقوب بقوله — في الصفحة ٨٠ من «الجويش إيديالس»: «نظريات مردخاي في استرجاع الشعب المقدس للأراضي المقدسة تدل على المركز المنطقي لليهودي الذي لا يشاء أن يقضي تعاقب القرون بانقراض عنصره.» ناهيك عما كتبه غوسطاف كوهين وأما لازاروس من المقالات التي تناقلتها الصحف اليهودية في سبيل تحرير الأمة اليهودية في وطن يهودي في فلسطين.

وقد أدى هذا الهياج إلى تشكيل عدة جمعيات استعمارية — ليس فقط في روسيا — تحت رياسة رابنوڤيتش وپنسكر وشبيرا وليلينبلوم ومكس مندلستام وويسوتسكي، بل في فرنسا وألمانيا وإنكلترا وأميركا أيضًا: كجمعية السنترال في غالاتس، وجمعية عزرا في برلين، والشوڤوفي زيون في لندرا، والشوى زيون في أميركا، والياشوب أرض إسرائيل في باريس. وتأسست أول مستعمرة إسرائيلية في فلسطين سنة ١٨٧٤، غير أن الشروع بالعمل بصورة جدية لم يبدأ قبل سنة ١٨٧٩.

حضر المؤتمر الذي عقدته جمعية الشوڤوفي زيون والجمعيات الأخرى بتاريخ ٦ نوفمبر سنة ١٨٨٤ لأجل تنظيم شئون مساعدة المستعمرين ممثلو خمسين جماعة، وعقد مؤتمر آخر في درسغنيك Drusgenik في ١٥ يوني سنة ١٨٨٧، وآخر في ولنا Wilna سنة ١٨٨٩، حضره ٣٨ عضوًا عن ٣٥ جمعية.

وقد بلغت حركة الاستعمار أشدها في سنة ١٨٩٤، ولكن الحكومة العثمانية صدمتها حينئذٍ صدمة قوية؛ إذ صعبت على اليهود الدخول إلى فلسطين (انظر المجلد الرابع من الأنسيكلوبيديا اليهودية، صفحة ٤٧).

ولم يكن البارون هرش مخالفًا للمبدأ في استعمار فلسطين، بل بالعكس وعد أن يساعد في المخابرة مع الآستانة.

الأنتيسيمتزم أو مضادة اليهود

وجاء في المجلد الثاني عشر من الأنسيكلوبيديا اليهودية، صفحة ٦٧٠، أن ظهور الأنتيسيمتزم وانتشارها أثر أيضًا على إنماء حركة الصهيونيين الحديثة.

فإن اليهود ظنوا أنهم بإحرازهم الحرية السياسية، وبانكسار الأبواب القديمة، وبموآنستهم الأمم يقضون على روح كراهة اليهود القديم.

ولكن الأمر جاء بخلاف ما كانوا يُؤمِّلون؛ فإن الحرية السياسية لم تخولهم المساواة الاجتماعية، والشعور القومي انقلب شديدًا عليهم.

وفي الزمن الذي انتعش فيه شعورهم العنصري بعدما كان نائمًا، وحينما بدأ عمل الاستعمار في فلسطين يولد حماسًا في قلوب جماعات اليهود اشتدت كراهة الأمم لهم، ومنذ سنة ١٨٨١، أخذت هذه الروح «الأنتيسيمتزم» تتقوى في أوروبا، وقد استُخفَّ بها بادئ بدء في أوروبا الشرقية؛ لأنهم زعموا أنها تضمحل أمام رقي الآداب والتعليم في تلك البلاد، ولكن هذا الرجاء انتهى باليأس.

وكان لا بد من أن اشتراك بلدان ألمانيا وفرنسا والنمسا بهذا الروح، وعمل حكوماتها مع الأهالي بالاتفاق أن يحدث رد فعل في اليهود.

كثيرون منهم بقوا رغم انتشار «الأنتيسيمتزم» يعتبرونها عارضًا ولا بد من زواله، غير أن بعضهم في أميركا وأوروبا الغربية اعتقدوا بوجود أسباب لها أعمق من أن تكون سطحية، وافتكروا أن يجدوا هذه الأسباب فيما يشعر به أقوام كثيرون من عدم إمكان مساواة اليهود بهم، وتخويلهم مقدار حرية الفرد والمجموع التي اعتقد اليهود بضرورتها لهم لحفظ صفاتهم الفردية.

وزد على ذلك أنهم شاهدوا أن نتيجة تجارب إخوانهم في إجابة مطالب الغير أسفرت عن ارتداد عائلات عديدة رئيسية في عصر المندلسونيين إلى النصرانية، وخافوا أن تؤدي إلى حل الروابط التي تربط اليهود معًا، وتنتهي إذا استمرت بابتلاعهم، ومحو اليهودية من بين المذاهب.

الجماعات اليهودية الكبرى كانت تدرأ عنها صدمات الأنتيسيمتزم المتوالية بمقاومات سلمية، مما جعل عقلاء المسيحيين في جمعيات النمسا وألمانيا أن يعارضوا المضادة اليهودية، غير أن الفئة الصغرى المار ذكرها رأت بأن تقابل الأنتيسيمتزم بالرجوع إلى ما اعتبروه أساسًا للحياة اليهودية — فكرة استمرار بقاء اليهود كشعب — فاتحاد هذا السير مع تنبيه الشعور الجنسي اليهودي واستعمار فلسطين الخيري ولَّد الحركة الصهيونية الجديدة.

الكرمل: نقرأ بين سطور هذا التعليل الذي جاءت به الأنسيكلوبيديا أن لليهود بعدما نالوا حريتهم السياسية في البلدان الأوروبية التي مر ذكرها؛ جعلوا الشعوب الأوروبية العريقة بالمدنية، والراغبة في منح الحرية والمساواة لكل من يخضع لقوانينها، ويحترم حقوق الوطنية فيها، لا سيما الفرنساويين منها، تنفر من نعرتهم، وأميالهم الجنسية، ومباديهم القومية، وتجاهر بمضادتهم، فأدرك اليهود أن هذه الشعوب صارت حية، وتميز بين النافع والضار، وما عادت تغتر بالأقوال الموهومة، ولا تترك مصالحها غنيمة لغيرها، فحولوا أنظارهم نحونا، وعلقوا آمالهم علينا، وعلموا أن للقبعة شأنًا عظيمًا عندنا، وأننا نرغب بمداواة الحاضر بالحاضر، وأننا نُعلِّق آمالًا كبيرة على المواعيد، فوضعوا على رءوس ألسنتهم حلاوة، فبشر السطحيون منا أنفسهم بالانتفاع بأموالهم، وبتعمير البلاد بهم.

وقد غرب عن ذهن هؤلاء أن أوروبا سبقتنا في درس فن الاقتصاد مراحل، وهي تنازع بعضها على مرافقه، وتبني الأساطيل، وتحشد الجيوش، وتقيم الدنيا وتقعدها من أجله. فلو رأت حكوماتها أو شعوبها لنفسها خيرًا من بقاء اليهود في بلدانها لما تركتهم يحولون أنظارهم شطر بلادنا وهي تنازعنا المنافع فيها. وأي دليل أعظم من استيلاء اليهود على نصف ثروة العالم على قلة عددهم وتفرقهم في الأرض؟! وأي برهان أسطع مما يشاهد عيانًا في كل زمان ومكان من أن اليهودي لا يشتري شيئًا يلقاه عند أخيه من غيره؟

نحن لا نلوم اليهود على هذا التضامن ولا نحسدهم عليه، ولكننا نلوم من يحط من قدر نفسه وشعبه منا باعتقاده أن لا صلاح فينا لتحسين أحوالنا، فيُرجِّي إصلاحنا ممن يروم الاستفادة من غرورنا، والاستئثار بوطننا، وبموارد رزقنا، قبلما تنفتح عيوننا، فنميز بين النور والظلمة، وقبلما يتنبه شعورنا فندرك معنى الوطنية ومنافع التضامن.

