أسرَارُ إثبات الذات

رأيتُ الشيخ بالمصباح يسعى
له في كل ناحية مَجال
يقول: مَللتُ أنعامًا وبَهْمًا
وإنسانًا أريد، فهل يُنال؟
برِمتُ برفُقةٍ خارَت قواها
برسْتُمَ أو بحيدرٍ اندمال١
فقلنا: ذا مُحالٌ، قد بحثنا،
فقال: ومُنيتي هذا المحالُ
مولانا جلال الدين الرومي

تمهيد

ليس في أعواد غابي سقَطٌ
هيَ للمنبر أو أعواد صَلْب٢
نظيري النيسابوري
قطع الصبحُ على الليل السفَرْ
فَهمَى دمعي على خدِّ الزهَرْ
غسل الدمعُ سُباتَ النرجسِ
وصحا العُشب بمَسرَى نفَسي
جرَّب الزارعُ قولي مُحصَدا
مِصرعًا ألقى، وسيفًا حَصدا
إنَّه حَبَّ دموعي زَرعا
نسجَ الروضَ وأنَّاتي معا
ذرَّةٌ قد نالت الشمسَ أنا
كم صباحٍ في فؤادي كَمنا
طينتي من جَامِ جَمٍّ أنورُ
من غيوب الكون عِندي خبرُ٣
صَيْدُ أفكاري ظِباء لم تُرَمْ
لم تُسَيَّب بَعدُ من قيد العَدمْ
زَانَ بُستانيَ عشبٌ ما ظَهَرْ
وجنيتُ الورد في جوف الشجر٤
محفِلُ الشادين مني يَرجُفُ
في وِتار الكون كفِّي تعزِف
صامِتٌ فيَّ ربابُ الفِطرةِ
ما وعَى عنِّي جليسي نغمِتي
إنني شمسٌ قريبٌ مولِدِي
حُبُكًا في فَلَكٍ لم أعْهَد
لم يَرُعْ ضوئيَ سِربَ الزُّهُرِ
أو يُرَجْرَجْ زئبَقي في البَصرِ٥
ما رأت رقصَ ضيائي الأبحُرُ
أو كسا الأطوادَ ثوبي الأحمر
عينُ هذا الكون لي لا تَعهد
أنا من خوف طلوعٍ أرْعَدُ
مزَّق الظلمةَ فجري فسفَرْ
وبدا طَلٌّ جديدٌ في الزَّهرْ
إنني أرقب صبحًا مُعلمًا
حبَّذا من حول ناري زمزما٦

•••

أنا لَحْنٌ دون ضَربٍ صَعَدَا
أنا صوتٌ شاعري يأتي غدا٧
دونَ عصري كلُّ سرٍّ قد خَفِي
ما بهذي السوق يُشرى يوسُفي٨
أنا في يأسٍ من الصَّحْب القديم
مُشْعَلٌ طُوري ليغشاه كليمْ٩
بحرُ صحبي قطرةٌ لا تَزْخَرُ
قطرتي كاليمِّ فيه صَرْصَرُ
من وجودٍ غير هذا لي غِناء
ولركبٍ غيرِ هذا لي حُداءْ
كم تجلَّى شاعرٌ بعد الحِمامْ
يوقظُ الأعينَ حينًا وينام
وجههُ من ظلمة الموت سَفَر
ونما من قبره مثلَ الزهَر١٠

•••

كم بهذا السَهب مرَّت قافلهْ
مثلَ سَير النُّوق رهوًا سابلهْ
غيرَ أني عاشقٌ، ديني النُّواحْ
ثورةُ المحشر في هذا الصياحْ
أنا لحنٌ كلَّ عنه الوترُ
لا أُبالي أَنَّ عُودي يُكسرُ١١
أبعدِ القطرة عن سيلٍ طما
وانظرنَّ اليمَّ منه التطما
لا تعي موجيَ هذي الأنهرُ
لا تعي لُجِّيَ إلا أبحرُ
ليس أهلًا لسحابي زهرةٌ
ليس فيها لنموٍّ روضَةُ١٢
كم بُروقٍ نائماتٍ في الجَنانْ
ضاقتْ البيدُ لديها والقِنانْ١٣
إن تكن صحراءَ فاطلب لجَّتي
أو تكن سيناءَ فاقبِس شُعلتي
قد حُبيتُ الوِردَ من عَين الحياهْ
ووُهبتُ السِّر من عين الحياهْ١٤
أشعلَ الذرة لحني الثائرُ
رفرفتْ فهي يَراع طائر
مانثا ذا السرَّ غيري في البشرْ
لم يثقب ناظم مثلي الدُرَر
أقبِلَنْ إن تَبغ عيشَ الخالدينْ
أقبِلَنْ إن تبغ مُلك العالَمين
أفشت الأفلاك لي السرَّ القديمْ
كيف يُخفَى السرُّ من دون النديم؟
أَيها الساقي! من الراح اسقني
وأسُ في قلبي جِراحَ الزمن
شعلةُ الماء التي من زمزم
قيصرٌ يعنو لها كالخدم
مُقلةُ المُبصرِ منها أبصر
وشِعابُ الفكر منها، أنور
تجعلُ الريشةَ طودًا قاهرًا
وتُرى الثعلب ليثًا زائرًا
هِيَ تسمو للثُريَّا بالثَرى
وتعي القطرةُ منها أبحرا
تجعل الصمت ضجيجَ المحشرِ
تجعل الدُّرَّاج حتفَ الأصْقُر
املأ الكأس بصَفوٍ نيِّرِ
نوِّرِ الفكرَ بنور القمرِ
لأقود الركب شطر المنزل
باعثًا شَوْقَ السُّرى في المُقَل
رائيًا وجهَ جديدِ الأمل
ساعيًا إثرَ جديد العمل
فأُرَى إنسان عين العارفين
وأُرى لحنًا بأُذْن العالمِين
مُعليًا قدرَ الكلام المُبدَع
مازجًا فيه غزيرَ الأدمُع
قارئًا من فيض ذا الشيخ العظيم
كُتُبًا تُضمر أسرار العلومْ١٥
قلبهُ من شعلة الوَجد استعرْ
وأنا في نَفسٍ منه شَرَرْ
قد رمى الشمعُ فَراشي باللهَبْ
وغزتْ جامي الحُميَّا فالتهبْ١٦
صيَّر الروميُّ طيني جوهرًا
من غُباري شاد كَونًا آخرا
ذرةً تصعد من صحرائها
لتنال الشمس في عليائها
إنَّني في لُجِّه موجٌ جرى
لأصيب الدُّر فيه نيِّرا
قد عرتْني نشوةٌ من كاسه
وحياةً نلتُ من أنفاسه

•••

ليلةً رانت على قلبي الشجون
وسرت «يا ربِّ» في الليل السكون١٧
من فراغ الكأس قلبي نائحُ
من صروف الدهر شاك صائح
أرهق التسيارُ فكري فثوى
هِيضَ سِقْطاه وللنوم هوى١٨

•••

لاح شيخ الحق ذاك الألمعيّ
من حكى قرآننا بالفهلويّ١٩
قال: يا ولهان بين العاشقين!
من شراب العشق فاجرع كل حين
شُقَّ في العين حِجابَ البصر
وأثِرْ في القلب هولَ المحشر
واجعلنَّ الضِّحْك ينبوع البكاء
واملأ العين دموعًا من دماءْ
أنت كالِكمِّ صموتٌ أبكمُ
انشُرنْ كالورد ريحًا تَفْغَم٢٠
صعِّدنْ من كلِّ عضو، كالجرس
نوحك الصامتَ — في كلِّ نفَس
أنت نار فأضئ للعالَمِين
بلهيب منك أذكِ الآخرين٢١
سِرَّ شيخ الحان أعلِنْ في هَياجْ
كن مُدامًا واتخذ ثوبَ الزجاج٢٢
وكن الفِهرَ لمرآة الفِكَر
واصدَعنْ جهرًا وأعلن ما استتر٢٣
حَدِّثَنْ كالناي عن غابٍ نأَى
حدثنْ قيسًا عن الحيِّ انتأى٢٤
جدِّد النوح بلحن محدَثِ
ومن الآهات في الحفل انفثِ
كل حيٍّ فيه رُوحًا أَحْكمِ
وزِد الحيَّ حياة من «قُم»٢٥
وهلمَّ اسلُك طريقًا أُنُفا
وانفِ عن قلبك ما قد سَلَفا
جرسَ الركْب! تنبَّه لا تنم
واعرف اللذة في هذا النَّغَمْ

•••

صرتُ نارًا في ثيابي تُسعَر
صرت كالناي، هَياجًا أُضمِر
ثُرتُ من أوتار نفسي نغمًا
شِدتُ من حسن بياني إرما٢٦
فرفعتُ الستْر عن سرِّ خودي
فبدا الإعجاز من أمر خودي٢٧
كان كوني صورة لم تكمل
كان سِقطًا مُهمَلًا في الهمَل
مِبْرَدُ العشق براني رجلًا
كيفَ هذا الكون والكمُّ جَلا٢٨
فرأت عيناي نَبض الأنجُم
وبعرق البدر دَوْراتِ الدم٢٩
وبكيت الناسَ جنحَ الظُلَم
فبدا سرُّ حياة الأمم
مَصنَعُ الكون أراني ما حواه
فتجلَّى سرُّ تقويم الحياة
أنا — مَن في ظلمة الليل أنار —
في طريق الملة البيضا غبار٣٠
صوتُها في الشرق والغرب علا
لحنُها في القلب نارًا أشعَلا
ذرَّةً ألقت وشمسًا حصدتْ
ألفَ روميٍّ وعطَّار جنت٣١
آهتي الحَرَّى سَمتْ فوق العَنانْ
عِترتي النارُ، وإن كنتُ الدخان٣٢
قلمي في مسرح الفكر علا
فجلا الأسرار في السبع العُلَا

•••

ما قصدت الشعر في هذا النَّغَم
نحتَ أصنام وتعظيمَ صنم٣٣
أنا هنديٌّ شآني الفارسيّ
وهلال أنا ذو جام خليّ٣٤
لا تؤمِّل عندنا حسن البيان
لحنَ خَنْسار به أو أصفهان٣٥
ذاكمُ الهنديُّ يحكي السكرا
لكن الدَّرِّيُّ أحلَى مخبَرًا٣٦
سحرَ الفكرَ تجلِّيه وراعْ
فإذا لي شجر الطور يراع٣٧
قد علا فكري، وهذا الفارسيّ
لاءم الفطرةَ في فكري العليّ
أيها العائب كأس الخندَريس!
انظرن يا صاح ما تحوي الكئوس٣٨

في بيان أن نظام العالم من الذاتية وأن تسلسل حياة أعيان الكون لا يكون إلا باستحكامها

هيكل الأكوان من آثارها
كلُّ ما تُبصر من أسرارها
نفسَها قد أيقظت حتى انجلى
عالم الأفكار ما بين الملا
ألفُ كون مختفٍ في ذاتها
غيرُها يَثْبت من إثباتها
جعلت بَزر خصام بزرَها
نفسَها تنظر فيها غيرَها
خلقت أضدادها من نفسها
لترى لذَّتَها في بأسها
تبتلي في نفسها قوتَها
لترى من نفسها قدرتها
خُدَعٌ من وَهمها عينُ الحياهْ
غُسلُها في دمها عين الحياهْ٣٩
تُخرب البستان أجلَ الوردة
تُكثر النوح لأجل النغمة
لفُليكٍ واحد ألفُ هلال
ولحرف واحد ألف مقالْ
عذرها في سَرَفٍ أو قسوة
أنها تبغي جمال الخلقة٤٠
حُسنُ شيرينَ لفَرهادَ مِحَنْ
ومن المسك رَدَى ظَبيُ الخُتَن٤١
في فَراش حرقة كالشعَل
عذرُه في شمعه المشتعلِ
ألفَ يوم سطَّرته يدُها
ليُجلَّى في سناه غدُها
ألفُ إبراهيم في النار اغتدى
لسراج يُرتَجي من أحمدا٤٢

•••

همَّها الأعمال فهي الفاعلُ
وهيَ العلَّة وَهْيَ القابل
ثورة فيها وإجفال، ونور
واحتراق واختفاء وظهور٤٣
سَعة الأيام مَيدانٌ لها
والسماء النَقعُ يعلو سُبلَها
يدها في الطين، للكون ازدهارْ
نومها الليلُ، وفي الصحو النهار
قسَّمت شعلتها في شَرَر
فرأى الأجزاءَ عقلُ المُفْكِر
تخلق الأجزاء إما تَنفطر
تُنشئ الصحراء إمَّا تنتشر
ثم صارت بانتشار في ملال
فاحزألَّت فبدت شمُّ الجبال٤٤
شيمة الذاتِ التجلِّي لا الخفاء
وهي في الذرات بأس وضياء
قوة صامتة جلفُ عَمَلْ
عملُ اليوم لآتيها عِلل
قوة الذات من الكون النواهْ
فعلى قدر القُوَى قدر الحياه
كِلمة الذات تعيها قطرةُ
فإذا القطرة يومًا درَّةُ
خارت الخمر فلا شكل لها
ومن الكأس استعارت شكلها٤٥
وسها طود عن النفس فحار
فغدا صحراء تغشاها البحار٤٦

•••

يُعقَد النور لخلق المقلة
تخفق العين بشوق الجَلوة
وإذا العشب نماءً أضمرا
شقَّ صدر المرج حتى يظهرا
يجمع الشمعُ بعزم نفسَه
ومن الذرات يُعلي رأسه
ويُذيب النفس إمَّا غَفَلا
فتراه دمع عين هملا٤٧

•••

شدَّت الأرض قُواها فالقمر
في طواف حولها لا مستقَرّ
وكيانُ الشمس منها أكبرُ
فلها عَين ذُكاءٍ تسحَر
وعلا الحَورُ فهَال الناظرا
وعلا الطودَ أبيًّا قاهرا
وارتدى كسوة نار حاميهْ
أصله حبة نبت آبيهْ٤٨
إنَّ ذاتا جمعتْ أسْرَ الحياهْ
من غدير أزخرت بحرَ الحياه٤٩

