«هاموس» في القِفَار يَهِيم
لما حمل الفرسان الثلاثة «هاموس» إلى أبيه، وكان غضب الشيخ في غايته، جذب إلى شفتيه الغلام وهمس ثلاثًا: يا ابن الزناء يا ابن الزناء يا ابن الزناء، وكان إلى هذه الصيغة ينتهي السباب عند المصريين الأولين، آباء الأخلاق، فلما قُذف بها من أبيه شر قاذف في هذا المقام، أقسم لا جَاوَر بعد ذلك بلدًا، ولا عاشر من الناس أحدًا، ولا عاش إلا في الصحاري والقِفَار، ولا مات إلا ممزَّقًا بالأنياب والأظفار، فرحل من فَوْره عن منفيس وخرج هائمًا يترامى الخلوات، ويتنقل من فلاةٍ إلى فلاة. كأنما خرج من الحياة.
فبينما هو ذات يوم في هيامه، يسير على بيداء الذئاب، بدا له من بُعد شخصان، وكانا ثابتين لا يتحركان، فأخذ وجهتهما، حتى تمكَّن نظره منهما، وإذا هو بجريمة من مثل ما كان بدأ فيه وشرع، وقد أوشكت هذه الجريمة أن تقع، فتشمَّر الغلام يعدو وهو يقول في نفسه: أما وأبي الذي لا أعرف سواه ليكوننَّ عند ابن الزناء، كما عند سائر المصريين نجدة، حتى إذا صار ثالث ثلاثة رأى قاتلًا وما قتل، ولكن هَمَّ فمسك يده المطمئنة بالخنجر، ثم نزعه منها فتركه أعزل لا يملك للجناية إتمامًا.
والْتَفَتَ بعد ذلك إلى الفريسة، فأَجفل بغتة وابتعد، واضطرب وارتعد، فنظرت إليه الفتاة نظرة ردَّتْ إليه الجَلَد، فدنا إليها فأخذ بيدَيْها، ثم جثا لديها. فقال: الآن يا مولاتي مَحَا الإساءةَ الإحسان، ولم يَبْقَ إلا التجاوزُ والغفران. قالت: لقد غُفِر لك ما سلف يا «هاموس»، فلا تقتل غريمنا ولكنْ عجِّزْه، إنه ليس بعيدًا، إنه ابن عمي. قال: سمعًا وطاعة يا مولاتي. فَمُريه أن يسير بين أيدينا أسيرًا أو كأسير، حتى أُتمِّم نوبَتِي بإيصاله إلى الأمير، فأشارت الأميرة حينئذٍ لثرثر أن يَمشِيَ فمشى، واندفع الثلاثة يسيرون.