عجبًا، كيف يصلح حال العثماني في أميركا وأوروبا؟ وكيف يحسن العمل والكسب والتعلم هناك؟ وكيف يحسن حاله في مصر؟ وكيف كان حاله حسنًا في العصور الخوالي؟ ليس في ذلك ما يدعو إلى العجب؛ فإن عمد الحكومة إلى بسط الأمن، والعمل بقواعد المساواة ونشر التعليم يكفي لإبلاغ العثمانيين إلى مصاف الشعوب الراقية، ذلك خير من الإقرار بالعجز، والقعود عن العمل، والالتجاء إلى من برهن التاريخ بأنهم لا ينفعون سوى أنفسهم لينفعونا.

لنا جولة في الأنتيسيمتزم بعد الفراغ من تاريخ الصهيونية.

الدكتور ثيودور هرتسل

الكرمل: رأينا أن نفرد لمطالعاتنا فصلًا خصوصيًّا بعد الفراغ من تعريب أهم تقارير الأنسكلوبيديا.

قالت في الصفحة ٦٧١ من المجلد الثاني عشر تحت هذا العنوان: كان هرتسل في وطنه النمسا يرقب فوران الأنتيسيمتزم، وسنة ١٨٩٥ كتب كتابه اليودنستات Yudenstaat «الوطن اليهودي» في باريس؛ حيث كان مقيمًا في ذلك الزمن.

وقال: إنه إنما قصد من تأليف الكتاب بيان آرائه بصورة خصوصية لنفسه فيه، وإنه لم ينو إيقاف سوى عدد قليل من أصدقائه عليه، وقد قال أحدهم بعدما طالع الكتاب: إن عقل مؤلفه غير سليم. أما هرتسل فلم يكن يرمي إلى إحداث حركة فعلية، ولا الدخول في مناقشة على المبادئ الموضوعة في الكتاب الذي لم يلبث أن طُبع في فيينا في ربيع سنة ١٨٩٦، وما كاد يظهر للوجود حتى تُرجم للغات الإفرنسية والإنكليزية والعبرية، وأعيد طبعه خمس مرات بالألمانية قبل سنة ١٩٠٥. أما ما تضمنه الكتاب من الآراء والاقتراحات لتحقيق الأمنية، فيمكن إجماله كما يجيء.

ابتداء هرتسل بقوله: إن الأنتيسيمتزم خطر يهدد ليس اليهود فقط بل العالم بأسره، وهي في نمو مستمر ولا يمكن اجتنابها؛ لأن اليهود شعب يتعذر امتزاجه مع من حواليه في الحياة الاجتماعية، وخصوصًا أن الامتزاج الحقيقي ممكن فقط بالزواج المتبادل. واستنتج من ذلك ضرورة تملكهم متسعًا من الكرة الأرضية يكفي لأن يجتمعوا فيه ويقيموا لهم وطنًا خاصًّا بهم.

ولتحقيق هذه الغاية اقترح على تشكيل جمعية تقوم بالأعمال الأولية العلمية والسياسية، وشركة يهودية كالشركات الإنكليزية والفرنساوية الصناعية العظمى، رأسمالها خمسين مليون ليرا إنكليزية، يكون مركزها العمومي في لندرا.

وتقوم هذه الشركة بالأعمال التي تهيئها جمعية اليهود، وتنظم شئون الطائفة الجديدة، واقترح هرتسل إما على امتلاك فلسطين أو الأرجنتين؛ لأجل إدخال اليهود بطريقة منظمة لا تدريجية إليها، وإذا وقع الاختيار على فلسطين؛ فمن الواجب جعل محلات العبادة المختصة بالطوائف الأخرى ملكًا خصوصيًّا أو ممتازًا.

وعلقت الأنسكلوبيديا على ذلك بقولها: يتضح أن هذا البيان لم يستكمل الشروط ليفوز بالموافقة الدينية التي هي علة آمال اليهود المتدينين في الاسترداد، ولكن بعدما احتك هرتسل بقومه وزاد اختلاطه بهم على تمادي الأيام، بدأ يقدر أهمية الموافقة الدينية؛ لأن قسمًا كبيرًا من اليهود والشعور الملي العمومي كان مرتبطًا بفلسطين ارتباطًا غير قابل الانفصال.

ومع ذلك فقد ظلت فكرة فصل الكنيسة عن السياسة من مبادئ هرتسل الأساسية.

ثم قالت: إن الموافقة بين الحكومة العثمانية واليهود على ما جاء في كتاب هرتسل يجب أن تترتب بصورة امتياز يُمنح لليهود على قواعد سياسية وتجارية محضة.

ثم جاءت على ذكر زيارة هرتسل بلاد الإنكليز، وعدم إقبال اليهود حينئذٍ على دعوته فيها. أما في أوروبا فقد قام لنصرته رجال أعلام: كالدكتور مكس نوردو، وأليكساندر مارمورك، والدكتور بودنهايمر، والبروفسور مندلستام، وعدد من رجال العلم والأدب.

وقالت أيضًا: إن الظروف تغلبت على رغبة هرتسل في عدم تعديه مسلكه الأدبي الصحافي الروائي؛ لأنه ضرب على صميم المسألة اليهودية كما رأى ذلك إخوانه، وأصاب قلب الشعب الإسرائيلي. وكانت عاصفة الحماس تدفعه بالتدريج إلى الأمام، وتُعليه على مسرح الظهور.

وأول من اعتقد بإمكانية تنفيذ مشروعه «الوطن اليهودي» جمعية زيون في النمسا Zion Society؛ فقد وقَّع بضعة آلاف على خطاب أذاعه الدكتوران شنيرر وكوكش، يتضمن الدعوة لتأليف «الجمعية اليهودية» التي ستؤسس في لندرا في يولي سنة ١٨٩٦، وكتب الدكتوران كتابًا بالنيابة عن جمعيتهما إلى هرتسل يعلنان اعتناق الجمعية مبادئه.

وجاء في الأنسكلوبيديا بريطانيكا تحت عنوان «السيونزم» — على ما روى لوسيان ولف — أن سلطان تركيا إذ سمع بمنشورات هرتسل أرسل رسولًا خاصًّا، الشڤالير نيولنسكي، في أيار سنة ١٨٩٦، يعرض منح امتياز فلسطين لليهود بشرط أن يستعملوا نفوذهم لإيقاف الحركة الناشئة عن المذابح الأرمنية، فلم يقبل ذلك.

هرتسل والرأي العام

قالت الأنسكلوبيديا: يصح أن يقال: إن الشعب اليهودي في البدء لم يلب دعوة الدكتور هرتسل وأتباعه بقدر ما أملوا، وكتبت تقريرًا مسهبًا في الأنصار والمقاومين يمكن إجماله على الصورة الآتية: إن الذين استهوت قلوبهم فكرة تأليف الجنسية اليهودية اعتبروا بالطبع هرتسل زعيمًا لهم، والجماعات الكبرى التي كانت تئن تحت نير الاضطهاد في أوروبا الشرقية نظروا إليه كمخلص، حتى الذين هربوا منهم من الاضطهاد إلى أميركا وأوروبا الغربية لم يبطئوا عن اللحاق بإخوانهم المتخلفين، وما عدا هؤلاء فقد هبَّ لمناصرة هرتسل عدد غير كبير من طلبة الأدب وممن شعروا بمرارة الأنتيسيمتزم.