في بيان أن حياة الذات بتخليق المقاصد وتوليدها

إنما يُبقي الحياة المقصِدُ
جَرَسٌ في ركبها ما تَقصد٥٠
سِرُّ عيشٍ في طِلابٍ مُضمَر
أصلُه في أمل مستترُ
أحيِ في قلبك هذا الأملا
لا يَحُلْ طينُك قبرًا مُهمَلا
يخفق القلب به بين الصدورْ
هو في صدرك مرآة تُنير
يهَبُ التربَ جَناحًا يَصعَد
ولموسى العقلِ خِضرًا يُرْشِد٥١
إنما يَحيا الفؤادُ الآملُ
وإذا حيٌّ يموت الباطلُ
فإذا عَيَّ بتخليق المُنَى
هِيضَ سِقطاه وأودَى وَهَنا
أملُ الذاتِ لهيبٌ يَستعِرْ
أو هو الموج الذي لا يستقِرْ
وهَقُ المقصودِ حَبْل الأمل
إنه خَيْط كتابِ العمل٥٢
ومماتَ الحيِّ فقدان الرجاء
يُطفِئُ الشعلةَ فِقدان الهواء

•••

كيف فينا أعين قد ظهرت؟
لذةُ الرؤية فينا صوِّرت٥٣
من مُنَى التَّخطارِ رِجلُ الحجَل
مِن مُنَى التغريد حَلقُ البلبل
حَيَّ نايٌ قد نأى عن غابه
أطلق النغمة من أوصابه
ذلك العقل الذي الكونَ طوى
وتَرى الإعجاز فيه والقُوَى
إنما أصل الحياة الأملُ
فكذاك العقل منه يُنسَل٥٤

•••

ما نظامٌ في شعوبٍ وسُنن؟
ما تَرى التجديدَ في علم وفنّ؟٥٥
أملٌ من قوة فيه ظهرْ
يَرِحَ القلبَ فغشَّته صُوَر
كل ما نملك من هذي الحواسّ
كلُّ عُضو فيه للعيش التماس
كل فكر وخيال واعتبار
كل حسٍّ وشعور وادِّكارْ
هي آلات الحياة الجاهدة
حين تَمضي في وغاها صامده
ليس قصد العِلم والفنِّ الفِكَر
ليس قصد المرج ألوانَ الزهَر
إنما العلم وِقاءٌ للحياهْ
إنه للذات تقويم النجاهْ
للحياة العلمُ والفنُّ خَدَم
للحياة العلم والفن حَشم

•••

جاهلًا سرَّ الحياة! اجتهدِ
وامض نشوانَ بخمر المقصدِ
مقصدٍ كالصبح في أنواره
محرِقٍ كل «سِوًي» في ناره
مقصدٍ يجتاز آفاق السماء
يأخذ القلب بحُسن وبهاء
ثورة فيه وفيه محشرُ
وعلى الباطل حربًا يُسعِر
نحن أحياء بخلق الأملِ
نحن في نور بهذي الشُّعل

في بيان أن الذات تستحكم بالمحبة والعشق

نُقَط النور التي تُدعَى الذواتْ
شررٌ في طيننا للحَيَواتْ
مُشعَل بالحبِّ منها الجوهرُ
يتجلَّى من قواها المضمر
قطرةٌ بالعشق تُوعِي ضرَما
وهي بالعشق تُنير العالَما٥٦
لا يهاب العشقُ في السيف المَضاءْ
ليس من ماء وترب وهواءْ
هو في العالم صلح وخصامْ
للحياة الماء من هذا الحسام
نظرة العشق بها شَقُّ الصخور
هو عشقُ الحق، والحقَّ يَصير
فابغ في طينك هذي الكيمياءْ
اقبِسَنْ من كاملٍ هذا الضياء٥٧
امض كالروميِّ شَمعًا يَشتعل
وارم من تبريز في الروم الشُّعَل٥٨
إن في قلبك معشوقًا ثوى
أقْبلَن أنبئْك عن هذا الجَوى
عاشقوه قد شأوْا كلَّ جميل
حبُّهم في كل قلب لا يَحولْ
عشقُه في القلب نورٌ أسفرا
للثريا يرتقي منه الثرى٥٩
تُربُ نجدٍ منه قد خفَّ وضاء
طار وجدًا مُصعِدًا نحو السماء
مهجة المسلم مَثْوى المصطفى
عِزَّةُ المسلم ذكرى المصطفى
موجَةٌ من نَقْعه الطورُ الأشمّ
داره، للكعبة العظمى حَرَمْ
ضاق عن آنٍ حواه الأبَدُ
مستَمدٌّ من مَداه الأمد
آثرت سُحق حصير عفَّتهْ
وعَلت تيجانَ كسرى أُمَّتُه
خلواتٌ في حِراء خَلَقا
أمَّةً مِنْها وحُكمًا مُشرِقا
كم ليالٍ قد قضاها ساهدا
فحبا الأمة مُلكًا خالدًا
سيفه في الحرب قَطَّاع الحديدْ
عينُه في الذكر بالدمع تجود
سيفه «آمين» تمحو الظالمين
حين يدعو الحقُّ بالنصر المُبين
سُنَنًا في كوننا قد جددا
ومن الماضين مُلكًا بدَّدا
فتح الدنيا له مفتاحُ دينْ
عقِمتْ عن مثله أمُّ السنين
استوى مولًى لديه وغلام
هو والعبد سواء في الطعام٦٠

•••

أسِرتْ في غزوة بنتُ الجواد
من عَلا طيًّا بجدواه وسادْ٦١
رجلها في القيد والرأس حسيرْ
مُطرقٌ في ذلِّه الطرفُ الكسير
بُردَةً ألقى عليها ساترًا
إذْ رأى وجهًا ورأسًا حاسرًا
نحن أعرى في الورى من أختِ طيّ
ليس يكسونا لدى الأقوام شيّ
هو في الدنيا علينا ساترُ
وهو في الحشر إلينا ناظر
لطفُه والقهر كلٌّ رحمةُ
لصديق وعدوٍّ رأفةُ
وبيوم الفتح هذا الغافر
قال: «لا تثريب» وهو القادر٦٢
إننا من قَيد أوطان بَراء
نحن من عينين نورٌ لا مِراء٦٣
نحن في مغربنا والمشرقِ
كالندى في وجه صبح مُشرق
أسكرتْنا عينُ ساقٍ في البطاح
كزجاج نحن في الدنيا، وراح٦٤
قد محا الأنسابَ طُرًّا ذا العظيم
ناره قد أحرقت هذا الهشيمْ
نحن زَهر وشَذانا ائتلفا
ضمِّنا منه نظامٌ ألِّفا
نحن كنَّا سِرَّه في قلبه
فأذاعت صيحةُ الحقِّ به

•••

عشقه ثار بعودي الصامتِ
ألفُ لحن في فؤادي الساكت
ما حديثي عن ولاء واشتياقْ؟
قد بكى جذعٌ مَواتٌ للفراق٦٥
صورتي قد أوضحتْ مرآتُه
أنا صبحٌ أطلعتْ آياتُه
ثورةُ الحشر بليلي النائمِ
وهدوئي في اضطراب دائم
إنني البستان في آذاره
في عروقي الماء من أمطاره٦٦
قد غرست العين في حقل الوداد
من سراح العين لي هذا الحصاد٦٧
قد شأى الدارَين من يثرِبَ طِيبْ
حبذا دار بها مثوى الحبيب!
أنا للجاميِّ في الشعر فداء
نظمه والنثر من جهلي دواء٦٨
قال بيتًا بالمعاني يفهق
فيه دُرٌّ من مديح يبرُقُ
هو عنوان كتاب العالَمَين
سيد الكونين، مولى الثقلَين

•••

كم يُريك العشقُ من صهبائه
فترى التقليد من أسمائه٦٩
أحكِم العشقَ بتقليد الحبيبْ
لتنال القربَ من ربٍّ مُجيب
في حِراء القلب فاقعد خاليًا
وإلى الحق فهاجر راضيًا
اقويَنْ بالحق ثم ارجع إليك
واحطمنَّ اللات والعزَّى لديك٧٠
اقويَنْ بالعشق في سلطانه
وابتغ الجلوة في فارانه٧١
تظفرْن بالقرب يا ذا السائل!
وتكن تفسير «إني جاعل»٧٢

في بيان أن الذات تضعف بالسؤال

أيها الجابي من الأُسْد الخراجْ!
صرت كالثعلب خِبًّا باحتياج
ذلك الإعواز أصلُ العِلل
كلُّ آلامك من ذا المُعضِل
سالبُ الرفعة من فكر رفيعْ
مطفئُ الشمع من الذهن البديع
من كنوز الدهر أخرج ما تريد
وخذ الصهباءَ من دَنِّ الوجودْ
وعن الرَحل ترجَّل كعمر
احذَرن من مِنَّة الناس، الحذَر٧٣
صاح! حتَّامَ اجتداءُ المنصِب؟
فيم كالطفل ركوبُ القصب٧٤
تجد الإفلاسَ بالسؤل أذلّ
وترى السائلَ أخزى وأقلّ
فرَّق الذاتَ سؤالٌ واجتداء
فبدت سيناؤها دون ضياء٧٥
إن يكن في الرزق والجَدِّ عَناء
وطغى حولك سيلٌ من بلاءْ
لا ترُم في الأرض رزقًا بالبكاء
لا ترجَّ الماء من عين ذُكاء٧٦
احذر الخزي أمام المصطفى
يوم يَخزى كل ساع ما وَفى
من سماط الشمس يقتات القمرْ
فعليه وَسمُ نُعماها ظهر٧٧
جاهد الأيام والله استعِنْ
ماء وجه الملة البيضاء صُنْ
علَّم الناس الصدوقُ الصائب
أنْ «حبيبُ الله ساعٍ كاسبُ»٧٨
ويح من يحمل ذلَّ النعمةِ
خافضَ الرأس لثِقْل المنَّةِ
أرهقَ النفس بوقر الذلة
بنقيرٍ باع تاج العزة
مرحبًا بالظامئ الضحيانِ لا
يسأل الخِضْر شرابًا في الفلا٧٩
بسؤال الناس لم يُند الجبينْ
ذا كم الإنسان، لا ماء وطين
تحت هذي الشمس يَمضِي ذا الفتى
عاليَ الرأس كسَرْو قد عتا
زاد في العُسر مضاءً حدُّهُ
هو يقظانُ وغافٍ جَدُّه٨٠
كُن حَبابًا من عطاء ينفر
فارغَ الكأس ببحر يَزخَر٨١

في بيان أن الذات تستحكم بالمحبة والعشق فتسخر قوى العالم الظاهرة والباطنة

أمرها في الكون طرًّا يَحكم
حينما الذات بعشق تُحكَم٨٢
يدها من قوة الحق أثرْ
فإذا ما أومأت شُقَّ القمر
في خصومات الورى أقوى حَكَمْ
صاغرٌ في حكمها دارا وجَمْ٨٣
اسمعن مني حديثًا عن وليّ
اسمه في الهند مشهورٌ عليّ٨٤
ذلك الصِّداح في المرج القديم
قصَّ أخبارًا عن الورد الشميم٨٥
سالكٌ سكران من خمرته
قصد الأسواق في بغيته
وأتى العاملُ في موكبه
معه الحرَّاس قد حفَّتْ به
صاح للتطريق جنديٌّ نكير
أيها الأحمق أفسِح للأَمير
ومضى الدرويش في تَسياره
غارقًا في اللجِّ من أفكاره
فأتى ربُّ العصا في شِرَّته
ضاربًا رأس الفتى في غفلته
فتنحَّى عن طريق العامل
وهْو في ذعر وحزن قاتل
ومضى يشكو إلى شيخ الطريق
دَمعُه من محبس العين طليق
زمجر الشيخ بقول من ضَرَم
مثلَ بَرقٍ في ذُرى الطود اضطرم
ثم أملى الشيخ سطرًا من لَهبْ
قال للكاتب في نار الغضبْ
أمسك المِزْبَر واكتب ذا النذير
أبلغ السلطان عن هذا الفقير
عامل عندك غِرٌّ قد عصا
وعلا رأس غلامي بالعصا
اعزل العامل، هذا الفاجرا
أو أهَبْ مُلكك مَلْكًا آخرا
عبد حق فيه لله احتساب
أرعد السلطانَ منه ذا الكتاب
آدهُ غمٌّ وخوف لا يحول
فحكى في لونه شمس الأصيل
قيَّد العامل بالقيد الثقيل
واستغاث الشيخَ للصفح الجميل
ورأى خُسرو له خير سفير
ذلك الكوكَب وضاء الضمير٨٦
ساحر الألباب في ألحانه
مستمد الغيب في تِبيانه
ولَها خسرو بأوتار الرباب
فأهاج الشيخَ وجْدًا وأذاب
فطرةٌ كالطود في عزَّتهِ
خشعت للَّحن في رقَّته
احذرن لا تجرحَن قلب فقيرْ
لا تزُجَّ النفس في نار السعير

قصة في معنى أن مسألة نفي الذات من مخترعات الأمم المغلوبة لتضعف الأمم الغالبة بهذه الطريقة الخفية

قد سمعنا أن في عصر قديم
جمعَ ضأنٍ كان في مَرعًى يُقيمْ
وفَرَتْ نَسْلًا بذا المرعى الخصيب
فارغاتِ البال من ليث وذيبْ
ثم ألْوَى بمُناهنَّ القدَر
ورمَى بالسهم فيهنَّ الدهَر
دهمتها الأسدُ من آجامها
ناشراتِ الذعر في أيَّامها
آيةُ القوة حكم قاهر
سرُّها الظاهر فتح الظافرُ
ضربَ الليث طبول النوبة
آخذًا آفاق هذي الثلَّة٨٧
وكسى المَرعى بصبغ أحمرا
ما سِوَى الفَرسِ لدى أسْد الشَّرى

