مغامرة منتصف الليل
لم يكن تافرنيك ينزع إلى الاجتماعية ولم يبذل أيَّ جهد لإخفاء تلك الحقيقة. ومع ذلك، لم يكن من السهل التخلصُ من السيد بريتشارد.
قال بطريقةٍ وُدية: «إذن، فقد صادقتَ الرجل العجوز، أليس كذلك؟»
أجابَ تافرنيك ببرود: «لقد التقيتُ البروفيسور مصادفةً دون توقع. ماذا تريد مني من فضلك؟ أنا في طريقي إلى المنزل.»
ضحكَ بريتشارد بهدوء.
وقال مصرحًا: «حسنًا، هناك شيءٌ يتعلق بكم أيها البريطانيون لا يسَعُني إلا الإعجابُ به! أنتم شديدو الصراحة، أليس كذلك؟»
أجابَ تافرنيك: «أعتقد أنك ترى أننا شديدو الحمق بحيث لا يمكننا إلا أن نكون صرحاء. هذه حافلتي قادمة. عمتَ مساءً!»
بيد أن يدَ بريتشارد شدَّدَت على ذراع رفيقه.
قال: «انظر هنا أيها الشاب، لا تكن أحمق. أنا صديق ذو قيمة بالنسبة إليك، فقط إذا أدركت ذلك. تعالَ واعبُر الشارع معي. النادي الخاص بي في أديلفي تيريس، في نهاية الشارع مباشرة. امشِ معي وسأخبرك شيئًا عن البروفيسور، إذا أردت.»
ردَّ تافرنيك: «شكرًا لك، لا أعتقد أنني أهتم بالاستماع إلى النميمة. علاوة على ذلك، أعتقد أنني أعرف كلَّ ما يمكن معرفته عنه.»
سأل بريتشارد فجأة: «هل بلَّغتَ الآنسة بياتريس رسالتي؟»
أجابَ تافرنيك: «إذا كنتُ قد فعلت، فليس لديَّ ردٌّ لك.»
بدأ بريتشارد: «هَلا أخبرتها بهذا …»
قاطعه تافرنيك: «لا، لن أخبرها بشيء! يمكنك الاهتمامُ بشئونك. فأنا لا أهتم بشئونك ولا أريد أن أهتمَّ بها. عمت مساءً!»
ضحكَ بريتشارد مرةً أخرى لكنه لم يخفِّف قبضته على ذراع الآخر.
قال: «الآن، يا سيد تافرنيك، لن يفيدك أن تتشاجر معي. لن أُفاجأ إذا اكتشفتَ أنني واحدٌ من أكثر المعارف المفيدة الذين قابلتَهم في حياتك. لا داعي لدخول النادي ما لم تُرِد، ولكن امشِ معي إلى هناك. عندما نصل إلى أديلفي تيريس، حيث المنازلُ المتصلة على جانبٍ والسياجُ على الجانب الآخر، سأقول لك شيئًا.»
قرَّر تافرنيك مترددًا: «حسنٌ جدًّا. لا أعرف ما يمكنك أن تخبرني به، لكنني سأصل إلى هناك، على أي حال.»
عبرا شارع ستراند وانعطفا إلى شارع آدم. عندما اقتربا من الركن الأبعد، خطا بريتشارد من الرصيف إلى منتصف الشارع، ونظر حوله بتمعُّن.
قال: «حسنًا، اعذرني على توخِّي الحذر قليلًا. إن هذا مكانٌ منعزلٌ في وسط لندن، وقد كنتُ مُراقَبًا خلال اليومين الماضيَين من قِبَل أشخاص أبغضُهم بشدة.»
سأل تافرنيك: «مراقَب؟ لماذا؟»
أجابَ المحقق وهو يهزُّ كتفَيه: «أوه، الشيء المعتاد! هذه المجموعة من المحتالين الذين أريتُكَ إياهم الليلةَ الماضية لا يُعجبهم أن أكون في الجوار. لديهم الكثير من الضغائن ضدَّ سام بريتشارد. ولستُ بمأمن هنا كما سأكون في نيويورك. معظمهم ذاهبون إلى باريس غدًا، شكرًا للسماء!»
سأل تافرنيك: «وأنت؟ هل أنت ذاهبٌ أيضًا؟»
هزَّ بريتشارد رأسه.