أما المقاومون فقد كانوا في أول الأمر كثيرين، وفي أنحاء متعددة، وكلهم من أنصار الدين الذين لما رأوا بعضًا من زعماء دعوة هرتسل لا يهتمون للدين وللطقوس، اعتبروا الحركة كلها بعيدة عن اليهودية الوضعية، وأنها مُحاوَلة مُعانَدة يد العناية، فتصدى لها رؤساء الحاخامات في روسيا وألمانيا والنمسا وإنكلترا، وبين الذين اشتهروا بالمقاومة لوسيان ولف، الكاتب الشهير، الذي حسب أن السيونزم حماقة، وغايكر الذي قال: إنها تؤدي إلى حرمان حقوق المدنية في ألمانيا.

أما العالم المسيحي فقد أظهر انعطافًا على الصهيونية موجبًا للاعتبار، فبينا كانت الجرائد الكبرى التي لليهود علاقة فيها ملازمة الحياد، كانت جرائد العالم المسيحي اليومية الكبرى فاتحة أعمدتها لأخبار الحركة، وعدا ذلك فقد خدم الصهيونية كثيرون من أعلام المسيحيين: كالبروفسور فورَّر في كلية زوريخ، الذي كان يحض طلبة اليهود دائمًا على استعمار فلسطين، وجون هاي، سكرتير الولايات المتحدة، الذي أعلن سنة ١٩٠٤ في حديث له عن الصهيونية أنها والوطنية الأميركية فرسا رهان، وديوك بادن الذي صرح في ٤ أوغسطس سنة ١٨٩٩ للدكتور برلينر بهذه الكلمات: «الحركة ذات أهمية، وتحتاج لمساعدة قوية.» والبروفسور ف. هيمان، من باسل، يعتبر الصهيونية قوة مصالحة تقرب اليهود والنصارى من بعضهم كثيرًا، وليون بورجوا، رئيس وزارة رومانيا، كان في عداد الذين أعربوا عن ارتياحهم للصهيونية، وقد عددت الأنسيكلوبيديا أسماء كثيرين غيرهم من مشاهير الرجال.

ثم استطردت إلى القول بأن كل المقاومات المنوه عنها ما عدا الفئة التي خطيبها لوسيان ولف لم تتناقض كثيرًا، على رغم تكاثر دافعي الشاقل سنة فسنة، وبقي كثيرون من المتدينين يرون في الصهيونية أو في زعمائها خطرًا على العوائد الثابتة والطقوس القديمة المحترمة، رغم القرار الذي قرره مؤتمر باسل الثاني بأن الصهيونية لا تقوم بعمل من شأنه مقاومة العوائد والطقوس.

الحاخامات في غرودتو سنة ١٩٠٣، وعدد من حاخامات هونغاريا ١٩٠٤ أعلنوا أنهم يضادون الحركة الصهيونية، بينما الحسيد زيون — فئة متصوفة في المذهب اليهودي — في لودز، ورجال ذوو شهرة كصموئيل موهيليور، والرابي دنرَّ، رئيس حاخامات هولاندا، والحاخام غاستر في إنكلترا — الذي حرم المناداة بالصهيونية في بلاد الإنكليز سابقًا — وبربرا مندِس، في نيويورك، انخرطوا في صفوف الصهيونيين.

التعليم الحديث١

قامت مسألة التعليم الحديث أو التهذيب Kultur كحجر عثرة في سبيل الصهيونية؛ لأن هذه المسألة لم ترق في نظر كثيرين من الحاخامات، واعتبروها مروقًا عن الآداب اللاهوتية، وقد أحدث ربطها بالصهيونية تأثيرًا سيئًا على النفوس، وجعلوا اليهودي في أوروبا الشرقية يعتقد أن فيها مميزات ومخالفات للدين، رغم كل التدابير التي اتخذت لمحو هذه الشكوك.

وجرت عليها مناقشات في المؤتمرات الأول والثاني والثالث والرابع والخامس، غير أن المحاماة عن التعليم العقلي والطبيعي على أصول حديثة كان السبب في تحريك الأرثوذكس من قوم موسى على المعارضة، ولولا ذلك لانخرطوا جميعهم في صفوف الصهيونيين.

ولكي يدحض هرتسل هذه الأوهام، قال في خطابه الافتتاحي في المؤتمر الأول على ما جاء في الأنسيكلوبيديا: نحن لا يخطر لنا ببال أن نهمل مقدار شبر من التعاليم Kultur التي حصلناها، بل بالعكس نسعى لتوسيع نطاقها.

واستقر قرارهم في المؤتمر الثاني على كون غاية الصهيونية غير منحصرة في تجديد ولادة اليهود الاقتصادية والسياسية، بل تتعدى إلى تجديد الولادة الروحية أيضًا.

مؤتمر باسل الأول وغاية الصهيونية

جاء في الأنسيكلوبيديا أن هرتسل أصر على إكمال الخطة التي وضعها في كتابه اليودنستات أو الوطن اليهودي، رغم كل المعارضات، وأول فصل من تلك الخطة يرمي إلى عقد مؤتمر يُدعى إليه من قوم موسى وجمعياتهم مَن يهتم للحركة الصهيونية. وقد كان في النية عقد هذا المؤتمر في ميونخ، ولكنهم لأسبابٍ عادوا فعقدوه في باسل، فحضره ٢٠٤ أعضاء، بعضهم يمثلون جماعات، ولكن أكثرهم جاءوا من تلقاء نفوسهم، ولم يكن من يمثل الهيئات اليهودية الكبرى في أميركا وأوروبا في هذا المؤتمر.

مع أن الغاية من عقد هذا المؤتمر كانت إشهار المسألة، فقد ابتدءوا فيه بتدبير الحركة، واقترحوا على عدة أمور جرى إتمامها فيما بعد؛ منها: (١) ترويج تعليم اللغة العبرية وآدابها. وأثناء المناقشة في هذه القضية، اقترح على إنشاء مدرسة موسوية كبرى؛ إما في يافا أو في القدس، (٢) الاهتمام بإنشاء مدارس عمومية لتعليم اللغة العبرية، وتأليف قومسيون مخصوص للآداب اليهودية، (٣) إنشاء مالية للملة اليهودية.

وقد خُطَّ في هذا المؤتمر بروغرامه الذي يتضمن غرض الصهيونية «إيجاد وطن للشعب اليهودي في فلسطين مؤمن تأمينًا عموميًّا شرعيًّا» كونتمبوراري رڤيو Contenporary Review سنة ١٧٩٧، صفحة ٥٨٧–٦٠٠.

ماذا جرى بين المؤتمرين؟

الجمعية العاملة التي جرى انتخابها في المؤتمر الأول اهتمت في الفترة بين المؤتمرين الأول والثاني في نشر الدعوة Propaganda، بطبع خطب هرتسل ونوردو على «حاجة قوم موسى»، و«غايات الصهيونيين»، و«معارضة الصهيونية» باللغات العبرية والجاركونية والألمانية والإفرنسية والعربية، واشتغلت في ترتيب الجماعات المختلفة التي نشأت جديدًا، وأعدت المعدات الأولية لتأليف عمدة Trust استعمارية إسرائيلية.