•••

وانبرى كبش ذكيٌّ ذو عُمُر
جرَّب الأحداث من حُلو ومُرّ
غمَّه ما قد يعاني سِربُه
من فِعال الأُسْد يَدمَى قلبُه
أمرَه أحكمَ في تدبيره
وهو يشكو الدهر في تقديره
باحتيال العقل يحمي نفسه
كلُّ رِخوٍ ليس يرجو بأسه
قوة التدبير في دفع الضرر
في زمان الضعف أقوى وأمرّ
فإذا ما ثار للثأر الجنونْ
صار عقل العبد خلَّاقَ الفتون
قال: أمر حار فيه العاقلُ
بَحرُ غمٍّ ليس فيه ساحِلُ٨٨
كيف للضأن قتالُ الأسَدِ
ساعدٌ رِخوٌ وفولاذُ يدِ٨٩
ليس وعظٌ من بليغ قادرًا
أن يردَّ الكبش ذئبًا كاسرا
لَكن الليثُ تراه حَمَلًا
إن سها عن نفسِه أو غفَلا
فادَّعى في القوم دَعوى مُلَهم
مرسَلٍ للأسد شُرَّابِ الدم٩٠
قال: كلُّ القوم «كذَّاب أشِرْ»
غافل عن يوم نحس مستمرّ٩١
جئتُ للناس بشرعٍ مُحكَم
إنَّني النورُ لطَرْف مُظلِم
عجَّلوا التوبة عن كل قبيحْ
واتركوا الخُسرَ إلى الفعل الربيحْ
ويحَ جَلْد أُحكمت فيه قُواهْ
«نفيُ الذات» هو إحكام الحياه٩٢
علَف العُشبِ به الروح تطيبْ
عائفُ اللحم إلى الله قريبْ
حدَّةُ الأسنان عارٌ مُبرَم
بصرُ الإدراك منها يُظلم
إنما القوةُ خسرانٌ مبينْ
خُصَّت الجنة بالمستضعفين
طلبُ السلطان شرٌّ مستطيرْ
خيرٌ الفاقةُ من عزِّ الأميرْ
تأمن الحبة بَرقًا مُحرِقا
وترى البيدرَ منه محرَقا٩٣
ذرةً كُنْ لا كثيبًا أفيحا
لتنال النور من شمس الضحى
قُلْ لمن يُزهَى بذبح الغنم
اذبح النفس بحقٍّ تغنَمِ
يقطع السُبْل على هذي الحياه
قوةٌ فيها وسلطانٌ وَجاه
يوطأُ العشبُ فينمو صُعُدا
يفتح الأعينَ من بعد الردى٩٤
أغفِلَنْ نفسك إمَّا تعقلِ
إنما المجنون من لم يُغفل
أسدُدن عينًا وأذنًا وفما
ليجوز الفكر أَقطارَ السما٩٥
هذه الدنيا فناءٌ في فناء
إنها وهم فما فيها رجاء

•••

كانت الأسدُ جهادًا مَلَّتِ
نازعات نحو عيش الدَّعة
عن هوًى أصغتْ إلى النصح المُنيمْ
فدهاها الكبش بالسحر العظيم
كان فَرس الضأن من سُنَّتها
فاقتدت بالضأن في شِرْعتها
جوهرُ الأساد أضحى خزَفًا
حين صار القوت هذا العلَفا
ذهب العُشبُ بنابٍ ذي أَشَر
أطفأ الأعينَ ترمي بالشَرَر
ذلك القلب عن الصدر نأى
جوهر المرآة فيها صدِئا
فذوى في القلب شوق العَملِ
وهُيامُ السعي خَلْف الأمل
ذهبَ الإقدامُ والعزمُ الأليلْ
والسنا والعز والمجد الأثيلْ
بُرثن الفولاذ فيها قد وهن
واستكان القلب في قبر البدن
ونما الخوف بنقص المُنََّة
قَطَّع الخوف جذور الهمة
كل داء في سقوط الهمم
يجعل الأحياء مثل الرِّمَم
نامت الأسد بسحر الغنم
سمَّت العجزَ ارتقاءَ الأمَم

في بيان أن أفلاطون اليوناني الذي أثرت آراؤه في تصوف المسلمين وآدابهم كان على هذه الطريقة الغنمية وأن الاحتراز من آرائه واجب

راهبُ الماضين أفلاطُ الحكيم
من فريق الضأن في الدهر القديم
طِرفُه في ظُلمة المعقول ضلّ
في حزون الكون قد أعيا وكلّ
فكره في غير محسوس فُتِن
صدَّ عن كفٍّ وعَين وأذُن٩٦
قال: في الموت بدا سرُّ الحياة
في خمود الشمع يزداد سَناهْ
حُكمه في فكرنا جِدُّ عظيمْ
يمحق الدنيا له جامٌ مُنيم
هو شاةٌ في لباس الآدميّ
وهو في الصوفيِّ ذو بأس قويّ
عالَم الأشياء سمَّاه الهراء
وعلت أفكاره فوق السماء
فعله «تحليل أجزاء الحياه»
وجفاف النبع من ماء الحياه
زعم الخسرانَ ربحًا فكرُهُ
ودعا الكونَ فناءً سحرُه
فكرهُ يُغفِي ورؤيا يخلُقُ
عينه تُبصر آلًا يَبرُق٩٧
حُرم المسكين حبَّ العملِ
فقفا معدومَه لا يأتَلي
منكرًا في الكون ما لا يُفقَد
خالقًا في الكون ما لا يُشهَد
عالَم الإمكان للحيِّ وطن
عالم الأعيان للمْيت حَسَن٩٨
ظَبيهُ من خفة لا يَجفَل
غيرُ خطَّارٍ لديه الحجَل٩٩
لم يُلألئْ عنده قطرُ الندى
طيرُه ما فيه صوت قد شدا
حبةٌ في أرضه تأبى النماءْ
وفراشٌ عنده يقلي الضياء١٠٠
في وغى العالم نِكسٌ مُحجِمُ
مُشفقٌ راهبُنا لا يُقدِم
قلبه يَعشو لنارٍ خامدهْ
صوَّرتْ عيناه دنيا هاجدهْ
طار من عش إلى الأوج العَليّ
ثم لم يرجع إلى العش الخليّ١٠١
هُلك أقوام بهذا الثَمَل
حُرِمُوا بالنوم ذوق العملِ

في حقيقة الشعر، وإصلاح الآداب الإسلامية

حرقة الإنسان من كور الأملْ
نارُ هذا الطين من نور الأمل١٠٢
إنه الخمرة في كأس الحياهْ
وبه وقدةُ أنفاس الحياهْ
الحياة الحق تسخير الدُّنى
وإلى التسخير تَدعوها المُنَى
هي للمقصود في الدنيا سبيل
وهي للعشق من الحسن رسول
أمل الإنسان أنيٌّ يظهر
كيف يشجو الحيَّ هذا المزِهر؟
كلُّ خير وبهيج وجميل
هو في بيدائنا نعم الدليلْ١٠٣
حُسنُه في القلب نور يسطع
تجد الآمال منه تطلع
خلق الحسنُ نضيرَ الأمل
وأدام الحسنُ نورَ الأمل

•••

مطلع الحسن ضمير الشاعر
طُورُه صبح الجمال الباهر
زادت الحسن جمالا نظرتُهْ
زادت الفطرةَ حبًّا صنعتُه
غرَّد البلبلُ من تلحينه
ضاءَ خدُّ الورد من تلوينه
ناره كلَّ فَراش كاويهْ
قِصصُ العشَّاق منه زاهيهْ
مضمر في خلفه بحر وبر
ألْف كون محدَثٍ فيه استتر
كم شقيق في الحشا لم يطلُعِ
وغناءٍ وبُكًى لم يُسمَع١٠٤
فكره للبدر والنجم نجيّ
يُبدع الحسنَ، وفي القبح عييّ
خَضِرٌ في ليله ماء الحياه
تُزهر الأكوانُ من ماء بُكاه١٠٥
نحن أغرار بِطاءُ الأرجُل
ضلَّ سارينا طريقَ المنزل
لطُفتْ في سَيرنا حيلتُه
وعلت في ركبنا نغمتُه
يحفز الركب لفردوس الحياه
ويُتمُّ الدَور في قَوس الحياهْ١٠٦
فمضى الركبان إثر الجرَس
وشدا الحادي بصوت مؤنِس
وسرَت في زَهرنا نفحتُه
مذ سرت في روضنا نسمتهُ
نفَسٌ منه حياةٌ تُزْهِر
حُرَّة لوَّامةٌ لا تصبرُ
يأدِبُ الناس جميعًا للقِرى
نارُه كالريح تسري في الورى

•••

ويل قومٍ لهلاكٍ طائرُه
صدَّ عن وِرد حياة شاعرُهْ
كلُّ حُسْنٍ شاهَ في مرآته
في الجسوم السمُّ من جَرعاته
تُذبلُ الأزهارَ منه القُبَل
ويَعاف الشدوَ منها البلبلُ
تهِن الأعصاب من أفيونه
ويموت الحيُّ من تلحينه
يسلب السروَ جميل المَيَل
ويردُّ الصقر مثل الحَجل١٠٧
هو حُوتٌ نصفه كالآدميّ
كبنات البحر تقتاد الغويّ١٠٨
يُسحر الربَّان منها باللحون
ولقاع البحر تهوي بالسفين
يسلب القلب ثباتًا لحنُه
ويُرِي الموت حياة فَنُّه
يُلبِس النفع لباسَ الضرر
ويُري الحسنَ قبيح الصُّور
في بحار الفكر يُلقيك فلا
تشتهيه أو تطيق العملا١٠٩
شِعره فينا يزيد الكللا
كأسه فينا تزيد المللا
سَيلَ برقٍ ما حوى نيسانه
آل لَونٍ وشذًى بستانه١١٠
فنُّه بالحق لا يعترف
بحره ما فيه إلا الصدَفُ
نوَّمتْ ألحانُه يقظتَنا
أطفأت أنفاسه شعلتنا
بلبلٌ سُمُّ قلوب نغَمُه
ضِغْثُ ورد فيه يثوي أرقمه
خمره اللألاءةَ اترك واحذرِ
كأسَه والطاسَ والدَّنَّ اهجرِ
يا صريعًا خمرَه يغتبق
لك صبح من سناها مشرقُ
يا بَرود القلب من ألحانه
قد شربت السمَّ من تبيانه
يا دليلًا للردى أفكارُهُ
عُطِّلَت من نغم أوتارُه
أنت للذلِّ أرحتَ البدنا
أنت للإِسلام عارٌ في الدُّنَى
من نسيم مَرَّ يَدمَى خَدُّكا
بعروق الورد يُلوَى قَدُّكا
أخزت العِشقَ دُجًى صيحاتُكا
غضَّ من صورته بِهزادُكا١١١
شاحبَ الوجه بدا من ضُرِّكا
بردت نيرانُه من قُرِّكا
عاجزُ الهمة من ذلتكا
وعليل الروح من علَّتكا
أدمع الأطفال في كاساته
كنزه ما اعَتدَّ من آهاته
آه من وغدٍ ذليل يائس
هالك من رَكَلات الحارس١١٢
صار كالناي هزيلًا نائحًا
شاكيَ الأقدار جهلًا صائحًا
ليس إلا الحقدُ في جوهرهِ
ليس إلا العجزُ في مخبره
يائس فَلٌ حليف الخيْبة
شقوةٌ في خِسَّةٍ في ذلة١١٣
نَوحُه روحك منه في سَقامْ
قد حَمى جيرانَه طيبَ المنامْ
ويحَ عشق قد ذكا في الحرمِ
نارُه باخت ببيت الصنمِ!

•••

صيرفيَّ القول! إن تبغ النجاهْ
فاجعلن معياره نارَ الحياه
نيِّرُ الفكر يقود العملا
مثلَ برق قادَ رعدًا جلجلا
مَن بفكرٍ صالح في الأدبِ؟
ارجَعنْ يا صاحِ شطر العرب١١٤
وسُلَيْمي العُرب يا صاح اعشقا
لترى صبح الحجاز ائتلقا
في رياض العجم قطَّفتَ الزهَرْ
في ربيع الهند سرَّحت البصر
من حَرور البيد فاشرب يا رفيقْ
واشربن من تمرها الراحَ العتيقْ
أَسْلِمَنْ رأسك يومًا صدرَها
وأْلَفَنْ في حرِّها صرصَرها
قد لبست الخزَّ طول الزمنِ
فألف الكِرْباس يومًا واخشُنِ
كم وطئتَ الورد في طول المدى
غاسِلًا، كالورد، خدًّا بالندى
فعلى رمل الصحاري المُضرَمِ
أقدِمَنْ يومًا وغُصَّ في زَمْزَمِ
فيم هذا النوحُ مثلَ البليل؟
وإلام العُشِّ بين الظُّللِ؟
قد علا جَدُّ الهُما من صيدكا
اجعلن في الطود مثوى عشكا١١٥
ابن عُشًّا حيث لا تَرقَى الأَنوقْ
تختفي فيه رعود وبروقْ١١٦
لتُرى أهلا لأعصار الحياهْ
وتُذيب النفسَ في نار الحياهْ

في بيان أن التربية الذاتية ثلاث مراحل: الأولى الطاعة والثانية ضبط النفس والثالثة النيابة الإلهية

المرحلة الأولى: الطاعة

أُلْفَة الكدِّ شعارُ الجملِ
شيمة الصبر وَقارُ الجملِ
صامتَ الأخفاف يمشي ماضيًا
زَورقًا في البيدِ يَسري هاديا
نقشت وجهَ الصحاري أرجُلُهْ
شاردَ النوم قليلًا أُكُلهْ
ثمِلًا يختال تحت المحمَل
راقصًا يُقدمُ شطر المنزلِ
في المَدى من راكبيه أصبرُ
هائمٌ بالسير، عُجبًا يَخِطر

•••

فاحمل الفَرض قويًّا لا تهابْ
وارجوَنْ مَن عنده حسن المآب١١٧
اجهدن في طاعة يا ذا الخسارْ
فمن الجبر سيبدو الاِختيار١١٨
بامتثال الأمر يعلو من رسبْ
وهَوى الطاغي ولو كان اللهب
سخَّر الأفلاكَ في همَّتهِ
مَن ثوى في القَيد من شِرْعَتِه
قد سرى النجمُ يؤمُ المنزلا
طوعَ قانون له قد ذُلِّلا
ونما العشب بقانون النماءْ
فإذا ما حاد يُجفَى بالعراءْ
ولهيبٌ دائم دين الشقيقْ
دمَه من ذاك يسري في العروق١١٩
يربط الذراتِ قانونُ الوصالْ
فهي بَحرٌ وهي برٌّ باتصال
كلُّ شيء فيه قانونٌ سرى
كيف في هذي المعاني يُمترى؟١٢٠
ارجعنْ يا حُرَّ دُستورٍ قديمْ
زَيِّنَنْ رجلك بالقيد الوسيمْ
شدَّةً في شرعنا لا تشكوَنْ
وحدودَ المصطفى لا تعدُون١٢١

المرحلة الثانية: ضبط النفس

جَملٌ نفسُك تربو بالعلَف
في إباء وعنادٍ وصلَفْ
فكن الحرَّ وقُدْها بزمامْ
تبلغن من ضبطها أعلى مَقامْ
كلُّ من في نفسه لا يحكمُ
هو في حُكم سواه مُرغَمُ
إنما صوِّرتَ من طين لَزبْ
سيط في أمشاجه خوف وحبّ
خيفةُ الدنيا وخوفُ الآخره
خوف مَوتٍ ورزايا فاقره
حبُّ جاه وثراءٍ وبلدْ
حُبُّ زوج وقريب وولدْ
من مزاج الطينِ والماء البدن
مَركبُ الأهواء، مَغلوبُ الفتَن
من يَمسَّك بعصًا من «لا إله»
فلتحطِّم طِلْسم الخوف يداه١٢٢
كلُّ مَن بالحق أحيا نفسهُ
لا ترى الباطلَ يُحني رأسَهُ
ليس يدنو الخوفُ منه أبدا
ليس، غيرَ الله، يخشى أحدا
كل من موطنه إقليم «لا»
من قيود الزوج والوُلد خلا١٢٣
مُعرضٌ عما سوى الله الأحدْ
يضع السكين في حلق الولَدْ١٢٤
واحدٌ من نفسه في عسكرِ
يَبذلُ الروحَ بيوم الخطَرِ