«لو أنَّ هؤلاء الحمقى فقط يُصدقون أنني لستُ هنا من أجلهم على الإطلاق. لقد جئتُ في مهمةٍ خاصة هذه المرة، كما تعرف. لديَّ كلمةُ تحذير لك، يا سيد تافرنيك. أعتقد أنك لن ترغب في سماعها، لكن عليك ذلك.»
توقَّف تافرنيك فجأة.
وقال بغضَب: «لا أريد تحذيراتك! ولا أريدك أن تتدخل في شئوني!»
ابتسم المحقق بهدوء. ثم فجأة ظهر تعبير جديد فزمَّ شفتَيه.
وصاحَ: «لا تهتمَّ بهذا الآن! انظر هنا، خُذْ صافرةَ الشرطة هذه من يدي اليسرى بسرعة، وانفخ فيها بكل ما أُوتيتَ من قوة!»
كان من سِمات تافرنيك أنه كان مستعدًّا للطاعة دون تردُّد ولو لحظة. ومع ذلك، لم تُواته الفرصة. والأحداث التي أعقبَت ذلك جاءت ومرَّت كخاطرة. ضُرِب على معصمه الأيسر وسقَطت الصافرة في الطريق. وظهر شخصٌ فجأة وكأنه ظهر من العدم، ولفَّ ذراعه الطويلة حول عنق بريتشارد، ثانيًا إياه للخلف؛ وكان هناك شيءٌ من الفولاذ يومض على بُعد بوصاتٍ قليلة من عنقه. ثم رأى تافرنيك شيئًا رائعًا. بدا بريتشارد فجأةً كأنه يرفع جسم مُهاجمه في الهواء بلفةٍ من معصمه. التقط تافرنيك انطباعًا سريعًا عن وجه رجل أبيض، وكانت رأسه تشير للشارع، وساقاه ترتعشان بشكل متشنج. بدا أن بريتشارد ألقى به رأسًا على عقب، بينما طار السكين إلى الشارع دون أن يؤذيَ أحدًا. استلقى الرجل متكوِّمًا وهو يئِنُّ أمام باب أحد المنازل. وقفز بريتشارد وراءه. فُتِحَ البابُ بحذر وزحفَ الرجل عبره، ثم تبعَه بريتشارد، ثم أُوصِدَ البابُ وطرقه تافرنيك دون جدوى.
لعدة ثوانٍ — بدت لتافرنيك أطول من ذلك بكثير — وقفَ تافرنيك يحدِّق في الباب، ويلتقط أنفاسَه بصعوبة، وهو عاجزٌ تمامًا عن تجميع أفكاره. لقد حدَث كلُّ شيءٍ بسرعةٍ مذهلة! لم يستطع أن يُدرك ما حدث، ولا أن يُصدق أن بريتشارد الذي كان معه قبل بضع ثوانٍ فقط، وأدَّى تلك الحيلة البارعة للجوجوتسو دفاعًا عن حياته، قد تبعَ مهاجمه المجهولَ إلى ذلك المنزل المظلم الغامض، الذي لا تُصدر أيُّ نافذة من نوافذه بصيصَ ضوءٍ واحدًا. لقد عاشَ تافرنيك حياةً هادئة. لم يكن يعرف شيئًا عن المشاعر التي تُولِّد القتل والرغبة في القتل. وكان مذهولًا من مفاجأةِ كلِّ ما حدث. كيف يمكن أن يحدث شيءٌ من هذا القبيل في وسط لندن، في شارع خالٍ للحظات فقط، وفي نهايته الأخرى، كانت توجد بالفعل علاماتٌ كثيرة على الحياة! ثم جعلته فكرةُ ذلك السكين يرتجف — فولاذ لامع أزرق يقطع الهواء مثل حبل السوط. تذكَّرَ النظرةَ في وجه المهاجم … كم كانت رهيبة! كانت نموذجًا للانفعالات التي بدَت وكأنها تكشف له في تلك اللحظة عن وجودِ عالَم آخر غير معروف، لم يقرأ عنه ولم يحلم به.
جاءَ صوتُ الخطوات بمثابةِ ارتياح كبير. قدم رجلٌ من زاوية الشارع، يدخن سيجارة ويُدندن بهدوءٍ مع نفسه. بدا أن وجود إنسان آخر قد أعاد تافرنيك فجأةً إلى الأرض. تحرَّك نحو الرصيف وخاطبَ الوافد الجديد.