المؤتمر الثاني

انعقد مجمع افتتاحي قوامه أعضاء الجمعية العاملة وبعض الزعماء من بلدان مختلفة في فيينا في شهر أبريل سنة ١٨٩٨، وعقبه انعقاد المؤتمر الثاني في باسل في ٢٨–٣١ من شهر أوغسطس لسنة ١٨٩٨؛ ولأجل معرفة مقدار انتشار الصهيونية في الفترة بين المؤتمرين ننقل عن الأنسيكلوبيديا بيان الجمعيات الصهيونية القديمة والحادثة لحين عقد المؤتمر الثاني.

البلاد جديدة قديمة مجموع البلاد جديدة قديمة مجموع
روسيا ٣٥٠ ٢٣ ٣٧٣ فرنسا ٣ ٠٠ ٣
النمسا ١٧٦ ٤٢ ٢١٨ البلجيك ٢ ٠٠ ٢
هونغاريا ٣٢ ٢٢٨ ٢٦٠ تركيا ٢ ٠٠ ٢
رومانيا ١٠٠ ٢٧ ١٢٧ الدانمارك ١ ٠٠ ١
إنكلترا ١٢ ١٤ ٢٦ الصرب ١ ٠٠ ١
جرمانيا ٢٥ ٠٠ ٢٥ اليونان ١ ٠٠ ١
إيطاليا ١٢ ٩ ٢١ مصر ٢ ٠٠ ٢
بلغاريا ١٥ ١ ١٦ الترنسڤال ٦ ٠٠ ٦
سويسرا ٦ ٠٠ ٦ أميركا ٥٠ ١٠ ٦٠

وكذلك انعقد مجمع أولي في ورسو «روسيا» حضره ١٤٠ عضوًا، وانعقد آخر في باسل من رجال الدين المتمسكين برياسة الحاخام غاستر الإنكليزي — الذي حرم المنادات بالصهيونية في بلاد الإنكليز سابقًا. وقد تلقى المؤتمر الثاني إبان انعقاده أربعين برقية من حاخامات متعصبين يعلنون اعتناقهم الصهيونية، وحضره عدد من حاخامات روسيا أصحاب التيجان، يعني المعترف بهم رسميًّا، ونواب عن الحسيديم «اليهود المتصوفين» أيضًا.

تعينت في هذا المؤتمر جمعية استعمارية خصوصية غرضها توسيع نطاق الاستعمار بشرط الحصول على رضى الحكومة العثمانية، وجرى الاتفاق على تأليف عمدة Trust يهودية استعمارية، وتشكلت جمعية مؤلفة من تسعة أشخاص برياسة ولفسون لهذه الغاية. وقد اقترح الرابي أرنبريس على جعل اللسان العبراني لغة قوم موسى العامة، وقُبل اقتراح غاستر الذي سبق الكلام عنه فيما يتعلق بالتهذيب Kultur.

المؤتمر الثالث

انعقد المؤتمر الثالث في باسل أيضًا، في ١٥–١٨ أوغسطس سنة ١٨٩٩، وفي هذا المؤتمر صرح هرتسل بأن مساعيه كانت موجهة للحصول على امتياز من السلطان، وتليت تقارير الجمعية العاملة، فظهر منها أن معدل الزيادة في عدد الجمعيات الصهيونية التي بلغت في روسيا في هذه السنة ٨٧٧ عدًّا، كان ٣٠ بالمائة، وفي البلدان الأخرى ٢٥ بالمائة، وبلغ عدد دافعي الشاقل أكثر من مائة ألف؛ مما دلَّ على أن ٢٥٠ ألفًا صاروا في ذلك الوقت صهيونيين — رجال «الشوفوفي صهيون» في رومانيا دخلوا كلهم في عضوية المؤتمر، وجرت الموافقة على مشروع جديد يرمي إلى إقامة بناء الحركة الداخلي، وكرروا المناقشة في مسألة التهذيب، واجتهدوا أن يوضحوا بأن «التهذيب» Kultur لا ينافي اليهودية ولا يعارضها بوجه من الوجوه، واقترح بعضهم على الاستعمار في قبرص، فلم يقبل هذا الاقتراح ولا أجيزت المناقشة فيه.

المؤتمر الرابع

انعقد هذا المؤتمر في كوينس هال بلندرا في ١٣–١٦ أوغسطس سنة ١٩٠٠، وقصدوا بهذا النقل تقوية التأثير على الرأي العام الإنكليزي؛ لأن الدعوة الصهيونية كما قالت الأنسيكلوبيديا لم يتلقها الرأي العام بتفاهم وارتياح وشعور في بلاد كالبلاد الإنكليزية.

وارتقى عدد الجمعيات الصهيونية في غضون هذه السنة في روسيا إلى ١٠٤٣، وفي إنكلترا إلى ٣٨، وبلغ عدد جمعيات الولايات المتمحدة ١٣٥. أما بلغاريا فلم يَعْدُ عدد هذه الجمعيات فيها مع صغرها أقل من ٤٢.

ولكن آمال جمهور الصهيونيين في فلسطين ومقاصد القوة المتسلطة الحسنة هناك. رطبتها نوعًا تعليمات الباب العالي الصادرة في شهر نوفمبر سنة ١٩٠٠، القاضية بعدم تمكين زوار اليهود من الإقامة أكثر من ثلاثة شهور في فلسطين. وقد احتجت حكومة إيطاليا على ذلك في الحال بأنها لا تفرق بين رعاياها المسيحيين واليهود.

وقد عرضت هذه المسألة على سكرتير الولايات المتحدة، المستر هاي، فأصدر أمره في ٢٨ فبرير سنة ١٩٠١ إلى سفير أميركا بالآستانة؛ ليحتج باسم حكومة الولايات المتحدة أيضًا، وقيل: إن عمل الباب العالي هذا كان سببه انتعاش الحركة الصهيونية.

هرتسل يقابل السلطان

رغم ما تقدم ذكره من المنع؛ فإن السلطان أذن لهرتسل بمقابلته في ١٧ أيار سنة ١٩٠١، ورافقه في هذه المهمة دافيد ولفسون وأوسكار مارمورك من أعضاء الجمعية العاملة.

غير أن هرتسل قابل السلطان مرتين منفردًا عن رفيقيه، وقبل أن يبارح الآستانة أنعم عليه السلطان بالنيشان المجيدي الأول، وجاء منها إلى لندرا؛ حيث قابل جمعية المكابيين في ١١ يوني سنة ١٩٠١، وأعرب لهم عن ثقته من نجاح مهمته لدى السلطان، وطلب من اليهود مليون ونصف ليرا إنكليزية، علاوة على المال الذي كان موجودًا في المصرف للحصول على الامتياز، فقابل قوم موسى هذا الطلب بالجمود، فسكنت المخابرات بعد بلوغها تلك الدرجة إلى حين.

المؤتمر الخامس

انعقد المؤتمر الخامس هذه المرة في فصل الشتاء، في ديسمبر ٢٦–٣٠ سنة ١٩٠١، بمدينة باسل.