•••

درةُ التوحيد، فاحفظها الصلاة
حَجُّك الأصغر، فاعرفها الصلاة
في يد المسلم هذا الخنجرُ
يُقتَل الفحشُ به والمنكرُ
يفتك الصومُ بجوع وصدَى
ضابطًا بالقسط هذا الجسدا
وينيرُ الحج قلبَ المؤمنِ
هجرةُ الأهل به والوطنِ
إنما الطاعة أسُّ الأمة
إنها خيط كتاب الملة١٢٥
بالزكاة العابدُ المالِ ادَّكرْ
علَّمت حبَّ المساواة البشرْ
تُكثر المالَ، وشُحًّا تمحق
«لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا»
تلك أسبابٌ بها تَستحكِمُ
إن يكن في القلب دينٌ مُحكَم
اقوَ يا مؤمنُ بالله القويّ
تحكُمَن في ذلك البَكر الأبيّ١٢٦

المرحلة الثالثة: النيابة الإلهية

إن خَطمتَ الصعبَ قدتَ العالما
نافذَ الأمر عليه حَكمَا١٢٧
مشرقًا في الأرض ما دار الفلك
فترى المُلك الذي يخلُد لكْ
نائب الحق على الأرض سعيدْ
حكمُه في الكون خُلدٌ لا يبيدْ
هو بالجزء وبالكل خبير
وبأمر الله في الأرض أميرْ
في فسيح الأرض يمضي طاويا
عزمه، هذا البساط الباليا١٢٨
ينجلي من فكره مثلَ الزهر
غيرَ هذا الكون أكوانٌ أُخَر١٢٩
يُنضج الفكرة فينا بالضرَمْ
يُخرج الأصنام من بيت الحرمْ
رنَّ عودُ القلب من مضرابه
يقظٌ في الحق نَومانُ به١٣٠
باعثٌ في الشَيب ألحان الشبابْ
ناشرٌ في الكون ألوان الشباب
هو في الناس بشير ونذيرْ
وهو جُنديٌّ وراع وأميرْ
مقصدٌ مِن «علَّم الأسما» هُوه
سرُّ «سُبْحَانَ الَّذي أَسْرَى» هُوَه١٣١
مُحضِرٌ من تحته طِرفُ الزمانْ
حينما يمسكُ منه بالعِنان١٣٢
يبعث الأرواحَ منه قولُ «قم»
وهي في أبدانِها مثلُ الرمم١٣٣
ذاتَه تتبعُ ذاتُ العالَم
سطوةٌ فيه نجاةُ العالَم
يبعث الميتَ بإعجاز العملْ
قِيَم الأعمال منه في بدَل١٣٤
سيرُه يخضرُّ في بيدائه
كم كليم هام في سينائه!
جدَّد الدنيا بتفسير جديدْ
عبَّر الرؤيا بتعبير جديد
كونُه المكنونُ أسرارُ الحياهْ
نغمةٌ يُضمرُ مزمارُ الحياهْ
شاعرُ الفطرة عنَّى طبعَه
ليقيم الوزنَ إذ أبدعه
نقعنا ثار إلى أوج السماء
فبدا الفارس من هذا الهباء١٣٥

•••

في رماد اليوم منَّا ترقُدُ
شُعلةٌ يرمي بها الكونَ الغدُ
روضة تُضمرها أكمامُنا
ضاءَ من صبح غدٍ أبصارُنا١٣٦
أنت يا فارسَ طِرف الزمنِ!
أنت يا نورًا لعين الممكن
موكبَ الإنشاء هيَّا زيِّنِ
وتمكنْ في سواد الأعْيُن
قم فسكِّن من ضجيج الأممِ
واملأ الآذان زهر النغَم
جدِّدَن في الناس قانون الإخاءْ
وأدِرها كأسَ حبٍّ وصفاءْ
أبلغ الناس رسالاتِ السلامْ
وأعدْ في الأرض أيام الوئام
من بني الإنسان أنت الأملُ
أنت من ركب الحياة المنزلُ
أذْبلَتْ كفُّ الخريف الشجرا
فاغدُ في الروض ربيعًا نضِرًا
نحن من فيضك نسمو للقُلَلْ
في جهاد الكون نمضي كالشُعل١٣٧

١٣٨

يا أخا الوردة كن صنوَ الحجرْ
وكن السورَ لبستان الزهر١٣٩
آدميًّا صوِّرن من تُربكا
ثم شيِّد عالَما بِدعًا لكا
أنت إن كنت ترابًا هَيِّنا
فليصُغ غيرُك منك اللبِنا
أيها الصارخ من جَور الدَّهَر
يا زُجاجًا يشتكي جورَ الحجرْ
فيم هذا النوح؟ ماذا المأتمُ؟
وإلام الصدر حزنًا تَلدِم؟
مضمرٌ في السعي مضمونُ الحياهْ
لذة التخليق قانون الحياهْ
قم فشيِّد عالمًا دون مثيل
وخُض النار وأقدم كالخليل
إنما السيرُ على حُكم الزمانْ
هو رَمْيُ التُّرس في وقت الطِعانْ
إنما الحر الشجاع الفطِنُ
مَن قفا الآثارَ منه الزمنُ
وإذا الدنيا عتت عن أمره
حارب الدهر، ولم يعبأ به
يهدم الموجودَ فيما آثرَا
يمنح الذرَّاتِ شكلًا آخرَا١٤٠
يصرفُ الأيامَ عن كرَّاتها
يمنع الأفلاك من دوراتها١٤١
خالقًا من قوةٍ في قلبه
ذلك العصرَ الذي يرضى به
فإذا أعوز عيشُ الرجُلِ
فالحياةُ الموتُ موتَ البطل
حبذا عشقٌ بغَى الأمرَ الجليلْ
وجنى في النار وردًا كالخليل
تتجلَّى في مِراس المُعضلِ
قوة كامنةٌ في البطَل
عُدَّة الأنذال حقدٌ لا سواه
استمع يا صاح، ذا شرع الحياهْ
الحياةُ الحق بَأسٌ يظهرُ
حُبُّ الاِستيلاء فيه مضمرُ
ربَّ عفوٍ كان من آفاتها
يكسر الموزون من أبياتها
يحسَب العجزَ قُنوعًا خانعُ
لصروف الدهر ذلًّا طائعُ
قاطعٌ سُبلَ الحياة الخَوَرُ
قلبه خَوفًا وِكذْبًا يُضمرُ
قلبه من كل خير فارغُ
ليثه في كل خبث والغ
في كمين راصدٌ هذا اللئيمْ
فاحذرن يا صاحبَ العقل السليمْ
احذرن يا صاح من تزيينه
إنه الحرباء في تلوينه١٤٢
إنه يَخفى على أهل النظر
لَبَسَ الحق عليهم واستتر
في ثياب اللين حينًا يظهرُ
وهو حينًا في اتضاع يُستَر
وهو طَورًا في ثياب المُجبَرِ
وهو طورًا في حجاب القَدَر
وهو حينًا في لباس الترف
يلبس الصحة ثوبَ الدَنَف
ما سوى القوةِ للصدق دَعَمْ
اعرفن نفسك، هذا جام جم١٤٣
هي من حقل الحياة الحاصل
فُسِّر الحقُّ بها والباطل
مدَّعاه في غنى عن حجة
إن تحدَّى المدَّعِي بالقوة
تجعل الباطل حقًّا ماثلًا
وَهَنُ الحقِّ يُحقُّ الباطلا
سطوة القوَّة تُحلي ما أمرّ
إن تقل للخير شرٌّ فهو شرّ١٤٤
أيها الغافل عمَّا حُمِّلا
أنت في الكونين أعلى منزلا
افتحن عينًا وأُذْنًا وفما
تُبصر الحق طريقًا مُعلَما

قصة فتى من مرو جاء إلى السيد المعظم علي الهجويري شاكيا بغي أعدائه١٤٥

مُجْتبَى هُجويرَ مقصودُ الأُمَمْ
من رأى الجِشتيُّ مثواه الحرم١٤٦
قطع الأطواد واجتاز السدود
باذرًا في أرضنا بذر السجود
زمن الفاروق منهُ يُشرقُ
وبه للحق يعلو مَنطق
حارسُ العزة من أمِّ الكتاب
مَعقِلُ الباطل منه في تَباب
حيِّت البنجابُ من أنفاسه
صُبْحُنا نوَّر من نبراسه
ذا رسولُ العشقِ، وهو العاشق
فيهِ سرُّ العشق بادٍ بارقُ

•••

قصة أسردها في أسطرِ
طاويًا في الكِمِّ روضَ الزهَر
قد أتَى لاهورَ من مروَ فتى
قدُّه كالسرو عالٍ قد عتا
جاء عند السيد العالي الجنابْ
كاشفًا من نوره عنه الضبابْ
قال: إني في عُداةٍ لؤُموا
كزجاج بصخور يُصدَم
علمني أيها الشيخ الكبيرْ
كيف عيشي بين أعداء كثير
فأجاب الشيخ، مَن فيه الجمال
قد تجلَّى في إطار من جلال
أيها الغافلُ عن سرِّ الحياهْ
لا يَميزُ الخيرَ من شر الحياهْ
حرِّرن نفسَك من يأس وغمّ
أنت بأس نائم، قم لا تنمْ
إن رأى النفسَ زجاجًا حجرُ
فهو في الحق، زجاجٌ يُكسر
وإذا خارت قواه السائر
قطع السُّبْل عليه الفاجرُ
كم ترى نفسك طينًا قد حُقِر
شعلةَ الطور من الطين أثِرْ
فيم شكواك الرفيق النافعا
فيم شكواك العدو الخادعا
كم عدوٍّ لك، في الحق صديقْ
أنت بالأعداء ذو غُصنٍ وريق
قوةَ الأعداء فضلًا يَعلمُ
مَن مَقامَ «الذات» حقًّا يَفهم
يوقظ الخصمُ قواك الهاجدهْ
مثلَ ما تحيي المواتَ الراعدهْ١٤٧
قوة العزم تذيب الحجرا
لا يبالي السيلُ صخرًا إن جرى
تشحذُ العزمَ عِقابُ السُّبُل
امتحان العزم بُعدُ المنزل١٤٨
ما حياةٌ دون عزم مُحْكَمِ؟
ما غَناءُ العيش مثلَ النعَم؟
زلزل العالمَ وافعل ما ترى
إن حَبَتْك الذات عزمًا مسعرًا
اهجرنَّ الذات إن تبغ الفناءْ
واعمُرنَّ الذات إن شئت البقاءْ
ما الردى؟ أن يدركَ الذاتَ الوَسَنْ
أتراه بعد روح وبدن؟١٤٩
يا أخا يوسف في الذات أقِمْ
ومن السجن إلى المُلك استقِم١٥٠
أحكمنَّ الذات وانهض عاملا
ناصرًا للحق، سرًّا حاملا
هاكَ سرًّا في حديثٍ مؤنسِ
أفتح الكِمَّ بحَرِّ النفَس١٥١
حبذا سرُّ حبيب يُضمرُ
في حديثٍ عن سواه يؤثر١٥٢

قصة الطائر الذي أجهده العطش

طائرٌ من ظمأ قد جهِدا
كدخان نفَسا قد صعَدا
قد رأى ألماسة مثلَ الندى
صاغها ماءً لعينيه الصدى
خدعته شذرةٌ مثلُ الشرر
فرأى الجاهل ماءً في الصخَر
لم يجد ريًّا بضرب المِنقَر
لم يُصب ماء بنقر الجوهر
قالت الشذرة: جُنِّبتَ الهُدى
تضرب المنقار في جسمي سُدى
لستُ ماء، لا تراني ساقيه
ما أنا من أجل غيري باقيهْ
جاهلٌ يقصد هضمي ما اهتدى
لحياة نورُها منها بدا
كل منقارٍ بمائي ينكسرْ
وترى الإنسان منه ينبهر
ما رأَى الطائرُ فيها أربا
فتولى عن سناها لغَبا
حسرة في صدره تتَّقد
زفراتٍ لحنُه يصَّعَّد

•••

وأَضاءت مثلَ دمع البلبلِ
قطرةٌ في غُصن ورد خَضِل
لضياء الشمس فيها مِنَّة
ولخوف الشمس فيها رعدة١٥٣
كوكبٌ يرعَد من نسل السماءْ
شاقه الجلوة في هذا الفضاء١٥٤
غرَّه الأكمام والزهر الخصيبْ
لم يزوَّد من حياة بنصيب١٥٥
قطرةٌ من دمع صب تبهَر
زانت الهدبَ وكادت تقطر
فمضى الطائر فيها راغبًا
بلَّ بالقطرة حَلقًا لاهبًا
أيها الباغي عدوًّا تقهرُ!
قطرة أنت، تُرى، أم جوهر؟
حينما الطائر أضناه صداه
حيَّ نفسًا بحياة من سواه
كانت الشذرة عضبًا يُرهَب
لم تكن قطرة طلٍّ يُشربُ
قوةَ الذات احفظنها أبدًا
وكن الألماس لا قطر الندى
أنضج القطرة كالطود تُرى
حاملًا غيمًا مُفيضًا أنهرا
أثبت الذات وفيها حَقِّق
فِضةً كن بالتئام الزئبق١٥٦
ومن الذات أبِنْ أسرارها
حرِّكن عن لحنها أوتارها

قصة الألماس والفحم

قصةٌ أُخرى بها أُدلي إليك
يفتح اﻟحقُّ بها بابًا عليك:
قال للألماس فحمُ المعدِن:
يا حليفَ النور طول الزمن!
نحن صنوان نَمانا والدُ
أصلُنا في الكون أصلٌ واحدُ
وعلى التيجان أنت الزينةُ
وأنا في التُّرب حظي الذلَّة
لك حسنٌ في المرايا يسطعُ
وأنا من كفِّ ترب أضيَع
من ظلامي قد أضاء المجمرُ
ورمادًا آض فيَّ الجوﻫر
مَوطئ الأقدام ﺑين البشَرِ
قد رموا في مهجتي بالشرَر
إن حالي ﺑﺑكاء لَحَرى
هل ترى أصلي وفصلي هل ترى؟
إنني موج دُخان يُعقَد
كلُّ ما فيَّ شرار يَصعَدُ
ومن الأنجم فيكي الرونقُ
كل جنب فيك نور يشرق
تارة نور بعيني قيصرا
تارة فصٌّ يزين الخنجرا