سألَ بسرعة: «هل يمكن أن تخبرني كيف أدخل ذلك المنزل؟»
أخرجَ الرجل السيجارةَ من فمه وحدَّق في السائل.
أجابَ: «يجب أن تدقَّ الجرس، لكن أليس من المؤكَّد أنه غيرُ مأهول؟ لماذا تريد الدخول إليه؟»
قال له تافرنيك: «منذ أقلَّ من دقيقة، كنتُ أسير هنا مع رفيق لي. جاء رجلٌ من ورائنا وحاول طعنه عمدًا. بعد ذلك اندفعَ من ذلك الباب، وتبعَه رفيقي، وأُغلقَ الباب في وجهي.»
كان الوافد الجديد شابًّا صغيرًا، موسيقيًّا، جاء لتوه من حفلة موسيقية وكان في طريقه إلى النادي في نهاية الشارع. ربما لو كان صحفيًّا، لكان فضوله أعظم من شكِّه. إلا أنه حدَّق في تافرنيك لحظة، بنظرة فارغة.
وقال: «انظر هنا، هذه القصة التي ترويها لا تبدو مُحتملة الحدوث جدًّا، كما تعلم.»
أجابَ تافرنيك بحرارة: «لا يهمُّني ما إذا كانت مُحتملة الحدوث أم لا. إنها الحقيقة! السكين في مكانٍ ما على الطريق هناك … لقد سقطَ أمام السياج.»
عبَرا الطريق معًا وفتَّشَا. لم يكن هناك أيُّ أثر للسلاح. نظرَ تافرنيك فوق السياج.
وقال تافرنيك موضِّحًا: «عندما ضربَ رفيقي الرجلَ الآخر ولفَّه، بدا أن السكين طار في الهواء؛ ربما يكون حتى قد وصل إلى الحدائق.»
استدار رفيقه مبتعدًا ببطء.
وقال: «حسنًا، لا فائدة من البحث عنه هناك. يمكننا أن نحاول فتحَ الباب، إذا أردت.»
مالَا بثقلهما على الباب، وطرقَا على الألواح، وانتظرا. كان البابُ مُوصَدًا بإحكام ولم يَرِد أيُّ رد. هزَّ الموسيقي كتفَيه واستعدَّ للمغادرة، بعد أن ألقى نظرة أخرى على تافرنيك، نصف مرتابة، ونصف متسائلة.
وقال: «إذا كنتَ تعتقد أن الأمر يستحقُّ العناء، فربما كان من الأفضل لك إحضارُ الشرطة. ومع ذلك، إذا كنتَ ستأخذ نصيحتي، أعتقد أنني كنت سأعود إلى المنزل وأنسى أمر كل ما حدث.»
وغادر تاركًا تافرنيك عاجزًا عن الكلام. إن فكرة أن الناس قد لا يُصدقون قصته لم تخطر بباله قط. ومع ذلك بدأ هو نفسُه فجأةً يشكُّ في الأمر. عاد إلى الطريق ونظر إلى نوافذ المنزل … مظلمة، غير مغطَّاة بستائر، ولا تكشف عن أي علامة على الحياة أو السَّكن. فهل سار بالفعل مع بريتشارد، ووقفَ معه في هذا المكان قبل دقيقة أو دقيقتَين فقط؟ ثم التقطَ صافرة الشرطة من على الأرض ولم يَعُد لديه أيُّ شك. كان المشهد بأكمله أمامه مرةً أخرى، بشكل أكثر وضوحًا من أي وقتٍ مضى. حتى في هذه اللحظة، قد يكون بريتشارد بحاجةٍ إلى مساعدة!
استدار ومشى بحِدَّة إلى زاوية أديلفي تيريس، ليجد نفسَه على الفور وجهًا لوجه مع شرطي.
صاحَ تافرنيك مشيرًا إلى الوراء: «يجب أن تأتيَ معي إلى هذا المنزل في الحال! لقد تعرَّض رفيقٌ لي للهجوم هنا الآن؛ حاول رجلٌ طعنَه. وكلاهما في ذلك المنزل. هربَ الرجلُ وتبعَه رفيقي. والباب مغلق ولا أحدَ يجيب.»
نظرَ الشرطي إلى تافرنيك كثيرًا كما فعل الموسيقي.