قُبلت بهذا المؤتمر القواعد الترتيبية نهائيًّا، وهي عقد مؤتمر كل سنتين مرة، وتنعقد في الفترات بين المؤتمرات اجتماعات يحضرها أعضاء الجمعية العاملة الكبرى وزعماء البلدان المختلفة. وتقرر أيضًا جواز تشكيل هيئة تدبيرية أو إدارية محلية في الأمكنة التي يبلغ عدد دافعي الشاقل فيها الخمسة آلاف إذا طلب هؤلاء ذلك، وأكملت كل التدابير لفتح المصرف، وصدر القرار بإعطاء معونة Subvention للمكتبة الملية في القدس، وبضرورة تأليف أنسيكلوبيديا عبرانية، وبضرورة تأليف إدارة تشتغل بشئون الأمة Statistical bureau.

وانعقدت جلسة طويلة دار البحث فيها على مسألة التهذيب، انتهت بالقرار الآتي: «المؤتمر يعلن تحسين الروحيات، يعني أهم مواد البروغرام الصهيوني هو تعليم العالم اليهودي على قواعد عنصرية، وعلى كل صهيوني أن يعمل لهذه الغاية».

مقابلة هرتسل لإمبراطور ألمانيا

عقيب مقابلات أولية في بوتسدام والآستانة، أذن إمبراطور ألمانيا، وليم الثاني، لبعثة صهيونية قوامها هرتسل وشنيرر وولفسون وبودنهايمر وسيدنر بمقابلته بالقدس، وأجابهم على خطاب خاطبوه به بما يفيد أن كل المساعي لترقية زراعة فلسطين التي تعود بالمنفعة على الدولة العثمانية، والتي تحترم سيادة السلطان، تفوز بارتياحه ورضاه.

في ذلك الزمن وعقيبه حظي هرتسل بمقابلة السلطان، وقد كان بروغرامه الأساسي يرمي إلى تفاهم مع السلطان على أساس تنظيم المالية العثمانية.

وحاول أيضًا أن يقنع السلطان بتمام إخلاص الصهيونيين متخذًا لذلك حجة كونهم يعملون علانية وليس في الخفاء، ويقاومون كل شكل حركة استعمارية صغرى معناها إدخال اليهود تدريجيًّا إلى فلسطين، رغم رغائب القوة الحاكمة، وأن اليهود عنصر خاضع للقوانين مجتهد.

وأما ما يطلبه هرتسل من السطان، فهو أن تمنح الحكومة العثمانية اليهود مقدارًا واسعًا من الحكم البلدي الذاتي، فيدفع اليهود مبلغًا معلومًا من المال تلقاء هذا الامتياز، ويدفعون من بعد ذلك راتبًا سنويًّا كجزيرة ساموس التي نالت في ١١ ديسمبر سنة ١٨٣٢، بتوسط حكومات إنكلترا وفرنسا وروسيا، أميرًا مسيحيًّا مستقلًّا استقلالًا إداريًّا، له جنده الخاص، ورايته الخاصة، ومؤتمره الخاص، ويدفع بمقابلة ذلك ثلاثمائة ألف غرش راتبًا سنويًّا للسلطان.

قالت الأنسيكلوبيديا: إن السبب في فشل سياسة هرتسل هذه هو عدم معاضدة اليهود له بالمال؛ لأنه كان في أحيان كثيرة يرى نفسه قريبًا من النجاح بإتمام رغائبه.

وبعد ذلك بزمان عرض السلطان على اليهود استعمارًا متفرقًا في السلطنة العثمانية، فاضطر هرتسل إلى عدم قبول هذا الاقتراح لمخالفته بروغرام باسل، وعدم موافقته الحركة الجنسية اليهودية (انظر الوجه السادس من بروتوكول المؤتمر الصهيوني السادس).

استعمار العريش

في سنة ١٨٩٨، جرت مخابرات مع بعض أركان الحكومة الإنكليزية على منح امتياز باستعمار شبه جزيرة سيناء، واستطرد كرينبرك المفاوضات مع اللورد كرومر والحكومة المصرية في مصر، وأرسلت بعثة مؤلفة من الفريقين سنة ١٩٠٣ للكشف على الأراضي.

وقد أظهرت حكومة مصر ميلًا لإعطاء امتياز بأراضي العريش، لولا أنها رأت أن قلة المياه في تلك البلاد تضطرها إلى تخصيص قسم من مياه النيل لري تلك الأراضي، الأمر الذي لم تقدم على فعله.

الصهيونية في روسيا

عدد الصهيونيين في روسيا زاد كثيرًا عن عددهم في البلدان الأخرى، وقد أعربت الأنسيكلوبيديا عن مجاري الشعور في تلك البلاد بقولها: انعقد مؤتمر صهيوني في مدينة مينسك في سبتمبر حضره ٥٠٠ نائب يمثلون فرقة «الأرثوذكسيين» اليهود المتدينين، وفرقة السوسيالست الاشتراكيين»، والفرقة الديمقراطية المسماة فرقة الوسط.

وجرى البحث في علاقة الأرثوذكسية بالمعارضة، وفي مسألة التهذيب، وعلى الأخص بمسألة الاستعمار في فلسطين. وأظهر المؤتمر ميلًا للاتحاد مع الجمعيات الاستعمارية غير الصهيونية في مشترى الأراضي في فلسطين، وأعطيت قرارات مآلها استعمال كل الأموال المختصة بالمصرف الملي اليهودي لمشترى أراضي فلسطين، وبتحوير مواد قوانين المصرف المتعلقة بجمع رأس المال حتى لا يبقى فيها تحديد أو تخصيص للمال المجموع.

ثم قالت الأنسيكلوبيديا: إن فون بلوف، وزير داخلية روسيا، وزع منشورًا سريًّا في ٢٤ يونيو ١٩٠٣ على كل الحكام ورؤساء البلديات ورؤساء البوليس، يقضي بمنع اجتماع الجمعيات الصهيونية وجمع المال لها، وأمر بوجوب تحويل الأموال المختصة بالعمدة وبالبنك الملي اليهودي ومجموعات الشاقل، إلى جمعية أودسا لمعاونة مزارعي اليهود في فلسطين. وقد جعل لهذا العمل حجة الزعم بعدم التمكن من إتمام المشروع الصهيوني قبل مضي زمن طويل، ولكن السبب الحقيقي فيه كان الخوف من استخدام اليهود الاشتراكيين الجمعيات الصهيونية لنشر مبادئهم (التيمس اللندنية الصادرة في ٢ و١١ سبتمبر)، فحمل هذا الأمرُ وضيقُ اليهودِ في تلك البلاد هرتسل على زيارة روسيا، وقابل ويتي وفون بلوف في أوائل أوغسطس سنة ١٩٠٣.

ونتيجة هذه المقابلة مثبتة في تحرير أرسله فون بلوف لهرتسل بتاريخ ١٢ أوغسطس، وقد قرئ في المؤتمر السادس، ويقول فون بلوف في ذلك التحرير لهرتسل: إذا كانت الحركة الصهيونية منحصرة في تشكيل حكومة مستقلة في فلسطين، وموجهة إلى تدبير مَهَاجرة جانب كبير من يهود روسيا؛ فالحكومة الروسية تعضد المخابرات الصهيونية مع الآستانة ماديًّا وأدبيًّا، وتسهل عمل جمعيات المهاجرة.