•••

قال: فاسمع يا رفيقي وافهما
ينضج التربُ فيغدو خاتَما
شنَّ فيما حوله حربًا ومرّ
وغدا بالحرب صلبًا كالحجر
هيكلي من نضجه قد نوَّرا
وبصدري كم شعاع أسفرا
أنت من ضَعفِ كِيان تنفَق
وبلينٍ في قَوام تُحرق
اهجُرنْ خوفًا وغمًّا لا تهُن
وانضَجَنْ كالصخر والألماسَ كُن
من أجاد السعي والأخذ معًا
فهو في الدارين بدر طلعا
وبحِجْر الكعبة انظر حجرا
كان من قبلُ ترابًا حُقِرًا
جاوزَ الطورَ علاءَ لا جرم
ورجت تقبيله كلُّ الأممْ
قوةُ الأحياء عزٌّ ونجاهْ
والونَى والذلُّ من ضعف الحياهْ

قصة الشيخ والبرهمي ومحاورة نهر الجنج وجبل همالايا في معنى دوام حياة الأمة بالتمسك بسنتها

برهميٌّ في بناريسَ علَم
غائض في فكر كون وعدَم١٥٧
برجال الله يحفَى فِعلُه
ومن الحكمة وافٍ كِفلهُ
عقله فوق الثريَّا قد علا
ذهنه ماض يحُلَّ المشكلا
فكره العنقاء إمَّا حلَّقا
شعلةٌ منها السماك احترقا
كأسه دهرًا خلت من خمرةِ
قد حماهُ الراحَ ساقي الحكمة
في رياض العلم ألْمَى شبَكا
طائرَ المعنى به ما أدركا
فكرَه أدْمَى ولكن لم تزل
عُقَد الأكوان فيه دون حلّ
أعربت عن يأسه آهاتُه
وحكت حَيرتَه نظْراته
سار يومًا نحو شيخ كامل
رَبِّ صدر بفؤادٍ آهِلِ
لقي الشيخ بنفس راجيه
تحسن الصمت، وأذنٍ واعيه
فأهاب الشيخ: يا خِدنَ السما
اهبطنَّ الأرضَ وارعَ الذمَما
ضقتَ في الأرض مجالا فعلا
فكرُك المقدام في أوج العُلَا
طاويَ الأفلاك! في الأرض قُمِ
لا تطِر تطلب سرَّ الأنجُم
لا أقول اهجر غدًا أصنامكا
كافرٌ أنت فخذ زُنَّاركا
يا أمينًا لتراث الأولينْ!
لا تدعْ نهج الجدود الأقدمين
باجتماع الشمل تحيا الأمة
وكذاك الكفر فيه وَحدة
لم يكمَّل فيك حتى كفرُكا
ليس أهلًا لفؤاد صدرُكا
إنَّ إبراهيم فينا هُجِرا
وبَعُدتُمْ أنتمُ عن آزَرا١٥٨
قيسُنا ما هام خلف المحمَل
في جنون العشق لمَّا يكمُلِ
إن شمع الذات فينا لانطفاءْ
كيف يُجدينا طوافٌ في السماء

•••

جاش نهر الجنح يومًا جائلا
في سفوح من هِمالا قائلا
حاملًا من بَرَدٍ أوقارَه!
عاقدًا من أنهُرٍ زُنَّاره!١٥٩
صاغك الحق نجيًّا للسماء
وحمى رجلَك سيرًا في العراء
قُيِّدت رجلك عن سير فما
هيبةٌ فيك ورأسٌ قد سما؟
إنما العيش مَسيرٌ وُصِلا
وحياةُ الموج في أن يجفِلا
غضِب الطودُ لقول النهَر
فرمت أنفاسُه بالشررِ
قال: يا مرآة وجهي! ويلكا
كم حوى صدري بخارًا مثلَكا
إن هذا السير فيه الحَين لكْ
من يَزُل عن نفسه يومًا هلكْ
بمَقام لكَ هلَّا تأبَه!
أفخارٌ بالردى يا أَبلهُ!
يا وليد الفَلك المرتفعِ!
صرتَ دون الساحل المتَّضِعِ
قد وهبتَ النفس بحرًا غاصبًا
قد أبحت الروح لصًّا سالبا
كن كورد في رُباه عاكفِ
لا تَرُم للريح كفَّ القاطف١٦٠
إنما العيشُ نماءٌ في المكانْ
وبروض الذات قطفُ الأُقحُوانْ
في دهور لم تُزحزح أرجُلي
أتُراني زائلا عن منزلي؟
وإلى الأفلاك قدِّي يصعد
فعلى سفحي الثريا ترقد
أنت تَفنى في خِضم خِضرِمِ
وقِلالي مَسْجدٌ للأنجُم
وبعيني لاح سرُّ الفلكِ
وبسمعي طيَرانُ الملَكِ
وبنار الجِدِّ طولَ الدهَر
قد حوى صدري صنوف الجوهر
صخَرٌ قلبي وناري في الصخَر
ليس للماء إلى ناري ممرّ١٦١
قطرةً إن كنت فاحفظ نفسكا
جاهد الأمواج واجنُب يأسكا
وابتغ النور وكن درًّا يُضِيءْ
ثم كن قُرطًا على وجه وضِيء
أو فزد واعلُ سحابًا ممطرًا
يُشعل البرق ويَهمي أبحرا١٦٢
يبسط البحرُ لجدواك يدا
شاكيًا من فاقة يرجو الندى
فهو في فيضك دون الموجة
وهْو في جدواك بادي الذِّلَّة

في بيان أن حياة المسلم لإعلاء كلمة الله وإن كان الباعث على الجهاد «جوع الأرض» فهو حرام في شريعة الإسلام

صبغةَ الله أنِرْ في قلبكا
والهوى والصيتَ دع في حبِّكا
إنما المسلم بالحبِّ قهر
مُسلمٌ لا حبَّ فيه قد كفر
غَضَّ بالحق، وبالحق نظَر
وله في الحق نومٌ وسَهَر
في رضاه لرضا الحق فناء
كيف يرضى الناس هذا الادعاء؟١٦٣
في رُبى التوحيد أرسَى العَمدَا
وعلى الناس جميعًا شهدا
وعليه يشهد الداعي الأمين
شاهدٌ أصدقُ كلِّ الشاهدين
فدع القال إلى الحال الجلي
وأضِئْ بالحق ليلَ العملِ
وكن الدرويش في زيِّ الأميرْ
ذاكرًا لله يقظانَ الضمير
واقصِدَنَّ الحقَّ في كل الفِعالْ
يسطَعَنْ فيك من الحق جلال
خيرٌ الحربُ إذا رمتَ الإله
شرٌّ السِّلمُ إذا رُمتَ سواه
نحن إن لم يُعلِ حقًّا سيفُنا
اكتسى في الحرب عارًا صفُّنا

•••

شيخنا الشيخ «مِيَا نميرُ» الولي
مِن سَناه كلُّ سِرٍّ ينجلي١٦٤
كان ثَبْتًا في طريق المصطفى
مِزْهرَ العشق بحقٍّ عَزَفا
قبرُه الإيمان في أوطاننا
مشعلُ النور على بلداننا
سجدَ النجم على أعتابه
كان مَلْكُ الهند من طُلَّابه
غرس المَلْكُ هواه في الفؤادْ
طالبًا في حرصِه فتحَ البلادْ
بالهوَى أضرَم نارًا قلبَه
مُقرئًا «هَلْ مِنْ مَزِيدٍ» عَضبَه١٦٥
دوَّخت أجنادُه كلَّ وطنْ
وتوالى الفتحُ في أرض الدكَن
دَيدن المسلم للحق التجاء
يُحكم التدبيرَ منه بالدعاء
قصدَ الشيخَ العليَّ القَدَرِ
راجيًا منه دعاءَ الظفر
صمتَ الشيخ لقول المالك
وصغَى كلُّ مريد سالك
قطع الصمتَ مريد أقدما
أمسكت إحدى يديه درهما
قال: مولايَ! اقبل النذرَ الحقيرْ
أنت للمسكين بالحق نصيرْ
عَرَقي من كل عضو قد همى
قبل أن تمسك كفي الدرهما
قال: سلطاني به أولى يدا
سائلٌ في حلة المُلك بدا١٦٦
مَلْكنا أفقر من كل البشرْ
وعلى الشمس تولَّى والقمر
جوعُه بالنار يُصلِي العالمين
عينه فوق سماط الآخَرين
سيفه بالقحط والموت رمى
نفسَه يَبني ويُردِي عالَما
ضجت الأقوام من فقرٍ لديْه
شقى المسكينُ من جوع يديه
حكمه في الناس شَرٌّ وأشَر
قطَعَ الطُرْقَ على رَكْب البشَرْ
بخداع النفس والجهل دعا
نهبَيه فتحًا، وبئس المدَّعَى
عسكرُ الملك وما قد أسروا
بسيوف الجوع منه شَذَرُ
غصَّةُ السائل جوعُ السائل
وخَراب المُلك جوعُ الدائل١٦٧
من لغير الله سلَّ المُغْمَدا
سيفَه في صدره قد أغمَدا

نصيحة مبرنجاة النقشبندي المعروف بباباي صحرائي «الأب الصحراوي» التي كتبها لمسلمي الهند

أنت كالورد من الأرض بدا
من ضمير الذات نِلتَ المولدا
لا تَعَدَّ الذات واخلُد أبدا
قطرةً كُنْ واشرب البحر صدى١٦٨
إنما الربح بهذي الثروةِ
والغِنى في حفظ هذي السِلعةِ
أنت موجود وفي خوف العدمْ
يا أسير الوهم أخطأت الفَهَم
عنديَ الخُبرْ بأوتار الحياهْ
سأنَّبيك بأسرار الحياهْ
غوصةٌ في النفس غوصَ الدرَّةِ
وظهورٌ بعد هذي الخلوة
هي جمعٌ من رمادٍ شرَرا
واشتعالٌ بَعدُ يُعشي البصرا
هي حول الذات طوفٌ فاعلَمِ
واجعلَنْ نفسك بيتَ الحرَم
حلِّقَنْ في اللوح عن جذب التراب
من هُوِيٍّ لا تخف، مثل العقابْ
أنت إن لم تك طيرًا ويحكا
فعن الغار فأبعد عُشكا١٦٩
أيها الجاهد في كسب العلومْ
عن إمام الروم خذ نصحَ الحكيم
إنما العلم لدى الجسم شقاء
وهو في القلب دواء وشفاء١٧٠
قصة الرومي تقضي بالعجب:
كان فيضًا من علوم في حلَبْ
وعلى رجليه للعقل قيود
في ظلام العقل بالفُلك يَرُود
هو موسى دون طور يُشرق
ما درى ما العشق أو من يَعشقُ
وعن الإشراق والشك حكى
ومن الحكمة درًّا سلكا١٧١
وعن المَشَّاء١٧٢ حلَّ العقدا
كلٌّ خاف من سناه قد بدا
وحوالَيه صِوانُ الكتبِ
وعلى فيه بيانُ الكتب

•••

أمَّ يومًا مكتبَ المُلَّا جلالْ
شيخُ تبريز بأمر من كمال١٧٣
قال: ماذا القال والقيلُ وما
من قياس ودليل أوْهَما
صرخ الرومي: مهلًا يا جهول
لا تهوِّن من مقالات العقول
اخرُجن من مكتبي يا أبلهُ
قالَنا والقيلَ أنَّى تفقه؟
قالُنا أرفعُ مما تعقل
سُرُج الإدراك منه تُشعلَ
نار شمس الدين زادت حُرَقا
فرمى من روحه ما أحرقا
فاستطار البرقُ من نظْرتِه
وتلظَّى التُّرْبُ من شُعلتهِ
فإذا الأدراك من نار القلوب
محرَقٌ والكتْبُ منها في لهيبْ
جهل الروميُّ عشقًا أُضرِما
ما درت أوتاره ذا النغَما
قال: هذي النار ما قصتُها؟
أحرقت أسفارَنا وَقدتها
قال شمس الدين يا ذا المسلمُ!
ذوقَنا والحالَ أنَّى تعلَم؟
حالنا أرفع مما تُفكرُ
ولظانا الكيمياءُ الأحمر١٧٤

•••

تجمع الحكمةَ زادًا بَردا
فسحاب الفكر يهمي بَردا١٧٥
من هشيم فيك أذكِ اللهبا
من تراب فيك أطلِع شُهُبا
من لهيب القلب عِلمُ الكامل
مقصدُ الإسلام ترك الآفل١٧٦
صدَّ إبراهيم عما يأفُلُ
فحوته كالجنان الشُّعَل١٧٧
قد نبذت الدين ظِهريًّا وما
تبتغي بالدين إلا الدرهما
أيها الساعي لكُحْل المُقَل
غافلا عمَّا به من كَحَل١٧٨
من فم التنِّين فابغ الكوثرا
واسألنْ ماء الحياة الخنجرا١٧٩
حجرَ الكعبة من بيت الوثَنْ
التمِس والمسكَ في الكلب اطلبن
طفئ العشق بعلم الحاضر
لا تؤمِّلْ كأسَ هذا الكافر
قد براني السعي في كل بعيدْ
وعرفت السرَّ في العلم الجديدْ
وحباني سرَّ هذي الجنَّة
قيِّمُ البستان بعد الخِبْرة
علمُ ذا العصر حجابٌ أكبرُ
يعبد الوُثْنَ وفيها يَتْجر
من حدود الحسِّ لا ينطلقُ
وله الظاهرُ سجنٌ مُغلَقُ
زلقت رجلاه في سُبْل الحياة
وَضعت في حلقه السيفَ يداهْ
كشقيق فيه نار هامده
شعلةٌ كالطل فيه بارده١٨٠
من لهيب العشق تخلو فِطرتهْ
في طِلابِ الحق تبدو خيبته
عِلَلُ العقل لها العشقُ دواء
مِبضعُ العشق لدى العقل شِفاءْ
سجد العالَمُ للعشق الجليل
هو محمودٌ لأصنام العقول١٨١
جامُه من نشوة الراح خلا
ليلُه عن وَجْد «يا ربِّ» سلا١٨٢