وسألَ: «هل يعيش أيٌّ منهما هناك يا سيدي؟»
أجابَ تافرنيك: «كيف يمكنني أن أعرف؟ لقد قفز الرجل على رفيقي من الخلف. وكان في يده سكين … لقد رأيتُه. فقَلَبَه رفيقي وألقى به، فهربَ الرجل إلى ذلك المنزل. وكلاهما هناك الآن.»
سألَ الشرطي: «أيُّ منزل هذا يا سيدي؟»
كانا يقفان أمامه تقريبًا. كانت البوابة مفتوحةً وكان تافرنيك يطرق على الألواح براحةِ يده. ثم، بصرخةِ انتصار، انحنى والتقط شيئًا من صدعٍ في الأحجار المرصوفة.
وصاحَ: «المفتاح! تعالَ بسرعة!»
دفَعه في القفل وأداره؛ ففُتِحَ الباب بسلاسة. وضعَ الشرطي يدَه على كتف تافرنيك.
وقال: «انظر هنا، دَعْنا نسمع قصتك مرة أخرى، بوضوح أكثر قليلًا. مَن الذي يوجد في هذا المنزل؟»
بدأ تافرنيك يتحدَّث بسرعةٍ قائلًا: «منذ خمس دقائق، قابلتُ رجلًا في شارع ستراند أعرفُه معرفة سطحية … اسمُه بريتشارد وهو محقِّقٌ أمريكي. قال إن لديه ما يقوله لي وطلبَ مني أن أتمشَّى معه إلى نادٍ في أديلفي تيريس. كنا في منتصف الطريق هناك، نتحدَّث، عندما قفز عليه رجلٌ؛ لا بد أنه تسلَّل من الخلف بلا ضوضاء. كان الرجل يحمل سكينًا في يده. وألقى به رفيقي رأسًا على عَقِب … لقد كانت حيلةً من حيل الجوجوتسو؛ لقد رأيتُها تتمُّ في كلية الفنون التطبيقية. لقد سقط أمام هذا الباب الذي ربما كان إما مواربًا أو أن شخصًا ما بالداخل كان ينتظره فسمحَ له بالدخول. زحفَ من خلاله وتبعَه رفيقي. وأُغلقَ الباب في وجهي.»
سألَ الشرطي: «منذ متى كان هذا؟»
أجابَ تافرنيك: «لم يتجاوز أكثرَ من خمس دقائق.»
سعلَ الشرطي.
«إنها قصة غريبة جدًّا يا سيدي.»
أعلنَ تافرنيك بقوة: «إنها حقيقية! أنا وأنت يجب أن نُفتِّش هذا البيت.»
أومأ الشرطي برأسه.
«لا ضررَ من ذلك، يا سيدي، على أي حال.»
أضاءَ فانوسه في أنحاء الصالة … كانت غيرَ مؤثَّثة، والورق يتدلَّى من الجدران. ثم بدَآ في دخول الغرف واحدة تلوَ الأخرى. لم تكن هناك أيُّ علامة على وجود أحدٍ بها. مرَّا من طابق إلى آخرَ في صمتٍ متجهِّم. في الغرفة الأمامية من العلية كان هناك سريرٌ صغير قابل للطي والنقل، وقطعتان أو ثلاث من قطع الأثاث المتواضعة، وموقد صغير.
تمتَم الشرطي: «أدوات حارس المنزل. يبدو أن شيئًا لم يُستخدَم منذ مدة.»
نزلا الدرَج مرة أخرى.
قال الشرطي بريبة: «قلتَ إنك رأيت الرجلين يدخلان هذا المنزل يا سيدي؟»
قال تافرنيك: «نعم، رأيتُهما. لا شك في هذا.»
قال الشرطي موضِّحًا: «جميع المداخل الخلفية مغلقة بإحكام. ولم يُفتَح أيٌّ من النوافذ التي يمكن لأي شخص الهروبُ من خلالها. وقد دخلنا كلَّ الغرف. ولا يوجد أحدٌ في المنزل الآن يا سيدي، أليس كذلك؟»
أقرَّ تافرنيك: «لا يبدو أن هناك أحدًا.»
نظرَ إليه الشرطي مرةً أخرى؛ من المؤكَّد أن تافرنيك لم يظهر وكأنه يحاول خداعه.
قال الرجل بمهنية: «أخشى أنه لا يوجد شيءٌ آخر يمكننا القيامُ به يا سيدي. من الأفضل أن تُعطيني اسمك وعنوانك.»
اقترحَ تافرنيك: «ألا يُمكننا فحصُ المكان مرةً أخرى؟ أقول لك إنني رأيتُهما يدخلان.»