الصهيونية في شرقي أفريقيا

بقي هرتسل يتقرب من الحكومة الإنكليزية بعد المخابرة على استعمار العريش، وقد عرض شامبرلين بعدما زار جنوبي أفريقيا على أثر حرب البوير شرقي أفريقيا بتحرير رسمي صدر عن وزارة الخارجية بتاريخ ١٤ أوغسطس سنة ١٩٠٣ إلى كرينبرج، شكل اتفاق اقترح هرتسل الدخول في المخابرة بشأنه بين حكومة جلالة ملك «الإنكليز» وعمدة الاستعمار المحدودة على إحداث مقر يهودي في شرقي أفريقيا.

المؤتمر السادس

عقد المؤتمر السادس في باسل أيضًا في ٢٣–٢٨ أوغسطس سنة ١٩٠٣، وسبق المؤتمر انعقاد جمعية أولية انتقد فيها ألفرد نوسغ فرقة الحكومة انتقادًا مرًّا، وقال: إن تهذيب الأمة مقدم على إحراز البلاد. قالت الأنسيكلوبيديا: مثل هذه الانتقادات كانت منتظرة.

ثم قالت: مع أن حق الإنابة رفع إلى ٢٠٠ دافع شاقل، فقد بلغ عدد النواب ٥٩٢، وعدد المتفرجين زاد عن الألفين.

إعلان مقابلة هرتسل مع فون بلوف أحدث تأثيرًا عميقًا على أعضاء الروس، لا سيما الذين يميلون إلى السوسيالست منهم.

أما ما عرضته حكومة إنكلترا من استعمار شرقي أفريقيا فقد صادف شعائر مختلفة.

هرتسل قال في خطابه قولًا في غاية الصراحة: «شرقي أفريقيا ليست صهيون، ولا يمكن أن تكون كذلك.» وقد تكلم مكس نوردو ببلاغة عن هذه المسألة، ومما قاله: لو أمكن إحداث مثل هذا المقر، فهو لا يمكن أن يكون غير دار عزلة ليلية. أما الحزب الديمقراطي فقد عارض بالإجماع هذه الفكرة، كما أن نواب الروس لم يقبلوا بها، واقترح على إرسال بعثة إلى شرقي أفريقيا لتفحص عن أحوال تلك البلاد؛ فقوبل هذا الاقتراح أيضًا بعدم الرضى، ولم ترضَ الأكثرية بدفع نفقات البعثة، فسألوا جمعية الاستعمار اليهودي أن تدفع نصف النفقات، فقبلت على شرط إذا وافقت تلك البلاد أن لا يكون للاستعمار فيها صفة سياسية على الإطلاق، وأخيرًا اضطر أصدقاء الصهيونيين من المسيحيين إلى دفع نفقات البعثة.

المؤتمر الصهيوني الأول في فلسطين

قالت الأنسيكلوبيديا: في ذات الوقت الذي انعقد فيه المؤتمر العمومي في باسل، انعقد المؤتمر اليهودي الأول في زكرون يعقوب «زمارين»، من أعمال فلسطين، برياسة أوسيشكين، وقد حضره خمسون عضوًا، وستون معلمًا. والقصد من هذ أن المؤتمر أن يكون مصغر مؤتمر باسل.

وتألفت هيئة ليتسنى لكل أهالي فلسطين من اليهود البالغين سن الثامنة عشرة فما فوق، الذين يدفعون فرنكًا «٥ غروش» في السنة، الانضمام إليها، كل خمسين من دافعي الفرنك ينتخبون عنهم عضوًا، والأعضاء يجتمعون مرة في السنة، وقد قسمت فلسطين إلى ستة أقسام:
  • (١)
    القدس وحبرون «خليل الرحمن» وموزا Mozah وعرطوف.
  • (٢)

    المستعمرات الكائنة حوالي الرملة.

  • (٣)
    يافا وبيتاتيكوا Petah Tikwah.
  • (٤)

    الناصرة وطبريا والمستعمرات المجاورة.

  • (٥)

    الخضيرة وزكرون يعقوب «زمارين» وحيفا.

  • (٦)

    صفد والمستعمرات الجليلة.

وتقرر تشكيل هيئة عاملة ينتخب لها ٢٣ عضوًا، وتشكيل جمعية فلسطينية فوق العادة يكون فيها ممثلون لهيئة أودسا ولجمعية الاستعمار اليهودية، ولجمعية الاتحاد الإسرائيلي، ولجمعية عزرا والبارون أدموند روتشلد.

قالت الأنسيكلوبيديا — التي طبعت سنة ١٩٠٥: لا يعلم إذا كان جرى إتمام هذه التدابير، وإذا كانت الجمعيات انعقدت بعد المؤتمر الأول.

لم يقعد أعضاء الجمعية العاملة الروسيون بعدما عادوا من المؤتمر السادس عن العمل، فقد عقدت أكثريتهم في أكتوبر سنة ١٩٠٣ مؤتمرًا سريًّا في خاركوف، وأقروا على إرسال بعثة إلى فيينا تطلب من هرتسل وعدًا خطيًّا بإسقاط مشروع أفريقيا قبل التئام المؤتمر السابع، وباستعمال نفوذه كزعيم الصهيونيين ليمنع الاشتغال بتاتًا في استعمار غير فلسطين، وأن يعد رسميًّا بالمباشرة بالعمل في فلسطين، وبمشترى الأراضي فيها وفي سوريا بأموال المصرف الملي، وإذا أبى هرتسل أن يَعِدَ بالقيام بذلك، فالروسيون يمتنعون عن دفع الإعانات في فيينا، وينادون بمقاومة حزب الحكومة فعليًّا.

وأوفدوا إليه بعثة من خيرة رجالهم، فاستُعملت جميع الوسائل لإقناع البعثة بأن أعضاء الروس غير مُحقِّين في عملهم، وأن مخاوفهم في غير محلها؛ لأنه لا هرتسل ولا الجمعية العاملة حادت عن قرار مؤتمر باسل. وبهذه الوسيلة تمكنوا من إهمال مطالب مجمع خاركوف.

موت هرتسل

قالت الأنسيكلوبيديا: شكى هرتسل في المؤتمر السادس من ضعف قواه الطبيعية، ولكنه لم يتخلف عن العمل.

وفي ١١ أكتوبر سنة ١٩٠٣، أذن ملك إيطاليا للرابي س. مرغوليوس من فلورنس بمقابلته ومحادثته بمصالح الصهيونيين.

وعقيب ذلك في شهر يونيو، حظي هرتسل بمقابلة الملك والمسيو تيتوني، ناظر خارجية إيطاليا، وتمكن في تلك الفرصة من مقابلة البابا الكاردينال دل ڤال.

وفي ٣ يولي، لفظ هرتسل نفسه الأخير، وقضى شهيد الغاية اليهودية، وربما كان هو السياسي اليهودي الوحيد الذي كرَّس حياته لخدمة قومه، واستطاع أن يقوم بما لم يستطعه فرد أو جماعة في سبيل إعلاء شأن الغاية وتثبيتها، وقد وحد كلمة العاملين على اختلاف مذاهبهم، كانت المسألة اليهودية في البدء مسألة خيرية وزراعية، ولكن هرتسل صيرها اقتصادية سياسية.

أحدث موت هرتسل دهشة في العالم الصهيوني، وأشغلت مسألة تعيين خلف له في رياسة الجمعية العاملة ورياسة المؤتمرات العقول.

في ١٦ أوغسطس سنة ١٩٠٤، عقدت الجمعية العاملة الكبرى اجتماعًا لتهتم بتدبير الشئون، وفي ١٧ منه، انعقد المجتمع السنوي، وانتخب قومسيونًا إضافيًّا للجمعية العاملة الصغرى قوامه نردو وولفسون ويوسيسكين وغيرهم.