•••

سَروُك الباسقُ قد أغفلتَه
كلُّ سرو غيرَهُ أكبرتَه١٨٣
أنت كالناي خليٌّ من جواكْ
بلُحون الناس أعليت صداكْ
تبتغي نفسَك في سوق سواكْ
وسماطَ الناس تجدوه يداكْ
من سراج الناس نادينا استعر
أحرق المسجدَ من دَير شررْ
ظبيُنا خاف سواد الكعبة
فرماه صائد في الثُّغْرة١٨٤
ورق الوردة كالعَرف انتشَرْ
جافِلًا من نفسه! عُدْ للمقَرّ١٨٥
يا أمينَ السرِّ من أمِّ الكتابْ
هل إلى وحدة ماضينا إياب؟
نحن حُرَّاس حصونِ الأمةِ
كُفرنا تَركُ شعار الملَّةِ
أكؤسُ الساقي أراها كِسَرا
حَفْل نُدمان الحجاز انتشرا
تعمُر الكعبةُ من أصنامِنا
يضحكُ الكفرُ على إسلامنا١٨٦
شيخنا باع الدُّمَى مِلَّتَهُ
جاعلا زُنَّاره سُبْحتهُ١٨٧
شيَّخ الشيخَ بياضُ الشعَر
وهو للأطفال مثلُ السُّخَر١٨٨
قلبُه بيتٌ لأصنامِ هواهْ
فهو صِفْر مُقفر من «لا إله»١٨٩
يَلبَس الخرقةَ من يُرخي الشعَر
آهِ! للتاجر بالدين اتَّجَر
بمريديه أدام السفَرا
في هدَى أمَّته ما فكَّرا
أعْيُنٌ عُميٌ حكاها النرجِسُ
وصُدورٌ من قلوب تُفلِس
عبَّد الأشياخ فينا المنصِبُ
حُرمةُ الأمة منهم تذهب
واعظٌ عيناه شطرَ الوَثنِ
وفتاوَى تُشتَرى بالثمنِ
وجهَه للحان ولَّى شيخُنا
يا رفاقي بعدُ ما تدبيرنا١٩٠

الوقت سيف١٩١

نضَّر اللهُ ترابَ الشافعيّ
سحر الألباب هذا الألمعيْ
فكره قد صاد نجمًا لامعًا
حين سمَّى الوقت سيفا قاطعا
فاتَ خوفًا ورجاءً صاحبُه
كفُّه كفُّ كليم، ضاربُه
تُغدق الصخرة من ضربته
ويَغيض البحر من صَوْلته
كان هذا السيفُ في كفِّ الكليمْ
فشأى التدبيرَ بالعزم الصميم
شق صدر البحر لمعَ القَبس
صيَّر القلزُم مثل اليَبَس
وبهذا السيف يومَ الخطَر
زلزلتْ خيبَر كفُّ الحيدر١٩٢

•••

ممكن إبصارُ دَورِ الفَلك
وتوالي نُوره والحَلكِ
يا أُسيرَ اليوم والأمس انظرا١٩٣
انظرنْ في القلب كَونًا سُتِرا
أنت في النفس بذرت الباطلا
وحسبت الوقت خطًّا طائلا
وذرعت الوقت طولا، للشقاء
بذراع من صَباح ومساءْ
وجعلت الخيط زُنَّارًا لكا
صِرتَ للأصنام ندًّا ويلكا
صِرتَ يا إكسيرُ تُربًا سافلا
يا وليد الحق صرت الباطلا
اقطع الزنار حرًّا لا تَهُنْ
شمعةً في محفِل الأحرار كن
إيه يا غافلُ عن أصل الزمانْ
كيف تدري ما خلودُ الحيوان١٩٤
يا أسير الصبح والمُسى اعقِلَنْ
«لي مع الله» بها الوقتَ اعرفَنْ١٩٥
كل ما يظهر، من تسياره
والحياة السرُّ من أسراره١٩٦
ما من الشمس أراه يوجَد
إنها تفنى وهذا يخلُد
وبه الشمس أضاءت والقمر
وبه في العيش ما ساء وسرّ
قد بسطت الوقت بسطًا كالمكان
وفَرَقْتَ اليومَ من أمس الزمانْ
يا شذًى قد فرَّ من بستانه
وحبيسَ السجن من بنيانه١٩٧
وقتنا بين الحنايا سافرُ
ليس فيه أوَّل أو آخِر
الحياة الدهر يا من عرفا
«لا تسبوا الدهر» قول المصطفى

•••

نكتةً كالدر خذها رائقة
بين حرٍّ ورقيقٍ فارقه
حيرةُ العبد مسيرُ الزمنِ
حيرةُ الأزمان قلبُ المؤمن
ينسج العبدُ عليه كفَنا
من صباحٍ ومساءٍ مُذعنا
وترى الحرَّ من الطين نجا
نفسه حول الليالي نسجا
قفصُ العبد صباحٌ ومساءْ
يُحرَم التحليقَ في جوِّ السماء
وبصدر الحرِّ ثار النفَسُ
طائر الأيام فيه يُحبَس
فطرة العبد حُصولُ الحاصلِ
ليس في تفكيره من طائلِ
في مقام من همودٍ راكدُ
نوحُه ليلًا وصبحًا واحدُ
ومن الحرِّ جديد الخلقة
كلَّ حين، وحديثُ النَّغْمة
قيَّد العبدَ صباح ومساء
وثوى في فمه لفظ القضاء١٩٨
وأرى الحرَّ مُشِيرًا للقَدَرْ
صوَّرت كفَّاه أحداث الدهَر١٩٩
عنده الماضي التقَى والقابل
عاجل بين يديه الآجل٢٠٠

•••

ضاقَ عن معنايَ حرفٌ وصدَى
عجز الإدراك في هذا المدى
قلت، واللفظ من المعنى خجِلْ
وشكا المعنى من اللفظ المَحِلْ
مات معنى في حروف يُحبَس
نارَه يُخمِدُ منك النفَسُ
سرُّ غيب وحضور في القلوبْ
رمز وقت ومرور في القلوبْ٢٠١
إنَّ للوقتِ للحنًا صامتًا
وله في القلب سرًّا خافتًا٢٠٢
أين أيام بها سيفُ الدهَر
صرَّفْته في أيادينا القُدَر!٢٠٣
قد غرسنا الدين في أرض القلوب
وجلونا الحق من ستر الغيوبْ
ومن الدنيا حلَلنا العُقَدا
واستنار التُّربُ منَّا سُجَّدا
من دنان الحق صرَّفنا الرحيق
وهدمنا حانة العصر العتيقْ
يا مدير الراح في أضوائها
ومُذيبَ الكأس من لألائها٢٠٤
من غرور واختيال تَسْكر
ومن الفقر لدينا تسخر!
كأسنا كانت سراجَ المحفِل
صدرُنا كان لِقلبٍ مُشعَلِ
إن هذا العصرمن آثارنا
من عَجاج ثار في تسيارنا
روضةُ الحق ارتوت من دمنا
عزَّ أهلُ الحقِّ في الدنيا بنا
كبَّر العالَم من تكبيرنا
كعَباتٍ شاد من تعميرنا
اقرأ» الحقُّ لنا قد عَلَّما
بيدينا رزقَه قد قسَّما٢٠٥
لا تهوِّن قدر حرٍّ أعدَما
أن تَرى التاج مضى والخاتما
إن نكن عندك أصحابَ الخسارْ
قُدماءَ الفكر أحلافَ الصَّغارْ
فلدينا عزَّة من «لا إله»
نحن للكونين حُرَّاسٌ أُبَاهْ
قد تركنا غمَّ أمسٍ وغد
ووفينا لحبيب أوحدِ
نحن ورَّاثُ هداةٍ للبشرْ
نحن عند الحق سرٌّ مدَّخر
لا تزال الشمس تُبدي نورنا
غيمنا فيه بروقٌ وسَنا
ذاتنا المرآة للحق، اعلَمِ
آيةُ الحق وجود المسلم

دعاء

أنت في الكونِ كروح مُستسِرّ
روحُنا أنت، ومنَّا تَستتر٢٠٦
منك فيه نغمة عُودُ الحياهْ
في هواك، الموتُ محسودُ الحياهْ
عُد فسكِّنْ ذي القلوبَ البائسهْ
عُد فعمِّر ذي الصدور اليائسهْ
عدْ فكلِّفنا الفعَال الماجدا
أَلْهِبَنَّ العشق فينا الخامدا
إننا نشكو تصاريف القضاءْ
أنت تُغلي السعرَ والأيدي خَلاء٢٠٧
عن فقير لا تحجِّب ذا الجمال
عشقَ سَلْمانَ امنحنَّا وبلالْ
عَينَ سُهد لفؤادٍ قَلِق
امنحنَّا واضطرابَ الزِئبَق
آيةً أظهرِ من الآي المبين
لنَرى أعناق قومٍ خاضعين٢٠٨
أَظهِر البركان من أعوادنا
وامحُ غيرَ الله في نيراننا
كفُّنا ألقت بخيط الوحدة
كم ترى في أمرنا من عُقدة؟٢٠٩
قد مضينا كنجوم حائرهْ
إخوةٌ لكن وجوه نافرهْ
انظمَنْ في السلك هذا الورقا
جَددن سنَّة حُبٍّ أخلقا٢١٠
ابعثنَّا مثل ما كنَّا لكا
ائتمن فيما ترى أحبابَكا
منزلَ التسليم أبلغ رَكْبَنا
عزمَ إبراهيم يسِّره لنا
علِّمنَّ العشق من أفعال «لا»
رمزَ إلا الله علم غافلا٢١١

•••

أنا كالشمع لغيري أُحْرَق
وبدمعي كلُّ حفلٍ يَشرق
رَبِّ! هذا الدمع نورٌ في القلوبْ
ذو هَياج واضطراب ونحيبْ
أبذرُ الدمعَ فتنمو شُعَلُ
نار شِقْر الروض منها تَنصِل٢١٢
أمسِ في قلبي، وعيناي الغد
أنا في الجمع فريدٌ مُوحَد٢١٣
ظن كلٌّ أنني نعم السميرْ
ليس يدري أيُّ سرٍّ في الضمير٢١٤
أين يا ربَّاه في الدنيا النديم
نخلُ سيناء أنا، أين الكليم؟
ظالمٌ نفسي فكم عنَّيتُها
شعلًا في صدرها أذكيتُها
شُعَلًا للحسِّ تذرو ما به
وتشبُّ النار في أثوابه٢١٥
وبها العقل جنونًا عُلِّما
وبها أُحرِق ما قد عُلِما٢١٦
قد عَلتْ من حرِّها شمسُ السماءْ
حولها للبرق طوْف في الفضاءْ
كل عِرْق فيَّ نارًا يقطرُ
شُعَلًا يَنبُتُ فيَّ الشَعَرُ
بلبلي يلقط هذا الشرَرا
فتراه نَغَمًا مستعرا
صدر عصري ما بقلب يؤهل
نَوحُ قيسٍ حين يخلو المحمل٢١٧
يخفق الشمعُ وحيدًا ويله
في فَراش لا يرى أهلًا له٢١٨
كم أرجِّي مُسعِدًا لي في البشر
ونجيًّا كم أرجِّى في الدهَرْ

•••

يا من الأنجمُ منه تستنير!
أَرجِعنْ نارك من روحي الكسير
اسلُبَنْ نفسيَ ما أودعتَها
عَطِّلنْ من نورها مرآتَها
أو فهبْ لي وجهَ خِلٍّ لَبِق
هوَ مرآةٌ لعشق مُحرق

•••

يخفق الموج بموج في العُبَاب
لا يسير الموج إلَّا في صِحاب
ومع الكوكب يَسري الكوكبُ
وعلى الأقمار يحنو الغَيْهَبُ
ومع الليل نهار أبدًا
ومَسيرُ اليومِ يقتاد غدا
نهرًا، أُبصِرُ، يَفنَى في نَهَر
ونسيمَ الروض في عَرْف الزهَرْ
رُبَّ حانٍ آهلٍ من شَربه
راقصَ المجنونُ مجنونًا به
أنت يا واحدُ لا شبهَ لكا
عالَمًا أنشأته من أجلكا
وأنا مثلُ شقيقاتِ الفَلا
مفردٌ، في بُهرة الجمع خَلا٢١٩
هَب نجيًّا يا وَليَّ النعمة
مَحرَمًا يُدرك ما في فطرتي
هَب نجيًّا لَقِنًا ذا جِنَّة
ليس بالدنيا له من صلة٢٢٠
رُوحَه أودِع من أنَّاتِيهْ
وأرى في قلبه مرآتَيه
وأسوِّيه بطيني مُحكَمًا
وأرَى آزرَه والصنما٢٢١

