خلاصة المقدمة التي كتبها إقبال لأسرار خودي

ما هذا الشيء الذي نسميه «أنا» أو «خودي» أو «مين»١ الذي يبدو في أعماله ويخفى في حقيقته، والذي يخلُق كل المشاهدات، ولكن لطافته لا تحتمل المشاهدة؟ أهو حقيقة دائمة أم أن الحياة تجلت في هذا الخيال الخادع، وهذا الكذب النافع، تجليًا عرضيًّا لتحقيق مقاصدها العملية الراهنة؟

إن سيرة الأفراد والجماعات موقوفة على جواب هذا السؤال … ولكن جواب هذا السؤال لا يتوقف على المقدرة الفكرية في الآحاد والجماعات، كما يتوقف على طباعها وفطرتها، فأمم الشرق المتفلسفة أميل إلى أن تعتبر «أنا» في الإنسان من خداع الخيال، وهي تعدُّ الخلاص من هذا الغُلِّ نجاة، وميلُ أهل الغرب إلى العمل ساقهم إلى ما يلائم طباعهم في هذا البحث.

ويمضي إقبال في مقدمته قائلًا:

اختلطت في عقول الهنادك وقلوبهم النظريات والعمليات اختلاطًا عجيبًا، ودقق حكماؤهم في حقيقة العمل، وانتهوا إلى هذه النتيجة: إن حياة «أنا» المسلسلة، وهي أصل المصائب والآلام، تنشأ من العمل، وإن حالة النفس الإنسانية نتيجة محتومة لأعمالها.

وكانت رسالة الإسلام في غربي آسيا دعوة إلى العمل بليغة، فالإسلام يرى أن «أنا» مخلوق ينال الخلود بالعمل، ولكن تشابهًا عجيبًا في تاريخ الفكر الهندي والإسلامي، يظهر في بحث هذه المسألة، فالفكرة التي فسر بها شنكر أچاريه، كتاب الجيتا «كيتا» هي الفكرة التي فسر بها القرآن محيي الدين بن عربي الأندلسي، وكان له أثر بليغ في عقول المسلمين وقلوبهم، جعل ابن عربي بعلمه ومكانته مسألة وحدة الوجود عنصرًا في الفكر الإسلامي، واقتفى أثره أوحد الدين الكرماني وفخر الدين العراقي، حتى اصطبغ بهذه الصبغة كل شعراء العجم في القرن السادس الهجري.

خاطب فلاسفة الهند العقل في إثبات وحدة الوجود، وخاطب شعراء إيران القلب، فكانوا أشد خطرًا وأكثر تأثيرًا، حتى أشاعوا بدقائقهم الشعرية هذه المسألة بين العامة؛ فسلبوا الأمة الإسلامية الرغبة في العمل.

وتمتاز أمم الغرب بين أمم العالم بميلها إلى العمل، فآراؤهم خيرُ دليل لأمم المشرق إلى فهم أسرار الحياة.

وبدأت الفلسفة الجديدة في الغرب من وحدة الوجود التي دعا إليها الفيلسوف الهولندي الإسرائيلي،٢ ولكن مسحة العمل غلبت على طبائع الغرب، فلم يلبث طويلًا طلسم وحدة الوجود التي أُثبتتْ بأدلة رياضية، سبق الألمان إلى إثبات حقيقة «أنا» الإنسانية المستقلة، ثم تحرر من هذا الطلسم الخيالي فلاسفة الغرب على مر الزمان ولا سيما فلاسفة الإنكليز.
ويختم إقبال بقوله:

هذه خلاصة تاريخ المسألة التي هي موضوع هذه المنظومة، وقد اجتهدت أن أحرر هذه المسألة الدقيقة من تعقيد الأدلة الفلسفية، وألونها بألوان الخيال ليتيسر إدراك حقيقتها.

ولم أقصد بهذه الديباجة إلى تفسير هذه المنظومة، ولكن أردت أن أدل على الطريق من لم يُلِمَّ من قبل بدقائق هذه المسألة العسيرة.

ولا ينبغي هنا أن أتناول هذه المنظومة من حيث الشعر، فإنما خيال الشعر فيها وسيلة إلى توجيه الناس إلى هذه الحقيقة:

إن لذة الحياة مرتبطة باستقلال «أنا» وبإثباتها وإحكامها وتوسيعها، وهذه الدقيقة تمهد إلى فهم حقيقة «الحياة بعد الموت».

وينبغي أن يعلم القراء أن لفظ «خودي» لا يستعمل في هذه المنظومة بمعنى الأثرة كما تستعمل في اللغة الأردية غالبًا، إنما معناها الإحساس بالنفس أو تعيين الذات.

وهي بهذا المعنى في كلمة «بيخودي» كذلك.

هوامش

(١) مين بالأردية معناها أنا.
(٢) يعني اسبنوزا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