وفي ١٨ نوفمبر سنة ١٩٠٤، قابلت بعثة صهيونية سڤياتوبولك ميرسكي، وزير داخلية روسيا الجديد.

وفي ٤ و٥ ديسمبر، عقد بودنهايمر وغيره، بالنيابة عن الجمعية العاملة، اجتماعًا في فرنكفور؛ ليرتبوا كيفية مهاجرة اليهود من روسيا.

وفي ١٤ ينوار سنة ١٩٠٥، انعقدت الجمعية العاملة الكبرى في فيينا، وتقرر تسجيل البنك الملي اليهودي في لندرا تحت كونترول «البنك اليهودي الاستعماري».

وفي غضون ذلك كان صهيونيُّو الروس يستعدون للعراك المنتظر في المؤتمر السابع.

وعقدوا في ١٤ ينوار سنة ١٩٠٥ اجتماعًا في ولنا، حضره ٤٧ شخصًا، وقرروا مقاومة كل محاولة تحقيق أمنية الصهيونية النهائية في غير فلسطين؛ لأن ذلك منافٍ للفكرة التاريخية ولقرار مؤتمر باسل.

المؤتمر السابع

انعقد المؤتمر السابع في ٢٧ يولي سنة ١٩٠٥، وانتخب الدكتور مكس نوردو له رئيسًا، وكان تقرير الكومسيون الفلسطيني من أفضل التقارير التي قُدمت لهذا المؤتمر؛ لأنه تضمن خبر انتشار جريدتهم «الألتنيولند» أو البلاد القديمة الجديدة، وخبر إرسالية جيولوجية، وتأسيس مراصد متيورولوجيكالية أو جوية، وخبر مهمة إرسال الدكتور سوسكين إلى فلسطين وسوريا المتعلقة بزراعة القطن، وخبر سياق الخطب على الاستعمار.

أما اهتمام المؤتمر الحقيقي فقد كان منحصرًا على الأكثر في الاقتراع على قرار كومسيون شرقي أفريقيا، وقد صرفوا أيامًا عديدة في البحث والمداولة فيه. الجمعية العاملة أعطت قرارًا بأن الأرض المُنوَّه عنها لم تكن لتفي بغرض الاستعمار من حيث اتساعها.

ولما كان حزب الحكومة وجماعة الزيون زيونست وجماعة المزراحي معارضين، وهم يؤلفون الأكثرية الكبرى، أصدر أليكساندر مارمورك باسم الجمعية العاملة التقرير المتفق عليه الآتي:

يعلن المؤتمر الصهيوني السابع بأن الهيئة الصهيونية تبقى ثابتة لا تتحول عن قاعدة مؤتمر باسل الرئيسية، وهي إعداد وطن لليهود في فلسطين مُؤمَّن تأمينًا شرعيًّا، ومعترف به اعترافًا علنيًّا، «وترفض — كخاتمة أو كوسيلة — الاستعمار خارج فلسطين والأراضي المجاورة لها»، وقرر المؤتمر أن يرفع شكره للحكومة الإنكليزية على عرضها قطعة من أفريقيا الشرقية البريطانية لغاية إقامة مقر يهودي فيها مع حقوق إدارية إلخ.

مشروع العمل في فلسطين

دار البحث أيضًا في المؤتمر السابع على موضوع عمل الجمعية الصهيونية في المستقبل في فلسطين، وجرت مناقشات طويلة بشأنه بين حزب الحكومة وفرقة الزيون زيونست، وأخيرًا أعطى القرار الآتي:
قر قرار المؤتمر السابع أنه تطبيقًا للحركة الإدارية والسياسية Political & diplomatic acitivity ومن أجل تقوية تلك الحركة، يجب أن تروج على الأصول مقاصد الحركة على القواعد الآتية: (١) بالاكتشاف أو تحري الآثار Exploration. (٢) بترويج الزراعة والصناعة إلخ على أقصى المبادي الديمقراطية الممكنة. (٣) بتحسين الحالة الاقتصادية والتهذيبية، وتنظيم شئون يهود فلسطين بواسطة الحصول على نهضة فكرية جديدة. (٤) بالحصول على الامتيازات «كامتياز الأصفر مثلًا». والمؤتمر السابع يرفض كل استعمار مجرد عن الغرض، وغير مشترك بالعواطف، وخيري بطرق مصغرة، إذا كان غير منطبق على الفقرة الأولى من بروغرام مؤتمر باسل.

وتقرر أيضًا عدم مشترى الأراضي من مال المصرف الملي ما لم يكن ذلك ممكنًا بطريقة مشروعة، ثم قالت الأنسيكلوبيديا (١٩٠٥): يعسر معرفة مقدار الجمعيات الصهيونية؛ لأنها بلغت ألوفًا عديدة، وأعمالها متنوعة، وتختلف باختلاف الظروف اليهودية الاجتماعية في البلدان التي توجد فيها هذه الجمعيات، وكلها لها غرض واحد؛ وهو تربية وإنماء الشعور الملي اليهودي.

تعقد هذه الجمعيات اجتماعات سنوية أو نصف سنوية، وقد أخذت تتحد مع بعضها؛ ففي سنة ١٩٠٥ كان عدد الجمعيات المتحدة والمتوحدة في أميركا ٢٣٨، ثم انضم إليها ٨٠ جمعية أخرى، وقد توحدت كل جمعيات الشوڤوفي زيون القديمة في بلاد الإنكليز، وانضمت إليها جمعيات أفريقيا الجنوبية وكندا أيضًا.

بناء الجمعية الصهيونية من أساسه ديمقراطي.

القوة موجودة في المؤتمرات فقط، وهذه المؤتمرات تدير المهام، وتعين الوظائف النيابية في المؤتمرات قائمة على أصول نائب لكل مائتين ممن يدفعون الشاقل.

المصرف اليهودي الاستعماري٢

قالت الأنسيكلوبيديا: وصفنا تأسيس هذا المصرف في الصفحة ١٧٦ للمجلد السابع من الأنسيكلوبيديا اليهودية. مقاصد هذا المصرف ليست مالية، بل سياسية؛ ولكونه حاصل على حقوق الشركات ذات الامتياز فهو أداة الهيئة الصهيونية العملية.

غايته — على ما أعلنتها المفكرة الأصلية — العمل في فلسطين وسوريا، وفي أي قسم كان من العالم إذا رأى مجلس الشورى أن مصلحة الشعب اليهودي تستدعي ذلك، ولكنه خيف من أن تكون هذه الصلاحية واسعة جدًّا، وربما فتحت بابًا لسوء استعمال الأموال؛ ولذلك صار تحديد عمل هذا المصرف وخط قانونه في المؤتمر الثالث في ١٧ أوغسطس سنة ١٨٩٩ كما يأتي: «من أجل إخراج وتحسين وإدارة الاستعمار في الشرق، لا سيما في فلسطين وسوريا، وكذلك من أجل إخراج وتحسين والقيام بالصناعات في فلسطين وسوريا وسائر أنحاء العالم». وفي المؤتمر السابع زادوا — بتأثير الأكثرية القائلة باستعمار فلسطين — في تحديد عمل المصرف، وأصلحوا قانونه على الصورة الآتية: «في فلسطين وسوريا وسائر أنحاء تركيا آسيا، وفي شبه جزيرة سيناء، وفي جزيرة قبرص».