هوامش

(١) حيدر علي بن أبي طالب، ورستم من أبطال الفرس.
(٢)
نيست درخشك وتربيشه من كوتاهي
چوب هرنخل كه منبر نشوه داركنم
(٣) جام جم: أي كأس جمشيد، وفي أساطير الفرس أن الملك جمشيد كان عنده كأس يرى فيها الأقاليم السبعة، وفي هذا البيت وما بعده يقول الشاعر: إنه يرى الغائب، ويدرك ما لم يخلق.
(٤) جني الورد الذي لم يظهر من شجره، علم أنه سيظهر دون ريب، وأنه سيجنيه، فكأنه قد جناه.
(٥) لم يغش ضوئي النجوم، ولم يضطرب شعاعي في الأعين اضطراب الزئبق.
(٦) حبذا من صلى بناري وزمزم حولها كالمجوس.
(٧) هو صوت شاعر الغد، ليس صوتًا للزمن الحاضر.
(٨) أفكاري لا يفهمها هذا العصر، إنها جميلة جمال يوسف، ولكن ليس في هذه السوق من يشتريها.
(٩) يائس ممن عرف من الناس، وهو يرجو أن يأتي إليه كليم يفقه عنه، كما ذهب موسى الكليم إلى الطور.
(١٠) قال: إنه شاعر المستقبل لا الحاضر، فقال: كثير من الشعراء لم يعرف قدرهم إلا بعد الموت.
(١١) هو لحن لا يطيقه وتر، وهو لا يبالي أن يقطع أوتاره في إظهار هذا اللحن، لا يبالي أن يموت في الإعراب عن هذا الوجد.
(١٢) الزهرة التي لا تنمو حتى تصير روضة ليست أهلًا لمطره.
(١٣) جمع قنة، وهي قمة الجبل.
(١٤) العين الأولى عين الماء، والثانية عين الشيء أي نفسه، وكلمة الحياة رديف.
(١٥) يعني جلال الدين محمد بن الحسين البلخي البكري المعروف باسم جلال الدين الرومي، ناظم المثنوي، والشاعر يعترف بإمامته، ويكرر ذكره.
(١٦) الفراش والشمع مثل للمحب والحبيب؛ فالفراش يقدم على النار فيحرق نفسه غير مبال، ولكن الشمع هو الذي غزا فراشه.
(١٧) سرت مني دعوة يا رب في الليل.
(١٨) السقطان الجناحان.
(١٩) يقال عن كتاب المثنوي لجلال الدين الرومي: إنه القرآن في اللسان الفهلوي أي الفارسي.
(٢٠) كم الزهر منقبض يخفي لونه وريحه، فإذا انفتح نشر ريحه واستبان شكله، فغمت الرائحة ملأت الأنف.
(٢١) أذكى النار أشعلها.
(٢٢) اتخذ ثوب الزجاج: أظهر ما في باطنك كما تظهر الزجاجة ما فيها.
(٢٣) الفهر الحجر الصغير، يعني اكسر مرآة الفكر ولا تعول على ما تبديه، وأبد ما للعشق في قلبك.
(٢٤) الناي مأخوذ من الغاب، وصوته عند شعراء الصوفية حنين إلى غابة، وقد بدأ جلال الدين كتابه المثنوي بقصة الناي والغاب.
(٢٥) قم فعل أمر، يعني: أحي الناس بقولك قم، والكلمة بلفظها العربي في الأصل.
(٢٦) إشارة إلى ما يقال في وصف إرم ذات العماد.
(٢٧) أبقيت كلمة خودي في الشطرين كما جاءت في الأصل، ومعناها الذاتية، وهي أساس فلسفة إقبال.
(٢٨) جلا لي العشق كيف هذا الكون وكمه حين سلط عليَّ مبرده فسواني رجلًا.
(٢٩) رأى نبض النجوم وسير الدم في عروق القمر: أي أدرك أسرار الكائنات.
(٣٠) الملة البيضاء الأمة الإسلامية، أي هو غبار من سيرها في الطريق.
(٣١) فريد الدين العطار وجلال الدين الرومي من كبار شعراء الصوفية.
(٣٢) يعني أن أصله من هذه الأمة، فإن يكن دخانًا فهو من هذه النار.
(٣٣) ما قصدت ما يفعله الشعراء من نحت الأصنام وعبادتها، أي المدح والخنوع، للكبراء، أو للآراء السائدة.
(٣٤) هو هندي يغلبه اللسان الفارسي، وهو كالهلال كأسه لم تملأ، أي لم يتم نوره.
(٣٥) خوانسار وأصفهان أخرجتا شعراء وألحانًا كثيرة.
(٣٦) الهندي اللغة الأردية التي نظم بها إقبال بعض دواوينه، والدري اللغة الفارسية.
(٣٧) يعني صار قلمه من شجرة الطور المقدسة التي رأى موسى عندها النار.
(٣٨) ناسبت الفارسية أفكاره فكتب بها، وينبغي أن ينظر إلى معانيه لا إلى ألفاظه الفارسية المعيبة.
(٣٩) خلاصة الأبيات المتقدمة: أن الذاتية وهي واحدة اتخذت في الكون مظاهر مختلفة يحارب بعضها بعضًا، والحياة في هذا الخصام وهذا التنازع بين مظاهر الكون.
(٤٠) في الأبيات الثلاثة المتقدمة يشير الشاعر إلى أن الخلقة لها مقصد تهدم من أجله آلاف الأشكال، ولا تبلغ الكمال إلا بهذا الهدم.
(٤١) عشق فرهاد شيرين قصة رائعة في الأدب الفارسي، والختن بلاد معروفة بظباء المسك.
(٤٢) يعني إبراهيم الخليل وأحمد النبي صلوات الله عليهما.
(٤٣) في الأصل: تقوم وتثير وتطير وتبرق وتحترق وتجفل وتضيء وتقتل وتموت وتنبت، وقد اختصرتها في الترجمة.
(٤٤) عمل الذاتية في الطين منه ازدهار العالم، والليل نومها والنهار يقظتها والأجزاء في الكون شرر شعلتها الواحدة، تنشق فتكون الأجزاء، وتنبسط فتكون الصحراء، ثم تحزئل — أي ينضم بعضها إلى بعض — فتكون جبالًا.
(٤٥) قطرة الماء استكملت ذاتها فصارت درة، والخمر ضعفت ذاتها فهي مائعة تستعير قوامها من الكأس.
(٤٦) حذف بيت قبل هذا البيت وآخر بعده اختصارًا.
(٤٧) حذف بيتان بعد هذا البيت اختصارًا.
(٤٨) هذا مثل شعري آخر من قوة الذاتية شجر الچنار تقوى ذاته فيعلو وتكسوه حمرة كأنها النار، وكل هذا لأن حبته قوية محتفظة بذاتها.
(٤٩) الخلاصة أن الذات التي تجمع قوة الحياة تخرج بحرًا زاخرًا من غدير صغير.
(٥٠) المقصد مثل جرس القافلة ينبهها للسير.
(٥١) هو من العقل كالخضر من موسى؛ يهديه ويبين له الحقائق. في بيان أن حياة الذات بتخليق المقاصد وتوليدها.
(٥٢) الوهق حبل فيه أنشوطة تمسك به الخيل المسيبة، ويصاد به، وخيط الكتاب الخيط الذي تجمع به أوراقه بعضها إلى بعض.
(٥٣) في هذا البيت وما بعده يضرب أمثلة لعمل الأمل في العالم؛ فيقول: إن العين خلقت حينما قصد الإنسان الرؤية، ورجل الحجلة خلقت من أجل السير والتبختر، وحلق البلبل من أجل التغريد.
(٥٤) العقل كذلك من مواليد الأمل.
(٥٥) كل نظام في الناس وسنن وعلم وفن، آمال انبعثت من القلب بقوتها فتصورت صورًا شتى.
(٥٦) توعي: تجمع وتدخر.
(٥٧) حذف بيت قبل هذا اختصارًا، والكامل هنا الإنسان المرشد الذي يهدي المبتدئ.
(٥٨) إشارة إلى جلال الدين الرومي وشيخه شمس التبريزي الذي نقله من العلم إلى العشق، والروم هنا أرض الروم وهي آسيا الصغرى.
(٥٩) المعشوق المذكور في هذه الأبيات هو الرسول.
(٦٠) إشارة إلى ما جاء في الأثر مثل: أنا عبد آكل إكلة العبد وأجلس جلسة العبد.
(٦١) إشارة إلى قصة بنت حاتم الطائي حين جيء بها إلى المدينة في الأسرى فألقى عليها الرسول برده وأطلقها.
(٦٢) إشارة إلى عفو الرسول يوم فتح مكة عن قريش، وقوله: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ.
(٦٣) يعني أننا كالبصر يصدر من عينين، هو واحد وإن اختلف مصدره.
(٦٤) نحن ممتزجزن كما يمتزج الراح والزجاج.
فكأنما خمر ولا قدح
وكأنما قدح ولا خمر
(٦٥) إشارة إلى قصة حنين الجذع الذي كان يخطب عنده الرسول حين انتقل عنه إلى مكان آخر.
(٦٦) هو بستان ناضر من مطر آذاره، والضمير للرسول .
(٦٧) جمع ما جمع من المعاني من تسريح عينه في مآثر الرسول.
(٦٨) الشيخ عبد الرحمن الجامي من كبار العلماء والشعراء والصوفية في القرن التاسع الهجري.
(٦٩) للعشق أشكال مختلفة منها التقليد أحيانًا، وهو يدعو هنا إلى تقليد الرسول.
(٧٠) هاجر إلى الحق لتقوى؛ ثم ارجع إلى نفسك فاحطم ما بها من أهواء.
(٧١) فاران: اسم مكة أو جبالها.
(٧٢) إشارة إلى الآية: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً أي لتكون خليفة الله في الأرض.
(٧٣) إشارة إلى قصة عمر حين سقطت درته من يده وهو راكب فنزل ليأخذها ولم يرضَ أن يناوله إياها أحد.
(٧٤) ركوب عود من القصب أو الجريد كما يفعل الأطفال.
(٧٥) لا نور في سينائها يهدي إلى الحق، إشارة إلى قصة موسى.
(٧٦) لا تسأل المال ولو من عين الشمس.
(٧٧) السمة التي على وجه القمر سمة اجتدائه نور الشمس.
(٧٨) إشارة إلى الأثر: الكاسب حبيب الله.
(٧٩) لا يطلب من الخضر شربة ماء، وعند الخضر ماء الحياة كما في القصص.
(٨٠) همته يقظانة وإن كان جده نائمًا.
(٨١) يتخيل الشعراء حباب الماء كأسًا فارغة وهي في البحر، فضرب الشاعر الحباب مثلًا في العفة والإباء.
(٨٢) تحكم أي تصير قوية محكمة.
(٨٣) دارا وجمشيد من ملوك الفرس القدماء.
(٨٤) الشيخ أبو علي قلندر من كبار صوفية الهند في القرنين السابع والثامن، والقصة التي يسير إليها الشاعر وقعت بين الشيخ والسلطان علاء الدين الخلجي، وخلاصتها أن أحد مريدي الشيخ ذهب إلى السوق وكان موكب العاهل قادمًا فنادى أحد الحرس الدرويش ليفسح الطريق، فلم ينتبه فضربه على رأسه، فذهب إلى شيخه شاكيًا، فكتب الشيخ إلى السلطان: إما أن تعزل عاملك أو أنصب مكانك ملكًا آخر، فخاف السلطان وأرسل الشاعر الكبير أمير خسرو — وكان ماهرًا في الموسيقى — فغنى بعض شعره على الرباب، فلما آنس من الشيخ قبولًا أبلغه رسالة السلطان يطلب عفو الشيخ فعفا عنه، ويريد إقبال بهذه القصة بيان قوة النفس التقية المستغنية.
(٨٥) هذا البيت يشير إلى مطلع قصيدة فارسية للشيخ أبي علي قلندر فيها ذكر البلبل والورد.
(٨٦) أمير خسرو الدهلوي من كبار الشعراء في القرن الثامن الهجري.
(٨٧) طبل النوبة كان يضرب في أوقات معينة على أبواب الملوك.
(٨٨) قال الكبش إلخ.
(٨٩) ساعد الضأن ويد الأسد.
(٩٠) فادعى في القوم، أي ادعى الكبش.
(٩١) كَذَّابٌ أَشِرٌ ونَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ اقتباس من القرآن، جاء في الأصل.
(٩٢) مذهب إقبال قائم على أن الخير في إثبات الذات والشر في نفيها.
(٩٣) الحبة الواحدة لا تبالي بالبرق ولكن البرق يحرق البيدر الكبير.
(٩٤) يداس العشب فينمو، فالذلة فيها نفع.
(٩٥) لعل فيها إشارة إلى ما يفعله نساك الهند، وإلى الصورة التي تمثل ثلاثة قرود؛ واحد يسد فمه، والثاني أذنيه، والثالث عينيه.
(٩٦) أعرض عن الحواس.
(٩٧) يؤمن بعالم الأحلام لا عالم اليقظة، ولا تبصر عينه الماء، ولكن تبصر السراب — الآل السراب.
(٩٨) الحي يعيش في عالم الإمكان، عالم الحس، والميت يعيش في عالم الخيال، عالم الأعيان عند أفلاطون، وهذا رد على أفلاطون.
(٩٩) خلق أفلاطون عالمًا لا يثب ظبية ولا يتبختر حجله — والحجل طير جميلة في مشيها تبختر.
(١٠٠) الحبة في طبيعتها النمو والفراش في طبعه حب الضوء، ولكن حبة أفلاطون تكره النمو، وفراشه يكره الضوء.
(١٠١) رأى إقبال أن يحلق الفكر ليعود إلى عالم الحس، لا ليبقى في عالم التفكير والتخيل.
(١٠٢) الكور مجمرة الحداد.
(١٠٣) يقول: إن الأمل وسيلة العمل، والأمل يخلقه الميل إلى الخير والجمال.
(١٠٤) ضمير الشاعر فيه شقائق لا يراها الناس، وفيه بكاء وغناء لا يسمعونه.
(١٠٥) إشارة إلى قصة الخضر واهتدائه إلى ماء الحياة في أرض الظلمات.
(١٠٦) يكمل دائرة الحياة.
(١٠٧) السرو: شجر طويل، يصفه الشعراء بالرشاقة والتمايل.
(١٠٨) بنات البحر: حيتان خرافية، نصفها الأعلى كالإنسان، تغوي الملاحين بأنغامها حتى تغرق السفن.
(١٠٩) أي لا تشتهي العمل ولا تطيقه.
(١١٠) نيسان: من شهور الربيع يكثر فيه المطر، وهذا الشاعر الذي يصفه إقبال ليس في نيسانه سيل من البرق، أي: ليس في سحابه برق ولا مطر، وقد شبه إقبال وميض البرق بالسيل، والآل السراب، أي بستانه سراب من اللون والرائحة.
(١١١) بهزاد: مصور إيراني ماهر، يقول إقبال: إن هذا الشاعر شوه صورة العشق، وفي الأبيات التالية يبين ما أصاب العشق من الذلة والخور على لسان شاعر السوء.
(١١٢) يستجدي أو يحاول السرقة فيركله الحارس.
(١١٣) هذه الأوصاف تعرب عن غيظ إقبال من الشعراء الذين أذلوا الآداب الإسلامية.
(١١٤) إقبال معجب بالعرب الذين حملوا رسالة الإسلام إلى أقطار الأرض، لا يصدهم شيء، ويكبر الهمة والقوة والصبر فيهم، ويمدح الأدب العربي القوي.
(١١٥) الهما: طائر خرافي إن سقط ظله على إنسان صار ملكًا، والشاعر هنا يخاطب المسلم قائلًا: إن الهما الذي يمنح الناس الحظ قد علا حظه بأنك صدته فأنت أعلى منه، فارفع عشك فوق الجبل.