أجابَ الشرطي: «لديَّ عملٌ بالخارج لأعتنيَ به، يا سيدي. لو لم تكن تبدو محترمًا، لاعتقدتُ أنك تريد إبعادي عن الطريق قليلًا. الاسم والعنوان من فضلك.»
أعطاه تافرنيك الاسم والعنوان ببساطة. وخرجَا معًا إلى الشارع.
قال الرجل وهو يغلق دفتره: «سأبلغ عن هذا الأمر. ربما سوف يأمر الرقيب بتفتيش المنزل مرةً أخرى.» وأضافَ: «إذا أخذت بنصيحتي يا سيدي، فلتَعُدْ إلى بيتك.»
كرَّر تافرنيك وكأنه يُحدِّث نفسه مع الرجل، وهو لا يزال واقفًا على الرصيف ومحدِّقًا في النوافذ المظلمة: «رأيتُ كِلَيهما يمرَّان عبر ذلك الباب.»
ولم يردَّ الشرطيُّ لكنه رحل. سرعان ما وصل إلى زاوية أديلفي تيريس واختفى. عَبَرَ تافرنيك الطريقَ ببُطءٍ ووجَّه ظهرَه إلى السياج ونظرَ بثباتٍ إلى الواجهة المظلمة للمنازل الحجرية الرمادية. دقَّت ساعة بيج بِن مُعلِنةً تمامَ الواحدة، ومرَّ العديد من الأشخاص يمينًا ويسارًا. كان الرجال يخرجون من النادي ويفترقون طوال الليل، وخَفَتَ ضجيجُ المدينة. ومع ذلك، شعرَ تافرنيك بعدم الرغبة في التحرك. كانت النظرة التي اعتلتْ وجْهَ ذلك الرجل الأبيض ذي العينَين السوداوين تطارده، كانت هناك مأساة، وظِلُّ أشياءَ مروعة، ورعب، ورغبة مميتة في القتل! لقد عبَر الرجلان من ذلك الباب؛ أحدهما هاربًا والآخر مطارِدًا. أين هما الآن؟ ربما كان فخًّا. كان بريتشارد يتحدَّث بجدية شديدة عن أعدائه.
ثم، وبينما كان واقفًا هناك، رأى لأول مرةٍ خيطًا رفيعًا من الضوء من خلال الستائر المغلقة بإحكام لغرفةٍ في الطابق الأرضي من المنزل المجاور. بدون تردد، عَبَرَ الطريق ودَقَّ الجرس. فتحَ البابَ، بعد تأخيرٍ طفيف، رجلٌ يرتدي ملابسَ عادية، ربما كان، مع ذلك، خادمًا لا يرتدي زيًّا رسميًّا. نظر إلى تافرنيك برِيبة.
أوضحَ تافرنيك: «أنا آسفٌ لأنني أزعجتُك، لكنني رأيتُ شخصًا ما يدخل المنزل المجاور لك، منذ مدةٍ قصيرة. هل يمكن أن تخبرني ما إذا كنت قد سمعت أيَّ ضوضاء أو أصواتٍ خلال نصف الساعة الماضية؟»
هزَّ الرجلُ رأسه.
وقال: «لم نسمع شيئًا يا سيدي.»
سأل تافرنيك: «مَنْ يعيش هنا؟»
أجابَ الرجلُ بوقاحة: «هل أتيتَ في الساعة الواحدة صباحًا لتسألني مثل هذه الأسئلة السخيفة؟ الجميعُ هنا نائمون وأنا كنت على وشك أن آويَ إلى فراشي.»
علَّقَ تافرنيك قائلًا: «يوجد ضوءٌ في الغرفة بالطابق الأرضي. وهناك شخصٌ ما يتحدَّث هناك الآن … يمكنني سماعُ أصوات.»
أغلقَ الرجلُ البابَ في وجهه. لبعض الوقت، تجوَّل تافرنيك بلا كَلل، وشرعَ أخيرًا على مضضٍ في العودة إلى المنزل. كان قد وصل إلى شارع ستراند وكان يعبر ميدان ترافالجار عندما خطرَت بباله فكرةٌ مفاجئة. وقفَ ساكنًا لحظةً في منتصف الشارع. ثم استدار فجأة. وفي أقلَّ من خمس دقائق كان في شارع أديلفي تيريس مرةً أخرى.