أصحاب الأسهم في البنك يعدون ثلاثمائة ألف تقريبًا. واقترح في المؤتمر الخامس على فتح شعبة للمصرف في يافا؛ وذلك لأجل اطراد العمل في فلسطين، ولتقوية مصالح اليهود فيها، فتم ذلك في سنة ١٩٠٣؛ إذ تشكلت شركة جديدة باسم «شركة أنجلو فلسطين» الشركة الإنكليزية الفلسطينية، وأسهمها كلها للمصرف اليهودي الاستعماري.

للمعرب «وهي التي نرى شعب مصارفها في يافا والقدس وحيفا، وتعرف ببنوكة أنجلو فلسطين، وقيل: إنه صار لها فرع أو معاملة مع صراف في طبريا، وآخر في صفد».

وسنة ١٩٠٥ تأسس فرع مالي لشركة أنجلو فلسطين في القدس للغاية نفسها، وسيتبعه فرع في حيفا «فتح».

وقد اشترك المصرف الملي اليهودي أيضًا في تأسيس البلاستينا هندلس كيزلشافت التي كان رأسمالها سنة ١٩٠٣: ٢٢٥٠٠ مارك، وفي الدويتش ليڤانت بومڤول كيزلشافت التي كان رأسمالها ٢٥٠٠٠ مارك سنة ١٩٠٣ أيضًا.

كثيرون من اليهود الذين لا علاقة لهم بالصهيونية ساهموا في شركتي الأنجلو فلسطين، والبلاستينا هاندلس كيزلشافت؛ ليساعدوا على إنهاض العمل اليهودي في فلسطين.

البنك اليهودي الملي

البروفسور هومان شبيرا أبدى في المؤتمر الأول سنة ١٨٧٩ فكرة إنشاء مصرف ملي يهودي، وفي المؤتمر الرابع سنة ١٩٠٠ قُبلت هذه الفكرة. المقصود من هذا المصرف إيجاد رأس مال دائم ليكون ملكًا للملة اليهودية يستخدم في الغرض الخصوصي، ألا وهو مشترى الأراضي في فلسطين، ورأس ماله لا ينبغي أن يمس حتى يبلغ مليون شلن أو خمسين ألف ليرا يتحتم بقاء نصفها دائمًا في المصرف.

المواد التي وضعها قومسيون هذا المصرف قبلت في المؤتمر الخامس سنة ١٩٠١، وفي سنة ١٩٠٤ سجل المصرف في لندرا باسم «كيرن كيامت» Keren Kayyemet، وعهد بأمواله للمصرف اليهودي الاستعماري. أموال المصرف اليهودي الملي تجمع من استعمال التمبر؛ أي طوابع البريد التي تلصق على مكاتيب الصهيونيين والدعوات وما شاكل ذلك، ومن الهبات الاختيارية، ومما يدفع على قيد أسماء الأفراد والجمعيات في سفر الذهب «سيفر هازهاب».

العمل التهذيبي

كان للصهيونيين على ما روت الأنسيكلوبيديا تأثير عظيم على حياة اليهود الروحية والأدبية، فالتعليم كان من أغراض الصهيونية الرئيسية؛ فقد أُسِّست في أماكن مختلفة غرف قراءة ومنتديات للخطب الليلية، وسنة ١٩٠٣ أنشأ الصهيونيون مدرسة في تميرخان الشوزا في داغستان، والمدرسة الملية «بيت هاسفر» للبنات في يافا تحصل على مدد من الجمعية، وكذلك المكتبة المركزية اليهودية «أباربنال»، التي ألفها يوسف شازانويكز الصهيوني الغيور. وقد نظم بوبرو ويزمان بروغرامًا مكملًا لجامعة ونشر في اليودشرفرلاغ سنة ١٩٠١. والجامعة اليهودية العمومية في باريس مديونة بوجودها للجمعيات الصهيونية الباريسية التي يرأسها مارمورك.

وقالت الأنسيكلوبيديا في ختام هذا الموضوع: وفي محاولة تقدير درجة تأثير هذه النهضة لا ينبغي أن يبرح عن الذهن بأن الحركة التي غايتها تقوية المساعي السابقة بطرق متنوعة، وتوليد مساعٍ جديدة من نوعها، كانت كنقطة نهائية لبيان سابق. وقد أبلغت تجديد اليهودية إلى القمة، وأوجدت مجرى تحولت إليه كل حركات التجدد.

جمعيات الطلبة اليهودية

ورد في الصفحة ٦٨٢ للجزء الثاني عشر من الأنسيكلوبيديا، أن طلبة المدارس اليهودية في فيينا وروسيا وغاليسيا ورومانيا تعاقدوا على المحافظة على الشعور اليهودي، وتعزيز الآداب اليهودية، پارس سمولنسكين سمَّى هذه الجمعية «كاديما»، ومعناها إلى الأمام وإلى الشرق، محددًا بتسميتها بهذا الاسم وِجْهة حركتها، وصار كتاب بنسكر Outoemancipation أو التحرير للجمعية كالتوراة، وانصرف اهتمامها لاستعمار فلسطين، وتشكلت بعد ذلك جمعيات عديدة من طلبة المكاتب كاليونيتاش وإيفريا وليبانونيا وباركوخبا ومكابيا وبارغيورا وغيرها، وتألفت جمعيات أخرى من شكلها في جامعات أخرى، وفي المدارس العالية ذكرت الأنسيكلوبيديا أسماء عشرات منها، وقالت: إن نوابًا عن هذه الجمعيات كانوا يعقدون الاجتماعات في أحيان مختلفة.

الجمعيات الجيمناستيكية أو التمرينية

وعلى هذا المنوال تألفت جمعيات تمرينية عديدة غايتها تشديد العضل اليهودي في الناشئة الجديدة. وقد ابتدأت هذه الحركة قبل انعقاد المؤتمر الأول، فتأسست جمعية في الآستانة سنة ١٨٩٤، وأخرى في برلين سنة ١٨٩٨ باسم باركوخبا، وأخرى في الفيليبوليس باسم مكابي، وتألفت جمعيات من هذا النوع أيضًا في فيينا وبيالا وصوفيا وبخارا وهامبورغ وفرانكفورت، وفي محلات أُخَر كثيرة.

«وكان عدد هذه الجمعيات يتزايد مع الزمان، ومن تلقيب أكثرها بأسماء أبطال اليهود القدماء كشمشون وباركوخبا والمكابي يمكن الاستدلال على غاية اليهود من تشكيل مثل هذه الجمعيات. هم يريدون أن ينشطوا أبدان ناشئتهم ويمرنوا عضلاتهم ليعدوهم لأيام عصيبة، يريدون أن ترسخ في أذهانهم سير رجال الثورات الذين قاموا من بينهم في عصور مختلفة».

وقد خولت الجمعية الصهيونية النساء حق التصويت والانتخاب لعضوية المؤتمر، فتألفت منهم عدة جمعيات: كجمعية بنات صهيون، والهاداسا، ويهوديت، وموريا، وسيون. وعمل هذه الجمعيات النسائية أدبي تهذيبي اجتماعي.

الصحافة

قالت الأنسيكلوبيديا: كان للصحافة الصهيونية تأثير قوي في نشر الدعوة الصهيونية، وذكرت أن للصهيونيين صحفًا عديدة في روسيا والنمسا وألمانيا وإيطاليا وإنكلترا وبلغاريا ومصر، نضرب لضيق المقام صفحًا عن ذكر أسمائها.

١  Kultur Frage.
٢  Jewish Colonial Trust.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