(١١٦) الأنوق: العقاب.
(١١٧) اقتباس من القرآن، وهو في الأصل.
(١١٨) إذا وفق الإنسان بين نفسه وبين القانون أطاع القانون مختارًا لا مجبرًا.
(١١٩) الشقيق: شقائق النعمان، وهي في الشعر مثال الوجد والاحتراق.
(١٢٠) في الأبيات السابقة ضرب الشاعر أمثالًا مختلفة لسير الأحياء والأشياء على قوانين.
(١٢١) ينصح المسلم بالتزام الشرع واحتمال شدته، فهذا قانون لا يسعد الإنسان بدونه، ويقول للمسلم: كنت حرًّا باتباع دستورك القديم؛ فارجع وقيد رجلك بهذا القيد الجميل، ففي هذا القيد حريتك لا عبوديتك.
(١٢٢) لا إله: اختصار لا إله إلا الله، وهكذا يستعملها الشاعر في كثير من شعره، يقول: إنما السبيل إلى أبطال طلسم الخوف أن تمسك عصا من التوحيد كعصا موسى تبطل السحر.
(١٢٣) لا: إشارة إلى نفي ما سوى الله.
(١٢٤) يضع السكين في حلق ولده كإبراهيم الخليل.
(١٢٥) خيط الكتاب ما تضم به صفحاته بعضها إلى بعض.
(١٢٦) البكر الجمل الفتي، ويراد به الجسد، مسايرة للتشبيه الذي بدأ به الفصل.
(١٢٧) لا يزال الشاعر في تشبيه الجسد بالجمل، فالصعب هنا الجمل غير الذلول.
(١٢٨) البساط البالي الأباطيل الموروثة.
(١٢٩) يخلق من فكره أكوانًا أخرى، لا يقيده ما هو واقع.
(١٣٠) المضراب: أداة تضرب بها أوتار العود.
(١٣١) الهاء في هوه للوقف، والبيت مردوف في «الأسما» و«أسرى».
(١٣٢) يعدو تحته حصان الزمان، أي يسير الزمان سريعًا إلى مقصده.
(١٣٣) إن قال قم انبعثت الأرواح من قبور الأبدان.
(١٣٤) يبدل قيم الأعمال بما يضع من معايير جديدة.
(١٣٥) يكثر في الفارسية ذكر الفارس والغبار، يقال مثلًا: رب فارس في هذا الغبار، والشاعر يقول هنا: قد أصابنا ما أصابنا ومرت بالناس محن، فارتفع غبارهم، فظهر هذا الفارس من هذا الغبار، يعني: أن هذا الإنسان الكامل لا يناله الناس إلا بعد حوادث شديدة.
(١٣٦) الأكمام: جمع كم الزهرة قبل أن تنفتح، يقول: إن الكم عندنا سينفتح عن روضة، وعيوننا تضيء بنور المستقبل.
(١٣٧) الأبيات السبعة الأخيرة خطاب للإنسان الكامل أو النائب الإلهي.
(١٣٨) هنا عنوان فصل حذفته، وحذفت معه اثنين وعشرين بيتًا لم أجد في ترجمتها فائدة، والكلام بعدها متصل بما قبلها.
(١٣٩) لا تكن وردة وكن كالحجر صلابة، وكن سورًا يحمي الأزهار.
(١٤٠) يغير نظام الموجودات إن لم تلائمه، يعني: يسخر عالم الطبيعة في مراده.
(١٤١) يغير ما يزعمه الناس تأثير الفلك وحكم الأيام.
(١٤٢) الضمير في هذا البيت والأبيات التالية يعود إلى الخور، وفيها يبين إقبال تعذير الضعفاء والتماس أسماء مختلفة لضعفهم.
(١٤٣) جمام جمشيد: وهي كأس خرافية كانت ترى فيها الأقاليم السبعة.
(١٤٤) ينبغي أن يذكر القارئ أن إقبالًا يعني قوة الروح والخلق أيضًا.
(١٤٥) الشيخ علي الهجويري مؤلف كتاب: «كشف المحجوب لأرباب القلوب» في التصوف، كان من كبار الصوفية الذين وفدوا على البنجاب، ووعظوا فيها ونشروا الدعوة الإسلامية، توفي سنة ٤٦٥ﻫ، ومزاره في لاهور يقصده الناس من كل صوب، ونسبته إلى هجوير إحدى قرى غزفة.
(١٤٦) والشيخ الجشتي أحد عظماء الصوفية ودعاة الإسلام في الهند، أسلم بدعوته كثير من الهنادك، أقام في أجمير وتوفي بها سنة ٦٣٢ﻫ، ومزاره أعظم المزارات الإسلامية في الهند، ويشير إقبال في هذا البيت إلى زيارة الجشتي قبر الهجويري في لاهور واعتكافه عنده زمنًا.
(١٤٧) .السحابة الراعدة الممطرة
(١٤٨) العقاب جمع عقبة.
(١٤٩) الردى: أن تغفل الذات لا أن يفارق الروح البدن.
(١٥٠) كن مثل يوسف؛ أقام في نفسه فأحكمها، فمضى من السجن إلى الوزارة.
(١٥١) أبدى السر في قصة قصيرة ككم الزهرة.
(١٥٢) هذا البيت من شعر جلال الدين الرومي.
(١٥٣) هي مضيئة بنور الشمس، وهي في خوف أن تجف في أشعة الشمس.
(١٥٤) قطرة الندى كأنها كوكب من السماء تجلى على الأرض، والندى في شعر إقبال يرمز أحيانًا للأمور العلوية.
(١٥٥) الأكمام: أكمام الزهر، وهذه القطرة سريعة الزوال لم تأخذ نصيبًا من الحياة الذاتية.
(١٥٦) كن في صلابة الفضة باجتماع الذرات المضطربة كالزئبق.
(١٥٧) بناريس: بناريس المدينة المقدسة في الهند.
(١٥٨) يدعو هذا الشيخ إلى استمساك البرهمي بدينه وكماله فيه ما دام برهميًّا، ويرى الكمال ولو في الكفر خيرًا من النقص، ثم يقول إن الموحدين لا يسيرون على نهج إبراهيم الذي كسر الأصنام، والوثنيين لا يتبعون آزر الذي نحتها.
(١٥٩) الخطاب من نهر الجنج لجبل همالا، وخلاصة المحاورة: أن النهر يعير الجبل بالعجز عن المسير، فيجيب الجبل بأن البقاء في ثبات الكائن في مقامه، وأن الفناء في زواله عن مقوماته، وهذه المحاورة تصور رأي إقبال في إثبات الإنسان ذاته وتقويتها، وأن نفيها أو الغفلة عنها يودي بها.
(١٦٠) الريح: الرائحة، لا ترم أن يقطفك الناس لتفوح رائحتك.
(١٦١) اقتباس من جلال الدين الرومي مع تغيير في اللفظ.
(١٦٢) إن كنت ماء فاحفظ نفسك في البحر حتى تصير لؤلؤة، أو كن سحابًا ذا برق ورعد يجتدي منك البحر ماءه.
(١٦٣) الحق: الله تعالى، يبلغ المؤمن درجة يفنى فيها رضا الحق في رضاه، أي: يكون رضا الحق، والشطر الثاني مأخوذ من جلال الدين الرومي.
(١٦٤) القصة التي نظمها الشاعر في هذا الفصل كانت بين السلطان شاهجهان والشيخ ميا نمير، وشاهجهان أحد سلاطين الدولة الإسلامية المغولية في الهند، ولا تزال آثاره في العمارة زينة الهند كلها ومفخرتها، وهو باني المزار ذائع الصيت «تاج محل» في مدينة أجرا، شاده لزوجه ممتاز محل، حكم (١٠٣٧–١٠٦٨ﻫ) ومير محمد المعروف بميا نمير هو أحد مشايخ الطريقة القادرية في الهند، ولد في السند سنة ٩٣٨ﻫ، وأخذ عن شيخه الشيخ محمد خضر، ثم انتقل إلى لاهور فأخذ عن مشايخها، وقد عظمت مكانته فكان يزوره السلطان جهانجير، ثم ابنه شاهجهان صاحب القصة، وتلمذ له عبد الحكيم السيالكوتي المعروف في علم الكلام، توفي سنة ١٠٤٥ﻫ ومزاره مقصد الزائرين في لاهور اليوم.
(١٦٥) هل من مزيد جاءت في الأصل بلفظها العربي، يعني جعل سيفه يقول: هل من مزيد.
(١٦٦) قال الشيخ: سلطاني … إلخ.
(١٦٧) جوع السائل يضره وحده، وجوع صاحب الدولة يخرب البلاد.
(١٦٨) كن قطرة لا ترضَ بغاية، فهي تشرب البحر في ظمئها، الصدى الظمأ.
(١٦٩) إشارة إلى قصة الغار والحمامة التي عششت عليه، يعني: إن لم تكن ذا همة تطير عن الأرض، فلا تطلب المنزلة الرفيعة.
(١٧٠) بيت من جلال الدين الرومي.
(١٧١) سلك الدر نظمه في السلك.
(١٧٢) أي الحكماء المشائين.
(١٧٣) شيخ تبريز شمس الدين التبريزي، الصوفي، الذي أرشد جلال الدين الرومي إلى التصوف، وكمال هو كمال الدين الجنيدي شيخ شمس الدين.
(١٧٤) انتهت قصة الرومي والتبريزي.
(١٧٥) بردا الأولى فعل ماض، والثانية البرد الذي ينزل من السحاب.
(١٧٦) إشارة إلى قصة إبراهيم الخليل في القرآن الكريم، وقوله حينما أفل الكوكب ثم القمر: لا أحب الآفلين، وكأن الشاعر تصور الآفل خامدًا، فقال: إن علم المسلم من نار القلب، والإسلام ترك ما يأفل أي يخمد.
(١٧٧) إشارة إلى قصة إلقاء إبراهيم في النار، وكونها بردًا عليه وسلامًا.
(١٧٨) الكحل سواد طبيعي في منابت أشفار العين، يقول الشاعر: أيها الساعي للجمال المصنوع غافلا عن جماله الطبيعي يعني المسلم المقلد غيره الغافل عما عنده.
(١٧٩) يعني اركب الأهوال وراء ما تبتغي، واطلب المنفعة عن كل ضار، واجعل ماء الخنجر — أي بريقه — ماء الحياة.
(١٨٠) علم هذا العصر فيه نار كنار الشقائق، لا حرارة فيها، وله بريق كبريق الندى لا نار فيه.
(١٨١) السلطان محمود الغرنوي فاتح الهند الملقب مكسر الأصنام، يعني: أن العشق كمحمود والعقول كالأصنام.
(١٨٢) الضمير في هذا البيت يرجع إلى العقل أو علم العصر الحاضر، ليس في كأسه نشوة، ولا في ليله دعاء «يا رب» وما فيه من وجد.
(١٨٣) يرجع يخاطب المسلم.
(١٨٤) نفر من سواد الكعبة: فخرج من الحرم فتمكن منه الصياد.
(١٨٥) يرى إقبال أن الإنسان ينبغي أن يثبت في نفسه وأخلاقه وسنته، ويبعد في مساعيه دون أن ينسى مركزه؛ فهو كالوردة ينتشر عرفها ويلتئم ورقها، فإذا تفرق الورق فنيت.
(١٨٦) نحن مسلمون، ولكن في أنفسنا وثنية من عبادة الهوى والخضوع لغيرنا.
(١٨٧) الدمى: جمع دمية، يراد بها الإنكليز، وما عندهم من مال ومناصب الخ.
(١٨٨) يعني: أن الشيخ صار شيخًا بابيضاض شعره لا بعلمه وتقواه، والأطفال يسيرون وراءه ساخرين منه، وأحسب الشاعر يعني ضربًا من رجال الطرق في الهند.
(١٨٩) «لا إله» اختصار لا إله إلا الله حيثما جاءت في شعر إقبال.
(١٩٠) مأخوذ من بيت لحافظ الشيرازي:
شب أز مسجد سوى ميخانه آمد پيرما
چيست ياران طريقت بعد أزين تدبيرما؟
(١٩١) الوقت سيف من كلام الإمام الشافعي رضي الله عنه (المؤلف).
(١٩٢) حيدر: علي بن أبي طالب.
(١٩٣) انظرا: فعل الأمر مع نون التوكيد الخفيفة.
(١٩٤) الحيوان: الحياة.
(١٩٥) إشارة إلى الأثر: لي مع الله وقت لا يسعني فيه نبي مرسل ولا ملك مقرب، ويريد الشاعر أن يقول: إن الوقت حال الإنسان لا ساعات الفلك.
(١٩٦) الضمير يرجع إلى الوقت.
(١٩٧) يقول الشاعر: إنك أحيانًا كالرائحة لا تثبت في بستانها، وأحيانًا سجين في سجن بنته يداك تسير مع ساعات الزمان وتحبس نفسك فيها والوقت هو أنت.
(١٩٨) لفظ القضاء والقدر، يعتل به ويحيل الأمور عليه.
(١٩٩) عزم الحر من القضاء، ويقول الشاعر في هذا: إن القضاء يستشير الحر فيما يفعل.
(٢٠٠) لا يعتل بأن شيئًا فات وقته وأن شيئًا لم يحن وقته، بل عزمه يطوع كل وقت لما يريد.
(٢٠١) القافية مردوفة والروي في حضور ومرور.
(٢٠٢) أبيات إقبال هذه في الوقت وفي التفريق بين العبيد والأحرار من أروع ما عرفته الفلسفة والشعر.
(٢٠٣) في هذا البيت والأبيات بعده يذكر إقبال ماضي المسلمين.
(٢٠٤) في هذا البيت وأبيات تليه يخاطب الشاعر أهل الغرب المسيطرين على العالم.
(٢٠٥) يشير إلى أول سورة في القرآن: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ.
(٢٠٦) الخطاب لله تعالى.
(٢٠٧) يعني تكلفنا واجبات عظيمة، وليس في يدنا اليوم أسبابها.
(٢٠٨) إشارة إلى الآية: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ.
(٢٠٩) يعني: أضاع المسلمون خيط الاتحاد فتعقدت أمورهم.
(٢١٠) الورق: ورق الكتاب والسلك الخيط الذي يجمع به الورق.
(٢١١) «لا»: يريد النفي في كلمة التوحيد، نفي ما سوى الله، و«إلا الله» هي الإثبات في هذه الكلمة.
(٢١٢) الشقر: شقائق النعمان، وهي زهر أحمر يضرب به المثل في الاحتراق، ولكن الشاعر يقول: إن هذه النار الباردة تمحوها نار دموعي.
(٢١٣) قلبه متصل بذكرى الماضي، ولكن عينيه تريان المستقبل، وتطمحان إليه، وهذا المعنى يكرره إقبال.
(٢١٤) البيت من فاتحة المثنوي لجلال الدين الرومي في وصف الناي.
(٢١٥) نار تحرق المحسوسات وتنفذ إلى البواطن.
(٢١٦) هذه النار نار العشق تخرج بالعقل عن حدوده الضيقة، وتحرق ما لقنه الناس من علم، انظر الكلام عن العشق والعقل في مقدمة ضرب الكليم.
(٢١٧) يبكي إقبال لخلوِّ عصره من القلب، كما يبكي المجنون لخلو المحمل من ليلى.
(٢١٨) يعني: أنه كالشمع لا يجد فراشًا أهلا لناره، ليس له أصحاب أو تلاميذ يفقهون عنه ما يقول.
(٢١٩) الشقيقات: جمع شقيقة واحدة الشقائق التي تسمى شقائق النعمان، هو وحيد وإن كان في جماعة.
(٢٢٠) يريد إقبال نجيًّا مجنونًا، والجنون في لغة إقبال الهيام والإقدام إلى غير أحد.
(٢٢١) يكون له ناحتًا كآزر، ويكون صنمًا له يتوجه إليه توجه العابد إلى الصنم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